فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس
بينات من الآيات
[39] جوهر رسالات الله يتلخص في ربوبية الله ، و هذه السورة تعمق هذه


الفكرة ، و هذه الفكرة تشكل الفرق بين رسل الله و فلاسفة البشر ، فرسل الله بشروا بهذه الفكرة ، أما ما توصل اليه عقل هذا الانسان العاجز ، ان لهذا الكون خالقا خلقه ثم تركه يسير بالسنن ، كمن يخلق ساعة الكترونية و يتركها تسير ضمن قوانين محددة ، و قد صاغ أحدفلاسفة البشر الملحدين هذه الفكرة !!

و عموما فان فلاسفة البشر ينبؤنا عن إله ميت لا ولاية له و لا دعوة ، بينما رسالات الله تنبؤنا عن إله حي قديم لم يزل و لا يزال ، و توجد هناك صلتان نستطيع ان نتصل مع الله بهما .


أولا : الدعاء :

باستطاعتك ان تتصل بالله عبر الدعاء ، و ان باستطاعتك ان تغير ما كتب عليك بسببه ، فبالدعاء انت قادر على تغيير الطبيعة ، و تغيير القضاء المحتوم عليك .


ثانيا : صلة العمل الصالح :

فلسفة البشر تقول ان الله قد كتب على الكون مقدراته ، و انه لا ينفع شيء امام هـــذا التقديـر ، و هذه فلسفة القدرية الذين آمنوا بالحتميات ، فصار عندهم كل شيء محتوم .. اذا عملـــك الصـــالح لن ينفع أمام التقدير المحتم ، أما نحن فلا نؤمن بالحتميات ( السياسة و الاقتصادية و الثقافية و التربوية ] نرى ان من الممكن تغيير كل حتمية ، فصحيح أن هناك قوانين و سننا ، و لكن الانسان يعلو بايمانه و عمله الصالح على هذه الانظمة و السنن ان الله اكبر من القوانين و السنن انه هو صاحب المشيئة المطلقة ، و لا شيء محتم عليه ، فهو يمحو ما يشاء و يثبت ، و الانسان الذي يتصل بالله يتصل بهذه المشيئة المطلقة التي لا حتمية عندها ، أما اذا قلنا بأن القلم قد جف ، و أن الأجل قد انتهى و أن القدر قد كتب في الكتاب اذا فلا معنى للدعاء و العمل الصالح . قال تعالى :


[ يمحو الله ما يشاء و يثبت ]

اذا كنت فــي قائمــة الأشقيــاء فباستطاعتك أن تكون من السعداء إذا اتصل قلبك بالله ذي الطـــول ، قال الله : " و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعاني " ( البقرة / 186 )و قال : " ادعوني استجب لكم " ( غافر / 60 )فهو الذي أمرنا بالدعاء و ضمن لنا الاجابة .

[ و عنده أم الكتاب ]

الكتاب لفظ يؤدي الى معنيين : المعنى الاول : هو اللوح المحفوظ ، و المعنى الثاني : هو أم الكتاب ، فأم الكتاب انعكاس لعلم الله بما كان وبما يكون ، فالله عالم محيط علما بكل شيء ، قبل و بعد أن يكون ، و علم الله ليس علم الكشف ، بل انه يتعدى الى المسبباتو المؤثرات ، لأنه صانعها ، فعلم الله بالمسبب لا ينفي علمه بالسبب فأنا أعلم ان الصخرة تسقط من عل ، فعلمي بالسقوط يسمى كشفا ، و لكن لا يعني ذلك أني أنا المؤثر في السقوط ، فالمؤثر في السقوط هي الجاذبية .

تكشف هذه الآية فكرة البداء ، و تعتبر هذه الفكرة قطب الرحى في الحكمة الاسلامية و هي أكثر الأفكار تقدمية و حضارية ، وأكثر الافكار تربية للبشر ، فالذي يعلم ان الاقدار بيد الله يكون اكثر تحركا ، جاء في الأحاديث :

1- عن ابن مردوية و ابن عساكر - من اكبر علماء السنة - عن علي بن ابي طالب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و آله عن هذه الآية ، فقال :

[ لأقرن عينيك و لأقرن عين أمتي بعدي بتفسيرها : الصدقة على وجهها يحولالشقـــاء الى سعادة و بر الوالدين يزيد في العمر ، و اصطناع المعروف يقي مصارع السوء " .

2- عن أبي عبد الله (ع) قال :

" يمحو الله ما يشاء و يثبت " و قال : " و هل يمحي الله الا ما كان ثابتا ، و هل يثبت الا ما لم يكن " .

من هذا الحديث نرى أنه لا حتمية في الحياة ، و أن الحياة في حالة تطور ، و هي ليست حياة استاتيكية قائمة على نظم لا تتغير .. كلا .

3- عن ابي جعفر الباقر عن فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول :

" من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة ، و من الأمور أمور موقوفة عند الله ، يقدم فيها ما يشاء ، ويثبت منها ما يشاء ، لم يطلع على ذلك أحدا - يعني الموقوفة - فأما ما جاءت به الرسل فهي كائنة ، لا يكذب نفسه و لا نبيه ولا ملائكته " .

4- عــن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول :

" لو لا آية في كتاب الله لحدثتكم بما كان و بما يكون الى يوم القيامة ، فقلت له : أية آية ؟ فقال : قال الله : " يمحو ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب " .

[40] [ و إما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك ]

من العذاب في حياتك او بعد موتك ، و على ذلك فليحذر الكافرون و أعداء الرسالة ان يصيبهم الله بعذاب من عنده ان هم تمادوا في غيهم ، فاما يدركهم سراعا فينتقم الله لرسوله ، او يؤخرهم فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر .


[ فانما عليك البلاغ و علينا الحساب ]

لا يد للرسول على قومه سوى تبليغ رسالة الله ، و على الله الحساب في أن يأخذهم متى شاء ، و لا يعني ذلك أنه لا يستطيع ان يدعو عليهم بالعذاب ، أو أن الله لا يستجيب له ، و أن الله اذا أراد أن يصب العذاب على قوم فلن يستطيع الانبياء رده ، كما لم يستطع نوحان يرد العذاب عن ابنه .

[41] [ أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ]فقد يكون نقص الارض من اطرافها باهلاك البشر المكذبين كما قال تعالى : " بل متعنا هؤلاء و أباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون " ( الانبياء / 44 )و قد يكون بذهاب العلماء فاذا نقصوا أو قلوا رزأت الرحمة ( اي ولت ) عنهم ، فالعلماء هم بمثابة الجبال الراسيات في الارض .

و هنا تفسير كوني يقال : أن الارض آخذة في التقلص ، و ربما هذه الآية تدل على ان الارض مفلطحة من القطبين .

[ و الله يحكم لا معقب لحكمه ]

ان الله هو الحاكم الفعلي في الحياة ، و اذا أراد شيئا لن يتوانى ذلك الشيء عن الاستجابة له ، و اذا حكم بشيء فلن يستطيع أحد ان يغير حكمه سبحانه .

[ و هو سريع الحساب ]

[42] [ و قد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا ]قد يحسب الانسان أنه قادر على شيء ، فيجيبه الله : ان كنت تحاول المكر فأنا أشد منك مكرا لأن مكري الاملاء و الامهال .

[ يعلم ما تكسب كل نفس ]

من خير أو شر .

[ و سيعلم الكفار لمن عقبى الدار ]

سيعلمون حين لا ينفع العلم ان المؤمنين هم أصحاب الجنة .


كفى بالله شهيدا :

[43] [ و يقول الذين كفروا لست مرسلا ]

يلخــص اللــه مواقف الكفار من الرسالة ، وما يجب ان يكون عليه موقف الرسول ، فالكفــار يتهمون الرسول بأنه غير مرسل من الله ، فما الرد الأفضل للرسول ؟

[ قل كفى بالله شهيدا بيني و بينكم ]

و لأن الله هو الحق و قد شهد على الرسالة ، فلا يهم بعدها ان شهد الكفار أو لم يشهدوا اليس الله هو الشاهد الاكبر .

[ و من عنده علم الكتاب ]

لكي يقرب الله فكرة صدق الرسول للكفار فانه يعطيهم مقاييس يؤمنون بها ، فما داموا هم بشر فانهم سوف يؤمنون بالمقاييس البشرية ، فهم ان كذبوا الرسالة ، فان هناك آخرين يحملون العلم يصدقون الرسول ، و من ظاهر هذه الآية يتضح ان من عنده علم الكتاب هو اليهودو النصارى .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس