فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس
المكر الخاسر
[46] قد يظن الظالمون أنهم لو كانوا أفضل خطة من السابقين لأستطاعوا ان يحموا أنفسهم من جزاء ظلمهم ، و لكن هيهات .. كل الظالمين مكروا مكرا ، و لكن المكر كان بالتالي في حدود سلطان الله ، و في إطار هيمنته ، فهو الذي زودهم بعقل و إرادة و قوة حتى خططوا لأنفسهم ، و متى ما يشاء يسلب منهم وعيهم ، فيتحول مكرهم عليهم .

[ و قد مكروا مكرهم ]

أي توسلوا بكل وسيلة ممكنة للحفاظ على أنفسهم .

[ و عند الله مكرهم ]

فالأمور بيد الله حقا ، و ليس بيد العبد ، أختيار ما يريد ، و ربنا لا يعصى عن غلبة ، بل بقوته التي منحها لعباده يعصيه الكفار .

و قد يكون مكر البشر قادرا على ازالة الجبال ولكن الامر بالتالي بيد الله الذي زود الانسان العقل و العلم .

[ و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال ]

تزعم الجاهلية الحديثة التي اخترقت الفضاء بادئة عصر الملوك ، و غارت في أعماق المحيطات ، و فلقت الذرة ، و دكت الجبال تزعم انها تستطيع الفرار من عقوبة ظلمها للمحرومين و المستضعفين - و لكن هيهات - ان الذي زود البشر اليوم بهذه الطاقات قادر أن يسلبها منهم متى ما يشاء .

إن كل جيل من الظالمين كان يحسب انه قد بلغ القمة في تسخير الطبيعة ، و لكنبعد حلول أجله احاط به مكره ، و هلك في الأكثر بذات القوة التي زعم انه تحميه ، فاغرق الله فرعون ، و ابتلعت الارض قارون و كنوزه ، و دكت حصون عاد ذات الصخور التي اعتمدت عليها .

[47] كما انه قد يزعم الظالمون ان الله يتجاوز عن ظلمهم ، بسبب أو بآخر - و لكن هيهات - و قد وعد ربك رسله بان يأخذ اعداءهم بعزته ، و اذا كانت صفة الرحمة و الغفران أبرز اسماء لله ، فان اسم العزيز المنتقم من أسمائه الحسنى أيضا ، و انه سوف ينفذ هذا الأسم عليهم بسبب وعده للرسل ، فلا يغرقوا في الرجاء الساذج ، و يتوغلوا في ظلم العباد .

[ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ][48] و يبقى سؤال : اذا لماذا لا ينتقم الرب من الظالمين على كثرة ظلمهم ؟ أجل انه أخر انتقامه ليوم القيامة .

[ يوم تبدل الأرض غير الأرض و السموات ]

فلأن البحار تتبخر ، و لأن الجبال تتدكدك ، و لان الأرض تصبح قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، فان الأرض تبدو و كأنها غير تلك التي نعرفها ، كما انه يتغير لون السماوات ، و تجتمع اجرامها الــى بعضها ، حيث تجمع الشمس و القمر ، و تتناثر نجومها ، وتكون السماوات غير هذه التي نراها ، و هنالك يظهر الظالمون امام محكمة الله .

[ و برزوا لله الواحد القهار ]

هنالك يتجلى اسم العزيز ذو الأنتقام ، فهل من مهرب ؟


[49] اما المجرمون فيؤتى بهم على رؤوس الأشهاد و قد صفدوا بالأغلال الموضوعة على ايديهم ، حيث يسلكون في سلسلة طولها سبعون ذراعا .

[ و ترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد ]

بعضهم ملتصق بالبعض مغلولين - و العياذ بالله - .

[50] و قد البسوا من مادة القطران سرابيل ، حيث تحيط بهم مادة لزجة سوداء نتنة تشبه القار - يطلى بها الإبل - فتصبح كالثوب للقسم الأسفل من اجسادهم ، بينما القسم الأعلى منها ، تحيط به النار فتصبح كالحجاب .

[ سرابيلهم من قطران و تغشى وجوههم النار ]

دعنا نتصورهم في مــادة سائلة يحترق نصف جسدهم في المادة و نصفه في لهيبها ، أو ليس الله عزيزا ذا أنتقام .

[51] و هكذا لا يدع الله أية نفس حتى يجزيها بما كسبت و هو سريع الحساب ، حيث يحيط حسابه بكل صغيرة و كبيرة دون أن يعزب عنه مثقال ذرة .

[ ليجزي الله كل نفس بما كسبت إن الله سريع الحساب ]و هكذا لا ينام احد على حرير التبرير ، و يمني نفسه بالخلاص من ذنوبه الا بالتوبة و العمل الصالح .

[52] و اذا كان عذاب الله شديدا فانه حكيم لم يدع العباد من دون ان ينذرهم بكلام واضح عميق الاثر بلغ قلوبهم و هداهم الى الله الواحد الذي لا يشارك الوهيته شيء أو شخص ، فلا امل في شفاعة الأصنام ، و لكي يتذكر من شاء النجاة و هم اصحاب العقول الذين يستفيدون من عقولهم .


[ هـذا بلاغ للنـــاس و لينــذروا به و ليعلموا أنما هو إله واحد و ليذكر أولوا الألبــاب ]اللهم فاجعلنا منهم .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس