فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
ماهي الانفال ؟ ولمن ؟
[1] بعد حرب بدر طرح هذا السؤال :
لمن هي صفوة الغنائم و البقية الباقية من غنائم الحرب بعد تقسيمها على المجاهدين ؟ و يطرح هذا السؤال ابدا كلما بقيت ممتلكات مطلقة غير مختصة بهذا أو ذاك و لذلك جاء التعبير القرآني عاما ، وجاء الجواب شاملا لكل الأملاك العامة ، أو لكل شيء لا يمتلك من قبلشخص معين ، ذلك لأن كلمة الانفال تدل على كل زيادة ، لذلك وسع الفقهاء مفهومها حتى اصبحت مقارنة لكلمة الملكية العامة في تعابيرنا الدراجة و الذي يتصرف فيها هو الرسول الذي يمثل القيادة الشرعية و من بعده خلفاؤه ، أما موارد التصرف فلابد ان تتخذ حسب قيم التوحيد ، و بالتالي في سبيل الله وهو كل عمل يحقق أهداف الرسالة ابتداء من الضمان الاجتماعي للفقراء و المساكين و مرورا بتكفل موظفي الدولة ، وخدمة الأمة ، وانتهاء بنشر الرسالة في الآفاق .
و لذلك ذكر القرآن أن الانفـال هي لله أولا ، ثم لرسوله (ص) باعتبار ان رضوان الله هو هدف التصرف في هذه الاملاك ، و الرسول أو القيادة الرسالية هي القائمـة عمليـــا بتحقيق هذا الهدف .
[ يسألونك عن الانفال قل الانفال لله و الرسول فاتقوا الله ]التقوى في القضايا المالية :
و تقوى الله هنا تتحقق باداء الواجبات المالية ، وعدم الاعتداء على أموال الدولة الــتي هــي للــه و للرســــول ، و ايضـا بالتــزام الوحدة و عدم الخلاف في القضايا ، حيث يطمعكل فريق أن يكون نصيبه الأكبر من اموال الدولة . لذلك أمر الله بأصلاح العلاقات الاجتماعية التي تربط الناس ببعضهم .
[ و اصلحوا ذات بينكم ]
و اصــلاح ذات البين لا يتم الا برصد ما يفسد في هذه العلاقات ، و السعي وراء اصلاحها بصفة مـــستمرة و دون كلل .
[ و أطيعوا الله و رسوله ان كنتم مؤمنين ]
الصفات النفسية للمؤمنين :
[ 2] هناك ثلاث صفات رئيسية للمؤمنين لو لم توجد في شخص فعليه ان يشك في ايمانه .
الف : ان تبلغ معرفته بالله حدا يخافه ، كلما ذكر عنده لانه يعرف عظمته و قدرته و احاطته به علما و سمعا و بصرا ، فلماذا لا يخاف منه وقد استخدم القرآن الحكيم هنا كلمة الوجل و نسبها الى القلب فقال :
[ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ]
فماذا يعني الوجل ؟
ربما معناه التحرك حيث ان نسبة الخوف الى القلب تعطي معنى يختلف عما إذا نسب الى الفرد ذاته وهو المعنى الحقيقي لكلمة الوجل التي قد تكون الاهتزاز و التأثر و الله العالم .
باء : لان قلــوب المــؤمنــين تتـأثــر بـذكــر اللــه فانـها تستوعب الآيات ، فاذا ذكروابآيات الله يزدادون ايمانا ، لان استماعهم الى الآيات يتم من دون حجاب الكفر و الجحود ، او حجاب الفجور و الفسوق .
بينما يزداد المنافق باستماع الآيات كفرا و جحودا لانه يفسرها عكسيا ، و يتحصن ضدها كلما تكررت عليه باعتباره معقد تجاهها ، و مصمم سلفا على عدم قبولها .
[ واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا ]
و الآيات قد تكون الناطقة وهي القرآن ، وقد تكون آيات الحياة ، فكل تطور في الطبيعة يتم وفق نظام دقيق يدل على تدبير الله ، وكل نعمة تتجدد أو نعمة تذهب أو كارثة تكاد تقع فيدفعها الله . كل ذلك يزيد المؤمنين معرفة بالله و تسليما لقضائه سبحانه سبحانه .
جيم : وكلما زاد ايمان الفرد زاد اطمئنانه برحمة الله ، وبحسن تدبيره ، و بالتالي ازداد ثقة بأن ربه سبحانه لا يقطع به الحبل في منتصف الطريق ، وانه لو التزم بالمنهج السليم الذي امر به الله فان سنن الحياة و قوانين الطبيعة و التأييد الغيبي سوف تساعده فيشؤونه .
[ وعلى ربهم يتوكلون ]
ان الشخص الجاهلي و المتخلف يخشى الطبيعة فلا يسخرها لنفسه ، ويخشى الناس فلا يستخدم عقله بل يتبع أهواءهم ، و يخشى العطب فلا ينشط ، بينما المؤمن العارف يخشى الله تعالى ، و يتحدى الطبيعة ، و يخاف الله فيتبع عقله و هــداه ، ولا يستسلم لأهواء الناس ، و يعرف مواهب الله له ، الان و مستقبلا ، فلا يخشى العطب و التعب فيمتلىء حيــــويــــة و انــدفـــاعــا ، وهــذا بعــض معــانــــي التــوكــل علـــى اللــه الــتي تـــدل ايــضــاعلى ثقة الشخص بما وهب الله له من قدرات و طاقات دون انتظار او نظر لما في ايدي الاخرين .
تلك كانت الصفات النفسية للمؤمنين والتي تنعكس على السلوك العيني في صورة الصلاة التي تعبر عن الوجل من الله .. رجاءا و خشية ، وفي صورة الانفال التي تعبر عن التوكل على الله دون خوف من انتهاء نعمه عليهم و نفاد مواهبه لهم .
[ 3] [ الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون ]ان ذلك مقياس اكيد للايمان الذي فيه فوائد كثيرة أهمها : تكامل شخصية الفرد حسب درجات ايمانه ، وهذا التكامل ليس بمقياس الناس بل بقيم الله سبحانه ، فلا يضر المؤمن المتكامل الشخصية الا يعرف به الناس .
[ 4] [ اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم و مغفرة و رزق كريم ]و بالايمان يطهر القلب الفرد عن الأدران و الأمراض ، عن الكبر و العجب و الغرور و الانانية ، عن الحسد و الحقد و الظن و البغضاء ، عن الجهل و الجهالة و اتباع غير الحق .
وحين يطهر القلب ، يزكى العمل ، و يحصل الفرد على المكاسب التي تأتيه بكرامة و عزة و ليست المكاسب التي يحصل عليها الفرد بأيمانه كالتي يحصل عليها المنافقون و الكفار حيث تمحق كرامتهم البشرية .
|