فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


الكيان المالي للاسلام :

[ 41] من دون وجود كيان مالي للمجتمع الاسلامي يفقد المجتمع توازنه و قدرته على الاستقامة و التصدي للأعداء ، و الخمس واحد من المصادر المالية ، وحين نقول المجتمع المسلم نقصد بذلك الكيان الذي يقوم في حالة غياب الدولة ، او ذلك الكيان الذي يفرض نفسه على الدولة فيحدد شكلها و مسيرتها ، كما تفرض الاحزاب السياسية و جماعات الضغط في الديمقراطيات الغربية شكلا معينا على الدول ، وكما تفرض التيارات على الدول ، بالرغم من عدم الاعتراف بها رسميا .

وهكذا فالمجتمع المسلم يمتلك كيانا مستقلا قائما بذاته اقوى من الدولة . حتى وإن كانت اسلامية ، هذا الكيان المستقل يعتمد على الشعائر الدينية كالجماعة و الجمعة و الحج في تقوية صلات افرادها مع بعضهم ، و يعتمد على الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و الدعوة و ارشاد الجاهل في تحصنه امام التيارات الدخيلة ، و يعتمد فريضة العلم و ضرورة نشره ، و انفصال علماء الدين عن تبعية السلطات في الحقل الثقافي ، و يعتمد على الخمس و الزكاة و الصدقات في الجانب الاقتصادي .

و بالرغم من ان الخمس يدفــع للامام الذي ينوب مناب الرسول (ص) في قيادة الامة ، ولكن لا يعني ذلك ابدا انه يدفع للدولة الا اذا كان رئيس الدولة هو الامام ذاته . هنالك يدفع اليه بدافع الايمان به ، و انه يمثل الكيان الاجتماعي لا بصفته رئيس الدولة كالذي يحدث الان - مثلا - في الدولة الاسلامية القائمة في ايران حيث يعتبر القائد الاعلى لها هو امام الامة السيد الخميني ( دام ظله ) بيد انه لا يستلم الحقوق الشرعية كالخمس و الزكاة و الصدقات و النذور بصفته رئيسا للدولة ، بل بصفته قائدا للأمة .. وانما يدفع الخمس من يشعر بايمان واقعي بضرورته و وجوبه .


موارد الخمس :

في اي شيء يفرض الخمس ؟

ظاهر الآية ان الخمس مفروض على الغنائم ، و بالرغم من ان الكلمة تطلق اليوم على غنائم دار الحرب بيد ان المعنى اللغوي لكلمة الغنيمة لا يختص ما يحصل عليه المحاربون في ساحة القتال . وفي عصر نزول القرآن لم تكن هذه الكلمة قد اصبحت خاصة بهذا المعنى بالذات لذلك قال الراغب : الغنم ( بفتحتين ) معروف قال : " ومن البقر و الغنم ما حرمنا عليهم شحومها " و الغنم ( بالضم فالسكون ) إصابته و الظفر به ، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة الاعداء و غيرهم ، قال : " و اعلموا انما غنمتم من شيء " "فكلوا مما غنمتم طيبا " المغنم ما يغنم ، و جمعه مغانم قال : " فعند الله مغانم كثيرة " (1) .

من هنا وجب الخمس على كل ما يكتسبه و يغنمه الفرد ، وهو ضرورة دفاعية ، و بهذه المناسبة ذكر القرآن هذه الفريضة ضمن آيات القتال ، كما ذكر ربنا الانفاق في سيل الله و الجهاد بالمال ضمن الحديث عن الحرب و الجهاد بالنفس .

[ واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه و للرسول و لذى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل ]وجوه صرف الخمس :

حينما ينسب شيء الى الله فان معناه تحرره عن امتلاك الناس . اما امتلاك الرسول وذوي قرباه فلا يعني امتلاكهم للمال بصفتهم اشخاصا . بل لانهم يمثلون(1) تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي / ج 10 / 89قيادة المجتمع ، اما اليتيم فهو الذي مات ابوه ولم يبلغ الحلم ، و المسكين المحتاج الذي اسكنه الفقر عن ضرورات حياته ، اما ابن السبيل فهو عابر السبيل الذي انقطعت به الطريق فلابد من توفير ما يبلغه محله .

و جاء في الحديث الماثور عن العبد الصالح (ع) انه قال :

الخمس في خمسة اشياء : من الغنائم ( يعني غنائم دار الحرب حسب المصطلح في ذلك العصر المتأخر ) و الغوص ومن الكنوز ومن المعادن و الملاحة يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمسة فيجعل لمن جعل الله له ، ويقسم اربعة اخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك .

و يقسم بينهم الخمس الخامس على ستة اسهم . سهم لله تعالى ، وسهم لرسوله (ص) و سهم لذي القربى ، و سهم لليتامى ، و سهم للمساكين ، و سهم لابناء السبل ، فسهم الله تعالى و رسوله لاولي الامر من بعد رسول الله وراثة فله ثلاثة اسهم . سهمان وراثة ، وسهم مقسوم له من الله ، فله نصف الخمس كلا ، و نصف الخمس الثاني يقسم بينهم على الكتاب و السنة ما يستغنون به في سنتهم . فان فضل منه شيء فهو للوالي ، وان عجز او نقص عن استغنائهم كان على الوالي ان ينفق عنهم ما عنده ما يستغنون به ، وانما صار عليه ان يمونهم لان له ما فضل عنهم ، وانما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس و ابناء السبيل عوضا لهم عن صدقات الناس تنزيها من الله لقرابتهم من رسول الله ، و كرامة من الله لهم عن اوساخ الناس ، فجعل لهم خاصة من عنده و ما ينقيهم به ان يعيدهم في موضع الذل و المسكنة ، ولا بأس بصدقة بعضهم على بعض .

جاء في كتاب الدر المنثور عن ابن المنذر عن عبد الرحمن بن ابي ليلى قال سألت عليا (ع) فقلت يا امير المؤمنين اخبرني كيف صنع ابو بكر و عمر (رض ) في الخمس نصيبكم ؟ فقال (ع) :


اما ابو بكر (رض) فلم يكن في ولايته اخماس واما عمر ( رض ) فلم يزل يدفعه الي في كل خمس السوس و جند نيسابور ، فقال وانا عنده : هذا نصيبكم اهل البيت من الخمس ، وقد اهل ببعض المسلمين واشتدت حاجتهم فقلت : نعم ، فوثب العباس بن عبد المطلب فقال : لا تعرض فيالذي لنا ، فقلت : ألسنا من ارفق المسلمين و شفع امير المؤمنين ، فقبضه ، فوالله ما قبضناه ولا قدرت عليه في ولاية عثمان (رض) (1) .

[ ان كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان ]أي ادفعوا الخمس ان كنتم آمنتم بالله و برسالاته التي انزلت على عبده و رسوله محمد (ص) يوم تميز الطيب عن الخبيث بالحرب .

[ يوم التقى الجمعان ]

جمع الايمان و جمع الكفر .

[ و الله على كل شيء قدير ]

قادر لنصرة المؤمنين برسالته على اعدائهم . و حين تنتصر الرسالة فذلك يكون دليلا واضحا على صدق برامجها و صوابها ، وكل فكرة يجب ان تقاس بالعقل و بالمكاسب الواقعية التي تحققها .


القضاء و القدر :

[ 42] بالرغم من ان المؤمنين كانوا في مواقع أسوأ من موقع اعدائهم اذا كانوا(1) تفسير الميزان / ج 10 / ص 103 - 105


أسفل الوادي بينما أعداؤهم في اعلاه .

[ اذ انتم بالعدوة الدنيا و هم بالعدوة القصوى و الركب اسفل منكم ]العدوة شفير الوادي - و للوادي شفيران ادنى و اقصى . بينما العير الذي كان يحمل تجارة قريش كان اسفل من الجمعين ، حيث كان على بعد ثلاثة ايام من ارض المعركة اي على شاطىء البحر الاحمر .

لقد كانت الحرب مفاجئة بالنسبة الى المسلمين في بدر ، حيث كان الهدف الاصلي للحملة فك الحصار الذي فرضه الكفار على المسلمين ، ولو ان المسلمين كانوا يعلمون انه بدل القافلة المحملة بانواع السلع الضرورية لمجتمع محاصر سوف يلقون الف محارب مجهز وهم زهاء ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا لم يكتمل تجهيزهم للمعركة . لو كانوا يعلمون ذلك اذا تخلفوا عن المعركة .

[ ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ]

ولكن الله هو الذي قدر الحرب لحكمة بالغة .

[ ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا ]

بين القضاء و القدر فرق هو ان القدر : هو ما يسنه الله للكون من انظمة ، بينما القضاء هو تنفيذ تلك السنن او تدخل مباشر للغيب لتغيير مجرى الاقدار . وكانت هزيمة الكفار من قضاء الله في تلك الفترة ، بينما قدر الله كان يقضي بهذه الهزيمة بالتالي .

[ ليهلك من هلك عن بينه و يحيى من حيى عن بينة ]

بعد الانتصار الساحق للامة على اعدائها في حرب بدر ، تحقق انتشار الرسالةبسببين :

الاول : ان الرسالة قد حققت صدق نبوءتها .

الثاني : ان عقبة الخوف و الدعايات الباطلة و التسلط الجاهلي قد ارتفعت عن طريق الرسالة ، فالان بامكان الجميع ان يستجيب للرسالة من دون عقبة . فاذا آمن فانما آمن بعقله ، واذا كفر فسوف يلقى حقه بعد وضوح الحجة عليه .

[ وان الله لسميع عليم ]


تدبير الله :

[ 43] وكان من تدبير ربنا الحكيم انه ارى رسوله (ص) العدو قليلا تشجيعا على محاربته ، بينما قلل المسلمين في أعين العدو حتى استهانوا بقوة الايمان و سلامة البرامج العسكرية و حكمة القيادة الرشيدة التي يملكونها .

[ اذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو اراكهم كثيرا لفشلتم ]اي اذا ذهـب ما عندكم من عزيمة و همة عندئذ يشتد الخلاف بينكم شأنه شأن كل مجتمع يفقد اندفاعه نحو هدف مشترك و مقدس .

[ و لتنازعتم في الامر ولكن الله سلم ]

و اعطى للمؤمنين السلامة و الأمن .

[ انه عليم بذات الصدور ]

انه محيط بما لا يزال في قلوب المؤمنين من عوامل الخوف و الهلع .

[ 44] وحتى في بداية المعركة ارى الله المسلمين جمع الكفار قليلا بالرغم منكثرتهم الظاهرية ، فاستعد المسلمون للنزال بقلوب شجاعة . اما العدو فقد اراه الله المسلمين قلة ، ولم يستعد للمواجهة الحاسمة او لم يستعد خوفا بل استهانوا بهم ، كل ذلك لكي تتم المعركة بهزيمة العدو . فانتشار الرسالة .

[ واذ يريكموهم اذ التقيتم في اعينكم قليلا ]

بالرغم من انهم زهاء الف .

[ و يقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا والى الله ترجع الامور ]فهو الذي يقضي فيها بحكمة الرشيد بالرغم من السنن و الاقدار الظاهرة إلا ان هناك عوامل خفية بعضها نفسية و بعضها طبيعية تلعب دورا حاسما في اللحظات الهامة . مثلا في الحملة الامريكية على ايران بعد انتصار المؤمنين كانت هناك زوبعة رملية غير محتسبة في منطقةالحادث افشلت الحملة التي اعدت لها اكبر قوة عسكرية في العالم عدة اشهر ، و زعمت انها غالبة ارادة الله - حاشا لله - انه عامل طبيعي يتدخل بطريقة غير منتظرة فيغير مجرى تاريخ كامل . لان نهايات الامور بيد الله مصير الامور و مرجعها هي الارادة الاسمى لربنا الحكيم .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس