فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
القيم فوق كل شيء :

[ 50] المهم عند الله القيم التي يستهدفها المرء بعمله ، فهي دون لون البشر و اسلوب التحدث و الطول و العرض . و الغنى و الفقر ، فهي المقياس لذلك فان الله لا يعبأ بالبشـر الذين كفروا بآياته ، وانها ظاهرة غريبة ! ان الله الذي اسبغ نعمه ظاهرة و باطنة علىالانسان ولكنه يعامل الكفار بهذه الطريقة .

[ ولو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون و جوههم و ادبارهم ]وخلفهم وهم يقولون ازدراء بهم .

[ و ذوقوا عذاب الحريق ]

[ 51] فلماذا يأخذ الله الكفار بهذه الشدة ؟ يجيب ربنا و يقول :

[ ذلك بما قدمت ايديكم ]

اليد ابرز عضو في جسد البشر . وحين يقول ربنا قدمت ايديكم يتبين ان ارادة البشر و اقرب اعضائه اليه يده التي صنعت هذا الواقع مقدما .

ولو لم يكن ذلك لكان ينسب الى ربنا انه ظلام للعبيد ، كثير الظلم لهم بينما الصفة المعروفة لنا عن ربنا انه رحيم ودود بسبب مزيد نعمه التي لا تحصى . اذا فعملنا وليس شيء اخر هو سبب العذاب .


[ وان الله ليس بظلام للعبيد ]

فهم عبيده فلماذا يظلمهم ؟ هل يتلذذ بظلمهم ( حاشاه ) وهو الغني الحميد ، أم يخشى منهم سبحانه وهو القوي العزيز .

[ 52] و كمثل ظاهر من واقع التأريخ هذا ، قوم فرعون هل ظلمهم الله ام اخذهم الواقع الفاسد الذي صنعته ايديهم ؟

ان ذنوبهم التي احاطت بهم فاخذهم الله بها اي جعلها تلتف حول اعناقهم .

[ كدأب آلأ فرعون ]

أي كالعادة التي جرت في آل فرعون .

[ والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم اله بذنوبهم ان الله قوي شديد العقاب ]فلا يتهاون في معاقبة من يستحق العقاب ضعفا ماديا او معنويا سبحانه .

[ 53] ذلك فيما يتصل بسنة الله في الاخرة ، اما سنته الاظهر لنا فيما نراها من تطور المجتمعات فمادام الناس مستقيمين على القيم السماوية و العمل الصالح ، فان نعم الله تشملهم و بركاته تترى عليهم ، واذا غيروا قيمهم و سلوكهم غير الله عادة الاحسان الى النكبة و الدمار .

[ ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم ]

حتى يغيروا تلك العوامل التي انعم الله الحكيم بسببها تلك النعمة عليهم ، لقد انعم الله عل مجتمع ما نعمة الحرية بسبب توحيدهم و رفضهم للاستسلام امام ضغوطالجبت و الطاغوت ، وانعم عليهم الصحة بسبب استقامتهم على الفطرة الاولية التي خلقهم بها ، وانعم عليهم بنعمة الراحة النفسية بسبب مكارم الاخلاق و سلامة السلوك و التربية .

[ حتى يغيروا ما بأنفسهم ]

أي يبدلوا صفات الخير المتعلقة بانفسهم الى صفات السوء .

[ وان الله سميع عليم ]

يسمع ما في ظاهر المجتمعات ، و يعلم ما في صدورهم .

[54] مثلا : سنة الله في آل فرعون كيف ان ربنا انعم عليهم بالأمن و الرفاه و جنات تجري من تحتها الانهار ، حتى طغوا و بدلوا صفة و علاقة التعاون بينهم الى علاقة الاستغلال ، و صفة النشاط في عمل الصالح الى صفة التواني او المبادرة في عمل الفساد و هكذا فبدلالله نعمه و ارسل عليهم الطوفان فدمر مدنيتهم ، وارسل عليهم القمل و الدم و الضفادع ، بدل الثمرات و الارزاق و ارسل عليهم رياح الثورة فاقتلعت جذورهم و رماهم ربهم في البحر .

[ كدأب آل فرعون و الذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم ]اي بحجج الله و بيناته و رسالاته البليغة التي وضحت لهم برنامج الحياة السعيدة .

[ فأهلكناهم بذنوبهم و اغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين ]ومن دون الظلم الذاتي و قيامهم بما يستوجب العقاب اذا لم يكن ربنا الودود يأخذهم بهذه العقوبة الشديدة ، يبدو من كلمة ( كل ) ان جميع المغرقين كانوا ظالمينلانفسهم .

[ 55] و يستخلص السياق القرآني الفكرة الاصيلة لهذا الدرس وهي : ان مقياس الصلاح و الفساد عند الله في البشر هو الايمان و الكفر ، و ليس أي شيء آخر ، وانه اسوأ الناس بل شر الاحياء الكفار .

[ ان شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ]فالكافر الذي تاب الى ربه وآمن ليس شر ما يدب و يتحرك على الارض ، بل الذي بقي مستمرا على كفره و ضلاله برغم وجود نور في قلبه يهديه الى الحق .

[ 56] ولكن يبقى سؤال : لماذا يهبط الكافر الى هذا الحضيض الاسفل عند الله ؟

الجواب :

اولا : لان الكافر لا عهد له ، فهو لا يحترم نفسه ولا الاخرين ، و يلغي بذلك دوره في الحياة و يصبح كأنه لا وجود له و لاحضور في المجتمع ، فتراه يعاهدك ثم ينقض عهده معك ، ثم يعود يعاهدك فيخالف عهده مرة اخرى .

ثانيا : انه لا يلتزم ببرنامج الرسالة ، بل لا يتعهد بمسؤولية .

[ الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ]

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس