فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
إنفاق المنافقين رياء أو خوفا :

[ 53] جــاء في بعض الاحاديث ، ان ابليس قال لربه بعد ان امره بالسجــود لآدم : اعفني عن ذلك وساقوم بسجدة لك طولها أربعة الاف عام . قال له الله : اني أريد الطاعة ولا أريد العبادة .

وهكذا أحكام الشريعة ليست مطلوبة بذاتها بل انها في حدود الاوامر التي تفرضها فمثلا لو تركت صلاة الصبح وهي ركعتان عمدا ، ثم صليت بدلا عنها عشر ركعات في غير وقت الصبح فان ذلك لن يقبل منك وتكون آنئذ مثل من لا يحمل جوازا عند مروره على الحدود الخارجية للبلد ولكنه يظهر جوازه عند شراء الحاجيات من المحلات التجارية فهل ينفعه ذلك ؟!

و المنافقون لا يطيعون الاوامر القيادية ثم يقومون ببعض العبادات التي لا تؤثر على مواقفهم فلا يقبل ذلك منهم ، فهم يتمردون على أمر القيادة بالجهاد ، ولكنهم يريدون تعويض بالانفاق مكان حضورهم في الجبهة فان الله لا يتقبله .

[ قل انفقوا طوعا او كرها لن يتقبل منكم انكم كنتم قوما فاسقين ]فالفاسق الذي يرفض الانقياد لاوامر السلطة الشرعية لا تقبل منه نفقاته لان هذه النفقات ليست لله بل لتعزيز مكانته و شراء ذمة السلطة لئلا تضرب مصالحه ، ومثل هؤلاء في بلادنا مثل بعض الرأسماليين و الاقطاعيين الكبار الذين يحاولون شراء ذمة الجهات الدينية والثورية بدفع بعض المال تحت واجهة التبرعات ، وما هي بتبرعات ولكنها رشوة (!) وعلى تلك الجهات ان ترفض تلك التبرعات أو تقبلها دون أن تتقبلها بل تبقى في عدائها المستمر للاستغلال والا بتزاز ، حتى بعض الدولالغنية تقوم ظاهرا بدفع مبالغ لهذه الثورة أو تلك باسم خدمة الانسانية ، ولكنها تستغل جماهيرها و ثروات بلدها لمصلحة شياطين الدنيا . ان على الثورات ان تتفهم دوافع النفاقات التي يعطيها البعض و تتحذر من شرك الرشوة و الفساد .

[ 54] و يفصل القرآن دوافع المنافقين من الانفاق والسبب الذي يرفض الله تقبل انفاقهم من أجله .

[ وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا بالله و برسوله ]فلم يطبقوا واجبات التسليم للسلطة الشرعية .

[ ولا ياتون الصلاة الا وهم كسالى ]

فلم يتجذر الايمان في نفوسهم وانما يصلون للعادة او للرياء .

[ ولا ينفقون الا وهم كارهون ]

انفاقهم انما هو بسبب خوفهم من السلطة او محاولتهم شراءها فحتى لو كان الانفاق طوعا فان دافعه ليس الايمان بل الخوف ، فهو مثل من يخاف من الاقامة في بلد فيبيع بيته ليهرب بنفسه فالبيع ظاهرة طوعية . اذ انه يقدم عليها بلا اجبار و يتوسل بالناس أن يشتروا منهبيته و يفرح لو وجد من يشتريه منه بأي ثمن ، ولكن مجمل العملية يكون بالاكراه لان الدافع الاساس للبيع هو الخوف .

و ربما كان في الآية الاولى دلالة على ان الدولة الاسلامية تجبر المنافقين على دفع الضرائب وخلافها ، ولكن الله لا يثيبهم عليها .


لماذا اعداء الرسالة منعمين ؟

[ 55] قد يستهوي ظاهر المنافقين طائفة من المؤمنين و الرساليين فيفكرون فيكسبهم لاستقطاب امكاناتهم المادية لمصلحة الرسالة و بذلك يقدمون تنازلات لهذه الطائفة الفاسدة ، و القرآن يحذر من ذلك بشدة و يبين ان امكانات هذه الطائفة لا تنفع الرسالة لانها متصلة بسلوك فاسد و ضمائر فاسدة وهي بالتالي نتيجة وضع فاسد ، و افراز لوضع فاسد فهي تضر ولا تنفع .

[ فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم ]

ان الثروة التي جمعت من الابتزاز و السرقة و الاستغلال سحت و فساد وهي لا تصلح ان تكون في خدمة الرسالة كذلك الولد الناشىء في بيت الدلال و الميوعة و بالتربية الفاسدة لا ينفع كسبه شيئا .

ولكن لماذا أعطاهم الله المال و الولد ؟

[ انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ]

فالمال السحت و الولد الفاسد ليس نعمة بل نقمة يعذب بها صاحبها .

[ و تزهق انفسهم وهم كافرون ]

فالغنى و الشرف الاجتماعي يعطيان الفرد غرور العظمة ؛ فيكفر بالله ولا ينتبه لواقعه الضعيف البائس الا بعد الموت .

[ 56] والمنافقون ليسوا من المجتمع المسلم ، لانهم لا يشاطرون الامة مصاعبها و مصائبها .

[ و يحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ]فمن شدة خوفهم تراهم يتظاهرون بانهم منكم ، ولكنهم قوم يفرقون أي يخافونلا أكثر ولا أقل .

[ 57] [ لو يجدون ملجأ او مغارات او مدخلا لولوا اليه وهم يجمحون ]و الدليل على ان تظاهرهم بالدين إنما هو من خوفهم : انهم لو وجدوا أي وجه للفرار منكم لاسرعوا اليه ، كما لو وجدوا قوما يلجأون اليهم . او وجدوا كهوفا في الجبال و مغارات . أو حتى انفاقا و أسرابا في الارض لرأيتهم يتجهون اليها . وهم يسرعون من دون ان يمنعهم وفاء بالعهد . أو بقية ذمة او ضمير .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس