فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
متى تكون الصدقة قسرا ؟

[ 103] الصدقة كل عمل يمارسه الفرد تقربا الى الله و انبعاثا من ايمانه بالله و اليوم الاخر ، و الصدقة المالية هي الانفاق المالي بدافع التقوى و الايمان ، و هناك فريق من الناس لا يعطون الصدقات بل تؤخذ منهم اخذا ، و هؤلاء هم الذين خلطوا عملا صالحا واخرسيئا ، والذين حدثنا القرآن عنهم في الآية السابقة و لذلك امر الله رسوله (ص) ومن ورائه ( القيادة الاسلامية ) باخذ الصدقة من اموالهم حتى ولو وجدوا صعوبة نفسية من دفع الصدقات طوعا و رغبة ، ولكن لا يعني ذلك الاقتصاص منهم او اعتبار ذلك كالجزية التي هدفها القهر و التصغير . لا .. انما هدف اخذ الصدقة :

اولا : تطهير أموالهم و تنظيف سمعتهم الاجتماعية .

وثانيا : تزكية نفوسهم و تربيتها على الكرم ، و الخروج من زنزانة البخل ، و رفعهم الى مستوى العطاء و الاحساس بمسؤوليتهم الاجتماعية .

[ خذ من اموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها ]

ولا يعني اخذ الصدقة الاستيلاء على اموالهم ، بل اخذ قدر محدد منها مثل الخمس و الزكاة او سائر الحقوق الاجتماعية التي تحددها الظروف الاجتماعية .

ولكن هذا الاخذ يجب الا يسبب لهم حرجا نفسيا يبعدهم عن طريق الحق ، لذلك يجب الدعاء لهم .


[ وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم ]

و الدعاء لهؤلاء بالخير و البركة يعني ايضا السعي وراء خيرهم و رفاههم في مقابل عطائهم كأي دعاء اخرى حيث انه ليس منفصلا عن العمل من اجل ما يدعو لهالفرد .

و الدعاء بالصلاة لهؤلاء يسبب سكون نفوسهم و اطمئنانهم الى الله ، والى المجتمع المسلم الذي تمثله القيادة الرسالية ذات الاهتمام بكل الناس .

[ و الله سميع عليم ]

يسمع الدعاء ، و يعلم باهداف المصلي الذي يبتهل اليه سبحانه بالدعاء ولاخوانه .


قبول الله للصدقات :

[ 104] علم الله تعالى باحوال عباده يجعلنا نؤمن بانه يقبل التوبة الصادرة عن عباده ، وانه ياخذ الصدقات بالرغم من ان المبتهل الى الله هو الرسول او المؤمنون ، فان الله هو الذي يقبل التوبة لا الرسول فقط ، و بالرغم من ان الرسول يأخذ الصدقة في الظاهر ولكنالله هو الذي يأخذها في الواقع .

[ الم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده و يأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم ][ 105] لكي يطهر هذا الفريق الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا ليطهروا انفسهم و يزكوها و يعطوها المزيد من الصلابة الايمانية فان عليهم ان يعملوا فالعمل يخلف اثرين في النفس برسوخ الايمان فيها ، وفي الواقع الخارجي بمكاسب يراها اللهويراها الرسول و المؤمنون .

[ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون ]ولذلك لا قلق ابدا على الانسان العامل ان يضيع عمله في زحمة الاحداث ، ولا خوف من عدم حصوله على نتائج عمله . عاجلا ام اجلا هنا وعند الاخرة .

[ و ستردون الى عالم الغيب و الشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون ]فالله سبحانه الذي يعلم الظاهر و الباطن لا يكتفي باعطاء الجزاء الوافي للعامل ، بل وايضا يبين للعامل ان هذا الجزاء انما هو لذلك العمل ليكون ألذ و أطيب و أدعى الى الأعتزاز و الفخر .

كل هذا علاج شاف للنفوس الضعيفة التي لا تمحض الايمان ، ولا تخلص العمل الصالح بل تخلطه بالعمل السيء .

وكلمة اخيرة : ان اكثر المسلمين هم من هذا الفريق . الذي لم تتكامل شخصيتهم الايمانية فعليهم ان يستفيدوا من هذا العلاج لتعميق روح التقوى في نفوسهم .


المرجون لأمر الله :

[ 106] هناك فريق اخر لا يصلحون انفسهم ولا يستفيدو من هذا العلاج القرآني لضعف نفوسهم و خور عزائمهم لذلك يبقى هؤلاء مرددين بين النار و الجنة .

[ و آخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم و الله عليم حكيم ]ربما حسب ظروفهم الاجتماعية فقد يكون الذنب بسبب ظروف صعبة لايحتملها ايمان الفرد و ارادته ، فرحمة الله تعالى واسعة ، و قد يكون الذنب بسبب تحدي سلطان الله او اللامبالاة بأوامر الله ، او الاسترسال التام مع الشهوات فالله شديد العقاب .

[ و الله عليم حكيم ]

ومن هنا فعلى البشر الا ييأس من روح الله ولا يسترسل مع الذنوب حتى ولو كانت ذنوبه كثيرة و كبيرة بل يقف فيها على حدود معينة تبعا لظروفه الضاغطة عليه باتجاه الذنوب و يحاول ابدا ان يدع علاقاته بالله باقية غير مقطوعة .

كما ان عليه الا يعتمد كليا على رحمة الله ، فربما يكتشف عند الموت ان نقمة الله تستقبله بدل رحمته بسبب ذنوبه الكبيرة .

علم الله بلطائف نيات البشر ، و دقائق أعمالهم ، و حكمته البالغة التي لا يسقط شيئا من حسابه و تقديره كل ذلك يجعلنا حذرين ابدا حاسبين حساب كل شيء ، عاملين حسب المستطاع من أجل الخلاص من عذاب الله ، و الوصول الى رحمته الواسعة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس