فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
مسجد ضرار :

[ 107] مرة اخرى يكشف لنا القرآن عن خطة شيطانية ماكرة هي تستر فئة من المنافقين بشعار الدين ، وبناء المساجد للفساد ، و يبين أن علينا ان نكون حذرين فلا تخدعنا المظاهر بل ان نتعمق ابدا الى ما ورائها من أهداف ، وكل عمل يقوم به شخص او فئة يجب ان نجعله فيسياقه التأريخي و نقيسه على أساس الغايات المتوخاة من ورائه .

فهؤلاء فئة من المنافقين اتخذوا مسجدا بهدف الاضرار بينما أساس المسجد هو النفع .. المسجد لله تعالى وقد اتخذ هؤلاء مسجدا للكفر بالله . لتكريس قيم الشيطان ، مثلا : لتفريق الناس على أساس عنصري أو قومي أو أقليمي أو عشائري ليقولوا : هذا من أهل المدينة وهذا من أهل مكة ، ونحن نقبل الخزرج دون الأوس .

وهدف بناء المسجد تعبئة الطاقات الخيرة في المجتمع بينما هدف هؤلاء من بناء المسجد تجميع شذاذ الارض ، وارصادهم و دفعهم نحو مقاومة الرسالة .

[ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا ]


أي للاضرار بالناس لا النفع ، وربما أضحى المسجد ضرارا لانه بني بأموال المستكبرين ، مثل كبار الرأٍسماليين و رؤساء القبائل العنصريين و لذلك لم يكن من الممكن ان يهدف المسجد سوى الضرار و استغلال المستضعفين ، و التسلط على رقاب الناس باسم الدين هذه المرة .


[ و كفرا ]

و محتوى ذلك المسجد من الناحية الايدلوجية و الثقافية كان الكفر بالله و بالقيم الرسالية ، بالرغم من اقامة الصلاة فيه . لان الصلاة كانت ضد الصلاة الحقيقية ، وتلك الشعائر التي تهدف اعادة حكومة المستكبرين ليست سوى الكفر و الضلال .

[ و تفريقا بين المؤمنين ]

كان المسجد يميز بين الفقراء و المستضعفين و المهاجرين من أهل مكة ، وبين الاغنياء و رؤساء القبائل و كبار المنافقين من أهل المدينة ، بينما المسجد الرسالي يجمع الكل على صعيد المساواة .

[ و ارصادا لمن حارب الله و رسوله من قبل ]

فبينما ينبغي ان يكون المسجد منطلقا لتجميع الطاقات المؤمنة الصادقة مع المجتمع ، ترى هذا المسجد يجمع كل منافق ، و يعبؤهم لمحاربة الله و رسوله .

كل ذلك و أصحاب هذا المسجد يدعون بانهم لا يهدفون شرا ، بل هدفهم مقدس و هو تحقق أفضل حياة للانسان ، وحماية حقوق البشر ، وصيانة الاستقلال و الحرية .

[ و ليحلفن ان اردنا الا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون ]اساس المسجد واهدافه :

[ 108] وينهى الله رسوله و بحزم بالغ ألا يقوم في هذا المسجد ابدا .

[ لا تقم فيه ابدا ]

فحتى لو كان البناء باسم المسجد فانه لا يكتسب شرعية ، لأنه مبني بهدف الفساد والكفر ، وقيام الرسول أو القيادة الرسالية في مثل هذه المساجد التي بنيت لتكريس سلطة الطغاة او لتحقيق قيم الجاهلية يعطي شرعية زائفة لها .

[ لمسجد أسس على التقوى من أول يوم احق ان تقوم فيه ]و التقوى هنا تفسر بما سبق وهو : أن يكون هدف بناء المسجد النفع لجميع الناس من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية ، و اشاعة قيم الرسالة من الناحية التربوية و بث روح التحابب و التعاون من الناحية الخلقية و السياسية .

اما من يجتمع في هذا المسجد و يقود مسيرته ، فهم اناس نظيفون هدفهم أولا تزكية ذواتهم ، ثم تربية الناس .

[ فيه رجال يحبون ان يتطهروا و الله يحب المتطهرين ]فليس هدفهم استغلال الفقراء ، ولا التسلط عليهم باسم الدين ، ولا التعالي عليهم بأسم العلم و الفضيلة ، بل هم بدورهم يبحثون عن الطهارة ، و يهدفون تكميل شخصياتهم ، وبذلك يضربون مثلا حيا لمن يقوم في المسجد من الناس .

[ 109] ان أساس هذا المسجد مختلف عن مسجد الضرار الذي لا أساس له . ان بناء هذا المسجد الرسالي قائم على أساس التقوى ، و البحث عن رضا الله تعالى ، وبالتالي تنفيذ مناهج الرسالة و تحقيق اهدافها بينما قام ذلك المسجد على أساسمتزلزل ، انه قام من أجل الأهواء و المصالح التي لا تثبت على حال . بل تتبع رياح القوة و الثروة ، فاذا هبت الرياح جنوبا أو شرقا تراهم من أفضل خدم الشرق واذا هبت شمالا أو غربا تراهم من افضل تلامذة الغرب واذا حكم آل كذا ! فعلى أهل المسجد التسبيح بحمد آل كذا ! واذا حكم اعداؤهم فعليهم لعن آل كذا !

[ أفمن اسس بنيانه على تقوى من الله و رضوان خير أم من اسس بنيانه على شفا جرف هار ]أٍي الطرف القريب من المنحدر .

[ فانهار به في نار جهنم ]

ان على المسجد ان يكون له ثقل في الواقع الاجتماعي و السياسي يهتدي الناس به كما يهتدون بالنجوم الثابتة . و يطمئنون اليه و يسكنون في ظله كما يطمئن شتات المستضعفين الى الامام الهادي ، وكما يسكن الخائفون الى ركن شديد ، المسجد يعبىء الطاقات المؤمنة بعد أن كانت متفرقة و يعطيها قوة التجمع بعد ان كانت مستضعفة لذلك يجب ان يكون المسجد مستقلا عن متغيرات السياسة ، و يجب ان يكون ائمة المساجد مستقلين عن السلطات ، اما اذا كانوا أقمارا في فلك السياسة المتغيرة فان الله لا يهديهم طريقا لأنهم ظالمون لانفسهم ولدورهم الرسالي .

[ و الله لا يهدي القوم الظالمين ]


الشك والاهداف القصيرة :

[ 110] وهذا المسجد القائم على اساس الظلم يبقى من دون أساس حتى بناة المسجد لا يعتمدون عليه ولا يزالون يشكون فيه .


[ لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ]لانهم لا يؤمنون فعلا بالمسجد و بدوره الرائد في المجتمع ، فهم انما بنوه لغرض فاذا بلغوا هدفهم تركوا المسجد وكانوا كمن قال فيه الشاعر :

صلى المصلي لامر كان يطلبه لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس