فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
الاطار العام
لكي يتحدى الانسان ضغوط الطبيعة ، و ارهاب الطغاة ، كما فعل شيخ المرسلين نوح عليه السلام ، وكما امر موسى قومه بان يفعلوا . فلابد ان يؤمن بالله و بسلطانه على خلقه و تدبيره له ، و يؤمن بان جزاءه حق ، وانه يعاقب الكفارين بيوم الجزاء كما يثيب الصالحين بافضل الجزاء .
ومتى يعي البشر حقيقته وانه عبد لله ، وانه لا اله الا الله ؟
يعي ذلك عند الضراء ، حين تتساقط حجب الغفلة و الشرك و تتجلى قدرة الله سبحانه .
وتتأكد الذكرى بهذه الحقيقة في سورة يونس ثلاث مرات ، و تتناسب مع قصة قوم يونس حيث سمى القرآن السورة باسمه ، لانه قد رفع الله عنه العذاب بعد ان احاط بهم .
نقرأ في اي السورة ، عن جدل الكفار حول القرآن ، وكيف يفنده الذكر ، و لعل ذلك ، كجزء من التحدي الذي أمر به القرآن في هذه السورة ( 15 / 17) .
ولكي يتم عند النفس حالة التحدي في مواجهة الطغاة و القوى الطبيعية ، لابد ان يستهين المؤمن بالشركاء ، الذين لا يضرون ولا ينفعون (18) و تأخير العذاب عنهم ليس الا لكلمة سبقت من الرب ( 19) و الغيب عند الله (20) و الله اسرع مكرا و رسله يكتبون ما يمكر المجرمون (21) .
وبعد ان يذكر القرآن الناس مرة اخرى بحالتهم عند إماطة الخطر ، و كيف انهم ينسون المشركين ( 22/ 23) يضرب مثل الحياة الدنيا ، و المثل مقتبس من دورة حياتية ، يميز بها النيات ( 24) و السلام عند الله ، وهو الذي يهدي الى الصراط المســتقيم ( 25) و ســلام اللــه انما هــو للذيــن احسنــوا ، اما المجــرمــون فلهم النار ( 26/27) .
وهكــذا يامــرنا بالكفــر بالشــركاء ، لانهم يتبرأون من اتباعهم ، وعند الله الجزاء ( 28 / 30) و يستمر السياق القرآني في بيان حقيقة الشركاء وانهم تافهون وان اتباعهم ليس الا اتباعا للظن ( 36) .
ويعود الى بيان : ان القرآن لا ريب فيه وان جهلهم به هو الذي دعاهم الى التكذيب به (40) و يامرنا بتحدي المشركين و البراءة منهم و يبين ضلالة الذين يكفرون بالقرآن ، وانهم هم عمي وان عماهم و صممهم منــهم لان الله لا يظلمهم (44) .
ثم يعود و يبين ان الله هو الذي يملك الضر و النفع فلابد ان نتوكل عليه ، ونترك الشركاء ( 52) و يؤكد ان القرآن وما فيه حق ، وان الجزاء واقع ، وان وعد الله حق ، وان الله يحي و يميت وان القرآن موعظة وشفاء (58) .
كل ذلك يثبت فؤاد المؤمنين تمهيدا للبراءة من الشركاء .
ويبين القرآن ان التشريع انما هو لله وحده وليس للشركاء ، و ينذر الذين يفترون على الله الكذب وان الله شاهد على كل كلام ، وانه مسجل عنده صغيرا و كبيرا (61) .
و اولياء الله لا خوف عليهم ( بعكس اولياء الشركاء ) وان لهم البشرى ، وان لله العزة ( وليس للمشركين ) وان له مافي السموات و الارض ( وليس للطغاة ) وانه هو الذي جعل الليل ليسكن و النهار مبصرا ( وليس الشركاء ) ( 62/ 67) .
اما قولهم بان الله قد ولد ( وهو احد سخافات المشركين ) فانه ضلال لان الله غني فلماذا الولد ، وانه ليس الافتراء لا يفلح صاحبه وان هدف الافتراء ، متاع الدنيا ، وهو قليل و نهاية المشركين العذاب الشديد بكفرهم ( 70) .
كل تلك الايات تمهد لاعلان البراءة من المشركين ، كما فعل نوح شيخ المرسلين ( عليه السلام ) فاغرق الله قومه و خسر المشركون ( 73) .
ولعل هذه الايات ( 70 / 93) هي غرر هذه السورة الكريمة ، حيث تفصل القول عن تحدي الرسل لطغاة عصرهم و كفار الناس من قومهم و كيف انهم امروا اتباعهم بالتوكل على الله ، و بالتالي كيف نصرهم الله سبحانه .
ثم بعد بيان قصص الانبياء عليهم السلام ، يأمر الله بطرد الشك ، في القرآن ، و الابتعاد عن التكذيب بايات الله ، وان الكفار لا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم ( 97) ولكن هل ينفع الايمان ذلك اليوم ، لا ، انما قرية واحدة نفعها ايمانها حين آمنت بالله ، وهيقرية يونس ( 98) .
ولكن هل الايمان من العبد او من الرب ؟
لا ريب ان الله لا يكره الناس على الايمان و هكذا على كل نفس تحدي أمواجالكفر للوصول الى شاطىء الايمان ، حيث يأذن من الله له بالايمان (100) .
ويعود القرآن ليسفه حالة الانتظار في النفس بل على الانسان ان يبادر للايمان ، حتى يكون من الذين ينجيهم الله عند العذاب ( 103) .
ويعلن القرآن على لسان النبي (ص) البراءة من الشركاء ، وانه يخلص العبودية لله ( وبذلك يتحدى المشركين ) ( 104) .
و يأمره باقامة وجهه لله حنيفا و رفض الشركاء ، لأنه سيصبح ظالما لنفسه (106) و الاعتقاد بأن الذي يرفع الضر هو الله وأنه اذا تفضل على عبده بخير فلا راد لفضله الا هو .
وهكذا على المؤمن أن يتحدى الشركاء و الشمركين و التمسك بهدى الله لأنه انئذ ينفعه كما أن ضلالته عن القرآن تضره هو و ليس غيره . وان على المؤمن اتباع ما يوحى الى الرسول و الصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين (109) .
وبهذا نستطيع ان نستفيد من ســورة يونس روح التوكل على الله ، و تحدي الطبيعة ، و الطغاة ، و مقاومة ضعف النفس أمام المشاكل و الاخطار .
|