فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
التوكل سلاح المؤمن :

[ 71] حين نتلو قصة الرسالات السماوية في صراعها مع الجاهلية ، نزداد وعيا بحقيقة هذه الرسالات و ايمانا بصدقها ، ولهذا يكرر القرآن بيان هذه القصة الواحدة في جوهرها ، و المختلفة في صورها ، فهذا نوح شيخ المرسلين يتحدى قومه بسلاح الرسالة وحدها ، متوكلا على الله .

[ واتل عليهم نبأ نوح اذ قال لقومه يا قوم ان كان كبر عليكم مقامي و تذكيري بآيات الله ]فان كان صعبا عليكم قيامي ضد أفكاركم و تقاليدكم ، و خروجي عن أطار الرسوم و العادات ، بالرغم من اني واحد منكم ، فانتم قومي دون غيركم ، و الأصعب من ذلك عليكم انني اذكركم بآيات الله ، و أحاول ردعكم عن الأفكار و التقاليد التي آمنتم بها ، فان كان كل ذلكعظيما عندكم ولا يمكنكم احتماله .

[ فعلى الله توكلت ]

دون خوف منكم ، ودون اعتماد على قوة مادية دونكم ، بيد ان الله الذي أتوكل عليه قوي عزيز ، لذلك لا أخشى منكم بل انني اتحداكم بصلابة .

[ فاجمعوا امركم و شركاءكم ]

أي اجمعوا كل ما تملكون من قوة مادية و معنوية ، و اضيفوا اليها قوة شركائكم ، دون ان تتركوا شيئا من الاستعداد حتى لا تحزنوا غدا .


[ ثم لا يكن امركم عليكم غمة ]

باعثا للغم و الأسى .

[ ثم اقضوا الي ولا تنظرون ]


من حقائق الرسالة :

أي رتبوا أمركم فيما يخصني ، وضعوا خططكم في مقاومة رسالتي ، و تفاصيل مكركم ضدي بمتانة و إحكام ، ولا تعطوني مهلة ابدا .

إنه تحداهم بقوة الرسالة ، ونابذهم العداء اعتمادا على الله ، مما دل على الحقائق التالية :

اولا : ان الرسالة ليست ناشئة الوسط الثقافي و الاجتماعي حتى تكون متأثرة به سلبيا ، بل ثورة مباركة ضد سلبيات هذا الوسط .

ثانيا : ان الرســول مؤمن قبل أي احد برسالته و يضحي من أجلها بكل ما يملك ، ولو كان - حاشا لله - كاذبا او ساحرا لما اقدم على التهلكة من اجلها .

ثالثا : ان الرسالة ظاهرة غيبية تتحدى كل العوامل المادية و تنتصر عليها ، و الرسول عارف بذلك .

رابعا : انها لا تداهن السلبيات القائمة ، ولا تجري لاصلاحها سبيل التدرج المرحلي ، او الطرق السلمية ، بل تتحداها جذريا ، لأنها جاءت من عند الله خالق الناس و مالك السموات و الارض ، ولذلك لا معنى للمهادنة ، او تقديم التنازلات المرحلية ، او السكوت عن السلبيات .


صدق الرسالة و الرسول :

[ 72] واخذ نوح (ع) ينصح قومه بأسلوب آخر ، حيث أوضح لهم ان هدفه من تبليغ الرسالة ليس ابدا الحصول على مكاسب مادية ، بل رضوان الله وأنه هو أول من يعمل بما يقول .

[ فان توليتم فما سألتكم من اجر ان اجري الا على الله و أمرت ان اكون من المسلمين ]وهكذا سائر الرسالات السماوية لا يهدف العاملون عليها و المبشرون بها بلوغ مطامح مادية مما يشهد على صدقهم فيما يخبرون .

[ 73] والذي حدث في نهاية المطاف دل على صدق الرسالة ايضا ، حيث أهلك الله و بطريقة غيبية قوم نوح و نجاه هو و المؤمنين برسالة الله .

[ فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف و اغرقنا الذين كذبوا باياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ]الذين انذرهم الله عن طريق رسوله نوح " عليه السلام " لقد انتهت عاقبتهم بالغرق بسبب تحديهم للرسالة و استكبارهم ، أو ليس ذلك شاهد على صدق الرسالة الالهية ؟!


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس