فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
حرمة المال و النفس :
[ 29 ] الانسان محترم ، و يحترم كل ما يمت بصلة اليه ، و المال جزء من جهد الانسان ، و بالتالي جزء من الانسان و الاعتداء عليه حرام لانه إعتداء على كرامته ، ومن يعتد على كرامة الناس فلا بد ان يستعد لاعتداء الآخرين عليه ...
لذلك تجد التعبير القرآني يوجه الخطاب للجميع ويأمرهم باحترام حقوق بعضهم ويقول :
[ يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ]لانه لو لم تحكم قيمة الاحترام المالي أوساط المجتمع ، فإن كل فرد سوف يعاني من الاعتداء في يوم من الايام ، إذن لندع أكل الاموال بالطرق الباطلة ...
والطرق الباطلة هي كل ما ترفضه قيم الدين ، ولا تكون خاضعة للتجارة المراتضى عليها ، فأكل الاموال أما بالقمار أو بيع الخمر و المخدرات ، أو بالاحتيالو الســرقة و النهب باطل و حرام ، والاستثناء الوحيد هو التجارة بتراض و تعني أمرين :
الاول : أن تكــون تجــارة ، أي تدويرا للمال بالطرق المشروعة ( البيع ، الايجار ، الرهن ) فلا يجوز أكل الاموال غصبا أو احتيالا .
الثاني : أن تكون هذه التجارة بعيدة عن الاكراه ، و الجبر ، أو الغش ، و الخداع ، لان ذلك يفقد شرط التراضي ...
وهذه القاعدة توضح ان كل العقود التجارية التي يتراضى عليها الطرفان صحيحة حسب الرؤية الاسلامية ، إلا إذا خالفت شرطا أكيدا من الشروط المبينة في الدين ( كالتجارة بالحرام ) مما يعطي التشريع الاسلامي مرونة كافية لمواكبة تطور الحاجات الاجتماعية .
[ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ]
وبعد المال ياتي دور النفس ، التي تبقى مصونة إذا حافظنا على الحقوق المالية المتبادلة ، فالغني الذي يحافظ على حقوق الفقراء لا تتعرض حياته للخطر لانه لا يدع سببا لثورة الفقير وتمرده .
[ ولا تقتلوا أنفسكم ]
ان الانسان لا يصل الى درك الاعتداء على الانفس إلا إذا هبط اليه شيئا فشيئا بسبب الاعتداء على الاموال ، حيث يخلق في ذاته الكراهية و القلق وحب الجريمة ، وكثيرا ما ينساق الى جريمة الاعتداء على النفس لتعبيد الطريق أمام أعتدائه على المال .
[ ان الله كان بكم رحيما ]
فحرم عليكم الاعتداء على المال و النفس ليرحمكم ، و ينجيكم من عذاببعضكم .
[ 30 ] ومن يعتدي على حقوق الناس ( أموالهم و أنفسهم ) اعتداءا مع سبق الاصرار ، و يقوم فعلا في إغتصاب حقوق الآخرين ، فإن الله يعذبه عذابا أليما ...
[ ومن يفعل ذلك عدوانا و ظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ]إجتناب الظلم غفران الذنب :
[ 31 ] إن الظلم الاجتماعي أشد الظلم ، وان إجتناب هذا الظلم يشفع للانسان في سائر سيئاته ، فمن لا يصلي ولكنه لا يعتدي على الناس في أموالهم و أنفسهم قد يشفع له التزامه بحقوق الناس في غفران ذنبه ، لان الهدف الاسمى من الصلاة زيادة الايمان و احترام حقوقالناس ، أما من يصلي و يأكل أموال الناس أو يقتلهم فإن صلاته لن تنفعه ولن تشفع له ...
أن عمل الانسان الصالح يشفع له في عمله السيء ، ولكن بشرط أن يكونالعمل الصالح أكبر من السيئة ، قال الله تعالى : ( ان الحسنات يذهبن السيئات ) .
[ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ]
مثل الشرك بالله ، و ظلم الناس ، و قتل النفس المحترمة و ... و ... الخ ..
[ نكفر عنكم سيئاتكم ]
أي نسترها بعملكم الصالح ، حتى لا تحاسبوا عليها تماما كما يكفر الفلاح البذرة في الارض ويجعلها تحت التراب ...
[ و ندخلكم مدخلا كريما ]
ذلك المدخل الكريم هو الفلاح في الدنيا ، و السعادة في الآخرة ، ذلك ان الانسان الذي يسيطر على أهوائه في الذنوب الصغيرة يوفقه الله للسيطرة على ذاته في الذنوب الكبيرة فتكون حياته كريمة ، و الحياة الكريمة هي التي تتوفر فيها الحاجات الجسدية و النفسيه معا، وهذه الحياة سوف تساعد صاحبها على بلوغ الجنة .
و المدخل : الباب الذي يدخل الله عباده منه .
لا تحسد الآخرين :
[ 32 ] من عوامل الشقاء البشري الحسد ، وهو صفة نفسية نابعة من قصر الرؤية و ضيق الصدر ، حيث يزعم الانسان ان نعم الله محدودة ، وان فرص الحياةقد انتهت ..
ولذلك فهو يتمنى لو يفقد الآخرين النعم ليحصل هو عليها ، بينما المفروض أن يفكر في الحصول عليها كما حصل أولئك عليها بالطرق المشروعة ...
و بالطبع يسبب الحسد عقدا نفسية مؤلمة تنعكس على السلوك فإذا بصاحبها يحاول مع الآخرين من التقدم و الاستمتاع بالحياة .
ان التاجر المحتكر ، و السلطان الديكتاتور ، و الرئيس المستبد ، و العالم العنيد ،و الفقير الكسول الذي لا يفتر عن إجتترار الآهات ، انهم جميعا حساد يريدون إستلاب ما في أيدي الناس .
ويضع الله لهؤلاء علاجا نفسيا عبر النقاط التالية :
إن الله هو الذي فضل الناس بعضهم على بعض ، و الله عادل لا يظلم ولا يسأل عما يفعل .
ان الله لم يفضل أحدا إلا بما أكتسبه بجهده ، سواء كان رجلا أو إمرأة ، وأنت إذا أجهدت حصلت على ذلك الفضل مثله .
فبدلا من تمني ما عند الناس لماذا لا تتمنى ما عند الله ، و تتحرك أنت أيضا كما تحرك اولئك الذين فضلهم الله وتجهد نفسك ، و الله يعلم جهدك و يعطيكمثلما أعطاهم .
[ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن وأسأٍلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ]وإذا أستطاع المجتمع أن ينطلق من قاعدة تكافوء الفرص ، و الاعتقاد ، بأن كل من يعمل يحصل على نصيبه فإن تناحره و تباغضه يتحول الى تنافس بناء يخدم المجتمع .
الارث عامل تفاضلي :
[ 33 ] وقد لا يكون الفرد قد اكتسب شيئا بنفسه ، ولكنه ورث والده الذي حصل على المال بجهده ، وقد فضل الله الابن على الآخرين في الرزق كرامة لأبيه ، و تشيجعا له و للآخرين أن يعملوا و ينشطوا في الانتاج .
من هنا عاد القرآن وذكر الارث باعتباره من عوامل التفاضل الاجتماعي وقال :
[ ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون ]
أي أورثنا كل انسان مواليه الذين هم أولى الناس به ، وتشجيعا له على العمل وبذلك أعطينا تركة الوالدين والاقربين لألصق الناس بهم .
[ والذين عقدت أيمانهم فآتوهم نصيبهم ]
وهذه الفئة هي التي تمت للعائلة بصلة عن طريق عقد التحالف ، فأمر القرآن ان يعطى لهم نصيب من الارث حسب التعاقد . وتسمى هذه الفئة بـ ( ضامن الجريرة ) وهي ترث و تورث حسب الاتفاق .
وفي الوطن الاسلامي الكبير حيث ينفصل الكثير من الناس عن مواطنهم الاصلية ، فيحتاجون الى أسرة ينتمون اليها و يتبادلون معها الحب و التعاون في شؤون الحياة ، هنالك شرع الاسلام قانون التحالف ، وتحدث هنا عن جانبه الاقتصادي حيث يصبح الفرد كواحد من أبناء الاسرة يرثها و يورثها و يضاعف هذا القانون من قوة التحالف و التماسك ، ويجعل للافراد مأوى إجتماعي يلجأون اليه في مواجهة صعوبات الحياة .
ولكن بما ان بعض الناس يمكن أن يخونوا تحالفهم مع هؤلاء الضعفاء ، لذلك حذر القرآن من ذلك وقال :
[ ان الله كان على كل شيء شهيدا ]
فلا تفكروا في نقض الميثاق ، و نكث الحلف .
|