فصل:
الاول |
قبل |
بعد | الاخير
| الفهرس
عيسى : اعبدوا الله ربي
هدى من الايات
[ 116] في حوار بين الله و بين عبده و رسوله عيسى بن مريم سأل الله عيسى : هل انه قال لاتباعه أن يعبدوه ؟ و الله يعلم أن عيسى (ع) لم يقل ذلك أبدا ، ولكنه يسأله ليبين لنا أن عيسى عليه السلام ليس بعيدا عن المسؤولية بالرغم من أنه عبد مخلص لله ، و لرسولهمبعوث الى خلقه .
فكيف بنا و نحن عباد الله المذنبون ؟
[ واذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءانت قلت للناس اتخذوني و أمي الهين مندون الله ]ان اولئك الذين اتخذوا عيسى وأمه الهين من دون الله ، انما ارادوا التهرب من مسؤولية أعمالهم ، و الادعاء : بأن عيسى و أمه سوف ينقذانهم من عذاب الله حتى ولو عملوا بالجرائم ، فأراد الله ان يبين لهم : ان هذين العبدين لا يمكنهما ، تحديأوامر الله ، فيما يخصهما فكيف بما يتعلق ببعض من يدعون أنهم اتباعهما .
[ قال سبحانك ]
أي انك أجل من ان يعبد احد من دونك ، بل انت أجل وأعلى من ان يدعيأحد أنه ند لك .
[ ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ]
إذ أني مجرد رسول من قبلك للناس ، و مسؤولية الرسول هو التقيد بتعاليم من أرسله بلا زيادة ولا نقيصة ، حتى ولو كان كلام الرسول حقا فان حدود مسؤوليته تستوجب الا يتجاوز حدود ما أمر الله بتبليغه ، فمثلا : رسول الله لم يكن يستطيع ان يشرح من القرآن ما لم يحنوقته ، بالرغم من ان القرآن ذاته كلام الله الحق المبين .
[ ان كنت قلته فقد علمته تعلم مافي نفس ولا اعلم ما في نفسك إنك انت علام الغيوب ]إن مسؤولية الانسان امام ربه ليست كمسؤوليته امام شخص كعيسى عليه السلام ، أو أمام نظام أو قانون ، إذ قد يغيب على الشخص العلم ببعض أعمال الفرد ، بينما الله سبحانه علام الغيوب ، لا يعلم فقط اعمال الانسان ، بل يعلم ايضا خلفيات هذه الاعمال .
دور الرسول :
[ 117] إن دور الرسول هو دور المبلغ و الشهيد ، أما التبليغ ، فان مسؤوليته هي : نقل رسالة الله بلا زيادة أو نقيصة ، واما الشهادة فتعني : مراقبة مدى تطبيقالافراد لهذه الرسالة ، و محاولة هدايتهم الى الصراط المستقيم ببيان طريقة تطبيق المبادىء ، وقد أدى عيسى عليه السلام هاتين المسؤوليتين بأمانة و قال :
[ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ]بيد أن شهادة الرسول هي شهادة محدودة ، إٍنها شهادة وقتية ، تختص بأيام حياته أما بعدئذ فان الله هو الشهيد .
[ فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ]
تراقب أعمالهم لتحاسبهم عليها في الدنيا و الاخرة ، أما رقابة الله لأعمال العباد فتنعكس في جزائه لهم عليها جزاء عاجلا في الدنيا ، او آجلا في الاخرة ، من دون ان يقدر أحد على الفرار منها ، وهذا يدفعنا الى فرض رقابة ذاتية على انفسنا الا تصدر منا غلطة ،يسجلها ربنا و يحاسبنا عليها سريعا .
[ وانت على كل شيء شهيد ]
شهادة الله هي : هيمنته المباشرة على الحياة التي تتجسد بنصر المؤمنين المخلصين في أعمالهم ، و خذلان الكافرين و المنافقين ، و هداية المجاهدين و المحسنين . إن الله هو السلطان الحقيقي للحياة ، وعلينا ان نتوكل عليه ولا نخشى احدا ابدا من دونه .
سلطان الله :
[ 118] إن سلطان الله ليس سلطانا فعليا فقط بل و يمتد الى المستقبل ، فبيده العذاب و المغفرة .
[ إن تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم ]في مواجهة الفكرة الخاطئة التي اعتقد بها النصارى في عيسى وأرادوا أن يتهربوا من المسؤولية تحت غطائها ، وهي : أن عيسى و أمه إلهان يخلصانهم من عذاب الله ، في مواجهة هذه الفكرة ، نجد القرآن يشرح لنا حقيقة المسؤولية ، و يبين أن الانسان مسؤول أمام ربه علىأعماله ، و علامة مسؤوليته علم الله به ، و رقابته عليه ، و شهادته عليه ، و جزاؤه على أعماله .
[ 119] وأكد الله هذه الفكرة و بين الجانب الايجابي من المسؤولية و هو الجزاء الحسن الذي أعده ربنا لمن أحسن عملا .
[ قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ]
وبذلك بين أن الصدق هو الابتعاد عن التبرير و النفاق و التهرب من المسؤولية بأسلوب أو آخر ، ان هذا الصدق ، هو أهم عمل صالح يقوم به الانسان ، اذ انه يدفعك الى تحمل مسؤولياتك وأدائها اداء حسنا .
[ لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ]لانهم سعوا من أجل تطبيق أعمالهم حسب أوامر الله و التزموا الصدق ، و وافقت أفكارهم و أقوالهم الحق ، فان الله جزاهم بالرضا ، فهو رضي عنهم وهم رضــوا عنــه . إن تبــادل الرضا بين العبد و بين ربه ، يأتي نتيجة إنسجام العبد مع الحق ، في ممارسته .. في تفكيره .. في كلامه ، وفي علمه .
[ 120] الله هو الحق .. الله هو ضمير الكون الشاهد .. الله هو مدبر الكون و ربه ، وحين ينفذ العبد أوامر الله ، فان الله يسخر له الكون . اذ انه يتصلبالحق .. يتصل بالضمير الشاهد .. يتصل بالقدرة .. بالعلم .. بالعزيمة ..
أما حين يخالف العبد ربه فانه سيواجه كل ما في الكون فهل يقدر على ذلك ؟
[ لله ملك السموات و الارض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ]
|