فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الايات
الرسل بين يدي الرحمن :
[ 109] يوم القيامة تظهر حقائق الأمور فهناك حقائق موجودة و ثابتة ولا تنتفي بمجرد نفيها أو بالسكوت عنها ، إنها حقائق إن سكتنا عنها تزداد قــوة و رسوخا ، و بالتالي تحيط بنا و تدمرنا .
و الاحساس بوجود الحقيقة و ظهورها في يوم من الايام يدفع صاحب العلم بان يكون شاهد صدق لعلمه ، ولا يكتم من العلم ما يخالف مصالحه .
ان أبرز العلماء هم الرسل ، الذين حملهم الله رسالاته ، و علمه و حكمته ، وهؤلاء سوف يسألون عن نتائج عملهم ، بالرغم من عظمتهم :
[ يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ]
إن الله بعث الرسل بهداية الناس ، و بتبليغ دعوته اليهم ، والان يسألهم عننتيجة أعمالهم ؟ ولكن بما ان عمر الرسل قصير في الحياة ، وربما ان علمهم ببواطن الناس كان في حدود تعليم الله لهم لذلك :
[ قالوا لا علم لنا ]
أي ان علمنا ليس كاملا بالجواب الحقيقي الذي تلقيناه من الناس .
[ إنك أنت علام الغيوب ]
إذا لو خدعنا الرسل - فرضا - ولو تظاهرنا أمامهم بالايمان كذبا و نفاقا ، فسكتوا عنا ، يجب الا نتصور اننا طمسنا الحقيقة .. كلا . فالله هو علام الغيوب و سوف يحاكمنا .
[ 110] وهذه قصة عيسى مع الله انظروا كيف يسأله الله باعتباره الشاهد على قومه ، وكيف يكشف زين دعاوي أتباعه : بأن قال لهم اعبدوني من دون الله .
[ اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك اذ ايدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا ]كل تلك نعم الله سبحانه على عيسى التي من دونها لم يكن عيسى شيئا .
إن روح القدس ، وهو الروح الذي يعصم صاحبه من المعصية ، والذي يؤيد به الرسل و الائمة فقط - عليهم جميعا صلوات الله - إنه أهم نعمة يزود الله بها عبدا من عباده ، و حينئذ لا يرتكب خطيئة فيزعم الجاهلون : انه ابن الله او ابن فيه روح من ذات الله سبحانه .. كلا .
إن الله هو الذي أيد عيسى (ع) بهذه الروح ، ولولاه إذا لهبط في الزلات ، كمايهبــط غيــره من الناس ، ٍإن الله أوكل يونس بن متى لحظات الى نفسه ( لحكمة بالغة ) فدعا على قومه ، فسجنه الله في بطن الحوت جزاء لزلته ( التي لم تصل - بالطبع - الى مستوى الذنب ) وكذلك معجزة عيسى الظاهرة وهي كلامه في المهد لم تكون دليلا على ألوهيته ، بلعلى عبوديته لله ، وكذلك علمه وحكمته :
[ وإذ علمتك الكتاب و الحكمة و التوراة و الانجيل ]يبدو ان الكتاب هو الدستور التشريعي المتمثل في التوراة ، بينما الحكمة هي المواعظ السلوكية المتمثلة في الانجيل .
[ وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بأذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بأذني و تبريء الأكمه والأبريص بأذني وإذ تخرج الموتى بأذني ]لقد كرر القرآن الحكيم كلمة باذني للدلالة على ان عيسى عليه السلام إنما كان عبدا لله .
[ وإذ كففت بني إسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ]لقد حاول بنو إسرائيل محاربة عيسى عليه السلام بكل طريقة ممكنة ، وكان عيسى كأي شخص عاجزا عن مقاومة ذلك لولا ان الله أيده ، اذا فليس عيسى إلها كما يزعم النصارى .
معجزة المائدة بين الايمان بالغيب و الشهود :
[ 111] وأهم من ذلك ان الله إعتمده إعتمادا وجعله رسولا .
[ وإذ أوحيت الى الحواريين أن ءامنوا بي وبرسولي قالوا ءامنا و اشهد باننا مسلمون ][ 112] ودعم الله موقف عيسى (ع) بان استجاب دعاءه حين طلب منه بنو إسرائيل بأن يأتيهم بالمعجزة البينة ، وذلك للدلالة على انه نبي فعلا .
[ إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ]أمرهم عيسى عليه السلام بالتقوى ، لأن التقوى ، تزيد الانسان يقينا ، و ايمانا و صدقا واذا زكى الانسان نفسه استطاع ان يفهم الحقائق بدون معاجز إضافية .
[ 113] ولكن بني إسرائي ازدادوا إصرارا في طلبهم :
[ قالوا نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم ان قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ]انهم قالوا : اننا بحاجة الى اطمئنان القلب و ليس غيره ، كما قال إبراهيم عليه السلام لربه : ( بلى ولكن ليطمئن قلبي ) .
ثم نريد ان تطمئن قلوبنا بصدق الرسالة و صدق الرسول قالوا : اننا نريد ان يكون موقفنا في الدعوة الى الله ، موقفا حاسما . إذ فرق بين ان يكون الانسان مؤمنا بشيء إيمانا غيبيا و بين أن يكون إيمانه إيمانا بالشهود ، فآنئذ يستطيع أن يكون كلامه أكثر حسما وقاطعية إذ قليلا ما يشك الناس في صدق المؤمنين اذا ادعوا بانهم رأوا البراهين بعينهم ، بينما قد يتشككون في الايمان الغيبي وقد ينسبون ذلك الى صفاء النية ، و بساطة الفكر ، و سذاجة النفس .
[ 114] [ قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لناعيدا لأولنا وآخرنا ]
أي يكون يوما مشهودا يتذكره الناس و يجددون ذكراه عاما بعد عام ، لتبقى ذكرى المائدة عالقة في أذهان الجميع ، و بالتالي تكون القصة عبرة لكل الأجيال .
[ وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ]
إنها آية تدل على معجزة الله ، ولكن عيسى عليه السلام طلب الرزق الدائم لقومه .
[ 115] [ قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فأني اعذبه عذابا لا اعذبه احدا من العالمين ]لأن هناك فرقا بين الكفر الصريح بعد الأيمان النابع من الشهود العيني ، و بين الكفر بعد الايمان الغيبي الذي قد لا يكون عميقا .
أن الله ينعم على عباده ليمتحن مدى شكرهم له عليها ، ومدى تقديرهم للنعم و استفادتهم منها فاذا كفروا بالنعمة فانه سبحانه لا يسلبها منهم فقط ، بل و يسلب منهم سائر النعم حتى يقولوا ياليت الله لم ينعم علينا بهذه النعمة قط .
مثلا : النفط في بلادنا نعمة كبيرة من الله ، و رزق عظيم لشعوبنا ، فاذا شكرنا هذه النعمة بأداء حقوق المحرومين ، و تقسيم الثروة بين الناس بالقسط فسوف تستمر هذه النعمة و تزدتد .
اما اذا كفرنا بهذه النعمة ، فأستأثر بها الكبار ، و حرم منها المستضعفون ، و اترف فيها الاغنياء ، فان الله لا يسلب ثروة النفط منا فقط ، بل وايضا يسلط بعضنا على بعض فينتشر بيننا الحقد و البغضاء فيقتل بعضنا بعضا ، حتى ياتي يومنتبرأ فيه من النفط ومن ثرواته و نقول : ياليتنا كنا مجتمعا زراعيا تسود فينا المحبة و الوئام .
|