فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الايات
خداع الله !

[ 142] يزعم المنافقون : إنهم كما يخادعون حسب زعمهم ابناء المجتمع الاسلامي ، كذلك بامكانهم مخادعة الله لذلك تجد ان أعمالهم الدينية تشبه ممارساتهم الاجتماعية .

فإذا قاموا الى الصلاة تكاسلوا ، وأدوا فقط القشر البارز من الصلاة ، اما جوهر الصلاة فانهم بعيدون عنه .

بيد أن هذه المخادعة ستنقلب عليهم . اذ أن الله اكبر من أن تنطلي عليه مخادعة العباد ، و يتقبل منهم هذه العبادات القشرية الفارغة .

[ ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ]

كيف يخادع الله عباده ؟ انه يمكر بهم ، و يكيدهم ، ويكيدهم بأن يمهلهم أياما حتى تسكرهم النعم ، ويفقدوا عقولهم وأرادتهم ، ثم يأخذهم الله فجأة أخذا شديدا كما فعل مثلا بقوم لوط ، إذ بعث الله اليهم بملائكة العذاب في صورة ضيوف ، و ألبسهم ثوب الجمال حتى استهووا قوم لوط الذين تعودوا على الفاحشة سابقا ، فلما اجتمعوا إليهم وكانوا يمنون أنفسهم بليال حمراء ولم يبق في أنفسهم ذرة من التقوى أو الايمان ..


آنئذ تحول أولئك الملائكة الى صورتهم الاصلية . فإذا هم غلاظ شداد ، واذا بهم يقتلعون مدينتهم ويدمرونها عليهم .

هكذا يخادع الله عباده عندما يحالون مخادعته .

[ واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا ]فهم لا يصلون حقيقة لله ، بل يتظاهرون أمام الناس .

وإذا كانت الصلاة وهي أهم الشعائر العبادية يؤدونها بهذه الروح فكيف بسائر الواجبات .

هذا مثل لخداع المنافقين لأنفسهم ، وكيفية قيامهم بواجباتهم الدينية ، و بالتالي هذه صفة واضحة فيهم نستطيع أن نكتشفهم عن طريقها .


فقدان المقاييس و الحكم بالشك :

[ 143] و الصفة الثانية للمنافقين هي الشك ، وتذبذب المواقف . فهم لا يتخذون مواقفهم حسب رؤية مستقبلية ، بل حسب التوفيق بين الجبهة الكافرة و بين المجتمع الاسلامي ، وتمييع المواقف ، وتأييد كل طرف في شيء حسب المصالح الآنية العاجلة لهم .

[ مذبذبين بين ذلك ]

أي بين الكفار و المؤمنين وذلك بأشارة الكلمة الثانية .

[ لآ الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ]

ولأنهم مذبذبون تستبد بهم الشكوك فان قلوبهم تفقد المقاييس الصحيحةالتي تميز الحق عن الباطل ، و بالتالي فانهم لن يهتدوا أبدا .

[ ومن يضلل الله لن تجد له سبيلا ]

الله هو الذي يهدي عباده بعد أن يسعوا من أجل الهداية ، أما الذين يتقاعسون عنها ويسدون أبواب قلوبهم دونها ، إذا كيف يهديهم الله ؟!

انه يتركهم في ضلالتهم وآنئذ لا يجدون من يهديهم من دون الله .

لنتصور الهداية كالعلم . كيف يحصل الواحد منا على العلم ؟ بالطبع عن طريق السعي الدائب ، و البحث الدائم ، ولكن كيف يكون حال من لا يسعى من أجل العلم ، بل و أخس من ذلك بأن يسد على نفسه الابواب ، ولا يدع أحدا يدخل علــيه ليعلمه ، أفلا يبقي هذا الشخص في الجهل أبدا ؟! كذلك الله يضلل المنافقين .


لمن الولاء ؟

[ 144] هذه بعض صفات المنافقين ، وعلينا أن نتحذر من انحرافهم الذي يبدأ بولاء الكافرين خوفا منهم أو طمعا فيهم .

[ يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ]الانسان لا يستطيع ان يمنح ولاء لجهتين متضادتين : فأما هو - بالتالي - موال للمؤمنين أو للكافرين .

واذا والى المؤمن كافرا ، فانه سيقطع ولاءه طبيعيا عن المؤمنين ، ولذلك عبر القرآن الكريم هنا بكلمة " من دون المؤمنين " .

نعم يمكن ان يكون ولاء المؤمن للكافرين من خلال ولائه للمؤمنين ، وذلكبأن يخلص ولاءه للمؤمنين ، ولكل من يخدم المؤمنين من الكفار .

[ أتريدون ان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ]

فلا ينصركم الله أنكم لا تخلصون الولاء له ، إّذ ان نصر الله انما يأتي للذين يعتمدون كليا عليه ، ويعبدونه بتطبيق برنامجه كاملا غير منقوص .

أما الذين يوالون الكفار فان الله يوكلهم اليهم ، لأنهم في الواقع لا يستطيعون تطبيق برامجه بالكامل .

[ 145] اما اذا والى المؤمنون الكافرين فانهم سيكونون منافقين ، و جزاء المنافقين معروف : انه جهنم .

[ ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ]

طبقات الجنة تسمى بالدرجات ، و أرفعها أعلى عليين ، و طبقات النار تسمى الدركات و أسوأها أسفل السافلين .

[ ولن تجد لهم نصيرا ]

انهم والوا الكفار بهدف الحصول على عونهم ، ولكن آمالهم ستخيب يوم القيامة . اذ سيجدون أنفسهم في النار دون أن ينصرهم أصدقاؤهم الكفار .


سبيل العودة :

[ 146] طريق عودة المنافقين الى الجبهة الايمانية ، طريق سالك ومعبد وذو مراحل أربع :

الاولى : التوبة بالندم على تعاملهم السابق مع الكفار ، و العزم على عدمتكراره .

الثانية : الاصلاح بترميم الجسور المهدمة بينهم وبين المؤمنين ، وذلك بتصفية عقولهم من أفكار الكافرين ، وتصفية قلوبهم من النفاق و الحقد على المؤمنين ، و تصفية علاقاتهم السابقة وتكوين علاقات حميمة جديدة .

الثالثة : الاعتصام بالله ، وذلك بتوثيق الولاء للقيادة الاسلامية والتسليم لها و الطاعة لأوامرها .

الرابعة : اخلاص الدين (1) ، وذلك باقامة الصلاة بنشاط و وعي ، ومن دون كسل ، وذكر الله كثيرا ، واقامة سائر الشعائر ، وممارسة سائر الواجبات بطريقة صحيحة .

بعد طي هذه المراحل يلحق هؤلاء بالمؤمنين الذين أعد الله لهم أجرا عظيما في الدنيا متمثلا بالنصر المؤزر ، وفي الاخرة في جنات عدن خالدة .

[ الا الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين اجرا عظيما ](1) ربما يكون معنى اخلاص الدين هو توحيد الولاء .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس