فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الاطار العام
استوحي اسم السورة من قصة ذكرت في اخرها و العبرة فيها : ان الرفاه الاقتصادي نعمة تهبط على البشر من السماء بقدر إلتزامهم بمناهج الله و أحكامه .

وتتناسب هذه العبرة مع الاطار العام لأحاديث السورة ، التي تدور في محور التنظيم الاجتماعي وبصورة تكاد تكون قريبة الى اطار سورة النساء اللهم الا في نقطة واحدة . ان هذه السورة تعني في الأغلب بالروابط الاجتماعية العامة ، بينما كانت سورة النساء تركز علىالعلاقات الأسرية و الحقوق المتبادلة فيها ، وبالذات قضايا الارث ، وما اشبه .

تبتدء السورة بضرورة الوفاء بالعقود ، باعتبارها الرابطة الاعتبارية الأساسية التي تبني حضارة الانسان ، ولكن القرآن يحدد العقود في حدود أحكام لا يجوز أن تتجاوز .


من أبرز هذه الاحكام ما بينه القرآن ، في الأطعمة التي هي اول واهم ما تتناوله عقود البشر ، لانها مرتبطة بأشد الحاجات ضرورة لهم .

وبعد بيان طائفة من أحكام الاطعمة التي فيما بينها حكم الصيد ، و حكم حرية التجارة - خصوصا في الأشهر الحرم - و التعاون على البر و التقوى وما أشبه ، مما يتصل من قريب بقضية الطعام ( الايات 1/4 ) .

بعدئذ يتحدث عن طعام الذين اوتوا الكتاب حيث يحله القرآن للمسلمين ، و يشجع بذلك التجارة بين أهل الكتاب و بين المسلمين في الأطعمة ( الاية / 5 ) .

ثم يبين القرآن بعض أحكام الطهارة في الاسلام ، المتصل بالعلاقات الاجتماعية ( حيث ان التطهر يحبب الناس بعضهم الى بعض ، وهو حق من حقوق المجتمع على الفرد ) ( الاية / 6 ) .

ويحدثنا القرآن ( بعدئذ ) عن ضرورة الوفاء بالمواثيق باعتبارها ركنا أساسيا للعلاقات الاجتماعية ، واذا كانت العقود وسيلة للتبادل التجاري ، فإن المواثيق وسيلة للتعاون السياسي الاجتماعي ، الا ان المواثيق يجب ان تهدف تحقيق العدل في الحياة ( الايات 7 / 11) .

كما تحددت العقود بالاحكام الشرعية و بالتعاون على البر .

و الميثاق السياسي للدولة الاسلامية هو أهم ما يجب على الأمة احترامه ، و يسوق القرآن قصصا تأريخية من واقع بني إسرائيل ليجسد لنا مدى ضرورة الالتزام بالمواثيق و كيف ان نقضها يورث الدمار و اللعنة ( الايات 12 / 14) .

ثم يحدثنا عن ضرورة تطبيق شريعة السماء في المجتمع انها نور و هدى سواءنزلت على موسى في التوراة ، أو على عيسى في الانجيل ، أو على محمد في الكتاب المهيمن على التوراة و الانجيل .

و يسوق القرآن الكريم من تأريخ بني إسرائيل كيف ان مخالفتهم لأوامر السماء جعلتهم يتيهون في الأرض أربعين سنة ، ثم يبين حكم القتل بعد بيان قصة إبني ادم حيث وقعت أول جريمة قتل ( الايات 15 / 32) .

ومن القتل ينتقل القرآن الى حكم الفساد في الأرض ( قطاع الطرق ) ومنه الى جريمة السرقة ، ومنها الى جريمة التجسس مما يرتبط جميعا بقية الأمن الاجتماعي . ( الايات 33/ 42) .

ويبين ضرورة الالتزام برسالات السماء انى كانت وأن من يخالفها كافر أو ظالم أو فاسق حسب طبيعة المخالفة ، و يسوق أمثالا لهذه المخالفات الثلاث .. ( الايات 43 / 47) .

بيد انه ليس من الضروري لاقامة الدولة الاسلامية اباعهم لان القيادة و الهيمــنة تكون للاسلام ، حيث لا يجوز للقائد اتباع اهوائهم لانها جاهلية ( الايات 48 / 50) .

و الولاء السياسي داخل المجتمع المسلم يجب ان يكون خالصا للقيادة الاسلامية ( الايات 51/ 53) .

وبعد ان بين القرآن طبيعة الولاء السياسي داخل المجتمع المسلم ، والذي سماه بحزب الله ( الايات 54 / 56) عاد و حذر من ازدواجية الولاء ، و بين بعضا من مساويء أهل الكتاب ، ومن ابرزها حقدهم على المسلمين ، و مسارعتهم في الاثم و العدوان ، و قولهم يد الله مغلولة و فسادهم في الأرض


( الايات 57/ 64) .

وماذا يستفيد الناس من تطبيق شريعة الله ؟ يجيب القرآن : بأنهم سوف يأكلون من فوقهم ومن تحت أرجلهم اذا طبقوا كتب الله ، هذا في الدنيا ، اما في الاخرة : فسوف يرزقهم الله جنة النعيم ( الايات 65/ 66) .

وعلى الرسول ان يبلغ رسالة الله في كل الشؤون ( ومن أبرزها قضية القيادة الاسلامية ) ولا يخشى أحدا ( الاية 67) .

ذلك أن رسالة الله هي خير للناس وان الأمة لا تساوي شيئا لو لم تطبق هذه الرسالة بالكامل ومن دون زيادة فيها ( الاية 68) .

وان قيمة الايمان و العمل الصالح هي القيمة الاساسية التي يقاس بها الاشخاص في المجتمع الاسلامي على اختلاف انتماءاتهم ( الاية 69) .

ولكن حرف أهل الكتاب دينهم ، واتبعوا أهواءهم حتى انه لو جاءهم نبي يخالف أهواءهم كذبوه أو قتلوه ، وزعموا انهم بقتله ضمنوا لانفسهم حياة هانئة ، ولكن كانت النتيجة بالعكس من ذلك تماما ( الاية 71) .

اما النصارى فقد اتخذوا المسيح إلها بينما كان المسيح يدعو الى الله ، و ينهي عن الشرك به و منهم من قال : ان هناك ألهة ثلاث ، المسيح واحد منهم ، وهؤلاء كفار سوف ينالون جزاءهم إذا لم يستغفروا ربهم .

اذا ، لم يكن المسيح سوى رسول مثل سائر رسل الله ، وأن امة صديقة ، وان أي شخص يعبد من دون الله لا يملك ضرا ولا نفعا فهو الأخر عبد لله ، وإنما تسربت فكرة تعدد الالهة الى الرسالات السماوية من أفكار الجاهلية ، وقدحاربها كل انبياء الله ومن بينهم - المسيح بذاته ( الاية 78) .

وهؤلاء الذين أدخلوا هذه الافكار الكافرة في الرسالات هم كفار وبعيدون عن روح الرسالة ، وأبسط دليل على ذلك انهم لا يتناهون عن المنكرات ، وان كثيرا منهم يتخذون الكفار قادتهم و أولياءهم ، و هذه صفة الكفر ، اذ لو كانوا يؤمنون بالله حقا ، لما اتخذوا الكفار أولياء ، بيد ان بعضا من علماء النصارى لا

يزالون متمسكين برسالة الله ، وان لهم جزاء حسنا . وبهذا السرد أراد القرآن فصل قيادة المجتمع الاسلامي عن اليهود و النصارى ، ثم عاد يتحدث عن : تنظيم الحياة الاجتماعي و ضرورة الانتفاع بالطيبات في اطار مراعاة حقوق الناس .

ومن الحقوق مراعاة اليمين الذي ينظم جانبا من حياة المجتمع .

و المجتمع الاسلامي متماسك لانه بعيد عن الطيش ( هو سبب من أسباب النزاعات الجاهلية ) فلا خمر ولا ميسر ولا انصاب ولا ازلام داخله .

ولا يعني ذلك ان كل لذة حرام في هذا المجتمع . كلا إذ أن كل شيء حلال في حدود القانون الذي تحصنه التقوى و الاحسان ( الاية 92) .

فمثلا : كل الطعام حلال إلا بعض الصيد ، الذي جاءت حرمته امتحانا و تربية للناس وذلك هو الصيد وقت الاحرام ، ويختص ذلك بصيد البر اما صيد البحر فهو حلال حتى في وقت الاحرام وتكميلا للصورة .. تحدث القرآن قليلا عن الكعبة ، وانها تخدم النظام الاجتماعي . فلوحرم الله الصيد خلال رحلة الحج فلأن ذلك سوف ينتهي الى تنظيم الحياة الاجتماعية ( الاية 97) .

وبعد ان تحدث القرآن عن ضرورة الالتزام بتعاليم السماء ، بين سخافةبعض ما الصق بالدين من خرافات و أساطير .

و بالتالي بين : ان الزيادة في الدين هي بمثابة النقيصة فيه . لا تصلح الحياة به ( الاية 103 ) وانها جاءت نتيجة التقاليد الجاهلية ، وان على الامة أن تتحصن ضد هذه التقاليد ولا تأبه بها ( الاية 105 ) .

وتنظيما للحياة الاجتماعية يأتي دور الشهادة حيث انها تحصن المجتمع من الاستهتــار بالحقوق ، و يبين الله أحكام الشهادة هنا بايجاز ضمن مثل حي ( الاية 108 ) .

ثم يعود الى الحديث عن الرسل و دورهم الذي لا يتعدى البلاغ ، وانهم حتى لو فعلوا المعجزات فانما باذن الله ، وبما اتاهم من قوة و علم ، وان الرفاه الاجتماعي الذي يعقب الرسالات السماوية ، انما هو من الله كما انزل الله مائدة من السماء على الحواريين ، فاننزول المائدة لا يدل على ان عيسى كان إلها ولذلك فهو يسأل يوم القيامة عن مقالة الناس فيه ولكنه يتنصل فورا عن فعله اتباعه لانالملك لله وحده ( الاية 120) .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس