فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


كيف نبلغ الفلاح
بينات من الايات

البشر عقل و ارادة :

[90] في البشر عقل و ارادة تقابلها الشهوات و الجهل ، وعلى الانسان ان يحكم عقله على شهواته بقدرة الارادة ، وقد جاءت رسالات السماء بهدف تنمية قدرة الارادة في البشر و تنمية قدرة العقل حتى يتمكن من ضبط شهواته ، و توجيه حياته حسب هدى عقله .

وقد حرمت رسالات السماء كلما يضر بالعقل و بالارادة ضررا بالغا ، لانه يتسبب بالطبع في سيطرة الشهوات على حياة الانسان .

وفي طليعة ما حرمته الشرائع السماوية الخمر و الميسر لأنهما يهبطان بإرادة الانسان و عقله الى أدنى مستوى ، وهما بالتالي رجس و حرام لأنهما من عمل الشيطان الذي يثير الشهوات و ينقص العقل و يضعف الارادة .

[ يا أيها الذين ءامنوا انما الخمر و الميسر والانصاب و الازلام رجس من عملالشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ]

ان الفلاح الذي هو الهدف الأسمى لكل ابن انثى في الحياة لا يتحقق إلا بالسيطرة على شهوات الذات بقوة الارادة .

اما اللهو فانه يضعف هذه الارادة و يثير المشاكل للبشر و اللهو هو ذلك الرجس الذي يدعمه الشيطان .


الخمر و الميسر من جنود ابليس :

[ 91 ] و الخمر و الميسر يسببان الفرقة بين الناس ، بينما الاسلام يأمر بالوحدة و يدعم هذه الوحدة بتحريم كل اسباب الفرقة .

إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر ]العداوة تأتي بسبب سيطرة الشهوات على الانسان ، فيحاول كل واحد ان يعتدي على حقوق الاخرين ليحقق هو شهواته ، بينما يجب ان يقف غريمــه فــي موقف الدفاع ، فان لم يستطع دفع الظلم عن نفسه انقلب ظالما لمن هو اضعف منه .

وهكذا يتحول المجتمع الى سلسلة من الظالمين و المظلومين ، و العداوة تتحول الى بغضاء اذ سرعان ما يبحث كل طرف عن تبرير نفسي لظلمة ، فينشر الحقد في كل قلب فكل من يصبح مظلوما يحقد على ظالمه .

ولكن المشكلة : ان هذا الحقد قد يتحول الى غير الظالم ، بل الى كل ابناء المجتمع فيبحث له عن متنفس يصب حقده فيه فاذا به يظلم الناس بلا سبب ،وبلا مصلحة ذاتية بل متشفيا لنفسه الحاقدة و يبقى سؤال : كيف تتسبب الخمرة في العداوة ؟

الجواب : ان الخمرة تذهب بالعقل ، و تضعف الارادة ، فيفقد الانسان السيطرة على شهواته فتصبح شهوانه هي المسيطرة عليه ، تسوقه الى حيث الاعتداء و الظلم .

اما الميسر فانه يعتمد على محاولة كل فريق التغلب على الاخرين ، ليس بالعمل الصالح وانما بالصدقة أو بالمكر و الشطارة .

و معلــوم كيــف تنتهي حالة مجتمع تسود علاقاته : المغالبة و المنافسة الماكرة ؟!

وسبب اخر لحرمة الخمر و الميسر هو : الالهاء عن ذكر الله ، و ذكر الله هوطريق فلاح الانسان .

ان الشيطان الذي يجسد قوى الشر في الطبيعة و يثير قوى الشر في النفس ، لا يريد توحيد كلمة البشر ، بل يحاول تقوية شهوات البشر ، و دعم أهوائه الذاتية ، وليس هدف الشيطان الذي يدعو الناس الى اللهو و اللعب و الى معاقرة الخمر و نسيان المسؤوليات ، و يدعوهم الى لعب القمار و الابتعاد عن العمل الصالح ، وكذلك فهو لا يهدف ابدا الى إسعاد البشر .

و الله يريد من الانسان ان يكون واعيا لمسؤولياته ، عالما بان هناك رقابة مشددة عليه من الله حتى يطلبق واجباته متذكرا ابدا تلك الرقابة .

اما الشيطان فيريد تناسي الله والابتعاد عن ذكر الله بالخمر و الميسر .

ومن هنا قال الله عن هدف الشيطان من الخمر و الميسر :


[ ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون ]هل انتم منتهون عن السير في خط اللاوعي و التناسي و الغفلة ان اثمن ما في البشر هو ذكر الله ، وتذكر المسؤولية و التعهد بأدائها .

و الشيطان يدفع بالبشر في الخط المعاكس . افلا نتوب الى الله و نطرد الشيطان و نهجر كأس الغفلة ، و أدوات العداوة ؟!


طريق العودة :

[ 92] و نعود الى حظيرة الطاعة و الالتزام بالمسؤولية .

[ واطيعوا الله واطيعوا الرسول ]

وبدلا من الغفلة و التناسي نلتزم بالحذر و نتسلح بالتقوى .

اذا كنت في غابة كثيفة الظلمات كثيرة السباع فهل من الصحيح ان تنام و تتناسى واقعك ، والاخطار المحدقة بك فالشيطان يدفع البشر باتجاه الغفلة ، وخط الله يدعو الى الحذر .

[ و احذروا فان توليتم فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين ]نحن لسنا مسؤولين عنكم ، ولا رسولنا مسؤول عنكم ، انما انتم المسؤولون عن انفسكم ، وانما على رسولنا : مسؤولية ابلاغكم فقط بما يجري ثم تتحملون انتم المسؤولية .


كل شيء حلال :

[ 93] ولا يعني تحريم الخمرة ان الله يريد للانسان ان يعيش في ضنكالعيش ، لان الله لم يحرم الطيبات على الانسان .

[ ليس على الذين ءامنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا ]انما يعني ذلك التحريم ان يبقي الانسان في حذر دائم من ارتكاب الجرائم ، وفي وعي دائم ، و تحمل المسؤولية و الحذر ، لذلك قال الله :

[ اذا ما اتقوا وءامنوا وعملوا الصالحات ]

ان الهدف من التقوى هو العمل الصالح ، ولكن العمل الصالح لابد ان يسبقه الايمان ، و الايمان يأتي قبل و بعد العمل الصالح اما قبله فلكي يدفع بالبشر الى اختيار العمل الصالح ، اما بعده فلان العمل الصالح يدعم الايمان و يقويه في القلب مما يمهد لمرحلة متقدمةجديدة من العمل الصالح . من هنا جاء الايمان هدفا للتقوى عندما قال ربنا :

[ ثم اتقوا و ءامنوا ]

ان التقوى ( أي التحسس بالمسؤولية ) تدعو الى العمل الصالح و تدعو في ذات الوقت الى مستوى جديد و مرتفع من مستويات الايمان .

ذلك المستوى هو الاحسان الى الناس لذلك جاء الاحسان نتيجة للتقوى في هذه الاية :

[ ثم اتقوا و احسنوا والله يحب المحسنين ]

وهكذا يتدرج المؤمن عبر المراحل التالية :

1 / التقوى بهدف العمل الصالح .


2 / التقوى بهدف تقوية الايمان

3 / التقوى بهدف الاحسان الى الناس .

وعموما . الطعام هو وقود الانسان المادي للقيام بهذه المراحل ، بينما التقوىهي وقوده المعنوي .

وفرق كبير بين الطعام في المفهوم التوحيدي حيث يكون تحت سيطرة التقوى ، و بهدف تحمل المسؤولية و الاحسان .

و الطعام في المفهوم الشيطاني حيث يكون ضد التقوى و ضد تحمل المسؤولية .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس