هل نكون من الشاكرين ؟
هدى من الآيات
بينات من الآيات [ 40] اذا كان لابد من انقاذ الانسان من ضلاله قبل توجيه طاقاته الى الحياة ، وهذا الانقاذ هو اكبر نعمة لله عليه . من هنا قال الله لبني اسرائيل :
[ يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم ]
انها نعمة الهدى التي تؤدي بالطبع الى سائر نعم الحياة ، ولكن نعمة الهدى ومن ثم سائر النعم لا تبقى الا بعد التمسك بها ، و الوفاء بالتزاماتها . من هنا قال ربنا لبني اسرائيل :
[ و اوفوا بعهدي اوف بعهدكم ]
اي تمسكوا بالهدى ، اعطيكم سائر النعم .
ولكن الانسان قد يتنازل عن نعمة الهدى تحت طائلة الخوف من الطبيعة ، الخوف من الطواغيت . الخشية من ضياع الشهوات وهكذا ..
ولكنه لا يعلم ان ابتعاده عن الهدى سوف يجره الى مصاعب اكبر مما يخشى منه ، ولذلك يذكرهم القرآن بالقول :
[ و اياي فأرهبون ]
لا تخشوا الطبيعة او الناس او الشهوات بل اخشون وحدي ، واذا زالت الخشية من الناس وتحرر الانسان من الخوف ، زالت العقبة الاساسية التي تعترض طريق الايمان ، ولكن تبقى عقبة العادة التي لابد من تجاوزها .
[ 41] اصعب ما يتعرض له المؤمنون من امتحان هو مقاومة العادة . المؤمن متعود على طريقة معينة من السلوك ، استنادا الى نصوص دينية جاءت في مرحلة معينة من مراحل الحياة ، ولكن تتبدل تلك المرحلة وتتبدل النصوص وفقا لذلك ، ولكن الفرد قد يظل اسير عاداته السابقة ، فعليه ان يبذل المزيد من الجهد حتى يقاوم عاداته السابقة و يلتزم بطاعة الله .
من هنا اخذ الله عهدا قاطعا من جميع الانبياء ، ان يصدقوا النبي الذي يأتيهم لاحقا و يتبعوه ، ولا تأخذهم في اتباعه انفة او عادة او عزة بالاثم . حاشاهم .
وفي هذه الاية يذكر الله بني اسرائيل بذلك ويقول :
[ و آمنوا بما انزلت مصدقا لما معكم ]
اذ مادامت الرسالة واحدة و الهدف ليس تحقيق مصالح ذاتية ، بل طموحات انسانية عامة ، فلابد ان يسارع المؤمنون بالرسالات السابقة ، الى الايمان بالرسالة الجديدة ، والا فسوف يدفعهم التنافس الى ان يكونوا اول كافر بهذه الرسالة ، سعيا وراء كسب شارع المتدينين، و خوفا من فقدان قاعدتهم الايمانية . كذا حذر الله بني اسرائيل قائلا :
[ ولا تكونوا اول كافر به ]
وبين ان سبب الكفر المبكر بالرسالة قد يكون المصالح الذاتية فقال :
[ ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ]
وقد يكون السبب الخوف من بعض اصحابهم من ذوي العقول المتحجرة لذلك قال الله لهم :
[ واياي فاتقون ]
اي اجعلوا تقواكم و خوفكم فقط مني ومن عذابي و بطشي .
[ 42] وبعد الكفر تبدأ سلسلة من عمليات التزوير و التحريف ، اولها خلط الحق بالباطل ، و كتمان جانب من الحق واظهار جانب آخر ، بحيث يثبت حجة اهل الباطل .
ان صاحب الرسالة يجب الا يخدع الناس فيظهر لهم الجوانب التي تبرر سلوكياته . و يخفي عنهم الجوانب التي تدين تصرفاته . وهذا ما سوف يقع فيه من لا يسارع الى اتباع الحق ، حيث حذر القرآن قائلا :
[ ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون ][ 43] ولكي لا يفعل صاحب الرسالة هذه الجرائم ، عليه ان يتوكل على الله ، و يستعين به عن طريق الصلاة و الانفاق . ذلك لان التنازل عن المصالح الشخصية و الاستسلام المطلق للحق المتمثل في الرسالة الجديدة ليس سهلا ابدا ، بل هي بحاجة الى ما يدعمها من الصلاةو الزكاة . من هنا قال الله سبحانه :
[ و اقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و اركعوا مع الراكعين ]واذا كانت الصلاة لله فلماذا تختلف صلاة عن صلاة ، و معبد عن معبد ليجتمع الكل في صــف واحــد . ليركعوا لله الواحد الاحد ، و ليمنعوا عن رسالة الله كل مظاهر المادية المقيتة .
[ 44] اذا لــم يسارع المؤمن بالرسالات السابقة الى الايمان برسالة الله الجديدة ، فانــه يضطر الى ممارسة الرياء و النفاق ، و التظاهر بالتدين و التنسك و العمل بالاهواء ، ذلك لان الكفر بالرسالة الجديدة ، يجعله بلا دين حقيقي فيتظاهر بالتمسك ببعض القشورو ترك حقائق الدين من هنا حذر الله بني اسرائيل وقال :
[ أتأمرون الناس بالبر و تنسون انفسكم ]
بينما كان المفروض على هؤلاء اصحاب الرسالة ان يكونوا اكثر التزاما بالرسالة من غيرهم لانهم يعرفون الرسالة .
[ وأنتم تتلون الكتاب ]
وهل يكفي قراءة الكتاب .. بالطبع لا ، انما يجب التفكر فيه للاستفادة من جوهره ، وذلك هو العقل الذي ينبغي الوصول اليه .
[ افلا تعقلون ]
[ 45] كيف نحارب النفاق و التلون ؟ وكيف نقول بما نعمل و نعمل بما نقول و نتجاوز بالتالــي المــسافة بين الادعاء والواقع ؟ الجواب : بالارادة القوية ، ولكن كيف نقوي الارادة ؟ ان الارادة بحاجة الى تدريب حتى تقوى ، فهي كأي شيء في الانسان تنمو كلما استثمرها الانسان اكثر فأكثر ، العضلات تشتد بالرياضة و الاعصــاب تقوى بمواجهة المشاكل ، و الفكر ينمو باستخدامه ، وهكذا الارادة تنمو كلما استفاد الانسان منها ، جرب ذلك وصمم على القيام بعمل صعب ، انك سوف تجد صعوبة في ممارسته اول مرة ، ولكن كلما قمت به او قمت بامثاله قلت صعوبته .
و الصلاة افضل استثمار للارادة وبالتالي افضل وسيلة لتنميتها انك حين تصلي لله ، تقاوم الذاتية في نفسك و تحارب طبيعة التقوقع داخل زنزانة المصالح وبتعبير اوجز تحارب الشيطان بكل جنوده .
وحين الصلاة تهجم عليك وساوس الشيطان لتبعدك عن الاتصال بالله فتراك تركز نظرك في الله والشيطان يصرفك الى اي شيء اخر غير الله . الى الدراسة الى التجارة الى مشاكل البيت و..و.. ولا تزال في حالة حرب حتى تنتهي الصلاة وهكذا سمي محل اقامة الصلاة ( محرابا )لانه فعلا موقع حرب .
وهكذا تكون الصلاة تجربة للارادة و ممارسة لها ، بالاضافة الى انها تقربك الى الله رب كل شيء مما يشيع في نفسك الثقة لمقاومة اسباب الضعف في الخوف و الرغبة .
و الصبر ومن مظاهره العملية الصيام وهو الاخر - تجربة للارادة - فهو يدع الانسان يتطلع للمستقبل ولا يفكر في حاضره فقط و الصبر بما يمثل من تطلع الى المستقبل بما فيها من ثقة بالله ، قوتان هائلتان يجب الاستعانة بهما .
[ و استعينوا بالصبر و الصلاة ]
لمقاومة ضعفنا الداخلي ، ولكن الاستعانة بالصبر و الصلاة ، صعبة هي الاخرى فكيف نصبر وكيف نصلي ؟ الجواب : علينا ان نخشع و نذلل غرور انفسنا و كبريائها الكاذب ، بالتفكر الدائم في الاخرة حيث نتصور انفسنا وقوفا امام الله في المحكمة الكبرى ، حيث " لاينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم " . ان الخشوع يدفعنا الى الصبر و الصلاة ، لذلك قال الله :
[ وانها لكبيرة الا على الخاشعين ]
[ 46] و الخشوع بدوره يأتي من ( تصور ) المعاد :
[ الذين يظنون انهم ملاقو ربهم وانهم اليه راجعون ]
[ 47] لذلك يذكر الله بني اسرائيل بذلك اليوم الرهيب وبما انعم عليهم من الهدى ، والذي تسبب في ان يصبحوا افضل الناس اجمعين فيقول :
[ يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين ][ 48] [ و اتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ]فاذا كانت الحياة الدنيا هي هدف الانسان ، فعليه ان يتذكر انه لن ينالها الا بالتمسك بهدى الرسالة . واذا كانت الحياة الاخرة هي الهدف الاسمى ، فلابد ان نتقي يوما توضع فيه الموازين العادلة ، ليأخذ كل انسان جزاءه ، ولا يغني عنه احد شيئا ، ولا يشفع له ( الا بإذن الله ) ولا يقبل عنه بديل ، ولا يمكن ان ينصر الكافرون .
|