الثقافة التوحيدية [ 163] ان على المسلم ان يستوحي ثقافته من الله او ممن امر الله ، ذلك التوحيد الخالص و القرآن هنا يبين لنا سبب هذا التوحيد ( الثقافي ) ويقول :
[ و الهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم ]
فمـادام الله واحدا ، فان علينا طاعته و اتباع رسوله ، دون ان نختار لانفسنا موجهين و نتبعهم .
ولكي يكرس القرآن الكريم هذه الفكرة ، يوجهنا الى فطرتنا ، و يأمرنا بالنظر الى آيات الله في السماء و الارض ، خصوصا تلك التي تعكس رحمة الله الواسعة و المستمرة .
ان هذه الايات تدعونا الى التوجه الى الله وحده ، و نبذ الانداد من دونه ، وهذه الدعوة تتصل بفطرة الانسان الراسخة في حب من احسن اليه ، ومن اوسع احسانا من الله علينا ؟
[ ان في خلق السموات و الارض ]
بهذه العظمة و الروعة و الدقة .
[ و اختلاف الليل و النهار ]
بما فيه من آية الرحمة ، و الحكمة ، و القدرة ..
[ و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ]
من نقلهم ونقل امتعتهم الى اقاصي الارض .
[ وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها ]كيف انه نظم الحياة بشكل يتبخر الماء ، فيتحول الى سحب تحمله الرياح و تسوقه الى حيث الحاجة اليه ، فتمطر مــاءا عذبا نافعا للزرع و الضرع ، حاملا معه كل ما ينفع الارض .
[ و بث فيها من كل دابة ]
ذات حياة ، فاذا بالنملة واصغر منها ، واذا بالفيلة و اكبر منها ، واذا بالطيور و السباع و الاسماك ، كل قد هداه الى رزقه ونفعه ، وكل قد خلق لهدف محدد ، ثم و فرت له وسائل الحياة لاجل مسمى .
[ و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الارض لايات لقوم يعقلون ]الذين يستثمرون طاقة العقل التي وضعها الله فيهم ، وحدهم ينظرون من خلال هذه الايات الى رحمة الله الواسعة و الدائمة ، و يعرفون ان الله هو وحده الجدير بالحب و الطاعة و العبادة ، وانه دون غيره من الشركاء يجب ان يتخذ وليا .
[ 165] الذين لا يعقلون لا ينتفعون بعقولهم بالرغم من وجودها عندهم ، هؤلاء لا يعرفون ربهم ، لانهم ينظرون الى الكون نظرة جامدة متحجرة لا تتجاوز ظواهر الكون ، دون تعمق في دلالات هذه الظواهر . ولذلك فهــم لا يؤمنون او يؤمنون ، ايمانا سطحيا بالله .
[ ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله ]لنظرتهم الجامدة ، فهم يقدسون الشمس - مثلا - بدلا من ان يعبدوا الذي خلق الشمس و نظم سيرها ، وهو الله . لماذا ؟
لانهم ينظرون الى ظاهر الشمس دون ان يستدلوا بها على ربها ، كذلك فهم يرتبطون باصحاب المال و الجاه و العلم ، دون ان يفكروا ان هؤلاء جميعا عباد لله ، وان الله هو الذي اعطاهم هذه النعم ، فأولى بهم و اجدر ان يتصلوا بالله مباشرة ، ولا يسمحوا لانفسهم بأن يستعبدها هؤلاء الوسطاء .
[ و الذين آمنوا اشد حبا لله ]
فبالرغم من انشاء علاقة بينهم وبين اصحاب المال و الجاه و العلم ، فهم لا يسمحون لانفسهم بالعبودية لهؤلاء ، بل يبقون ابدا مرتبطين بالله ارتباطا اشد .
[ ولو يرى الذين ظلموا ]
انفسهم ، باتباعهم الانداد ، و تفضيل الانداد على الله حين خالفوا اوامر الله ابتغاء مرضاة الانداد ، من اصحاب الثروة و السلطة . و المعرفة لو يرى هؤلاء الحقيقة فانهم يكفون عن غيهم وذلك .
[ اذ يرون العذاب ان القوة لله جميعا وان الله شديد العذاب ]فان كان حب الانداد طلبا للقوة فان القوة لله جميعا ، وان كان خشية العذاب فان الله شديد العذاب .
[ 166] هؤلاء الذين يتبعون من دون الله و يتخذون اندادا مع الله ، هؤلاءضعفاء و خونة ، اذا انهم سوف يتبرأون من التابعين دون اي وازع من ضمير .. ولو يرى تابعوهم تلك الحالة .
[ اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا ]
جميعا التابعون و المتبوعون .
[ العذاب و تقطعت بهم الاسباب ]
فلم يجدوا حبلا يعتصمون به ولا ملجأ يأوون اليه .
[ 167] [ وقال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة ]
الى الحياة الدنيا او الى الوراء .
[ فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا ]
هذه عاقبة الذي يتخذ من دون الله اندادا يحبهم كحبه لله ، و يتبعهم من دون امر الله ، العاقبة هــي النــدم . حيث يقول ياليت الزمان يعود بي الى الوراء فارفض اتباعهم ولكن هيهات ..
[كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم ]
اذ انهم عملوا اعمالا كثيرة ولكنها كانت اعمالا باطلة بسبب اتباعهم فيها للانداد ، فيتحسرون عليها ولكن الحسرة لا تنفعهم ولا تخفف عنهم عذاب ربهم .
[ وما هم بخارجين من النار ]
ان الامة الاسلامية لابد ان تنعدم فيها مراكز القوى ( الانداد ) ، وتتجه في خط واحد الى الله ، في صراط مستقيم ، ولا يتبع احد فيها احدا الا بإذن الله ، ويكون حبه لله اشد من حبه لمن حوله من الناس الاقوياء و الضعفاء على حد سواء . انه مجتمع حر بكل ما في الحرية من معنى . وفي الدروس التالية تفصيل لهذه الحقيقة .
|