فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


امروا بالقتال فتولوا
[ 246] اخرجوا من بلادهم ظلما و عدوانا و طالبوا نبيهم ، بان يختار الله لهم قائدا يحاربون اعداءهم تحت لوائه .. ولكن حين بعث الله لهم قائدا وجد الجد نكصوا على اعقابهم . انهم مثل لعدم الايمان الحقيقي وبالتالي فصل دين الله عن الحياة ، و فصل الدين عن السياسة و رجال الله عن امور الدنيا . .

ان الدين الذي يريده الله هو دين الحياة ، وان الايمان الذي يطالب به العباد ، هو الايمان بالله المدبر للكون ، المطاع بلا شريك في الحياة، وهذا الايمان كان مفقودا عند هذه الطائفة لذلك فشلوا في الامتحان . وقال عنهم ربنا :

[ الم تر الى الملأ من بني اسرائيل من بعد موسى ]

الذي كان قائدهم المطاع والذي انقذهم الله به من بطش فرعون .

[ اذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ]ولكن النبي كان يعرف مستوى ايمانهم الضحل ولذلك .

[ قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا قالوا و مالنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا ]فكيف لا نقاتل هل هذا معقول ؟

[ فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم بالظالمين ]كان يعرفهم قبل ان يكتب عليهم القتال ، و يتولوا ، ولكنه امتحنهم ليعرفوا انفسهم ، وليتم عليهم الحجة ، ولعل الناس يعتبرون بقصتهم .

ان هؤلاء يمثلون فريقا من الناس يؤمنون بالله ايمانا ظاهرا و سطحيا ، فاذا محصوا بالبلاء كفروا بالله ، اذ انهم - منذ البداية - كانوا يزعمون : ان الله محصور في المسجد وبعض الصلوات و الابتهالات ، ومن ثم ، بعض التعاليم الخلقية ، اما الله الذي يأمر بالقتال ، و بطاعة رجال معينين لا يملكون كفاءة القيادة حسب تصورهم الباطل .. فانهم يكفرون به ..

[ 247] و قصة هؤلاء بالتالي ، هي قصة المؤمن الذي لم يذوب نفسه كاملا في بوتقة الايمان ، ولم يسلم نفسه لله . ولا تزال رواسب الجاهلية و قيمها تتحكم فيه ، لنستمع الى القصة و نعتبر منها لانفسنا :

[ و قال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا ]

فاذا بهم يجن جنونهم ، لماذا طالوت وليس فلان او فلان ..

[ قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ]لاننا اكثر اموالا منه ، والملك يجب ان يكون غنيا وليس طالوت كذلك .

[ ولم يؤت سعة من المال ]

فاجابهم النبي : بان قيادة الحرب لا تحتاج الى مال ، بل الى كفاءة اخرى موجودة في طالوت ، ولذلك اختاره الله .

[ قال ان الله اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم ]وهذه هي كفاءة القيادة الحربية ، ان يكون قادرا عليها جسديا وعلميا ، ثم ان اختيار الله له تزكية له ، و كافية لثقتكم بامانته وكفاءته ، ثم ان الله هو الهكم وبيده امور عباده ، و عليكم ان تطيعوه دون تلكأ .. او تقاعس .

[ و الله يؤتي ملكه من يشاء و الله واسع عليم ]

قادر و قدرته واسعة ، و رحيم و رحمته واسعة ، و عليم فهو الملك الحقيقي للعباد ، وهو يؤتي ملكه لمن يشاء .

[ 248] بذلك افحمهم ، ولكنهم تساءلوا وقالوا : من يقول ان الله قد بعث طالوت ملكا ؟ . هنا بين لهم علامة ملكه .

[ وقال لهم نبيهم ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم و بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين ]لقد كانت السكينة في التابوت بقية تراث الانبياء وكانت كافيه لهؤلاء الناس بالاعتقاد بان طالوت ملكهم ، ولكنهم مع ذلك لم يقاتلوا معه كما يأتي . وكان التابوت - كما جاء في التفاسير - هو الصندوق الذي وضعت ام موسى ، وليدها ، بأمر الله فيه . وبقي عند فرعونالى ان ورثت بنو اسرائيل ملك فرعون ، فأخذه موسى و وضع فيه مواريث الانبياء ، مضافا الى ودائعه ، و اورثه وصيه ( يوشع ) .

وكان التابوت ( او صندوق العهد ) يعتبر اكبر من اللواء . و الشعار عند بني اسرائيل . وقد استولى عليه الكفار من عبدة الاصنام في ارض فلسطين . وكانوا دائمي الحنين اليه . فلما اخبرهم ( شموئيل ) نبيهم بان الملائكة سوف تعيد اليهم صندوق العهد استبشروا ، لانهم علموا انه دليل انتصارهم على اعدائهم .

و تضيف التفاسير : ان الكفار ، لم يهنأوا بالصندوق ، اذ توالت عليهم النكبات ، فتطيروا بالتابوت . واستقر رأيهم ان يعلقوه بين بقرتين ، ثم يهجموا بهما في الصحراء . لتذهبا به انى شاءت الاقدار وكان ذلك الوقت مصادفا لذات الفترة التي انصب الله - عبر شموئيل- طالوت ملكا على بني اسرائيل ، و وعدهم بان تحمل الملائكة اليهم التابوت . فوجه الملائكة البقرتين الحاملتين للصندوق باتجاه ديار بني اسرائيل . وهناك اقوال اخرى . في هذه القصة التأريخية الا ان المهم عندنا عبرة القصة حيث نتساءل :

ماذا ترمز بالنسبة الينا السكينة و البقية ، انهما ترمزان الى ضرورة توفر صفتين في القيادة .

1 - الثقــة بها ، و اشاعة الاطمئنان فيمن حولها ، وذلك عن طريق التجرد للحق ، وعدم الاستســلام للقوى الضاغطــة ، و عدم تفضيل طائفة من الناس على طائفة .

2 - هذه واحدة و اخرى الاصالة و الارتباط بتراث الامة الحضارية و القدرة على التعامل مع هذا التراث تعاملا ايجابيا مستمرا ، ان تجارب الامة النضالية عبر القرون افضل ينبوع يلهم الناس الصبر و اليقين و التضحية من اجل القيم الرسالية .

[ 249] اختار طالوت جنوده ، وتوجه تلقاء العدو ، ولكنه كان محنكا لم يغامر بمواجهة العدو قبل ان يقوم بمناورة عسكرية ، الهدف منها اختبار جنوده ، فمر في طريقه بنهر عذب وكان جنوده يعانون من عطش شديد ، فنهاهم عن ان يشربوا اكثر من كف من الماء فقط ، وكانت المفاجأة ان اكثرهم فشلوا في الاختبار .

[ فلما فصل طالوت بالجنود قال ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فانه مني الا من اغترف ]الماء بمقدار ما تحتويه يده فقط .

[ غرفة بيده فشربوا منه الا قليلا منهم ]

وهنا امر طالوت الذين لم يصبروا عن العطش قليلا ، بان يعودوا ربما الى احضان امهاتهم ، انهم ليسوا رجال حرب ، الحرب بحاجة الى خشونة و طاعة ، ولا تنفعها الميوعة والخــذلان ، و ســار بعــيدا عن النهر بجيش صغير ، ولكنه قوي المعنويات نوعا ما .

[ فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت و جنوده ]وكان جالوت يمثل جيش الكفر الذي خرج الى جنود طالوت للحرب ، في جيش ضخم ، كثيف العدد ، و لكن قليل المعنويات ، و بالطبع ارهب عدد الجيش الضخم و معداته الكثيرة ، المؤمنين لانهم بشر ، بيد ان روح الايمان اسعفتهم و ذكرتهم بالآخرة وبان الله يأمرهم بالمقاومةحتى يجزيهم الجنة ، هنالك اطمأنوا بالايمان .

[ قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله ]

و يتصورون انفسهم امام الله ابدا ، و يستمدون منه القوة و العزم قالوا :

[ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله و الله مع الصابرين ]اذ لا يهم عدد الجيش بل ايمانهم بقضيتهم و تضحيتهم من اجلها .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس