فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


ان يوم الفصل كان ميقاتا
هدى من الآيات

اتراهم يتساءلون عن النبأ العظيم ، عن يوم الجزاء ( عن مسؤولية الولاية ) و يختلفون فيه ( ثم لا يبحثون بجد عن الاجابة الصحيحة ) ؟ كلا .. ( دعهم في غيهم ) فسوف يعلمون ، ثم كلا .. ( ليس الأمر بهذه البساطة ) فسيعلمون .

افلا يبصرون شواهد التدبير و الحكمة : في الارض التي مهدت لهم و وتدت بالراسيات ، في خلقهم ازواجا تتكامل ابعاد و جودهم ببعضهم ، في حياتهم كيف نظمت فجعل الليل لهم سكنا و جعل النهار لمعاشهم مبصرا ، و في السماوات التي تحفظهم عن الطوارق ، و كيف جعل الله فيها سراجا و هاجا ، و في تدبير رزقهم بالغيث الذي ينزل عليهم ماء ثجاجا فيخرج الله به حبا و نباتا و جنات الفافا ؟ !

بلى . لو انهم ابصروا شواهد الخلقة و آيات الحكمة لعلموا ان يوم الفصل ات و انهم لمجموعون اليه عندما ينفخ في الصور فيتوافدون على ربهم أفواجا .. و يومئذتفتح ابواب السماء فتنزل الملائكة بالجزاء . اما الجبال فتسير ثم تتلاشى كما السراب !


بينات من الايات :

[ 1] يعرض البشر عادة عن التفكير الجدي في الحقائق الكبرى التي ترسم الخطوط العريضة في حياته ، لماذا ؟ هل لانها غامضة ؟ كلا .. بل لان في نفسه نزوعا عنها ، اوليست معرفتها تحمله مسؤوليات كبيرة . اذا لماذا يكلف نفسه عناء ذلك ؟ دعه يمر على آياتها غافلا عساه يتهرب من مسؤولياتها . و لكن هل الاعراض عنها يغنيه شيئا ؟ كلا .. انه بالغها فمواقعها شاء ام ابى ، آمن ام عاند و كفر .

من تلك الحقائق يوم الفصل و ميقاته ، و ما فيه من أهوال عظيمة تدع الولدان شيبا ، و ما يفرضه علينا من مسؤولية التسليم للحق و لقيادته ، فهل يمكن الاعراض عن كل ذلك ؟ كلا .. لان آياته ملأت آفاق حياتنا ، و اننا لازلنا نتساءل عنها و نختلف فيها و لكن ليس بصورة جدية ، و غدا حين نواجهه نعلم مدى الخسارة في هذا التساهل ، و لا يسعفنا الندم يومئذ شيئا .

[ عم يتساءلون ]

[ 2] و اذا كان الانسان يعرض عن النبأ العظيم فلماذا يتساءل عنه ؟ ربما لان شواهده تفرض عليه التساؤل ، فهو من جهة يتهرب من التسليم له لانه يحمله مسؤولية التسليم للحق و لقيادته ، و من جهة ثانية لا يستطيع الفرار من آياته التي تحيط به ، فيظل يتساءل عنه :
كيف و متى و اين و لماذا ! ؟ و مراده من كل ذلك الفرار منه ، و في الذكر الحكيم بيان لتساؤلاتهم عن يوم الفصل : انى هو ، و متى هو ، و كيف يحيي الله فيه الاموات ، و ما اشبه .


[ عن النبأ العظيم ]

فما هو ذا النبأ العظيم ؟ هل هو مجمل الحقائق العظيمة كالتوحيد و الرسالات و البعث و الجزاء ، ام انه يوم الفصل الذي يذكره السياق لاحقا ، ام انه ولاية الامام علي - عليه السلام - حسبما ذكر في رواية مأثورة عن النبي - صلى الله عليه واله - ؟

كل ذلك محتمل ، لا سيما و نحن نعرف ان الحديث عن موضوعات الرسالة متواصل بعضها مع بعض ، فمن تساءل عن يوم الفصل فانما يتساءل عنه ليعرف هل عليه ان يسلم للنذير به وهو الرسول و لمن يأمره الرسول باتباعه .

و اذا كان الفرار من المسؤولية هو الباعث نحو جحد يوم الفصل فان اعظم المسؤوليات التسليم للقيادة الشرعية و التي تمثلت في ولاية ائمة الهدى و في طليعتهم الامام علي عليه السلام .

و هكذا روي عن الحافظ ابي بكر محمد بن المؤمن الشيرازي عن رسول الله - صلى الله عليه واله - في تفسير هذه الآية انه قال : " المراد ولاية علي الذي يسأل عنها في القبر " (1) .

و روي عن الامام الصادق - عليه السلام - انه قال : " النبأ العظيم الولاية " (2) .

و قال الامام علي بن موسى الرضا - عليه السلام - : " قال أمير المؤمنين(1) عن رسالة الاعتقاد للحافظ ابو بكر محمد بن المؤمن الشيرازي في تفسير نمونه / ج 26 / ص 10 .

(2) المصدر / ص 11 .


- عليه السلام - : ما لله نبأ أعظم مني ، و ما لله آية أكبر مني " (1) .

و روي عن الامام الحسين بن علي - عليه السلام - انه قال : " قال رسول الله - صلى الله عليه واله - لعلي - عليه السلام - : يا علي ! انت حجة الله ، و انت باب الله ، و انت الطريق الى الله ، و انت النبأ العظيم ، و انت الصراط المستقيم ، و انت المثل الاعلى " (2) .

[ 3] و اختلافهم في النبأ العظيم دليل على انهم لا يملكون حجة دامغة لنفيه فاذا بهم يترددون في أمره ، تدعوهم آياته للايمان به بينما تدعوهم اهواؤهم الى الجحود .

[ الذي هم فيه مختلفون ]

و لعل اختلافهم يكون ايضا في تفسير دلائله و كيف يتهربون منها . الا تجد كيف ضربوا للرسول الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا فقالوا انه مجنون بل هو شاعر بل افتراه ، و هكذا يكون الاختلاف دليل عجزهم عن تفسير آيات الحقيقة التي ينكرونها .

[ 4] و هل انكارهم للحقيقة يلغيها او اختلافهم فيها يخفف عنهم وطأتها حين تنزل بهم ! ؟

[ كلا سيعلمون ]

يوم يساقون الى الجزاء فلا يجدون عنه محيصا .

[ 5] بل انهم سيجدون الجزاء في الدنيا قبل الآخرة .


(1) نور الثقلين / ج 5 / ص 491 .

(2) المصدر .


[ ثم كلا سيعلمون ]

و قال بعضهم : ان هذه الآية تشير الى انهم سيعلمون الحق في الاخرة بينما الاية السابقة تشير الى ما يعلمونه في الدنيا . و يحتمل ان يكون الاتيان بمفهوم واحد للتاكيد .

[ 6] او لا يبصرون ايات الله في الخلق فيعرفون حكمته و انه لم يخلقهم عبثا و لن يتركهم سدى ؟

[ الم نجعل الارض مهادا ]

اولا تراها كيف ذلك لمعاشك تذليلا ؟ انبسطت عليها طبقة من التراب تستخدمه للسكنى و الزراعة ، و تسويه لحركتك ، و يحتضن اجسادنا بعد الموت ، و يستوعب سائر انشطتنا في الحياة .

و اذا امعنا النظر راينا ان سائر ما في الارض هيء لحياة الانسان ، و لا نعرف مدى أهمية الانظمة التي أجراها الرب في الارض الا بعد قياسها بسائر الكرات القريبة التي لم نعهد في اي منها اثرا للحياة و لا فرصة للعيش . او ليس في كل ذلك دليل على التدبير و الحكمة ؟ او لا نهتدي بها الى ان الله لم يخلقنا عبثا ؟

[ 7] و لكي تستقر الارض و ما فيها ، و لا تتعرض لامواج الاعاصير التي تحيط بها ، و لا لتناوب المد و الجزر الناشئين من جاذبية القمر كما البحر ، و لكي تتحصن قشرة الارض من اخطار الزلازل و البراكين و الانهيارات بسبب الغازات التي تتفاعل في نواتها الداخلية، لكل ذلك و لاسباب اخرى عديدة نعرف بعضها و نجهل الكثير جعل الله للارض واوتادا هي الجبال .

[ و الجبال اوتادا ]


هذه القمم السامقة ، و تلك السفوح المنبسطة ، و هذه الشبكة من الصخور التي تتصل ببعضها من فوق الارض و من تحتها . انها تحصن الارض كما الدروع السابغة . افلا نبصر اثار القدرة و لمسات الحكمة على الطبيعة من حولنا ؟ فسبحان الله و تعالى عن العبث و اللغو .


[ 8] و اذا عدنا الى الانظمة التي تسود حياتنا ابصرنا المزيد من اثار القدرة و الحكمة فيها ، فهذه سنة الزوجية التي تكشف من جهة مدى حاجتنا الى بعضنا ، كما تعكس من جهة ثانية حسن تدبير الخالق ، و دقة تنظيمه .

[ و خلقناكم ازواجا ]

لو كنا قد خلقنا لكنا جعلناها اكمل و اقوى منها الان ، مثلا ربما لم نوجد فيها حاجة الى الجنس الاخر او الى الطعام و الشراب و الراحة و السكن و ما اشبه . ولو اوجدتنا الصدفة لم نجد فيها هذا التكامل مما نجده مثلا بين الزوجين ، تكاملا في الروح و الجسد ، فيالغرائز و الشهوات و الحاجات حتى اغتدى كل جنس سكنا للجنس الآخر يجد فيه ما يفتقر اليه ، قال سبحانه : " و من آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة " (1) .

[ 9] و بمناسبة الحديث عن الزوجة و عن السكن الذي توفره يذكرنا الرب بنعمة النوم الذي هو نوع من السكن ، يهيمن على ذرات وجودنا و يقطعها عن التفاعل المجهد مع المحيط ، و يبسط على ارجاء الجسد غلالة من الهدوء و الراحة .

[ و جلعنا نومكم سباتا ]

و يبدو ان معنى السبات هو الفراغ الموقت او التعطيل وقطع تيار النشاط .


(1) الروم / 21 .


ماهو النوم ، و كيف يحدث ، و ما اسراره ؟ ان العلم الحديث لا يزال يتوغل في رحاب هذه الظاهرة العامة من حياة الانسان و يكشف المزيد من أسراره ، الا ان الثابت أهمية دور النوم في تهدئة اعصاب البشر ، و مساعدة مخه على تنظيم المعلومات وتخزينها ، و عودة الجسمالى انظمته الذاتية بعد تعرضه للمؤثرات الخارجية ، و بسط قدر من الهدوء الى مختلف الاعضاء ، و بكلمة : النوم استراحة الجسم بعد جهد متواصل .

[ 10] و يتم النوم عادة في الليل حيث يسدل استاره على الطبيعة ، و يضفي عليها جو الهدوء و السكينة .

[ و جعلنا الليل لباسا ]

ارايت لو كانت الارض بمن فيها و ما فيها تتعرض لاشعة الشمس باستمرار افلم تكن تؤثر الاشعة فيها و تجهدها ؟ هكذا نظم الله الارض بحيث يتناوب عليها الليل و النهار لضمان استمرار الحياة فيها .

و التعبير بـ ( لباس ) بالغ في الروعة و الدقة . او ليس اللباس يستر الشيء عما يشينه و يضره ، كذلك ظلام الليل يستر الطبيعة و الاحياء عن استمرار تعرضهما للاشعة .

[ 11] و بعد ان تسترخي الطبيعة فوق فراش الظلام ، يستنهضها النهار لمسيرة متجددة ، فها هي خيوط اشعة الشمس توقظ الروابي و السهول ، و تبعث في النبات و الاحياء النشاط و الحيوية لتجديد نفسها ، و تواصل حركتها .

[ و جعلنا النهار معاشا ]


اي ميعادا للعيش ، و وقتا مناسبا لللاسترزاق ، و هكذا جعل الله في كل حي حاجة الى النمو و الاستمرار ، و اودع فيه أحساس بهذه الحاجة لكي يسعى اليها ، و وفر له فرص تحقيقها . افلا يهدينا ذلك الى انه المدبر العليم ، و انه قادر على نشرهم الى يوم الفصل و محاسبتهم ؟

[ 12] و هكذا جعل الله الارض دارا مهيأة لحياتنا و بنى فوقها سقفا محفوظا لكي لا تتساقط علينا النيازك و الاحجار السابحة في الفضاء و لا ينزل علينا ما يضرنا من اشعة النجوم الضارة ومن حرارة الشمس المهلكة .

[ و بنينا فوقكم سبعا شدادا ]

ما هي هذه السبع الشداد ؟ هل هي المجرات المحيطة بمجرتنا او المنظومات الشمسية القريبة منا ، ام هي السماوات التي زينت واحدة منها بالنجوم و هي التي نعرف عنها شيئا قليلا اما الست الباقيات فعلمها عند الله .. ام ماذا ؟

لعل اقرب المعاني هو ذلك الغلاف الجوي المحيط بالارض ذو الطبقات المختلفة التي تمتد في عمق مائة كيلومتر ، و تشكل سقفا متينا للارض ، يحفظها من الاجرام التائهة في رحب الفضاء و من الاشعة الضارة .

[ 13] من اين تستقي الارض قدراتها ؟ انها أمنا فمن هي أمها التي تغدق عليها بالطاقة ؟ انها الشمس التي ترضعها عبر مسافة مائة و خمسين مليون كيلومترا تقريبا بالنور و الحرارة ، و من خلال اشعة الشمس تتغذى النباتات و الاحياء و تتكون في الارض المعادن المختلفة .

[ و جعلنا سراجا و هاجا ]

و يبدو ان المراد من الوهج هو الاشعة حسب الراغب في مفرداته .


افلا نهتدي الى اسماء ربنا الحسنى من خلال آياته التي ذكرنا بها القرآن ، فاذا لم نتعرف على قدرة ربنا و حكمته و علمه و تدبيره من خلال آية الشمس فبماذا نهتدي ؟ لقد سخر الله الشمس لحياة البشر ، و اشعل هذه الكرة الملتهبة في الفضاء .

ان درجة حرارة الشمس تناهز ستة الاف درجة فهرنهايت . هذا عن سطحها ، اما العمق فان درجة حرارتها تبلغ الملايين ، و هكذا تنفث هذه الكرة اللاهبة اشعة قد تمتد اكثر من مائة الف كيلومتر و ذلك بسبب التفاعلات الذرية التي تلتهم من جرمها في كل ثانية زهاء أربعةملايين طن . (1)

و قد جعل الله بين الشمس و الارض هذه المسافة المحدودة لكي تستفيد منها الارض دون ان تضربها ، ولو كانت المسافة ابعد لتجمدت أو أقرب لاحترقت .

[ 14 ] و اذا كانت الارض تتغذى بأشعة الشمس ككل فان حياة البشر تعتمد عليها ايضا ، و أقرب مثل لذلك دورة الماء . او ليست اشعة الشمس التي تشرق على المحيطات هي التي تسبب في تصاعد الغيوم عنها ، ثم انها تكون الرياح التي تحملها ، ثم تتمخض السحب عن الغيث الذي يرزقنا الله به كل خير ؟

[ و انزلنا من المعصارات ماء ثجاجا ]

لماذا سميت السحب معصرات ؟ هل لانها تتراكم على بعضها فتسبب الامطار ، ام لان نظاما طبيعيا يسودها حين هطول المطر بسبب اعتصارها ( كما قالوا ) ام ان ذلك اشارة الى حالة نزول الغيث الشبيهة بعصر الثياب ؟ كل ذلك محتمل .

اما الثجاج فقد قالوا انه المتتالي في السقوط .


(1) تفسير نمونه / ج 26 / ص 186 نقلا عن طائفة من الكتب العلمية .


[ 15 - 16 ] هكذا يرفع الله مياه البحر بعد تحليتها الى عنان السماء ، و يبسطها في صورة السحب المتراكمة فوق مساحات شاسعة ، ثم يسوقها الى حيث يشاء من الارض فيسقيها ، لكي لا يبقى سهل او جبل الا و تشمله بركاتها .. ثم انها تصفي الجو من الادران و الغبار ،و تساعد في قتل الجراثيم . اما على الارض فينبت الله بها الوانا من المواد الغذائية كالحبوب التي تشكل اهم مصدر للغذاء عند البشر الخضروات ثم الثمار .

[ لنخرج به حبا و نباتا و جنات الفافا ]

ارايت البساتين و الغابات كيف تلتف اشجارها ببعضها ؟ انها من بركات الغيث .

ان هذا النظام الذي لا نجد فيه ثغرة او فراغا ، و يمتد من اعماق الفضاء حيث تشع الشمس بوهجها ، الى كف المحيطات حيث تتبخر بفعل الحرارة ، و الى الصحاري المترامية حيث تنبت الارض زرعا و شجرا . اليس يهدينا هذا النظام الى وحدة التدبير و حكمة المدبر ؟ ! افلا نؤمن بقدرته على ان يعيدنا للحساب ؟ و هل من المعقول ان يترك ربنا الحكيم خلقه سدى ؟

[ 17] لا نجد في اي بقعة من اطراف الخليقة ثغرة او تفاوتا الا فيما يتصل بهذا الانسان الذي سلطه الله على الطبيعة ، و اكرمه بالعقل و الحرية ، فقد اخذ يعيث في الارض فسادا ، فهل يعقل ان يكون ذلك من عجز ؟ و هل يعجز رب السماوات و الارض شيء ؟ ام سوء تدبير ؟
و لا نجد في تدبيره شينا او نقصا . ام ماذا ؟ يهدينا التفكر في كل ذلك الى ان هذا الانسان الذي هو محور حكمة الخلق و هدف سائر ما في العالم لم يكن ليخلق بلا حكمة ، فما هي حكمة خلقه ؟ فاذا لا نجد ذلك في الدنيا نهتدي ( بنور العقل ) الى انها تتحقق في يوم الفصل .


[ ان يوم الفصل كان ميقاتا ]

عندما يلتقي الانسان بجزائه ، و يجتمع الاولون بالآخرين ، و تنصب موازين القسط ، و يحاكم الظلمة و المجرمون ، و يقوم الاشهاد بالحق ، عندئذ تتجلى حكمة خلقه .

في ذلك اليوم يتزيل المؤمنون عن المجرمين ، و تتميز الاعمال الخالصة لله عن افعال الرياء و النفاق ، و تنفصم عرى الارحام و وشائج الصداقات و الولاءات ، و لا تنفع شفاعة الأحبة و الاولياء .

[ 18 ] و يتقاطر الناس على صحراء المحشر زمرا ، كل وفد يقودهم امامهم الذي اتبعوه في الدنيا .

[ يوم ينفخ في الصور ]

تلك النفخة الثانية التي يحيي بها الله العباد جميعا .

[ فتاتون افواجا ]

كل فوج يأتون تحت راية امامهم .

و في الحديث عن البراء بن عازب قال : كان معاذ بن جبل جالسا قريبا من رسول الله في منزل ابي ايوب الانصاري فقال معاذ : يا رسول ارايت قول الله تعالى : " يوم ينفخ في الصور فتاتون افواجا ... الآيات " فقال : " يا معاذ سألت عن عظيم من الامر ،ثم ارسل عينيه ، ثم قال : يحشر عشرة اصناف من أمتي اشتاتا قد ميزهم الله تعالى من المسلمين و بدل صورهم : بعضهم على صورة القردة ، و بعضهم على صورة الخنازير ، و بعضهم منكسون ، ارجلهم من فوق ، و وجوههممن تحت ، ثم يسحبون عليها ، و بعضهم عمي يترددون ، و بعضهم صم و بكم لا يعقلون ، و بعضهم يمضغون السنتهم فيسيل القيح من افواههم لعابا يتقذرهم أهل الجمع ، و بعضهم مقطعة ايديهم و ارجلهم ، و بعضهم مصلبون على جذوع من نار ، و بعضهم أشد نتنا من الجيف ، و بعضهميلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم ، فاما الذين بصورة القردة فالقتات من الناس ( اي النمامون ) و اما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت ، و اما المنكسون على رؤوسهم فاكلة الربا ، و العمي الجائرون في الحكم ، و الصم و البكم المعجبون بأعمالهم ، و الذين يمضغون بالسنتهم العلماء و القضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم ، و المقطعة أيديهم و أرجلهم الذين يؤذون الجيران ، و المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس الى السلطان ، و الذين اشد نتنا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات و اللذات ، و يمنعون حق الله تعالى في أموالهم ، و الذين هم يلبسون الجباب فأهل الفخر و الخيلاء " (1) .

[ 19] و لان الانسان محور خلق عالمنا فان سائر ما في الخليقة يتصل به و يتغير معه ، فترى الارض و السماء المحيطة بها تخضع لتطورات هائلة .

[ و فتحت السماء فكانت ابوابا ]

فتلك السماء التي جعلها الله سقفا محفوظا غدت منفطرة منشقة ، و لعل تلك الابواب تكون مهبطا ظاهرا للملائكة ، و معراجا للمؤمنين الى الجنة ، و مخرجا للكفار الى النار .

[ 20] اما الجبال التي كانت تحافظ على توازن الارض فانها تفقد وزنها و تسير ، و تنبث كما الهباء في الفضاء الارحب ، ثم تتلاشى و تصبح سرابا .


(1) مجمع البيان / ج 10 / ص 423 .


[ و سيرت الجبال فكانت سرابا ]

و هكذا ينهار نظام عالمنا ، ذلك انه اذا كانت الخليقة قد نظمت لمصلحة الانسان و سخرت لحياته و فرضت عليها السنن اكراما له فها هو يسحب الى قاعة المحاكمة للحساب و الجزاء ، فلم يعد هنالك سبب لاستمرار النظام السائد في الطبيعة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس