فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


علاقة القرآن بالشخصية الانسانية :

[20] الكتاب نعمة من الله على المؤمنين ، و المؤمنون يعرفون قدر الكتاب . إذ أنه بالنسبة إليهم كما أبناءهم ، يعرفون انه حقيقة كما الأبناء حقيقة ، و أن - ملامحه ، بيناته و متشابهاته ، ناسخه و منسوخه ، بصائره و أحكامه - واضحة لهم ، كما هي ملامح أبنائهمالذين هم أقرب الخلق اليهم ، و أنه يزيدهم قوة و أملا ، كما الابناء يزيدون الآباء قوة في الحاضر ، و أملا في المستقبل ، و أهم من ذلك كله أن الابناء هم امتداد لشخصية الأب ، يجد الأب فيهم صورة ثانية من ذاته ، و مرآة لقدراته و قيمه ، و تحقيقا لارادته ، وكذلك القرآن يبلور شخصية المؤمن ، و يحقق ذاته ، و يصبح اذا عرفه الانسان صورة عن قيمه و تطلعاته و مستقبله .

من هنا فان الكفر بالقرآن يساوي الكفر بالشخصية الانسانية ، و بالتالي يعني خسران الذات و فقدانها ، انك حين تفقد - لا سمح الله - ابنك تشعر و كأنك قد خسرت جزءا من ذاتك ، بيد أنك حين تكفر بكتاب الله فأنك تخسر نفسك أيضا .

[ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذي خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ]ولكن كانوا أنفسهم يظلمون :

[21] حين يكذب المرء بأيات الله لا يعيش في فراغ ، بل يبحث عن أراجيف يؤمن بها و كأنها آيات من الله ، بل و يبدء المرء في خلق الاراجيف ، أو تقليد آبائه أو مجتمعه في الايمـــان بها ، و افترائها على الله ، ثم يكفر بآيات الله الصحيحة ، و بذلك يكون أظلم الناس ، اذ قد يكون مجمل سلوك الشخص صحيحا ، و لكنه ينحرف في جانب من حياته ، أو في بعض الاوقات فحسب ، أما من يتخذ مسيرة منحرفة و يؤمنبنهج خاطىء ، فانه لا يخطو خطـوة الا و يبتعد عن الحق بقدرها ، و يظلم نفسه و الآخرين ، و اذا كان الظالم ل ايسعد بالظالم فكيف بهذا الذي يبني كل حياته على الظلم من بدايتها حتى نهايتها ؟!

[ و من أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون ][22] الحق تعيش عليه ، و الباطل يعيش عليك ، فانت الذي تصنع الباطل ، و تجهد نفسك في الدفاع عنه ، و لكنه يزول دون ان ينفعك في ساعة العسرة ، بينما الحق يبقى ينصرك دون عناء منك .

و عندما تبلى السرائر في يوم القيامة و تتعرى الحقائق . آنئذ تكتشف ان الباطل يضيع عنك ، فلا تجد له أمرا - و كذلك كان في الدنيا - إلا أن أهل الباطل يخلقون الباطل بأساطيرهم و بخيالاتهم ، فيزعمون : انه موجود فعلا ، كما لو أنك ترى سرابا في الصحراء تحسبهماء ، و انما هو سراب ، لا وجود له إلا في بؤبؤة عينيك .

[ و يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركآؤكم الذي كنتم تزعمون ]فيلتفت المبطل يمنة و يسرة فلا يجد لهم أثرا ..

[23] آنئذ يتراجع عن شركائه ، و يحلف بالله : انه لم يتخذهم بديلا عن اللـــه و عن الحــق !

[ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا و الله ربنا ما كنا مشركين ]هكـــذا خدعوا و ضلوا و أضلوا . هذه كانت نتيجة ضلالتهم و فتنتهم و خداعهم . إنهم يتبرؤون من الشركاء . إذا لماذا لا يتبرؤون عنها اليوم . و قبل فوات الوقت ؟!


[24] و كانت عاقبة هؤلاء أنهم كفروا بالباطل الذي كانوا يؤمنون به ، و حلفوا الايمان المغلظــة أنهم لم يكونوا - حتى في السابق - يؤمنون به ، أما الباطل فقد ضل عنهم ، و لم يبق له أثر .

[ أنظر كيف كذبوا على أنفسهم ]

بالامس كانوا متحمسين للباطل ، و الآن ينكرونه ، و يكذبون على أنفسهم بهذه الافكار .

[ و ضل عنهم ما كانوا يفترون ]

دعنــا إذا لا نخلق أصناما نؤمن بها ، ولا نفتري على الله أفكارا باطلة ندان بها .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس