فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


العوامل النفسية للكفر :

[25] بالرغم من ان الانسان يملك العقل و السمع و البصر ، و بالرغم من أن آيات الحق و علاماته و دلائله واضحة للعقل ، فان ذلك لا يكفي في ايمان الشخص بالحقيقة ، اذ أن هناك إرادة حرة فوق العقل ، توجه العقل و الاحساس ، و في الطرف الآخر هناك النفس البشريةالمليئة بالعواطف و العقد و الأمراض . من حب الذات ، الى الاهتمام بالمجتمع ، الى الاسترسال مع التقاليد .

فاذا اختار البشر بارادته الحرة جانب النفس و أهوائها و عقدها و تقاليدها و امراضها ، فانها سوف تلغي دور العقل عنده ، و تسد منافذ الاحساس لديه ، و تغلف قلبه بكثافة حتى لا يتسرب اليه نور الحقيقة .

[ و منهم من يستمع إليك و جعلنا على قلوبهم أكنة ان يفقهوه ]اذ ان الاحساس وحده لا يكفي ، فقد تسمع آية ولكنك بحاجة الى قلب متفتح حتى تؤمن بها ، فمثلا انك بحاجة الى عدم الأيمان المسبق بكذب الآية ، والا فانك لا ترى حاجة للتفكير فيها ، و بحاجة الى سكينة نفسية ، و هدوء داخلي يسمح لك بالتفكير في الآية ، و كل ذلكغير موجود عند الكافر .

بل قد يتسبب الكفر في أن يتبلد احساس الشخص ايضا ، فيشعر أن في اذنه وقر ، و في عينيه ضعف ، اذ ما دام القلب مغلق عن فهم الحقيقة ، فانه لا يشعر بحاجة الى استخدام الاحساس .

[ و في اذانهم وقرا ]

أي ثقلا لا يمكنهم ان يسمعوا بوضوح .


[ وإن يروا كل أية لا يؤمنوا بها حتى اذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا إلا اساطير الأولين ]ان القلب المغلق يجعل أحاسيسه في خدمة انغلاقه ، و أفكاره الميتة ، فالأذن تثقل عن سماع الحقيقة ، و العين تعمى عنها ، و اللسان يجادل و يغالط فيها .

[26] الحق هو ضمان حياة النفس ، و تحقيق الذات يتحول في عين هؤلاء الى بعبع ينهون الناس عنه ، و يبعدون عنه بأنفسهم ، و بذلك يخسرون ما به حياتهم و شخصيتهم و استمرار كيانهم .

[ و هم ينهون عنه و ينأون عنه و إن يهلكون إلا أنفسهم و ما يشعرون ]لا يشعرون أي خسارة كبرى تلحقهم بابتعادهم عن الحق .


على شفير الهاوية :

[27] و حين يمـــس المكذبون العذاب يدركون مدى الخسارة التي لحقتهم بترك الحق .

[ و لو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا و نكــون من المؤمنين ]حين يشتد المرض بابنك البكر ، و يشرف على الهلاك ، يعمل آنئذ فكرك بسلامة بعيدا عن مؤثرات الخطأ فمثلا : آنئذ لا تفكر في أن الدكتور القريب من بيتك صديقك ، و أنك تستحي منه ، و لهذا تفضله - مثل سائر الاوقات - على غيره من الأطباء ، ولا تزعم أن طبيب الأسرة الذي تعودت عليه خير من غيره ، ولا تنظر الى أقوال الناس فتتبعهم بالرغم من علمك بأنهم لا يعقلون ، بل تبحث عن طبيبحاذق يخرج مريضك من دائرة الخطر حتى ولو كان عدوك ، فأنك تذهب اليه صاغرا ذلك لانك آنئذ تبحث فقط و فقط عن الحقيقة . بعيدا عن أي اعتبار آخر .

[28] و حين يشافي الله ابنك من المرض الخطير ، فان كل تلك الاعتبارات السخيفة تعود اليك . لماذا ؟ لانها راسخة في ذهنك ، وما استطعت أن تنظف نفسك من آثارها ، كذلك حال الكفار حين يقفون على النار يتمنون لو يعودون الى الدنيا ، فيصححون أخطاءهم ، و لكن هل يفعلون ذلك . كلا .

[ بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ]

أي ظهرت لهم الحقائق التي أخفوها عن أنفسهم و عن الناس تعمدا .

[ و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و إنهم لكاذبون ]

إذ ان نفوسهم مريضة و لا تزال تعاني من انغلاق ، فلا بد إذا من تطهيرها ، و فتح منافذها على نور الحقيقة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس