بينات من الآيات [29] دعنا نعقل الحقيقة قبل فوات الأوان . الحقيقة هي ان الدار الدنيا ليست سوى لعب و لهو و ما الحياة الحقيقية إلا في الآخرة لمن اتقى ربه من هنا قال ربنا سبحانه :
[ و قالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا و ما نحن بمبعوثين ]و هذه كما سبق - و ان قلنا - أصل الفساد الفكري عند الانسان ..
كيف تستوعب الغيب ؟
[30] اذا قــدمت اليك تفاحة ، فـأردت أن تعرفها جيدا ، فلابد أنك تقلبها من أطرافها ، و اذا فكرت في شراء بيت فانك تتفقد جميع جوانبه ، أما إذا أردت التعرف على حادثة اجتماعية أو ظاهرة طبيعية ، فان عليك أن تبحث عن مبتدئها و نهايتها ، عن أولها وآخرها ، فلرب حادثة أولها خير وعاقبتها شر ، و لرب ظاهرة تبدء نافعة و تنتهي ضارة مفسدة ، و العكس صحيح ، كذلك الحياة لا تعرف بنيانها ، و مرسى سفينتها ، و ساعة قيامتها ، و كل حادثة أو ظاهرة تدخل ضمن اطار الحياة تقاس هي الاخرى بهذا الميزان . أي بنهاية الدنيا . ذلكان مصير ركاب السفينة متعلق بمصير السفينة . كذلك سفينة الحياة تتعلق بها كل الحوادث التي تقع ضمنها .
و القرآن الحكيم يدعنا أبدا نتصور نهاية الحياة لنعرف بدقة أكثر ذات الحياة ، وما بها من احداث ، و بالتالي ليكون لدينا مقياس نستطيع أن نحكم بسببه على الاحداث حكما سليما .
والسؤال : لماذا يستخدم القرآن أسلوب التصوير في هذا الجانب ؟ .
الجواب : لأننا من الناحية العلمية قد نكون مقتنعين بالغيب و بالعاقبة أو حتى بالقيامة و لكن ثقل الشهود و حضور الأحداث و الظواهر التي نعايشها الآن تمنعنا عــن التوجه الى الآخرة ، و هنا نحتاج إلى قوة التصور لنعبر فوق جسره إلى شاطئ الغيب ، هناك حيث لايثقل أحاسيسنا حضوره الفعلي ، لذلك تجد القرآن يقول هنا :
[ و لو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى و ربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ]انك حيــن تقف فوق تل مشرفا على رابية ، يمتد بصرك إلى ابعاد الرابية و أطرافها ، و تصبح و كأن الرابية ورقة في يدك .
و في يوم القيامة حين نشهد آيات ربنا ، هنا جهنم تلتهب نارا و عذابا ، و هنالك الجنة تنبسط بنعيمها و جمالها ، و هنا الميزان الحق ، و هناك الكتاب الذي أحصى كل شيء . آنئذ نقف على ربنا ، و تكرهنا القضايا الساخنة على الايمان به ، و يستشهدنا الله على نفسهتعالى : قال أليس هذا بالحق ؟! قالوا : بلى و ربنا . قال : فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون . إنه الحق الذي سوف نضطر الى الايمان به يوما ما ، فلماذا لا نؤمن به الآن حتى ينفعنا ايماننا ، لماذا نكفر به ، لنذوق العذاب اذا ؟
شيء من الواقع :
[31] ان التكذيب بالمعاد يشوش على البشر رؤية الحقائق في الدنيا ، و يدفعه الى التكذيب بالحقائق جميعا ، و يكون مثله كمن يكذب بالموت و يرى أنه لن يموت ، فهو يكذب بآثار مرض السرطان ، يتورم جسمه فيقول : كلا انه لا يدل على الموت المرتقب ، . يتألم جسمه ويحرقه ، ولكنه يصر قائلا : ليس ذاك دليلا على الانتهاء ، فيؤكد له الدكتور و سائر العقلاء ذلك ، ولكنه يصر مستكبرا على قوله . ذلك لأنه لم ينظم زاوية فكره وفق الموت الحق ، فاختلطت عليه الحقائق جميعا . كذلك الذي لا يؤمن بلقاء الله يكفر بكل شيء حتى يخسر نفسه نهائيا .
[ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى اذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ]وزر التكذيب بالآخرة ، و وزر الاعمال السيئة التي ارتكبوها بهذا السبب .
[ الا ساء ما يزرون ] .
|