فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


عندما يعطب جهاز الاستقبال :

[36] لقد زود الله عباده جميعا بالفهم ، فالكل زود مثلا بالسمع ، و لكن البعض منهم فقط هو الذي يسمع . أي ينتفع بوسيلة السمع ، لانه يريد ذلك ، و حين يسمع المرء نداء ربه الى الخير يستجيب لهذا النداء ، فيعمل بما يأمره الله ، أما حين يموت القلب و تسترخيالارادة ، و يتعطل جهاز السمع ، فأن الأمل مفقود في هداية الانسان آنئذ . الا اذا شاء الله ذلك بمشيئته الخارقة لسنن الطبيعة ، و لكن هل يفعل ذلك ربنا في الدنيا . أم أن الله إنما يهدي الناس للحقائق بهذه الصورة في الآخرة حين يحشرهم جميعا ليحاسبهم . آنئذ لاتنفع الهداية شيئا .

[ إنما يستجيب الذين يسمعون و الموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ][37] و لا يزال الكفار يطالبون بالمزيد من الآيات ، و الله قادر على أن يستجيـب لطلبهم ، و لكن ماذا ينفعهم ما داموا فاقدين لجهاز العلم ؟!

[ و قالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ]كما أنزل الآيات السابقة ، بيد أن المشكلة ليست في قلة أو كثرة الآيات ، بل في العلم بها ، فلو كانت عين الفرد عمياء .. فهل تنفع إضاءة المزيد من المصابيح .

[ و لكن أكثرهم لا يعلمون ]

[38] و الدليل على ان العبرة ليست في زيادة الآيات ، بل في العلم بها و ادراك ما وراءها من حقائق .. الدليل الأحياء الذين لو أمعنت النظر في حياتها لرأيت أمة مثل البشر ، لهم نظامهم و علاقاتهم و أهدافهم في الحياة ، ثم إنهم كما البشر يحشرون الى ربهم ، أفلا تكفي تلك الآيات العظيمة ، و لكن قليلا من الناس يفهمون هذهالآيات ؟! لذلك يقول ربنا :

[ و ما من دابة في الأرض ]

اي ما من متحرك من الأحياء ، النملة و أصغر منها ، و الفيل و الحوت و أكبر منهما .

[ و لا طائر يطير بجناحيه ]

اي كل طائر في السماء ، و انما ذكرت كلمة يطير بجناحيه هنا للدلالة على التعميم ، كما ذكرت كلمة في الارض هنا لنفس السبب .

[ إلا أمم أمثالكم ]

إلا أمم مثل سائر الأمم البشرية ، لها انظمتها و قوانينها ، و سيدها و مسودها .

[ ما فرطنا في الكتاب من شيء ]

ان الكتاب هو كتاب الله ، و الله لا يبالغ و لا يتطرف في كلامه ، بل ان كلامه تعبير دقيق عن الحق دون زيادة أبدا ، لان الحق الذي خلقه الله ، و يعلم أبعاده أكبر بكثير من المقدار المناسب لفهم الانسان ، على ان فهم الانسان عظيم ، و ان هذه الأمم تسير وفق نظام قدرة الله في الدنيا أما في الآخرة :

[ ثم الى ربهم يحشرون ]


و الذين كذبوا في الظلمات :

[39] هذه آيات الله منتشرة في الكون ، فمن ينكرها و من يكذب بها ؟

انما يكذب بها من فقد تفاعله مع الحياة . فهـــو أصم و أبكم يعيش في ظلمات لايرى شيئا .

[ و الذين كذبوا بآياتنا صم و بكم في الظلمات ]

الظلمات هنا هي : الجهل و الجهالة و الشهوات ، و كل واحدة منها حجاب بين الانسان و بين الحقيقة ، و الله سبحانه هو الذي يزود الأنسان بنور الهداية ، و مستحيل أن يصل الانسان الى الهداية من دون التوسل به .

[ و من يشأ الله يضلله و من يشا يجعله على صراط مستقيم ]

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس