بينات من الآيات
التكذيب و المسؤولية :
[66] للانسان امام الحق ثلاثة مواقف . موقف الاستجابة أو الرفض أو اللامبالاة ، و في هذه الآية يناقش القرآن الموقف الثاني فيقول :
[ و كذب به قومك و هو الحق قل لست عليكم بوكيل ]
فالانسان نفسه هو المسؤول المباشر عن قبوله أو رفضه للحق و ليس مبلغ رسالة الحق ، و الواقع أن علم الانسان بمسؤوليته أمام تصرفاته سوف يساعده كثيرا على اتخاذ الموقف السليم ، أما لو زعم أن بأمكانه أن يبرر موقفه ، و يلقي بمسؤوليته على هذا أو ذاك ، فأنه سيكون سببا لعدم الاهتمام بالحق .
[67] و القرآن يهدد المكذبين بما يرونه في المستقبل . حيث يتجلى الحق في شكل واقع قائم و يقول : ان النبأ الذي عبر عنه الله و هو الحق سيتحقق في الوقت المحدد له سلفا ، و آنئذ يعلم الانسان كم خسر بتكذيبه بالنبأ . ان الدكتور يخبرك بوجود خلية فاسدة في رجلك و يأمرك بالاسراع في العلاج ، و لكنك قد تكذبه فيتخذ المرض خطه المتصاعد ، فينتشر السرطان في الجسد في الوقت المحدد له حسب سنة الحياة ، و أنظمة الجسم و آنئذ يعلم الانسان مدى خطئه عندما كذب بالنبأ ، كذلك رسالة الله مجموعة أنباء صادقة ، و لها أوقاتها المحددة ( مستقرها ) التي تتحقق فيها ، و آنئذ يعلم المكذب حقيقة الأمر .
[ لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون ]
تمييع الأحكام :
[68] و الموقف الثاني من الحق و هو موقف اللامبالاة ، و استخدام الآيات مادةللحديث اللامسوؤل ، أو حتى للتسلية .
و هؤلاء أخطر من المكذبين إذ أنهم يميعون الحق ، و يفرغون الحديث من محتواه الحقيقي ، و يحولونه الى مادة للجدل ، و قضاء للوقت ، و المباراة و اظهار الوجود ، و بذلك يغيرون نظرة الانسان الى الكلام من نظرة عبرية هدفها العمل ، الى نظرة ذاتية هدفها التسلية، و لذلك يجب مقاطعة مجالس هؤلاء و عدم الخوض معهم في جدلياتهم الفارغة ، و تركهم و حدهم يأكل بعضهم بعضا .
[ و إذا رأيــت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتــى يخوضوا في حديـــــث غيره ]و لكن كثيرا ما ينسى الانسان هذا الحكم بسبب تظاهر هذه الفئة بالعلمانية و أنهم إنمـــا يبحثون عن الحقيقة بهذه الجدليات . لذلك ذكرنا القرآن بخطورة النسيان قال :
[ و إما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ]لقد سمى الله هؤلاء بالظالمين بالرغم من تظاهرهم بالبحث عن الحقيقة . لأن من يبحث عن الحق فعلا سيجده من دون تعب ولا حاجة إلى الجدال .
الموقف السليم :
[69] أما الموقف السليم من الحق فهو : الاستجابة له عمليا ، و هي التقوى ، و احترام الحق الذي نبأ به الله ، و حينئذ يكون خط المتقي سليما في اتجاهه العام بالرغم من بعض الانحرافات البسيطة ، أو بعض الأخطاء التكتيكية ، و مع سلامة الخط العام لا يحاسب الشخص بشيء من الأخطاء البسيطة .
[ و ما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ]
و هدف الوحي من هؤلاء هو إيصالهم الى مستوى التقوى ، و ابقاؤهم على هذا المستوى ، و ذلك عن طريق تذكرهم المستمر حتى لا يغلبهم نعاس النسيان ، أو سكر الغفلة .
[ و لكن ذكرى لعلهم يتقون ]
|