فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


مسؤولية الهداية :

[80] بعد رحلة الايمان ، تبدء رحلة الرسالة . اذ فور ما يتنور قلبك بنور الايمان . تجد نفسك أمام مسؤولية هي تنوير قلوب الآخرين ، ولا يمكنك الا أن تفعل ذلك . اذ أن الدنيا صراع فلو لم تذهب الى الناس لهدايتهم جاءوا اليك لاضلالك ، وبالتالي سوف يبدء الصراع ، من هنا قال ربنا عن ابراهيم (ع) بعد ان وحد الله ونزهه عن الشرك به .

[ و حاجه قومه ]

يبدو أنهم قالوا له :

أولا : اين الله ؟ و كيف آمنت به ؟ و بأي دليل ؟ و بالتالي أخذوا يشككونه في ربه ، فأجابهم ببساطة :

أنتم لا تعرفون الله . أليس كذلك ؟ أما انا فأعرف الله لأنه قد هداني إليه ، ومن لا يعرف لا يستطيع ان يحاج من يعرف ، لانه هو الجاهل ، و هذا عالم ، و هو الضال ، و هذا المهتدي .

ثانيا : قالوا له : لماذا تشرك بالالهة هذه وهي قوية ، وقد تضر بك ، انك تكفر بالقوى الاجتماعية التي يمثلها الطاغوت ، وبالقوى الثقافية التي تمثلها قيم المجتمع ، و كهنة المعابد ، وبالقوى الاقتصادية التي تمثلها الرأسمالية والاقطاع ، وآلهة البركة .. و .
. و .. ، افلا تخشى هذه القوى ؟!


فأجابهم ابراهيم عليه السلام : كلا .. أنا لا أخاف كل أولئك ، لأن مشيئة الله هي الحاكمة عليها ، صحيح أن الطاغوت قد يؤذيني ، ولكن أذى الطاغوت انما هو ضمن دائرة ارادة الله واذنه ، فلو لم يرد شيئا لا يمكن ان يقع ، و الله محيط علمه بالجبت و الطاغوت و من فيفلكهما ، فهم أضعف من الله ، و أضاف ابراهيم قائلا :

عودوا الى فطرتكم النقية و تذكروا ان الله أقوى من خلقه ، وأن علينا أن نخشاه ولا نخشى خلقه .

[ قال أتحاجوني في الله و قد هدان ولا أخاف ما تشركون به الا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ][81] للآلهة رموز و ان ما يخافه البشر هو القوى الطبيعية أو الاجتماعية التي ترمز اليها الآلهة ، و الخضوع لهذه الآلهة انما هو رمز الخضوع لتلك القوى ، ولا يمكن أن يتحرر البشر من هذا الخوف الا بخوف أقوى ، وهو الخوف من رب القوى الموجودة في الكون ، لذلكحذر ابراهيم قومه من غضب الله ، وقال :

[ وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ]و ربما يتصور البعض منا أن الله رحيم بعباده ، إذا لا خوف منه ، أما الطبيعة فهي قاسية فعلينا الخضوع لها لنتجنب ضررها ، هذه الفكرة هي التي دفعت بعض الناس لعبادة الشيطان حيث قالوا : ان الله رحيم بنا لأن طبيعته الخير ، أما الشيطان فان طبيعته الشر فعلينا عبادته .

و لكن ابراهيم بين ان الله لا يرضى بطاعة أحد من دون أن يأذن هو بذلك ، و لن يأذن والا فهو ينزل غضبه ولعنته على البشر ، وانه لو أرادت الآلهة أو الذين يطاعون من دون الله الفتك بالناس و التجأ الناس الى الله - رب الآلهة والناس - لتخلصوامن شرورهم ، إذا فالأمن الحقيقي لمن يخشى الله .

[ فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ]


مضار الشرك :

[82] وعاد ابراهيم وأضاف دليلا جديدا على ضرورة التوحيد الخالص وهو : ان الشرك ظلم ، بينما الخضوع لله هو العدل ، وأن للظلم ضررين :

الاول : الابتعاد عن الأمن .

الثاني : الابتعاد عن الهدى بينما المؤمن الموحد يملك الأمن والهدى .

[ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون ]دعنا نتصور : مجتمعا يسوده الطاغوت ، و يخشى الطبيعة ، و يقدم قرابينه لاله البحر وإله الحرب وإله الربيع ، كما كان يفعل أهل مصر ، ومجتمعا تسوده حكومة عادلة ، و يتحدى الطبيعة ويقهرها . أيهما سيكون المجتمع الآمن ؟ هل الظلم الطاغوتي و الخضوع للطبيعة يوفر الأمن ، أم العدالة والحضارة ( قهر الطبيعة و تسخيرها ) ؟! ثم ان التحرر من خوف الطاغوت و خوف الطبيعة يجعلنا نفكر بحريتنا ، نبحث عن الحقيقة بكل أمان ، ولا نخشى من الحقيقة ، ولا تسودنا دعاية الطاغوت ، و مخاوف الطبيعة لنقتحم كل أسوار الطبيعة ، لنكتشفهاونسخرها ، و آنئذ نحصل على الهداية . ان بداية كل علم هو الشعور بالأمن . لذلك جاء الهدى بعد الأمن في الآية الكريمة .

[83] لقـد حاج ابراهيم قومه فانتصر عليهم ، والسؤال هو من آتاه هذه الحجة ؟ انه الله ، اذ أن ابراهيم عليه السلام كشخص يعيش ضمن حدود المجتمع ، و تقهرهالطبيعة لابد ان يتقولب حسب أفكار المجتمع وحتميات الطبيعة ، إلا أن الله سبحانه يرسل رسالته على الانسان لكي ينقذه من الحتميات الاجتماعية و الطبيعية التي تحيط به .

[ وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم ]و لحكمته و لعلمه لا يرفع كل شخص الى رفيع الدرجات عبثا ، انما يرفع من يكون مؤهلا لذلك بجده واجتهاده ، و بحثه عن الحقيقة ، وعدم خوفه من الحتميات الباطلة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس