بينات من الآيات
حدود الحرام :
[145] يزعم البعض ان الدين معتقل حصين لطاقات البشر ، لا يدعها تنمو و تتكامل ، و ان كل شيء في الدين حرام الا ما استثناه الله ، و الله سبحانه ينفي هذه الفكرة الباطلة مرة بعد اخرى .
و في هذه الآية يشرح الله سبحانه أصل الحلية التامة الا في أشياء معينة ، و بذلك يشجع البشر على التمتع بنعم الله ، الا اذا سبب ضررا بالغا عليه .
[ قل لا أجد في ما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة أو دمـا مسفوحا ]اي خارجـــا من الجسم باندفاع ، اما الدم المتبقي في ثنايا اللحم فانه معفو عنه .
[ أو لحم خنزير فانه رجس ]
بالرغم من أن ظاهره طيب ، و لكن واقعه رجس ، يولد أنواعا من المرض كما يطبع طاعمه ببعض الأخلاق الذميمة .
[ او فسقا أهل لغير الله به ]
ان الذبيحة التي تهدى للصنم حرام لانها جزء من واقع الشرك فلذلك هي فسق و حرام ، و لكن مع كل ذلك فان هذه المحرمات تصبح حلالا في حالة الاضطرار اليها ، و الاضطرار يعني : أن يصيب الفرد في حالة تركه لها ضررا كبيرا لا يتحمله ، فليس بضرر ذلك الذي يلحق الظالم حين يترك ظلمه أو يلحق المسرف و المتجاوز
حده حين يعود الى حده و نصابه ، لان الضرر انما يقاس بمعيار الحق القائم على العقل و الفطرة ، و تمييز العرف العام ، و لذلك فان معايير الظالمين و البغاة أو المتجاوزين بالسرف و الترف لا تعتبر معايير كافية ، و لذلك جاء في تفاسير الصادقين عليهم السلام :
( إن البغاة هم الخارجون على امام الأمة ، و العادون هم : العصاة )ولا ريب أن هذا واحد من المصاديق لهاتين الكلمتين في حين تشمل الآية كل باغ و عاد ، و بكلمة ان البغي و العدوان في هذه الآية - حسب ما يبدو لي - مرتبط بالمعيار ، فاذا كان معيار الاضطرار سليما يجوز الاستفادة من هذا القانون والا فلا .
[ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم ]
مغفرته تتجلى في عدم أخذ من يأكل الميتة اضطرارا بالرغم من حرمته في الواقع ، و رحمته تتجلى في خلقه سائر الطيبات .
ملحقات المحرمات :
[146] مبدئيا لا يحرم الله الطيبات على البشر ، بل الخبائث ، و هي استثناء و ليست اصلا ، و بالتالي فهي معدودة كما عرفنا ، بيد ان ربنا قد حرم وفقا لحكمة معينة طائفة من الطيبات لاسباب خارجية مثل تأديب المجتمعات المائعة و الظالمة ، مثلا : حرم الله على اليهود كل ذي ظفر ، وهو الحيوان الذي يستخدم اظافره سلاحا لصيده . مثل السباع ، و الطيور ذات المخالب ( كالعقاب ) وقيل : ان هذه الكلمة تشمل الابل و الأنعام لانهمها و امثالهما ليست بمنفرج الاصابع .
[ و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ]
و شمل تحريم ربنا الاستثنائي على بني اسرائيل شحون البقر و الغنم ، الا تلك الشحوم المتراكمة على ظهورها ، أو الموجودة على مقاعدها ، أو تلك الشحوم المختلطة بعظم .
[ و من البقر و الغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ]و السؤال : لماذا حرم الله كل تلك الطيبات عليهم ؟
يجيب ربنا : ان بني اسرائيل ظلموا و بغى بعضهم على بعض ، فحرم الله عليهم بعضا من الطيبات ، و يبقى سؤال ، لماذا يتسبب البغي في الحرمة ؟
و الجواب : ان السنن التي نسميها بالانظمة الطبيعية لا تختلف عن الاحكام التشريعية الا في شيء واحد هو أن تلك يجريها ربنا على الكون وعلى البشر قهرا و دون أي تغيير و تبديل ، بينما الاحكام الشرعية . يأمر بها الناس ، و يحذرهم من عاقبة تركها ، لذلك فان هاتين السنتين الطبيعية و التشريعية تلتقيان في الخطوط العامة ، لانهما تصدران من منبع واحد ، و بما أن النهاية الطبيعية للبغي في المجتمع هو انحسار النعم عنه وتضييق الخناق عن أبنائه ، فان ذات النهاية يحكم بها الله سبحانه على مجتمع البغي ، و ذلك بتحريم طائفة من الطيبات عليه .
[ ذلك جزيناهم ببغيهم و إنا لصادقون ]
ذو الرحمة و البأس :
[147] ان كل واحد من البشر يتصور الله على شاكلته و حسب مشتهياته ، كما يتخذون ذات الصورة لسائر الحقائق ، و المذنبون من الناس يضخمون في أنفسهم صفة الرحمة و العفو لله دون أن يتذكروا صفات الغضب و البــأس و العقاب له سبحانه ،و لذلك فهم يكذبون من يحذرهم الآخرة ، و يوعدهم العذاب .
[ فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ]
و تكذيب رحمة الله مخالف للفطرة ، و لما نشاهده في عالم الواقع ، و لذلك اكد الانبياء هذه الصفة الحسنى لله ، و لكنهم اكدوا على الصفة الاخرى ايضا .
[ ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ]
|