فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


ملة ابراهيم :

[161] من الفوائد الاساسية لبعث الرسل في صورة أشخاص أنهم يصبحون قدوة حية للآخرين ، و البشر بطبيعته يتأثر بالقدوة أكثر من تأثره بالفكرة المجردة ، وقد كان الأنبياء عليهم السلام يدعون الناس بسلوكهم المستقيم ، و أخلاقهم الحسنة ، كما كانوا يدعون بأقوالهم ، و لقد دعوا اتباعهم الى مثل ذلك كما جاء في الحديث .

( كونوا دعاة لنا بغير السنتكم )

و حين يكون الشخص مستقيما في فكره يكون مستقيما في سلوكه ، و السلوك المستقيم ينعكس ايجابيا في الفعل ، فيصنع واقعا قائما بذاته ، و يؤثر بالطبع ذلك الواقع في الحياة ، و لنضرب مثلا صغيرا : اذا أصبحت مستقيما فماذا أفعل ؟

أولا : لا اكذب ولا اخون الوعد أو العهد او الامانة ، لتزداد ثقة الناس بي ، و أصبح قطبا لاهتمامهم ، و مركزا لقيادتهم .

ثانيا : تستقيم آرائي و ترشد ، فأكون موضعا لاستشارة الناس ، و مركزا لقيادتهم .

ثالثا : أكون شجاعا مقداما لا أخشى أحدا ، فأكون موكلا للمستضعفين و ملجأ لهم .


رابعا : أستقيم في تربية أبنائي ، و تنمية أموالي ، و تهذيب زملائي و .. فأكون مثلا للقوة .

ترى كم تخلف الاستقامة من أثر في الواقع الخارجي فتخلق تغييرا فيه ، هكذا تصبح استقامة الانبياء ، و من أبرز البينات على صدق دعوتهم ، و كذلك العلماء و المصلحين .

[ قل إنني هداني ربي الى صراط مستقيم ]

و الاستقامة ليست طبيعية في البشر ، بل انها بحاجة الى مناهج عملية متكاملة ، انك بحاجة الى خريطة واضحة حين تريد المشي في طرق الغابة ، اما طرق الحياة فهي أكثر تعقيدا من طرق الغابة فاين هي برامج الاستقامة ؟ انما هي في الدين القويم .

[ دينا قيما ]

اي دينا علا كله استقامة ، و الدين القيم لم يكن بدعا في التاريخ ، بل كان خطا اجتماعيا متمثلا في نهج ابراهيم (ع) .

[ ملة ابراهيم ]

و ابراهيم (ع) كان متحديا لانحرافات الناس .

[ حنيفا وما كان من المشركين ]

عشرات الافكار رفضها ابراهيم حتى أصبح موحدا ، و مئات الانواع من الضغوط تحداها حتى تحرر منها و لم يرضخ لوجهتها ، و مئات القيود كسرها و حطمها حتى أصبح حرا طليقا ، تحدى قيد الاسرة فرفض كلام أبيه آزر ( عمه ) الذي أمره بالكفر ، تحدى قيد المجتمع وقاومه ،و تحدى السلطة و استهزء بها ، و تحدى حب الاولاد فأرادان يذبح ابنه استجابة لأمر الله ، و هكذا أصبح حنيفا حرا ، و لم يكن مشركا بالله أحدا من خلقه أو شيئا من نعمه .


معنى التوحيد :

[ 162] و من ابرز تجليات الاستقامة في حياة الرسول وحدة وجهته في أبعاد حياته .

[ قل ان صلاتي ونسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين ]فلم تكن صلاته و ذبائحه لغير الله حسب ما كانت عليه الجاهلية ، أو صلاته لله عبر عبادته للاصنام . كلا .. و لم تكن حياته لقيصر و مماته لله ، فاقتصاده و سياسته ، و اخلاقه و اجتماعه ، و تربيته و بناء بيته ، و حتى حركاته و سكناته كلها كانت للـه ، و باتجاه مرضاته ، و لتحقيق قيمه سبحانه ، و في خطه كما كان مماته لله ، فكان يختار الشهادة في الله اذا دعت الضرورة الرسالية ذلك .

[163] و عاد القرآن و كرر ان معنى التوحيد هو كسر القيود ، و قطع الحبال التي تربط بأي مركز آخر .

[ لا شريك له و بذلك امرت و أنا أول المسلمين ]

لقد امر الله نبيه مثلما أمرنا بالا نركع لأي ضغط انى كان نوعه ، و أن نسلــم لمناهج الله .

[164] و السؤال لماذا التوحيد ، و لماذا اخلاص العبودية لله ؟

و الجواب أولا : لان الله هو رب كل شيء ، فعبادة الاشياء التي هي خاضعة لسلطة الله دون ربها ليست إلا غباء .


[ قل أغير الله أبغي ربا و هو رب كل شيء ]

و النظام القائم في الكون انما هو بتدبير الله و هو الذي يجريه ، فعلينا ان نخضع لذلك النظام .

ثانيا : ان الارتباط بغير الله من خلقه لا يرفع عني وزرا ولا مسؤولية ، فلا يمكن ان أغمض عيني و أقلد آبائي أو مجتمعي ، أو الأسماء اللامعة في الثقافة ، لاني بهذه العملية لا استطيع أن أرفع عن عنقي المسؤولية ، أو أن أضع وزري على عاتق من اتبعه . كلا .. أنا مسؤول ، و ذنبي يتبعني شئت أم أبيت .

[ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ]ثالثا : الله هو المقياس الحق لتقييم الفكرة السليمة عن نقيضتها الباطلة ، أو لتقييم السلوك السليم عن المنحرف ، و ليس مقياس الحق و الباطل أكثرية الآراء أو القوة أو الشهرة أو القرابة .

[ ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ][165] رابعا : ان الله هو الذي جعل طائفة من الناس بعد طائفة ، و جيلا بعد جيل ، و قرنا بعد قرن ، فليست أسبقية هؤلاء دليلا على أنهم أقرب الى الله زلفى ، بل كلهم عند ربهم سواء ، و لذا لا يجوز أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا ، فيعبد الخلفاء من كان قبلهــم .
كلا .. كما ان الله هو الذي انعم على بعض الناس بنعم اكثر من غيرهم أو بنعم مختلفة عن نعم الآخرين ، و هذا لا يدل على أنه سبحانه أقرب الى هؤلاء أو أولئك ، بل ان الهدف من ذلك هو مجرد اختبارهم في النعم ، فيمتحن الغني بثروته و الفقير بفاقته ، و العالم بعلمه، و الجميل بما لديه من جمال .

و هكذا ينسف القرآن أصول الشرك من النفوس حيث يحترم الفرد السابقين ،فقد يعبدهم مبالغة في احترامهم ، و قد ينبهر بهم و ينجذب اليهم فيختار عبادتهم لهذا السبب .

[ و هو الذي جعلكم خلائف الارض ]

فبعضكم يخلف بعضا ، و يأتي مكانه .

[ و رفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم أن ربك سريع العقاب و انه لغفور رحيم ]و الله سبحانه اذا أراد ان يعاقب أحدا فهو سريع في عقابه ، و لكنه لا يريد أن يعاقب أحدا لانه يغفر ذنبه أو يؤخره لعله يتوب ، من هنا فعلينا ألا نعتمد أبدا على أن الله لم يعذبنا بشركنا باحترام آبائنا الى حد الشرك و الطاعة و العبادة لهم ، أو حب المال والجمال و السلطة الى درجة الانجذاب اليهما و عبادتهما ، كلا ان الله اذا اراد أن يعاقب فهو سريع لا يعطيك فرصة للفرار .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس