الاطار العام
هذه السورة تبحث موضوع الانسان ، ففي البداية تبين قصة الخطيئة الاولى و غريزة حب السلطة و حب الخلود ، و كيف يغوي الشيطان البشر فيندم ، و يتعدى على حقيقته التي لا يسترها الا لباس التقوى ، و أن من عوامل الخطيئة التقليد و تقديس الآباء ، و الزعم بان الله يأمر بذلك ، بينما الله لا يأمر بالفحشاء ، بل يأمر بالقسط ، و التوجــه مخلصا الى الله عند كل مسجد و التزين ، و ان يتمتع بالخيرات دون اسراف ، و أن من الحرام : الفواحش ، و البغي ، و الشرك ، و التقول على الله بدون علم أو كتاب منير (9/33) .
و الانسان يهتدي برسالات السماء ، أما من يكذب و يستكبر ، أو يفتري على الله فانه يعذب عذابا شديدا ، حيث تلعن كل أمة اختها بسبب الطاعة لها ، أما في الجنة فهناك القلوب الصافية ، و هذا التقسيم للناس انما هو بمقياس الهداية و الضلالة ، و العلاقة بينهما هي التي تظهر عند الله ، حيث يستنجد الكفار بأهل الجنة ،فيذكرونهم بأيام صدهم عن سبيل الله في الدنيا ، و بينهما أهل الاعراف من قادة المتقين حيث يعرفونهم جميعا ، ويوبخون أولئك الذين اتخذوا الدين لهوا ولعبا ، و انتظروا نهاية الامر (34/52) .
و علاقة الانسان بالله هي طلب المزيد من رحمته ، لانه رب العالمين ، و علاقته بالحياة و بالناس هي الاصلاح و عدم الافساد .
و كما ارسل الله الرياح بشرا بين يدي رحمته ، فكذلك أنزل رسالاته هدى و رحمة و قصة نوح مع قومه تدل كيف أن رسل الله يريدون هداية الناس و انذارهم و رحمتهم بالتالي ، و لكنهم يعاندون و يستكبرون فيهلكون (53/64) .
و كذلك هود دعى الى التقوى فكذبوه و سفهوه ، و لكنه ذكرهم برب العالمين ( و صاحب الرحمة المكتملة لهم ) ، و ذكرهم كيف استخلفهم الله في الارض ، فتمسكوا بضلالة آبائهم فاستمهلهم الله قليلا ، و بعدئذ قطع الله دابرهم (65/72) .
أما صالح رسول الله الى ثمود فقد زود بناقة معجزة ، و ذكرهم باستخلافهم ، و نعم الرفاه و العمارة عندهم ، و لكن حالة الاستكبار و استغلال المستضعفين منعتهم من الاهتداء ، فعقروا الناقة ، و اهلكهم الله (73/79) .
و انحرف الانسان في قوم لوط بالشذوذ الجنسي ، فأمطر الله عليهم بعد نصيحة نبيهم مطر السوء ، أما مدين فقد نصحهم رسولهم شعيب بترك الفساد الاقتصادي و الاصلاح ، و عدم الصد عن سبيل الله الذي اتبعه فريق منهم ، و لكن الاستكبار منعهم ، و دعاهم الى محاولة اخراج شعيب ، و توكل المؤمنون على الله ، فأخذت الرجفة الظالمين و أصبحوا حديثا يروى ، و لم يأس عليهم رسولهم الناصح (80/93) .
و يأخذ الله كل قوم يرسل اليهم نبيا بالبأساء و الضراء ، و لكنه يبدلهم بالحسنةالسيئة ، ثم اذا لم تنفعهم الحسنة أو السيئة يأخذهم بغته ، و ان الايمان و التقوى يفتحا بركات السماء عليهم ، و لكن هل يأمن أهل القرى بأس الله و مكره ؟ ان عليهم ان ينظروا كيف يهلك الله قوما ، ويستخلفهم بقوم آخرين (94/100) .
كذلك جاء موسى بالآيات لملأ فرعون الذين ذكروا بها ، و انتهت حياتهم الفاسدة ، و ذكرهم موسى بالحق ، و طالبهم بتحرير بني اسرائيل ، فطالبوه بآية فالقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين ، و أراهم يده البيضاء ، و لكنهم رموه بالسحر و اتهموه بتهديد الامن ، و سجنوه ،و جمعوا السحرة ، فآمن السحرة و انقلبوا صاغرين ، و عذب فرعون السحرة المؤمنين فصبروا ، و طالب الملأ فرعون بعقاب موسى فتوعد فرعون موسى ، و لكن قوم موسى استعانوا بالله و صبروا انتظارا لوراثة الارض ، فأخذ الله آل فرعون بالسنين و المصائب ، و لكنهم نسبوا الحسنة الى أنفسهم و السيئة الى موسى ، و أستكبروا عن الايمان و تظاهروا بالايمان عند السيئة ، و كفروا عند الحسنــة ، فانتقم الله منهم فأغرقهم ، و أورث الله الارض الذين كانوا يستضعفون ، و دمر فرعون و قومه (101/137) .
و يستمر السياق القرآني في بيان الطرح البشري بين فريقي المهتدين و الضالين الى الآية (156) حيث يحدثنا عن مجمل قصص موسى مع قومه .
و يحدثنا السياق عن الرسالة الجديدة التي جاءت محررة للبشرية من اغلالها النفسية و الثقافية و ذلك على يد النبي الأمي المبشر به في الكتب السابقة ، و التي هي رسالة جميع البشر (157/158) .
و يعود السياق الى امة موسى بأقسامها و أخطائها و منها : عدم تناهيهم عن المنكر في قصة السبت ، و كيف مسخوا قردة ، و كيف تركوا الدين بالرغم من أنبعضهم ظل متمسكا بالكتاب ، و كيف أمرهم الله بأخذ الكتاب بقوة و ذلك بعد ان نتق الجبل فوقهم (159/171) .
و لكن السياق يعود بنا الى العهد الانساني الاول ، حيث أخذ ربنا من بني آدم عندما كانوا في ظهر أبيهم ميثاقا باتباع الهدى ، و كيف أن بعضهم يشرك الآن بسبب شرك آبائهم و أن بعضهم ينقض هذا العهد عهد العلم و المعرفة ، حيث يخالف ميثاق المعرفة (172/176) .
لذلك يختار الله اليهود تارة و العرب تارة ، حسب ظروف فترة الاختيار ، و يبين مدى الجريمة عند من يكذب بالدين ، وكيف أن ربنا قد قدر لهم جهنم مصيرا ، لانهم لم يستفيدوا من مداركهم (177/179) .
و يبين الله أسماءه الحسنى ، و كيف أن طائفة يلحدون في أسمائه سبحانه ، و أن الله سيستدرج المكذبين ويملي لهم حسب خطة حكيمة لانهم لم يتفكروا ليعرفوا أن رسولهم ليس بمجنون ، و لم يتفكروا ليعرفوا ما في السموات و الارض من آثار التدبير و التقدير ، و انه عســـى قد يكون أجلهم قد اقترب ، و أنه ان لم يؤمنوا بهذا الحديث فبأي حديث بعده يؤمنون ؟ (180/185) .
و الله يضل و من يضلله الله فلا هادي له و أن الساعة علمها عند الله ، و اما الرسول فلا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا (186/188) .
و يبيــن السياق : كيف أن الله قدر حياة البشر ، و خلقه بوحدانيته المتعالية عن الشـركاء ، و لكن المربين افسدوا ضميره و اشركوا فيه ، بينما الله هو ولي البشر ، و ولي الصالحين منهم بالذات ، بينما الشركاء لا يستطيعون نصر البشر و الشركاء لا يملكون السمع(189/198) .
وعلى الرسول ان يأخذ العفو ، و يأمر بالفطرة و العقل ، و يبتعد عن الجهل ، و على البشر أن يتقوى بالله على شيطانه ، وان يتذكر ربه حتى يمسح نفسه آثار مس الشيطان و يبصر الحقائق ، و اذا لم يكن الانسان متقيا فان الشيطان يمده في الغي و العمه مثلا نرى يطالبون أبدا بآية لم ينزلها الله دون أن ينتبهوا الى ان الرسول مقيد بالوحي ، وان القرآن بصائر ، و على الانسان نفسه ان يتبصر الحقائق ، و ان يستمع الى القرآن ، و ان يذكر ربه تضرعا و خفية ، و ان يتجنب الغفلة ، ولا يستكبر عن عبادة ربه ، و يسبحه و يسجد له ، ذلك هوبرنامج بناء الشخصية المؤمنة و الانسان المتكامل الذي تتناوله موضوعات سورة الاعراف (199/206) .
|