بينات من الآيات
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] [ المص ]
هذه هي فواتح السور التي قيل عنها أشياء كثيرة قد يكون أغلبها صحيحا ، باعتبار القرآن الكريم ذو أبعاد مختلفة ، بيد أن من الممكن ان تكون هذه الاحرف رمزا تدل على ذاتها دون اي شيء وراءها ، كما سبق و أن تحدثنا عنه في سورتي البقرة و آل عمران ، و على هذا الاساس تكون الكلمة التالية لها خبرا لها .
ربانية الكتاب :
[2] و لم يكن القرآن من تأليف محمد ( صلى الله عليه و آله ) و لا من نبوغه ، بل هو كتاب أنزله الله ، و أحد أبسط الأدلة على ذلك أن صدر الرسول يكاد يضيق به ، و لذلك أمر الله رسوله بأن يتسع قلبه الشريف لهذه الرسالة .
[ كتاب أنزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه ]
الرسالة بحاجة الى سعة الصدر حتى يتحمل الفرد ثقل الحقائق التي فيها و حتى يتحمل جهد العمل بها ، و صعوبات تبليغها ، و سعة الصدر يأتي من الايمان بالغيب ، بالمستقبل البعيد ، بالآفاق الواسعة ، و من التوكل على الله ، و الثقة بالقدرات التي أودعها في كيانالبشر ، و الامكانيات التي سخرت له ، و بالتالي فان سعة الصدر نابعة من الخروج عن زنزانة الذات ، و الانطلاق في رحاب الله من أجل خدمة البشرية جميعا .
زنزانة الحياة :
ان الشهوات ، و الآمال و الطموحات الخاصة ، و الجهل بالمستقبل ، و الانحسار ضمن اللحظة الحاضرة كل تلك جدران معتقل البشر التي تضيق عليه رحاب الكون .
[ و من يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ] (1)
و على من يريد حمل رسالة الله ان يتمتع بسعة الصدر بهذا المفهوم الواسع للكلمة ، و الهدف من الكتاب هو : انذار غير المؤمنين ، و تذكرة المؤمنين حتى يزدادوا ايمانا .
[ لتنذر به و ذكرى للمؤمنين ]
[3] لقد أنزل الله الكتاب لكي لا يتبع الانسان سوى القيم السماوية ، و الذين يجسدون تلك القيم ، ولا يخضعون لهذا أو ذاك باي أسمآء مخترعة ..
[ اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ]اي لا تتركوا اتباع القرآن باتباع الاولياء الغرباء ..
[ قليلا ما تذكرون ]
اذ البشر قلما يستطيع التحرر من جاذبية الاشياء و الأشخاص ، و التحليق في سماء القيم ، و اذا تمت هذه الحرية فأنما عن طريق التذكر بالله و باليوم الآخر .
(1) الانعام / 125 .
[4] و حين يتبع الانسان اولياءا من دون الله فأنه هالك ، و يأتيه عذاب الله على غفلة منه دون ان يستطيع له ردا ..
[ و كم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ]أي ليلا أو في منتصف النهار حين يستريحون الى نوم القيلولة ، أو بتعبير آخر ليلا أو نهارا .
[5] ولم تكن حجتهم اذ ذاك الا الاعتراف بظلمهم .
[ فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا انا كنا ظالمين ]لقد كان ظلمهم بوعي ، و بعد اتمام الحجة عليهم ، لذلك اعترفوا به حين الهلاك و لم يدعوا - حتى مجرد الادعاء - بغير ذلك .
[6] و لم تنته العقوبة بالنسبة لهؤلاء بالهلاك الدنيوي ، اذ جاء بعدئذ دور الحساب الآخروي .
[ فلنسألن الذين أرسل اليهم ولنسألن المرسلين ]
اي نسأل المبلغين للرسالة كيف بلغوا و بماذا أجيبوا ؟ و نسأل الناس لماذا لم يجيبوا بعد اتمام الحجة عليهم ؟
[7] و لكن هذا السؤال ليس عن جهل أو عن غيبة ، بل لمجرد المحاسبة ، و لكي يعترف الظالمون بجريمتهم ، فان الله سوف ينبؤهم عن كافة تفاصيل حياتهم بعلم ، لان الله لم يكن غائبا حين اكتسابهم للاعمال ..
[ فلنقصن عليهم بعلم و ما كنا غائبين ]
[8] و بعد المحاسبة يأتي دور الجزاء العادل ، لان ما يوزن به الاعمال حق و دقيق و ليس فيه أدنى نقص .
[ و الوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ]لانهم أصابوا الفلاح المادي و المعنوي بالجنة و الرضوان ، و قد انتهت صعوبات الحياة و مخاوفها بحياة رغيدة آمنة .
[9] و لكن الخسارة كل الخسارة هي أن يكتشف الفرد خفة موازينه ، اذ لا يملك البشر سوى فرصة واحدة للعمل هي أيام عمله المعدودة في الدنيا ، فاذا خسرها فماذا يبقى له هناك ؟
[ و من خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ]انهم ظلموا الآيات فلم يسمعوها ، ولا عملوا بها ، فاذا بهم يخسرون كل ما يملكون .
|