بينات من الآيات
التهم الرخيصة :
[109] في الاجابة على تلك الأدلة الفطرية الواضحة قال الاشراف و المستكبرون من قوم فرعون : إن موسى ساحر عليم ، في محاولة لتضليل الجماهير المستضعفة .
[ قال الملأ من قوم فرعون أن هذا لساحر عليم ]
و الناس كانوا يعرفون السحرة آنئذ ، و يعرفون انهم يستخدمون ما عندهم من علم و فن ليس في خدمة الناس و انما في خدمة السلاطين أو خدمة أغراضهم الدنيئة ، و دائما يحاول أعوان الطاغوت إلقاء شبهة معينة بين الناس من النوع الذي يعرف الناس أمثاله ، فمثلا : لوقام مفكر أصيل بنشر ثقافة ثورية عالية بين الناس اتهمه أولياء الطاغوت بأنه صحفي عميل ، أو كاتب مأجور ، لان الناس يعرفون كثيرا من الصحفيين العملاء و الكتاب المأجورين ، حتى أنهم يشتبهون فعلا في المفكر الأصيل ، أو إذا قام عالم دين تقدمي صالح لقيادة ثورة الجماهير قالوا : انه رجل دين رجعي ، لأنه كثيرا ما رأى الناس مثل ذلك .
[110] ثم توسل أشراف قوم فرعون بما يتوسل إليه عادة كل الطغاة من اتهام الثوار بمحاولة تعكير صفو الأمن على الجماهير فقالوا :
[ يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون ]
و ثالث أسلوب استخدمه الملأ من قوم فرعون لمقاومة رسالة الله كان الاعتقال ، باعتباره حاجزا بين صاحب الرسالة و بين الجماهير ، و أما الاسلوب الرابع فكان حشد كل الذين يرضون ببيع علمهم و فنهم لقاء أجر محدود لمصلحة السلطات الطاغوتية لذلك .
[111] [ قالوا أرجه و أخاه و أرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم ]أي إسجنه هو و أخاه ، و أرسل الشرطة ليحشدوا السحرة .
[112] و يبقى السؤال : ما هو السحر ؟
إن اساس السحر هو : التأثبر في الخيال في الطرف الثاني لكي يزعم شيئا معينا غير الحقيقة ، و السحر قد يكون عن طريق غسيل الدماغ الذي يستخدمه العلم الحديث ، أو عن طريق الدعايات الباطلة ، و قد يكون عن طريق بعض أنواع الشعوذة ، مثل ما فعله سحرة فرعون حيث وضعوا الزئبق في أجسام لينة تشبه العصي ثم القوها فتحركت بفعل تحرك الزئبق بحرارة الشمس ، و على العموم ليس السحر سوى استخدام الوسائل الطبيعية الغير معروفة للناس في سبيل إقناع الآخرين بغير الحقيقة .
[113] و السحرة أولئك المأجورون الذين لم تكن لديهم رسالة في الحياة إلا إشباع شهواتهم العاجلة و قد سألوا فرعون قبل كل شيء عن الأجر .
[ و جاء السحرة فرعون قالوا ان لنا لأجرا ان كنا نحن الغالبين ]و يبدو ان السحرة كانوا يخشون الهزيمة بسبب معرفتهم ببطلان سحرهم ، وأنهم لا يقولون الحق ، كما يبدو أنهم قد اجهدوا انفسهم في الحصول على كل وسيلة ممكنة من وسائل السحر ، و لهذا سألوا فرعون الأجر .
[114] أما فرعون الطاغوت الذي رأى أن كيانه يتداعى تحت ضربات عصى موسى المعجزة ، فانه كان كريما في إعطاء الوعود .
[ قال نعم و إنكم لمن المقربين ]
حيث عرف فرعون أن طائفة السحرة يجب أن تكون على مقربة منه لمواجهة الظروف الطارئة ، كما أن الملوك و الرؤساء و طغاة اليوم يصطحبون معهم رتلا من الصحفيين المأجورين ، و المستشارين العملاء الذين باعوا ما لديهم من فكر و علم و أدب من أجل تدعيم نظام الظلم والقهر .
التحدي الرسالي :
[115] و حشدت الجماهير ، و وقف موسى يتحدى كل ذلك الكيان الطاغوتي ، فرعون و جنوده و سحرته ، يتحداهم وحده بالتوكل على الله ، والثقة المطلقة بوعـــده الصادق بنصره ، لذلك .
[ قالوا يا موسى اما ان تلقي و اما ان نكون نحن الملقين ][116] [ قال القوا فلما القوا سحروا اعين الناس و استرهبوهم و جاؤوا بسحر عظيم ]3 ان موسى ( عليه السلام ) واثق من النصر لانه على حق ، و لأنه يعتمد على ركن شديد هو الله سبحانه ، لذلك أمرهم بأن يخرجوا ما لديهم من مكر و سحر ، كما أمر نوح ( عليه السلام ) قومه بأن يجمعوا أمرهم و ان يأتوا اليه من دون نظرة و مهل .
و هكذا كل الدعاة الى الله سبحانه يتحدون الأنظمة الطاغوتية دون خوف ، و ينازلونهم في ميدان المواجهة الشاملة ، و هذا بذاته دليل صدقهم و اعتمادهم فقط على الله ، وعلى الحق الذي يحملون رسالته .
|