بينات من الآيات
حكمة الغضب :
[154] يصور القرآن الحكيم النبي موسى ( عليه السلام ) عبر آياته العديدة شخصية سريعة الغضب ، مما يطرح هذا السؤال : هل كان موسى فعلا كذلك أم ان ظروفه كانت تستدعي ذلك ؟ بحيث لو وضعنا أيوب مثل الصبر و الهدوء في مكانه لكان يفعل ذلك أيضا ؟
الواقع : ان بني إسرائيل كانت امة مستضعفة اعتادت الذل و الهوان ، و كانت بالرغم من ذلك شديدة العلاقة بموسى باعتباره منقذا لها ، لذلك كانت هذه الامة بحاجة ماسة الى التدخل المباشر من قبل موسى في شؤونها اليومية ، و التدخل المباشر لم يكن ممكنا بصورة هادئة ، انما بطريقة تثير دخائل و أعماق هذه الامة التي اعتادت الصياح و الزجر .
من هنا نعرف أن غضب موسى ( عليه السلام ) كان يسكت كلما كانت الظـــروف العادية ترجع الى الامة ، بأعتبار ان غضبه ليس لنفسه و انما لرسالته و لله .
[ و لما سكت عن موسى الغضب ]
و يبدو لي أن غضب موسى لم يسكت عنه الا بعد تصفية العناصر الخائنة ، و قتلأعداد كبيرة منهم ، و قبول توبة البقية ، بعدئذ أخذ موسى عليه السلام يخطط لبناء مجتمع سليم .
[ أخذ الألواح و في نسختها هدى و رحمة ]
ان التخطيط للحياة الاسلامية في المجتمع انما يكون بعد ارساء قاعدة التوحيد في النفوس ، لذلك أخذ موسى ( عليه السلام ) يشرح ما في الألواح للجماهير بعد انتهائه من تصفية العناصر الخائنة ، و كانت الألواح تهدي الناس الى طريق رحمة الله و نعمته ، و لكن هذهالنعمة ليست الا للمتقين .
[ للذين هم لربهم يرهبون ]
كيف نصفي الشوائب :
[155] و لا تزال في نفوس بني إسرائيل بعض الرواسب الجاهلية ، لذلك قام موسى (عليه السلام) بعملية جديدة من أجل ترسيخ دعائم التوحيد في النفوس ، و ذلك حين اختار سبعين شخصا من قومه ليرافقوه في مناجاته بطور سيناء ، و كان هؤلاء يمثلون الشعب ، و ينقلون طلباته لله سبحانه ، فجاء هؤلاء و طلبوا رؤية الله جهرة ، فأخذتهم الصاعقة فقضت عليهم ، الا أن موسى ( عليه السلام ) دعا ربه بإعادتهم الى الحياة .
[ و اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل و اياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ]حيث طلبوا من هؤلاء السبعين رؤية الله فنقل هؤلاء طلب السفهاء الى الله ، أجل .. كانت تلك فتنة امتحن الله بها عباده ، فمن اهتدى فانما بفضل الله سبحانه ، و من ضل فانما باذن الله .
[ ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء و تهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الغافرين ]ان ربنا سبحانه يجري تحولات اجتماعية ، و تغييرات طبيعية من فقر و غنى ، و صحة و مرض ، و عزة و ذلة ، و حر و برد ، و رخاء و قحط ، كل ذلك بهدف امتحان البشر ليستخرج كلما في ذاته من قوة أو ضعف ، و قدرة أو عجز ، و لكي يصلح نفسه و يكمل نواقصه ، فمن اهتدى الى هذه الحقيقة ، و توكل على الله ، و استغفر من ذنوبه ، و سعى من اجل اصلاح ذاته ، فان الله سيرحمه و يغفر له ، انه يرحمه بتكميل نواقصه ، و يغفر له باصلاحه لها .
واجب الانسان :
[156] و الله سبحانه يكتب للناس و يقدر لهم الحسنات و السيئات حسب أعمالهم ، و مدى ايمانهم أو كفرهم ، و يبقى على الانسان أن يتطلع الى اكتساب الحياة السعيدة في الدنيا و الآخرة ، و يعمل من أجلها حتى يبلغ مناه ، ان التطلع الى الأفضل يخلق في القلب دافعاالى العمل ، و آنئذ يحتاج البشر الى الخطة المتكاملة ليتحرك عبرها نحو الهدف ، و تلك الخطة هي مناهج الله سبحانه ، لذلك قال اصحاب موسى :
[ و اكتب لنا في هذه الدنيا حسنة و في الآخرة إنا هدنا إليك ]ان هذا التطلع السامي الذي يمكن ضمانة تنفيذه عن طريق التوكل على الله ، و الثقة بانـــه سوف يكتب ذلك ، انه من أبرز سمات المؤمنين الصادقين ، الا أنه بحاجة الى عمل جاد ، لذلك بين الله سبحانه ذلك و[ قال عذابي أصيب به من أشاء و رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة و الذين هم بآياتنا يؤمنون ]ان عذاب الله مهيأ للمذنبين ، بيد أن الأصل هو رحمة الله التي وسعت كل شيء ، فتلك الرحمة هي مهوى تطلع البشر ، و معتمد ايمانه و توكله ، ومنطلق تحركه .
بيد أن رحمة الله مشروطة بما يلي :
أولا : التقوى و التعهد بالقيام بالواجبات .
ثانيا : الزكاة و هي العطاء من كلما يملكه الانسان من مال و علم و جاه ، و قد جاء في الحديث :
" زكاة الجاه بذله ، و زكاة العلم نشره "ثالثا : الايمان بكل الآيات سواء كانت في مصلحة الشخص العاجلة أو لم تكن ، و عدم تبعيض الاسلام بقبول الجانب السهل منه ، و ترك الجوانب الصعبة ، كأن يصلي الشخص و لا يزكي ، أو يحج و لا يجاهد كلا .. ان رحمة الله لا تسع قوما يجزؤون الدين و يأخذون ببعضه فقط .
|