بينات من الآيات
من خصائص الرسول (ص)
[157] رسالات الله تتميز بأنها للناس جميعا بعيدا عن أي تمييز قومي أو إقليمي أو عنصري أو ما اشبه ، و هي تدعو الى بناء أمة واحدة ذات رسالة سماويــة ، و رسول واحد ، و الرسول في هذه الرسالة ينتمي الى تلك الأمة التي تتمحور حول الرسالة ، و لذلك يكون من أبرز صفاته أنه أمي ، و أنه نبي يوحى إليه ، و أنه رسول يحمل لهم رسالة فيها مناهج لحياتهم .
[ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ]
و كلمة - الأمي - كما يبدو لي منتزعة من الأمة ، التي يقول عنها ربنــا في آية أخرى ( و إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون ) (1) و هناك من قال بأن الكلمة منتزعة من الأم بأعتبار أن الرسول لم يكون قارئا أو كاتبا ، أو الى أم القرى .
[ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الانجيل ]مكتوب بصفاته و أسمائه ، كما هو مكتوب بالقيم التي يدعو اليها .
[ يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر ]
و كل رسالة سماوية تثير دفائن العقول ، و تنطلق بصميم الفطرة ، و تنسجم معحقائق الكون التي يشهدها أكثر الناس ، و يبدو لي أن المعروف هنا هو ما يعرفه قلب البشر السليم ، و المنكر ما ينكره .
[ و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث ]
و الطيبات و الخبائث هما أيضا مما يبينه الوحي ، و يصدقه العقل .
[ و يضع عنهم إصرهم و الاغلال التي كانت عليهم ]
الإصر هو : الثقل ، و البشر يعيش في ذاته ثقل المادة ، حيث يحن الى ما في الحياة من زينة ، و ينهار أمام شهوات النساء و الثروات و المناصب و يضغط عليه واقع اليوم دون حقيقة المستقبل ، و هكذا يصبح البشر ان لم يقصمه الله جزءا من الطبيعة ، يتحرك حسب عواملها و تغيراتها .
و رسالات الله تنقذ الانسان من أصله ، و ترفع عنه هذه الثقل المادي بتوجيهه الى العالم الأعلى ، عالم الروحيات ، و عالم المستقبل القريب في الدنيا ، و المستقبــل البعيد في الآخرة .
و كما ترفع الرسالة أصر البشر ترفع الاغلال الآتية من الأصر ، مثل الأغلال الاجتماعية التي يفرضها النظام السياسي ، أو الاقتصادي الحاكم على المجتمع ، و القوانين المعيقة للتقدم ، و الكبت و الديكتاتورية و الارهاب الفكري الذي يمنع تفجير النشاط ، و تفتق المواهب .
شروط الفلاح
و عاقبة هذه الرسالة الفلاح و السعادة ، و لكن بشرط أن يؤمن البشر بها ، و أن يعظمها و يوقرها ، و أن ينصرها عمليا باتباع كل مناهجها ، و أن يتخذ قيمهاو معاييرها ميزانا لتقييم أحداث الحياة ، و تفسير متغيراتها ، و معرفة الناس .
[ فالذين آمنوا به ]
إيمانا واقعيا بأن سلموا له أنفسهم ، و لم يتكبروا أو يتعالوا عليه .
[ و عزروه ]
أي جعلوه كبيرا في أنفسهم ، أكبر من شهواتهم و من ضغوط الحياة .
[ و نصروه ]
أي قدموا له امكاناتهم ، و جعلوها في خدمة رسالته .
[ و اتبعوا النور الذي أنزل معه ]
و هو القرآن ، و كما يستضيء البشر بنور المصباح في الليل ، كذلك استضاؤوا بنور القرآن في ليل الحياة ، فرأوا به و من خلاله ما في الحياة من خير و شر ، و حق و باطل ، و هدى و ضلالة .
[ اولئك هم المفلحون ]
أي السعداء في الدنيار والآخرة .
كيف نعرف الله ؟
[158] معرفة الله سبحانه تسبق سائر المعارف الدينية ، و هي تتم بطريقة فطرية ، و بالتذكرة بما في الكون من آيات ، و بما في النفس من بحث و وله ، و حين يتذكر البشر و يعرف ربه يسهل عليه أن يعرف رسالة ربه لما فيها من تناسبو تناغم ، فرسالة الله شاملة واسعة الرحمة ، لطيفة المناهج ، متينة الاركان كأي اسم آخر من أسمائه الحسنى ، فهي كما الشمس و القمر ، و مثل السماوات في سعتها و قدرتها ، و مثل الأرض في متانتها و استقرارها ، و مثل ظاهرة الحياة فيما تعطيها للنفوس من حرارة الحياة ، لذلك كان من أقرب الطرق الى معرفة الرسالة و الرسول هو معرفة الله، و التذكر بعظمته و قدرته و لطفه و رحمته ، و لذلك أيضا كان يستشهد الرسل بالله على صدق رسالاتهم .
[ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ]
و كما أن رحمة الله وسعت كل شيء ، كذلك رسالته فهو .
[ الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي و يميت ]و مثلما يحيي الخلق ماديا فهو يهديهم بالرسالة التي هي حياة معنوية ، و مثلما يميتهم ماديا فهو يضلهم حين يكفرون بالرسالة فيموتون و هم أحياء .
[ فآمنوا بالله و رسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله و كلماته ]و إنما يدعوكم الى الله لا الى نفسه ، و هو أسبق الناس الى الايمان بالله و برسالاته التي اوحيت اليه .
[ و اتبعوه لعلكم تهتدون ]
إن إتباع الرسول سوف ينتهي بالبشر الى الارتفاع الى مستوى معرفة الحقائق بأنفسهم .
[159] ليست رسالات الانبياء مبعث خلاف و نزاع ، و لا هي انزلت لتكون أداة للعنصرية و الطائفية ، لذلك فهي تؤكد أبدا على وحدة الرسالات ، و أهمية القيم ،و أن من يتبع القيم الرسالية فهو على صراط مستقيم حتى و لو لم يلتزم بخط معين في هذا الاتباع ، لذلك أكد القرآن الحكيم هنا أيضا على أن الحكم الكاسح بكفر بني إسرائيل جميعا خطأ ، بل أن بعضهم على صواب ما دام يلتف حول رسالة السماء ، و يشكل أمة واحدة ، و ما داموا يرشدون الى الحياة الفاضلة عن طريق الحق ، و يحكمون الحق في علاقاتهم الاجتماعية ، و في مواقفهم من الناس أو من الظواهر الحياتية .
[ و من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون ]
|