بينات من الآيات
من هو الرسول ؟
[188] من الرسول ؟ هل هو شخصية متميزة جسديا ؟
كلا .. إنه فقط يتميز بالرسالة الموحى بها اليه ، و بالاتصال بينه و بين ربه ، فما لديه إنما هو من الله سبحانه و به .
[ قل لا أملك لنفسي نفعا و لا ضرا إلا ما شاء الله و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسني السوء ]فحين أصاب بالسوء كأي بشر آخر ، و حين لا استكثر الخير لعدم معرفتي بالمستقبل ، فاني بشر مثلهم . نعم أعلم الغيب في حدود تعليم الله لي و وحيه علي ، كما أني أملك النفع و ادفع الضر في تلك الحدود أيضا .
[ إن أنا إلا نذير و بشير لقوم يؤمنون ]
أما الذين لا يؤمنون فان الوحي لا ينفعهم اذ الوحي انما ينفع من يريد و يصمم على تطبيقه و تنفيذ مناهجه ، و اذا كان الرسول لا يملك نفعا و لا ضرا ، فكيف بسائر الناس ؟ و معرفة الانسان بنقاط ضعفه تجعله يعود الى واقعه و يعرف انه مربوب مخلوق .
قصة الخلق :
[189] الآن لا أملك شيئا إلا بقدر ما ملكني الله ، أما في الماضي فقد كنت نتيجة غريزة جنسية خلقها الله في والدي ، و ربما الوالدين لم يستهدفا من وراء الزواج ولادتي ، بل ربما أرادا قضاء شهوة جامحة !
[ هو الذي خلقكم من نفس واحدة ]
فلذلك يحن الواحد منا الى الآخر ، و يعطف عليه ويأنس اليه ، و لذلك أيضا لا فوارق بيـــن البشر و نظيره البشر ، و خصوصا لا فرق بين الذكر و الانثى فرقا حقيقيا ..
[ و جعل منها زوجها ليسكن اليها ]
فالرجل خلق متكامل مع الانثى لذلك لا يسكن إلا اليها ، و من مظاهر السكن ، إن كل شخص يشعر بنقص حتى يكتمل بالزواج ، و آنئذ يكون بامكان الطرفين تكميل حياتهما معا ، فاذا وفر الذكر للحياة المتكاملة : القوة ، و العزيمة ، و خشونة التحدي ، فان الانثى توفر لها الرحمة ، و العاطفة ، و نعومة الرفق ، و كلما هو ضروري للتعاون ..
[ فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به ]
أي مارست أعمالها العادية بسهولة و يسر ، دون ثقل عليها من قبل الجنين ، الذي يتكامل في رحمها بسرعة ، أو ليس ذلك يدل على إتقان الصنعة ، و لطفالتدبير ، من قبل الرب الحكيم العليم ..
[ فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ]إن الشعور بالثقل لا يلازم أبدا الشعور بالصعوبة ، اذ المرأة السليمة لا تشعر بصعوبة بالغة بسبب الحمل إلا قبيل الولادة ، و لكن هذا الشعور إنما هو بهدف إشعارها بالمسؤولية القادمة ، و ذلك للاستعداد لها و توفير وسائل الراحة و الامان للضيف الجديد ، و هكذا نرى كيف يتغير الوالدان و يشعران بمسؤولية بالغة تجاه الوليد ، و أول طلبهم هو : أن يكون خلاصة حياتهما و فلذة كبديهما سالما و صالحا ، جسديا و روحيا ، و لفرط الاحساس بالمسؤولية ينسيان الشركاء المزيفين و يتوجهان الى الله ربهما ، مثلما ينسى البشر كل الشركاء في أوقات العسر الشديد ، بل و يتعهدان بالشكر لله ، و القيام بواجبات الوليد الجديد مثل : التربية السليمة ، و الارتفاع الى مستوى الأب و الأم اذا آتاهما صالحا ..
الانسان و النسيان :
[190] و لكن سرعان ما ينسيا هذه التعهدات حيث يعودان الى الشركاء ، و هي كل القوى المادية التي تضغط على البشر باتجاهات منحرفة ، مثل المجتمع الفاسد و رمزه السلطة ، و مثل الثقافة الفاسدة و رمزها الاحبار ، و الرهبان ، و الشعراء ، و مثل الاقتصاد الفاسد ورمزه أصحاب المال ، و الرأسمالية .
[ فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون ]و لذلك لم يطبقا مناهج الله في تربية الاولاد ، بل اتبعا الشركاء ، فافسداه اجتماعيا حينما أخضعاه للطاغوت ، و افسداه ثقافيا حيث سلماه بيد أدعياء العلم و الدين و هما يعرفان فسادهم ، و افسداه إقتصاديا حيث ربطاه بعجلة الرأسمالية .
بينما كان الواجب عليهما تربيته على أساس سليم ، و فصله عن سلبيات الشركاء أنى كانوا، و تحريره لله و جعله مرتبطا به و برسالاته ، ذلك الرب الذي اعطاهما اياه و جعله صالحا غير فاسد ، و لكنهما هما اللذان افسداه ، و كما قــال الرسول ( صلى الله عليه و آله ) :
( كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون ابواه يهودانه او ينصرانه ) (1)و الله أعلى من الشركاء ، و الحق الموصى من عنده سوف يجرف غثاء الشركاء و زبدهم ، و يحرر الناس من يد الفاسدين .
قابلية الانهزام و الاستعمار :
[191] و الناس لا يفكرون ما هي قوة الطاغوت ، أو قوة الرأسماليـة ، أو علمــاء السوء ؟ إنهم ضعفاء لو لا تسليم الناس لهم ، و خضوعهم لسيطرتهم الظالمة ، إن هؤلاء الشركاء لا يخلقون شيئا بل هم الذين يخلقون ، يخلقهم الله ، فيسرقون إمكانات الناس ، و يفرزهمالوضع الفاسد .
[ أيشركون ما لا يخلق شيئا و هم يخلقون ]
إن الطاغوت مخلوق لله ، و لكنه في الوقت ذاته يستغل جهل الناس و غفلتهم ، و اطماع طائفة منهم و صغر نفوسهم ، يستغلها في خلق قوة ضاربة له يتسلط بهـا على المستضعفين ، فكيف يخضع البشر لبشر مثله مخلوق غير خالق ؟ خلقه الله و صنعه الوضع الفاسد ؟
[192] أنهدف من وراء إتباع السلطان ، أو التسليم للوضع الفاسد ، الركون الى(1) بحار الانوار / ج 3 / 281 / ح 22
قوته و نصرته في الوقت الذي لا يملك الشركاء قوة و نصرا ، بل إذا تدبرنا جيدا عرفنا : اننـا نحن الذين ننصر الطاغوت و نعطيه السيطرة علينا ، بسبب سكوتنا عليه و خضوعنا له ..
[ و لا يستطيعون لهم نصرا ]
إن الطغاة و الفاسدين المفسدين من جلاوزتهم يزعمون أبدا : أن وجودهم و استمرار سيطرتهم يضمن للمجتمع الأمن و الازدهار ، بينما لا يضمن الطغيان إلا الخراب و الدمار ، لانه يكبت طاقات الناس ، و يضعف ارادتهم ، فلا هم قادرون على عمارة بلدهم لان طاقاتهم مكبوتة ، و لا هم قادرون على المحافظة على بلدهم لانهم ضعفاء الارادة .
لقد ثبت علميا : أن أبرز الاسباب المباشرة للتخلف هو : الديكتاتورية كما ان جيوش البلاد التي يسودها الطاغوت لم تقدر على الدفاع بمثل الجيوش الحرة ، و ربما كان من أبرز أسباب هزيمة النازية ديكتاتوريتها ، بل أن الطاغوت أضعف من الناس العاديين لأنه يعتمد على قوة الناس في الدفاع عن شخصه ، بحيث لو تركه الناس تهاوى و سقط ، لذلك قال ربنا سبحانه :
[ و لا أنفسهم ينصرون ]
فحتى أنفسهم لا يستطيعون الدفاع عنها ، فكيف نعتمد عليها ؟
|