وما أدراك ما القارعة
بينات من الآيات [1] [ القارعة ]
تلك هي الساعة تقرع الخلائق بأهوالها ، و تقول العرب قرعتهم القارعة ، إذا نزل بهم أمر فظيع .
[2] و كل داهية قارعة و لكن قارعة الساعة أمر عظيم ، لا يبلغ وعي الانسان مدى فظاعتها .
[ ما القارعة ]
[3] و أنى كانت عظمتها فعلينا ان نقترب من وعيها ، لاننا بذلك نستطيع مقاومة لغفلة و الجهالة و الفوضى في أنفسنا .
[ وما أدراك ما القارعة ]
ان النفس البشرية شديدة الميل الى الانفلات و التحلل و الفوضى ، لولا قرعها بنصائح الآخرة ، وما فيها من أهوال تجعل الولدان شيبا ، و لذلك جاءت آيات الذكر شديدة الأنذار ، بالغة التحذير ، لعلنا نعقل ان نسمع ، و نوقظ عقولنا من السبات العميق .
[4] الألقاب التي نخدع أنفسنا بها اليوم ، و الأسماء العريضة ، و المفاخر و الأمجاد تتلاشى ذلك اليوم ، و يحشر عشرات الألوف من بلايين البشر كما الهمج الطائر ، الذي يكثر أيام الصيف ، فتراه كالسحابة من شدة تراكمها فوق بعضها ، أو الجراد الكثيف الذي يتداخل في بعضه كأنه غبار كثيف ، فما قيمة بعوضة في الهمج ، أو جرادة في سيل الجراد أنا وأنت نصبح هكذا بين من يحشر من أبناء آدم ، منذ كان آدم والى قيام الساعة .
[ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ]
قالـــوا : الفـــراش : الطيــر الذي يتساقط في النار و السراج ، و قيل : كل همج طائر يسمـــى فراشا ، و منه الجراد ، و روي عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - : " مثلي و مثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب يقعن فيها ، و هو يذبهن عنها ، و أنا آخذ بحجركم عن النار ، وأنتم تفلتون من يدي " (1) .
حالات مختلفة و متدرجة في ذلك يذكرنا السياق بواحدة منها ، كما سبق في آيات مشابهة .
قالوا : المبثوث المنتشر المتفرق .
[5] أكثر ما في الدنيا وهم ، و يتلاشى الوهم في الآخرة ، بل حتى حقائق الدنيا تتلاشى يومئذ ، فترى الجبال التي تحسبها قوة ثابتة كما الصوف المتفرق ، تحركها(1) القرطبي / ج 20 - ص 165 .
الرياح .
[ و تكون الجبال كالعهن المنفوش ]
قالوا : أي الصوف الذي ينفش باليد ، أي نعيدها هباء ، و يبدو ان للجبال حالات مختلفة و متدرجة في ذلك يذكرنا السياق بواحدة منها ، كما سبق في آيات مشابهة .
[6] بلى . ينتفع الانسان يومئذ بشيء واحد ، يعطيه قيمة بين الناس ، إنه عمله الصالح الذي لو رجحت كفته في الميزان حسنت عيشته .
[ فأما من ثقلت موازينه ]
يبدو ان الموازين تعني الأفعال التي توزن وليست ذات الكفتين و اللسان ، و قال بعضهم : الموازين : الحجج ، و استشهدوا بقول الشاعر :
قــد كنت قبــل لقائكــم ذا مــرة عنــدي لكــل مخاصــم ميــزانهو قد سبق الحديث في سورة الرحمن : أن الميزان هو الامام الناطق ، الذي جسد قيم الوحي في حياته ، و كان حجة على عباد الله .
[7] و إذا كانت عاقبة انسان رهينة رجحان حسناته ، وإذا كان حتى مثقال ذرة من أفعاله محسوبة له أو عليه ، فينبغي ألا يقصر الانسان فيها ، فلعل حسنة واحدة ترجح كفة الحسنات ، و تجعلك من أهل الجنة حيث العيشة التي ترضاها .
[ فهو في عيشة راضية ]
و حين تكون العيشة راضية ، فان كل جوانب حياتك تجلب رضاك و تكون فيمستوى طموحك ، و قالوا : معناها عيشة مرضية ، و قيل : بل عيشة لينة منقادة .
[8] و الويل لمن أضاع فرصة العمر ، و قصر في استغلال فرص الخير ، و استهان بالذنوب حتى تراكمت في ميزانه ، و استخف بالحسنات حتى خفت موازينها عنده .
[ وأما من خفت موازينه ]
[9] [ فأمه هاوية ]
أي مصيره الجحيم ، قالوا : الأم ما يأوي اليها الانسان ، كما يأوي الى الأم و أنشدوا :
فــالأرض معقلنــا و كـانت أمنــا فيهــا مقابــرنـا و فيهــا نولــــدو لكن يبدو أن كلمة الأم من أم أي قصد ، و الأم هو المقصد يعيد اليه الانسان باختياره و قيل الأم : هـــي أم الرأس ، من قولهم : سقط على أم رأسه و قالوا عن الهاوية : انها المهواة ، أو الوادي بين جبلين ، لان قعر جهنم بعيد ، قد يهوون فيها مئات السنين .
[10 - 11] أوتدري ما الهاوية ، انها ليست مجرة مهواة يسقط الانسان فيها فيموت ، و ينتهي كل شيء ، كلا .. إنها النار المشتعلة .
[ وما أدراك ماهية * نار حامية ]
انها شديدة الحرارة ، حتى أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءا منها ، نستجير بالله منها .
|