إنا سمعنا قرآنا عجبا
بينات من الآيات [1 - 3] ان علاج القرآن لموضوع الجن ليس ترفا فكريا يهدف اعطاءنا مجرد رؤية عن خلق غريب ، بل هو علاج لمشكلة حقيقية موجودة في ثقافات الناس ، و منعكسة على واقع بعضهم بصورة خطيرة ، حيث الخرافات و الاساطير ، و حيث الشرك بالله عز وجل . و مع ان القرآن كلهموحى به من عند الله الى رسوله إلا ان مطلع هذه السورة المباركة يؤكد بأن الحديث عن الجن و الذي تتضمنه الآيات ليس حديثا من الرسول عن تجربة شخصية حدثت له ، و لا كسائر كلام البشر عن الجن الذي لا يتأسس إلا على الخيال و الظنون ، بل هو حديث لعالم الغيب و الشهادة و اطلع عليه رسوله - صلى الله عليه وآله - عبر الوحي الذي لا ريب فيه .
[ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ]
قال ابن عباس : انطلق رسول الله ( ص ) في طائفة من اصحابه عامدين الى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين و بين خبر السماء ، فرجعت الشياطين الى قومهم فقالوا : مالكم ؟ قالوا : حيل بيننا و بين خبر السماء ، و أرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما ذاك إلا من شيء حدث ، فاضربوا مشارق الارض و مغاربها ، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي (ص) و هـو بنخل عامدين الى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له و قالوا : هذا الذي حال بيننا و بين خبر السماء ، فرجعوا الى قومهم و قالوا : " إنا سمعنا قرآنا ... حتى نهاية الآية الثانية " فأوحى الى نبيه - صلى الله عليه وآله - : " الآية الأولى " . ورواه البخاري و مسلم في الصحيح ايضا (1) . قال الزمخشري في النفر : جماعة منهم ما بين الثلاثة و العشرة (2) .
و الاستماع على الأظهر هو مرحلة متقدمة من السماع حيث يعني التركيز و التدقيق فيما يسمع ، ولقد انبهر النفر من الجن باعجاز القرآن و عظمة آياته ، انبهارا قادهم الى التسليم له ، و اكتشاف ما هم فيه من الضلال و الباطل بنور آياته البينات . و هكذا يجلي الاستماع و التدبر عظمة القرآن لقارئه . اما الذي يهذه هذ الشعر ، و ينثره نثر الرمل ، أو يكون همه آخر السورة ، فانه لا يتجاوز الحروف و الكلمات الى المعاني المعجزة ، كما تجاوز اليها اولئك الجن .
[ فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا ]
و هــذا الاعجاب يشبه الى حد بعيد اعجاب السحرة بمعجزات موسى - عليه السلام - و من ثم ايمانهم به و نبذهم للسحر . و حري بالانسان ان يبحث عما حملهم على ذلك من القرآن ، و ان يعجب إذا عجب به و ليس بهم .
(1) نور الثقلين / ج 5 - ص 430 .
(2) الكشاف / ج 4 - ص 623 .
ان الجن كما الإنس لديهم ثقافات ، و بينهم دعاة العلم ( السفهاء بحد تعبيرهم ) و هم يضلونهم دائما عن الحق ، و لكنهم حينما استمعوا للقرآن و انصتوا بدا لهم الفرق واضحا بين رسالة الله التي تحمل العلم و الهدى ، و بين الثقافات الشائعة عندهم و التي لا تنطوي إلا على الجهل و الضلال . ولعل هذه المفارقة من أهم عوامل الإعجاب بالقرآن إذ استمعوا له .
[ يهدي الى الرشد ]
أي يعرف بالحق ، و يرسم للانسان المنهج السليم الذي يوصله اليه . وإن القرآن ليعلمنا الحق ، و ينمي فينا العقل و الضمير و سائر حوافز الخير ، مما يدفعنا الى تطبيق الحق بالصورة الأكمل ، و أين تجد هذه في غير كتاب الله ؟ هل تجدها في أفكار الفلاسفة الغامضةالتي تحتجب وراء الكلمات الكلية لإخفاء الجهل و التناقض ، أم في ثقافة البدائيين و الشعراء ؟ كلا ... وهذا ما دفع النفر من الجن الى الايمان بالقرآن و نبذ كل الأفكار و الثقافات الأخرى ، فهم وجدوه وحده الذي يهدي الى الرشد .
و مع ان للرشد معنى عاما يتسع لكثير من المفردات ، فالقرآن يهدي الى معرفة الحقائق العلمية ، و السنن الطبيعية ، و الانظمة الحكيمة التي أجراها الله في سائر الحقول الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية .. إلا أن أعظم الرشد الذي يهدي اليه هو التوحيد باعتباره سنام الهدى و قمة الرشد .
وقد أشار بعض من المفسرين الى ذلك ، قال الفخر الرازي : " يهدي الى الرشد " الى الصواب ، و قيل الى التوحيد ، " و لن نشرك بربنا أحدا " اي و لن نعود الى ما كنا عليه من الاشراك به ، وهذا يدل على أن أولئك الجن كانوا مشركين (1) .
و لان الهداية لا تتم بمجرد معرفة الحق بالضمير و العقل ، بل لابد من الشجاعة الكافية لنقد الذات ، و تحدي الواقع المنحرف ، و بالتالي تحمل مسؤولية الصراع ضد كل باطل ، لذلك بادر الجن الى الايمان بالحق من جهة ، و نبذ الباطل بعزيمة الايمان من جهة ثانية .
[ فأمنا به ]
و الايمان بالقرآن يعني رفضا قاطعا للقوى الاخرى غير الله ، و عزما على المضي قدما في طريق التوحيد أنى كانت التحديات .. وقد فهم النفر من الجن الايمان بهذه الكيفية و عزموا على رفض الانداد المزعومين فقالوا :
[ و لن نشرك بربنا أحدا ]
و هذا يعني الاستعداد لدخول الصراع ، و الاستقامة على الحق ، و تقديم التضحيات من أجل الايمان و قيمة التوحيد ، و كذلك ينبغي ان يكون كل من يختار الحق ، فالرشد غاية يجب ان يسترخص المؤمنون في سبيلها كل شيء ، كما فعل السحرة ( عند مـواجهة عصا موسى ) إذ ألقوا ساجدين ، و توجهوا الى فرعون بخطاب الرفض و التحدي : " فاقض ما أنت قاض انما تقضي هذه الحياة الدنيا " (2) ، و قدموا أنفسهم قرابين في طريق ذات الشوكة ، حيث قطع فرعون ايديهم و أرجلهم من خلاف ، و صلبهم في جذوع النخل صبرا .
و نفي الجن القاطع المؤبد بأنهم لن يشركوا ربما يهدينا الى وجود قوى تضغط(1) التفسير الكبير / ج 30 - ص 154 .
(2) طه / 72 .
عليهم باتجاه الشرك بالله بما قد يصل الى حد الاكراه ، مثلما اكره فرعون السحرة على السحر ، و كما يكره الطغاة اليوم جنودهم عسكريين و إعلاميين و مخابرات على ممارسة الظلم ضد الشعوب . و لان أعظم الضغوط التي تمارس و أخطرها هو ضغط التضليل عن الحق ، و الايحاءبالشرك من خلال التربية الفاسدة و الاعلام المضلل ، فقد أعلن أولئك النفر المؤمنون أنهم لن يقبلوا التغرير بوجود الشركاء او التشكيك في عظمة الله .
[ وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ]
و فكرة الصاحبة و الولد آتية من تصور المخلوق المحدود للخالق العظيم تصورا معتمدا على مقايسته بذاته ، و هذا بالضبط العامل الفكري الرئيس الذي تقوم على أساسه النظريات و الفلسفات البشرية التي خاض اصحابها في الحديث عن ذات الله و صفاته فشبهوه بخلقه سبحانه و تعالى عما يصفون .
ان الجاهل ينكر وجود آفاق متسامية لا يبلغها علمه ، فيريد تشبيه كل شيء بما يعرفه ، فاذا به يتخيل أمورا لا واقع لها ، و يصبح هذا التخيل - بدوره - حاجزا بينه و بين معرفة الحقائق . لذلك ينبغي تسبيح الله و تقديسه عن الشبه ، لان ذلك السبيل الوحيد لمعرفتهسبحانه .
و هنـــاك عامل نفسي للشرك يتمثل في ان المشركين يريدون الزعم بأنهم أبناء الله ، كما قالت اليهود و النصارى " نحن أبناء الله و أحباؤه " .. فلابد من التأكيد على وجود الصاحبة باعتبار الأبناء نتيجة للعلاقة بين الطرفين ، تعالى الله علوا كبيرا . ولا ريب ان دعاة هذه الفلسفة هم أول من يريد تعريف نفسه إبنا للرب حتى يعطي لنفسه شرعية خضوع الناس و تقديسهم و طاعتهم له او ربط نفسه بإبن الله حتى يخلصها من المسؤولية . مما يعني ان نفي الشرك ليس رفضا لفكرة مجردة ، بل هو رفض لنظام ثقافي و اجتماعي و سياسي ثقيل .
و في كلمة " جد " اختلاف بين المفسرين ، ففي البرهان عن أبي جعفر (ع) قال : " إنما هو شيء قاله الجن بجهالة فحكى الله عنهم " (1) ، وعلى هذه الرواية يكون المعنى هو المتعارف أي الجد أبو الأب و الأم . و قال الرازي : الجد الغنى ، و منهالحديث : " لا ينفع ذا الجد منك الجد " أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه ، و كذلك الحديث الآخر : " قمت على باب الجنة فاذا عامة من يدخلها الفقراء ، وإذا اصحاب الجد محبوسون " يعني أصحاب الغنى و الدنيا ، فيكون المعنى : وأنه تعالى غني عن الاحتياج الى الصاحبة ، و الاستئنــاس بالولد (2) . و لا نجد في السياق ما يشير الى ان الكلام جاء على سبيل الحكاية ، و انما يهدينا السياق الى أنه تقرير للحق الذي جرى على ألسن أولئك النفر من الجن . و الذي يبدو لي ان الجد هنا بمعنى العظمة بحيث يمكن ان نجعلالغنى عن الصاحبة و الولد في اطارها ايضا ، وقد أشار العلامة الطبرسي في بيان لغوي لطيف الى هذا المعنى فقال : الجد أصله القطع ، و منه : الجد العظمة لانقطاع كل عظمة عنها لعلوها عليه ، و منه : الجد أبو الأب لانقطاعه بعلو أبوته وكل من فوقه لهذا الولد أجداد، و الجد الحظ لانقطاعه بعلو شأنه ، و الجد خلاف الهزل لانقطاعه عن السخف ، و منه : الجديد لانه حديث عهد بالقطع في غالب الأمر (3) ، فالمعني من " تعالى جد ربنا " اي سمت عظمته و علت . و الفرق بين هذه الآية و قولنا : ( ربنا تعالى ) أنها هنا صرحت بالمتعلق و هو العظمة ( الجد ) ، بينما نطلق في قولنا بدون المتعلق علو الله على كل شيء وعن كل ما يصفه المشركون .
و قد خصص القرآن في الآية ذكر العظمة بالذات لان مشركي الجن يعملون من خلال نسبة الشركاء لله على الطعن في عظمته و التقليل من شأنه . و كيف لا تقل(1) البرهان / ج 4 - ص 391 .
(2) التفسير الكبير / ج 30 - ص 150 .
(3) مجمع البيان / ج 10 - ص 367 .
عظمة من يحتاج الى الصاحبة و الولد ؟ و نفي الصاحبة عن الله هو نفي قاطع لوجود أي شريك له عز وجل ، لان المزاعم بوجود الشركاء مبنية على أساس بنوتهم له و التي لا تكون إلا بوجود الصاحبة . أما نفي الولد فهو نفي للوالد ايضا لأن من يلد فهو مولود مخلوق بالقطع ،قال الامام علي ( ع ) في صفة الله : " لم يلد فيكون مولودا ، ولم يولد فيصير محدودا " (1) ، و قال : " لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا ، و لم يلد فيكون موروثا هالكا " (2) .
[4] و يؤكد القرآن على وجود التشابه بين المجتمع البشري و مجتمع الجن من الناحيتين الفردية و الاجتماعية ، فهم خلق مكلفون عاقلون مختارون ، و محدودة علومهم كما نحن ، و لذلك يقعون في الأخطاء المقاربة لأخطائنا كالشرك ، و هذا يهدينا الى خطأ الاعتقاد باطلاعهم على كل شيء ، و الاعتماد على ما يقولون ، اذ قد يقولون شططا . هذا من الناحية الفردية ، و من الناحية الاجتماعية يتشابهون معنا في كونهم فرقا مختلفين ، و طبقــــات مستضعفة و مستكبرة ، بل و يعيشون في ظل انظمة اجتماعية و سياسية متشابهة .. حيث يترأسهم سفهاء منهم ، كما يتزعم المجتمعات البشرية الحكام و الملوك .
[ وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ]
و الشطط في الأصل : الكلام الذي يبعد عن الحق ، قال الراغب الأصبهاني : الشطط خفة النفس لنقصان العقل ، و الشطط : القول البعيد من الحق (3) . و الكلمة تستوعب كل قول يحيد عن الصواب الى الخطأ ، و لكن اظهر مصاديقها فيما يتصل بالله عز وجل هو قول الشرك ، والى ذلك أشار القرآن على لسان اصحاب
(1) نهج البلاغة / خ 186 - ص 273 .
(2) المصدر / خ 182 - ص 260 .
(3) مفردات الراغب / مادة شطط .
الكهف : " فقالوا ربنا رب السماوات و الارض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا " (1) .
وأما السفيه فمعناه لغة الجاهل الذي لا يحسن رأيا ولا تصرفا ، ففي المنجد : سفه سفها : كان عديم الحلم او جاهلا او رديء الخلق فهو سفيه ، و السافه الاحمق (2) . و يبدو انها كلمة جامعة لمساوىء الصفات و الاخلاق . و اصطلاحا - المعنى الذي يريده الجن من الكلمة - هو كل زعامة سياسية او اجتماعية او علمية شطت بها الافكار نحو الباطل ، وسعت في تضليل المجتمع كالحكام الطغاة و علماء السوء . وما اكثر ما يقوله سفهاؤنا - نحن البشر - على رب العالمين ، من على منابرهم ، وفي وسائلهم التضليلية ، في كل زمان و مكان ! فمااحوجنا ان نكون كاولئك النفر من مؤمني الجن ؛ نستمع القــرآن ، و نؤمن بما يهدي اليه من الرشد ، و نرفض الشرك بالله بجميع ألوانـه و صوره ، و ننتفض على سفهائنا تحت راية التوحيد و على هدى الوحي !
و نخلص هنا الى الحقائق التالية :
الاولى : ان الجن ليسوا مجرد ارواح شريرة و حسب ، و انما فيهم المؤمنون الصالحون ، و بهذا يعالج القرآن مزاعم البشر و تصوراتهم الخاطئة عن طبيعة عالم الجن بانه شر محض .
الثانيــة : ان الهداية و الرشد لا تتحقق لأحد بمجرد وجود الكتاب الهادي الى الحق ، بل لابد من التقاء بين العقل الباطن و بين رسالة الله ، و ذلك بحاجة الى المزيد من الاصغاء للآيات ، و استماعها ، و التدبر في معانيها .
الثالثة : اننا إذا فسرنا الشرك بالتشريع من دون الله فان الآيات تدل على ان(1) الكهف / 14 .
(2) المنجد / مادة سفه .
الجن كما الانس يبتدعون لهم تشريعات غير هدى الله و آياته ، و ان القرآن جاء بديلا عن منــاهجهم الضالة ، و علاجا لكل انحراف في حياتهم .. فهو رسالة الله للعالمين إنسا و جنا .
وإذا فسرناه بالخضوع لغير حاكمية الله ، فان الآية الرابعة بالذات تدل على ان الجن - كما نحن - مبتلون بالحكام السفهاء و الانظمة الفاسدة ، و ان رسالة الله التي تهدف الهداية الى الرشد و غايته التوحيد تهدف قبل كل شيء الى تحرير المجتمعات انسية و جنية من ربقة الطواغيت و الحكومات الظالمة ( الحاكميات السفيهة ) .
الرابعة : ان اصل اكثر الافكار الشركية - كما تقدم القول - و اصل قبول استعباد السلطات المنحرفة ، و اصل التمييز العنصري و غيره ، يعود الى الزعم بولادة الله ، و من ثم وجود شيء او شخص أقرب من شيء او شخص قربا ذاتيا الى الله عز وجل .
[5] و يوصل السياق كلام النفر عن طبيعتهم بما يكشف لنا واقع الجن .
[ وأنا ظننآ أن لن تقول الإنس و الجن على الله كذبا ]و لعل الظن هنا يعني العلم ، و لكن ليس العلم القائم على الحجة و البرهان ، و انما هو العلم المتأسس على التصور المجرد . و الآية تبين صفتين سلبيتين كانتا وراء تورطهم في الضلال :
الاولى : السذاجة المغرقة الى حد الوثوق في الآخرين و تصديقهم فيما يقولون ، بحمل ما يصدر عنهم على محمل الصدق و الصواب .
الثانية : التقليد الأعمى للآخرين ، قال العلامة الطبرسي معلقا على الآية :
و في هذا دلالة على انهم كانوا مقلدة حتى سمعوا الحجة ، و انكشف لهم الحق فرجعوا عما كانوا عليه ، و فيه إشارة الى بطلان التقليد ، و وجوب اتباع الدليل (1) .
و كلتا الصفتين نتيجة لالغاء دور العقل و فقدان الاستقلال بالتوافق مع تيار المجتمع و التبعية العمياء له . إلا أن القرآن الذي أنزله الله لإثارة دفائن العقول فجر فيهم لما استمعوا آياته كوامن قدراتهم ، العقلية و الروحية ، و خلق في أنفسهم إرادة التحررمن أغلال السذاجة و الجهل و التبعية ، و إرادة التحدي للانحراف بكل كيانه قيما ( السفه ) و اشخاصا ( السفهاء ) . ان مشكلة الكثير من الإنس و الجن انهم يتخذون الاشخاص لا القيم مقياسا ، فمتى ما ضلوا اولئك و انحرفوا ضلوا و انحرفوا معهم ، بينما يجب ان تكون القيم هـــي المقياس ، لانها الضمانة الاصيلة و الوحيدة لمعرفة الحق و الاستقامة على هداه .
و فيما يتصل بالكذب تهدينا الآية الى ان الانسان يرفضه و يستقبحه بالفطرة بحيث لا يتصور ان أحدا يجرأ على التورط فيه ، و هذا ما يجعله فريسة للكذابين المرة بعد الاخرى .
[6 - 10] ثم يحدثنا النفر بآية محورية عن التظاهر بين بعض الإنس و بعض الجن على الباطل ، كصورة من صور الشرك لدى بعض أبناء حواء ، حيث الهالة الكبيرة من الاساطير و الأوهام تدعو البعض الى الاعتقاد بان الجن قوى خارقة لديها العلم و القدرة المطلقين ، ممايحدو بهم الى الاتصال بالجن و طلب العون منهم . و يجهلون ان الأمر على العكس ، يضيف جهلا الى جهلهم و تعبا الى تعبهم ، الى حد الرهق الشديد .
[ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ](1) مجمع البيان / ج 10 - ص 365 .
و الرهق : الغشاوة ، و قيل للتعب الشديد ارهاق لانه يعلو المرهق كالغشاوة فلا يكاد يبصر بقلب ولا بعين . وإذا كان المعنيون بالآية كل من غرتهم خرافة الاستعاذة بالجن و تعظيمهم فان الكهنة و السحرة ومن يتصل مباشرة بالجن مخصوصون بقول " رجال من الإنس" أوليسوا يستعينون بهم في الشعوذة و سحر أعين الناس و الكهانة ؟!
و لان الجن ليسوا - كما يتوهم هؤلاء الرجال - يعلمون كل شيء ، و يقدرون على صنع المستحيل ، فانهم يزيدونهم رهقا في أبدانهم و أنفسهم ، و ضلالا عن الحق باتباع أخبارهم الكاذبة ، و خوض اللجج اعتمادا على وعودهم التي يعجزون عن الوفاء بها . اما من جانب الجنفلعلهم كانوا كرجال الإنس يتمادون في الغي و الضلالة ، حيث يكبرون أنفسهم ، و يتوهمون أنهم أنصاف آلهة نتيجة تقديس رجال الإنس لهم و استعاذتهم بهم .
و الكهنة و السحرة بدورهم كانوا يضللون من حولهم من الناس ، قال الامام الباقر (ع) : " كان الرجل ينطلق الى الكاهن الذي يوحي اليه الشيطان فيقول : قل لشيطانك فلان قد عاذ بك " (1) .
و العياذ الاعتصام و هو الامتناع بالشيء من لحاق الشر (2) ، و للاستعاذة هنا أحد معنيين :
الاول : انهم كانوا يعتقدون بأن الجن قوى شر في الطبيعة ، و بالتالي يجب ارضاؤها للتخلص من شرها و أذاها .
(1) البرهان / ج 4 - ص 391 .
(2) التبيان / ج 10 - ص 148 .
الثاني : أنهم كانوا يعتمدون على الجن في مواجهة الأخطار و المشاكل ، أو في مقاومة القوى التي يخشونها ، ظنا منهم بأنهم ينفعونهم أو يضرونهم .. فبدل ان يفكروا في حل مشاكلهم من خلال العقل و السعي تراهم يلجؤون للخرافة و الاساطير ، و بدل ان يتقربوا الى الله عز وجل بالطاعة تراهم يعوذون بالجن ، ظنا بأنهم قادرون على صد غضب الله او التأثير على أمره سبحانه و تعالى . و هكذا عوض ان يشحذوا إرادتهم و يعملوا فكرهم لمواجهة العدو عسكريا يتوسلون بهذه الثقافة الميتة و المضللة .. فلا يصلون إلا الى الشر و الرهق .
ومن وجوه التلاقي بين الإنس و الجن - بالاضافة الى التعاون على الباطل - تشابه وجوه الانحراف و الضلال في الافكار و الثقافات ، و من بين ذلك الكفر بالاخرة كنتيجة للثقافة القائمة على الظنون و التصورات ، لا على الوعي بالواقع و المنهجية العلمية المعتمدةعلى الدليل و الحجة .
[ وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ]
في المجمع : ان لن يبعث الله رسولا بعد موسى و عيسى (1) ، وفي التفسير الكبير : و يحتمل ان يكون المراد انه لن يبعث احدا للرسالة على ما هو مذهب البراهمة (2) ، و مع امكانية صحة هذا الرأي إلا أن الأقرب بعث الناس للحساب و الجزاء ، وهذا هو جذر كل انحراف وفرار من اطار المسؤولية . و الآية تنسف الاعتقاد الواهي بأن الجن آلهة خلقوا ذاتيا و لا يموتون ، كلا .. انهم يموتون - كما يموت بنو آدم - و يبعثون كما يبعث البشر ، بلى . و بعضهم يشك في البعث مما يدعوه الى الشرك و المزيد من الزيغ .
(1) مجمع البيان / ج 10 - ص 369 .
(2) التفسير الكبير / ج 30 - ص 157 .
وقد جرى جدل بين المفسرين حول هذه الآية هل هي من جملة ما حكاه النفر من الجـن ، أم هي قول الله ؟ فقال بعضهم : انها قول من الله ، و قال آخرون - وهو الاقرب - : انها قول الجن ، قال الفخر الرازي : و اعلم ان حمله على كلام الجن أولى لان ما قبله وما بعده كلام الجن ، فإلقاء كلام أجنبي عن كلام الجن في البين غير لائق (1) . و لعل التعبير اختلف من المتكلم " و إنا " الى الضمير الغائب " و أنهم " لأن المتكلم نفر من المـؤمنين ، وهم ليسوا من جملة الكافرين بالبعث ، مما دعاهم الى نسب الأمر الىغيرهم .
ثم يعود السياق الى مجراه ( ضمير المتكلم ) باعتبار ان ما يأتي أمر عام و شامل حتى للنفر الذين آمنوا من الجن ، باعتبارهم كسائر الجن سعوا لاستراق السمع ، إلا أنهم حيث احتجبوا عن ذلك تحسسوا قدرة ربهم ، و آمنوا به تائبين .
[ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا و شهبا ]و الحرس هم الملائكة ، بينما الشهب أسلحتهم التي يرمون بها كل من يحاول استراق السمع ، فهي مشحونة جنودا و عتادا الى حد الامتلاء ، بحيث لا يجد مسترق ثغرة ينفذ منها الى الملأ الأعلى . و قال : " لمسنا " و لم يقل : ( رأينا ) لأن اللمس صفة مادية مما يؤكد المعنى و يقربه . و حقا : إنهم لمسوا السماء و عرفوا تلك الحقيقة من خلال التجربة العملية .. إذ هلك الكثير منهم بالشهب وهم في مهمة الاستراق .
[ وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ]
سابقا قبل ان يشاء الله منعهم تماما .
[ فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا ]
(1) المصدر .
و من كلمة " مقاعد " نستفيد انهم كانوا يسترقون السمع من ثغرات معينة يقعدون فيها . و يشير أئمة الهدى الى الحكمة التي أغلق الله ابواب الاستراق بسببها عن الشياطين و الجن ، يقول الامام الصادق (ع) : " وأما أخبار السماء فإن الشياطين كانتتقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك ، وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم ، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الارض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء ، و يبلس على أهل الارض ما جاءهم عن الله ، لاثبات الحجة و نفي الشبهة " (1) .
إذن فالجن لا يعلمون الغيب حتى يعوذ بهم الناس . قال صاحب البصائر بتعبير لطيف عن صلة هذه الآية بما قبلها من الآيات : فالانس كانوا يعوذون بالجن لانهم يعلمون الغيب أو خبر السماء فجاءت هذه الآية لتقول : انهم " لا يعلمون الغيب ، و ان السماء ممنوعةعنهم " (2) .
و اختلف في حراسة السماء ، فمن قائل أنها لم تكن قبل بعث النبي (ص) ومن قائل غير ذلك ، و ظاهر الآية يشير الى ما ذهب اليه العلامة الطباطبائي إذ قال : ان الحادث هو المليء و كثرة الحرس لا أصل الحرس ، و ظهور قوله : " نقعد منها مقاعد للسمع " فيأنا نجد فيها بعض المقاعد خاليا من الحرس و الشهب ، و الان ملئت المقاعد كلها ، فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا (3) . و في الاحاديث : انه كانوا يحجبون عن سماء بعد أخــرى حتى ولد خاتم المرسلين فحجبوا تماما ، و عن الامام علي - عليه السلام - قال : "و لقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب تلك الليلة - التي ولد فيها رسول الله - و كان له مقعد في السماء(1) نور الثقلين / ج 5 - ص 369 .
(2) تفسير البصائر / ج 49 - ص 376 .
(3) الميزان / ج 20 - ص 43 .
الثالثة ، و الشياطين يسترقون السمع ، فلما رأوا العجائب أرادوا ان يسترقوا السمع فاذا بهم قد حجبوا عن السماوات كلها " (1) إذن فمن يدعي معرفة الغيب من الكهنة و المنجمين باعتبارهم يتصلون بالجن فانما يزعمون باطلا حيث حجبوا باعترافهم أنفسهم .
و السورة الكريمة تهدينا الى طبيعة المنهج القرآني الواقعية ، فآياته لا تدور في الفراغ ، و لا تطرح الاساطير كما يقول الكفار و المشركون ، و انما يعالج قضايا و مشاكل نفسية و اجتماعية و ثقافية و اقتصادية و سياسية حقيقية ، و حيث تنزلت سورة الجن فمن أجلاجتثاث جذور الكهانة و الشرك بالجن و الشياطين ، و هكذا يعالج القرآن تلك النظريات الشائعة في المجتمعات . و لعل سائلا يقول : وهل عالج القرآن المذهب الوجودي و الماركسي و غيرهما من الفلسفات التي تجددت في القرون الأخيرة ؟ و نقول : بلى . لان هذه المذاهب ليست إلا تطويرات للنظريات القديمة ، فقد كانت الوجودية موجودة تاريخيا و ان كانت بصورة أخرى مبثوثة في الافكار اليونانية التي دعت الانسان لاثبات وجوده و الالتذاذ الدائم ، و هي مشابهة لدعوة سارتر و تلامذته الان ، كما كانت الفلسفة الاشتراكية حاضرة في عهد من عهود ايران تحت عنوان ( المزدكية ) وهي اشتراكية بلغت حد الشيوعية و الاباحية .
و تخصيص القرآن سورة باسم الجن صورة حية لواقعيته ، لان استعاذة رجال من الإنس بهم و تلقيهم لهمزاتهم كان ولا يزال من الاسباب الرئيسية لانحراف البشر و ضلالهم عن الحق ، حيث الخلط بين تلك الإلقاءات وبين الوحي . وما فلم ( الوساوس الأخيرة للسيد المسيح ) وكتاب ( الآيات الشيطانية ) إلا دليل على الجهل بالوحي ، ومن ثم الخوض في شأنه بغير علم .
(1) نور الثقلين / ج 5 - 436 عن الاحتجاج عن الامام علي (ع) .
و التطلع الى معرفة الغيب من الدوافع الملحة للانسان نحو الاتصال بأي جهة يتوقع معرفتها به لعله يعلم بعضه ، و لكن قسما من الناس يخطئون إذ يعوذون بالجن بدل أن يربطوا أنفسهم بوحي الله ، مع أنهم لا يعلمون من الغيب شيئا ، وما أدل على ذلك من اعترافهم أنفسهم بهذه الحقيقة .
[ وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا ]إنهم بهتوا بالارهاصات و التحولات الكونية التي رافقت بعث خاتم الأنبياء ، كامتلاء السماء حرسا و شهبا ، و عجزهم عن استـــراق السمع بعدئذ ، فلم يستوعبوا الأمر ، و تخبطوا في تفسير تلك الظواهر هل هي شر لسكان الارض كأن تكون من اشراط الساعة أم خير أرادهالله ؟! وهذا يؤكد قصورهم عن علم الغيب ، و جهلهم بتفسير الظواهر الكونية المتجددة كما يجهلون كثيرا من تلك الظواهر ، فلا ينبغي التعويل عليهم في تفسير شيء من الظواهر كالمرض و الفقر و الهزيمة وما أشبه مثلما هو شأن بعض المستعيذين بهم . ولا ريب ان بعث الرسول(ص) خير عظيم لمن في الارض ، حيث ينقذهم برسالته و قيادته من ظلام الباطل و الضلال و الجهل ، الى نور الحق و الهدى و العلم ، و هكذا منع الشياطين من الاستراق نعمة عظيمة لهم حيث يزول السبب الذي تتشاكل به حقائق الوحي و تتشابه مع اباطيل الجن . قال ابن جريح : قالوا : لا ندري لم بعث هذا النبي ، لان يؤمنوا به و يتبعوه فيرشدوا ، أو لأن يكفروا به و يكذبوه فيهلكوا كما هلك من قبلهم من الأمم ؟ (1) ، و قيل معناه : أن هذا المنع لا يدرى العذاب سينزل بأهل الارض أم لنبي يبعث و يهدي الى الرشد ، فان مثل هذا لا يكون إلا لأحد هذين الأمرين (2) . قال العلامة الطباطبائي : وقد صرحوا بالفاعل لإرادة الرشد و حذفوه في جانب الشر أدبا ، ولا يراد شر من جانبه(1) الدر المنثور / ج 6 - ص 273 .
(2) مجمع البيان / ج 10 - ص 369 .
تعالى إلا لمن استحقه (1) . و لقد قال الله : " رشدا " ولم يقل ( خيرا ) في مقابل الشر إشارة للرسالة التي تعطي الهدى ، و لان الرشد سبب كل خير و سنامه ، بل هو المصداق الاعظم للخير .
[11 - 12] و ينسف ربنا نظرة التقديس المطلق للجن ببيان اختلافهم ، و ان فيهم من لا يستحق الاحترام لتخلفه عن الصلاح و تورطه في الفساد العريض .
[ وأنا منا الصالحون و منا دون ذلك ]
أقل مرتبة . و كلمة " دون ذلك " تتسع لدرجات مختلفة يلي بعضها بعضا في التسافل حتى آخر درك من الانحراف و الضلال ، و يعلوا بعضها فوق بعض حتى درجة الصلاح . ثم يضيفون :
[ كنا طرائق قددا ]
أي مذاهب و جماعات مختلفة متفرقة ، من قد الثوب يقده إذا شقه و قطعه ، ففرقه خرقا بعد ان كان قطعة واحدة . ومن الآية نهتدي الى ان الاختلاف في مدى الصلاح بين الجن افرادا و جماعات راجع الى اختلاف مذاهبهم ، وأنهم كالبشر مختلفون في توجهاتهم و نظراتهم الىالحياة . و لعل تأكيد القرآن على التشابه بين الخلقين ( الإنس و الجن ) يأتي لبيان أنهم خلق من خلقه تعالى يتعرضون لما يتعرض له الناس ، و ليسوا الهة كما يزعم البعض فيعبدهم و يشرك بهم من دون الله .
ومادام الجن صالحين و دون ذلك فان الاتصال بهم قد يعود الى الإنس بالخير لو كان طرفه الصالحين ، و قد يعود عليهم بالشر العظيم إذا كان طرفه الضالين الفاسدين(1) الميزان / ج 20 - ص 44 .
منهم ، و هذا ما يجعل الاعتماد على قول الكهنة و اخبارهم محل اشكال و شك ، باعتبار مصادره تحتمل الصواب و الخطأ و الصدق و الكذب .
قال ابن عباس و مجاهد و قتادة : على مذاهب مختلفة ، مسلم و كافر ، و صالح و دون الصالح . و قال شيخ الطائفة : و الطرائق جمع طريقة ، و هي الجهة المستمرة مرتبة بعد مرتبة ، و المعنى : إنا كنا على طرائق متباينة ، كل فرقة يتباين صاحبها كما بين المقدود بعضهمن بعض (1) . و خلاصة القول : أنهم مختلفون في مذاهبهم و توجهاتهم ، و في كل فرقة يختلف الافراد عن بعضهم صلاحا و انحرافا .
و الى جانب بيان القرآن تصور الجن عن علم الغيب ، مما ينفي المزاعم بأنهم آلهة أو أنصاف آلهة ، يبين ضعفهم و عجزهم باعتبارهم مخلوقين عن مقاومة إرادة الله ، بل عجزهم حتى عن الهرب من سلطانه و حكومته ، الأمر الذي يهدم ثقافة الشرك بهم من أساسها .
[ وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الارض ]
بصورة مباشرة من خلال مواجهة إرادته ، أو بصورة غير مباشرة من خلال القفز على سننه او خرقها ، ولو كانت هذه القدرة موجودة عند الجن لاظهرها شياطينهم ، و لخربوا كثيرا من قوانين الطبيعة و نظمها ، و لكنهم عاجزون عن ذلك .. مما يهدينا الى أنهم محكومون مثلنابإرادة الله و سننه ، فخطأ إذن أن يعتمد بعض الإنس عليهم و يعوذ بهم زعما بأنه يحتمي بهم عن مشيئة الله ، على أساس أنهم قوى قاهرة و ضاغطة تعالى الله عما يصفون ، فان وجودهم كسائر المخلوقين مرتكز في الضعف و العجز ، فهم لا يستطيعون أن يدفعوا عن أحد إرادة الله ، ولا يجدون أنفسهم سبيلا للهرب منه .
(1) التبيان / ج 10 - ص 151 .
[ و لن نعجزه هربا ]
لان إرادته تعالى ليست محــدودة بالأرض حتى يفلت من يطير الى غيرها من إرادته ، و يعجزه سبحانه ، انما هيمنته شاملة للوجود كله دون استثناء أو فرق بين كوكب و آخر ، ولا بقعـة و بقعة أخرى . قال الزمخشري : أي لن نعجزه كائنين في الارض أينما كنا فيها ، و لن نعجزه هاربين منها الى السماء (1) .
و الظن في الآية ليس بمعنى الشك ، فان الجن على يقين تام علميا بأنهم لا يعجزون رب العزة ، بل هو بمعنى اليقين الذي يصل الى حد التصور و الاستحضار للحقيقة بالظن و كأنها حقيقة مادية قائمة ، أي تركيز قوة التخيل و التصور بصورة شديدة .
[13] ولقد عرف النفر من الجن أنفسهم المحدودة بالجهل و العجز فتحسسوا الحاجة الفطرية الملحة بضرورة الاستعاذة بالخالق المتعالي عن أي عجز أو حد فعرفوا ربهم فاتخذوا معرفة النفس وسيلة لمعرفة الرب . أوليس من عرف نفسه فقد عرف ربه كما في الحديث ؟ فامنوا به، و راحوا يعوذون به ايمانا منهم بأن الاطمئنان و السعادة لا يوجدان إلا عنده عز وجل .
و حيث سمعوا آيات الذكر الحكيم وهم في مخاض الشك المنهجي و البحث عن سبيل الرشاد اصغوا لها مسامع قلوبهم ، و سلمت لحقائقها افئدتهم ، فآمنوا به .
[ وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به ]
و لعلنا نستشف من هذا المقطع ان المتكلمين كانوا يعانون من مشكلة التعتيم(1) الكشاف / ج 4 - ص 627 .
و التضليل ، لانهم كانوا في بيئة جاهلية كجاهلية البشر قبيل بزوغ فجر الرسالة .
و يشير النفر الى الخلفية التي دعتهم الى اختيار الهدى بالايمان بالله ، ألا وهي كون الايمان سبيل السعادة .
[ فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ]
وعلى عكس ذلك الشرك بالقوى المخلوقة كالجن و الأوثان التي لا تزيد المشرك بها سوى الخسارة بعد الخسارة ، لأنها محدودة و عاجزة عن تحقيق الضر و النفع لنفسها فكيف للآخرين ؟!
ان البعض كالفرقة اليزيدية قدسوا الشيطان ، و فلسفوا موقفهم على أساس انه رمز قوى الشر الذي ينبغي اتقاؤه بعبادته و كسب رضاه ، بينما تركوا عبادة الله لانه كما يزعمون رب الرحمة الذي لا خوف من جانبه .. و راحوا يعظمون الطاووس لانه في معتقدهم مسكون بالشيطان ! و الحال ان الايمان بغير الله لا يؤمن للانسان الاطمئنان ، بل يضاعف خسارته و تعبه . بلى . ان الايمان بالله وحده الذي يملأ القلب بالاطمئنان الى حسن الجزاء و نعم العاقبة ، فلا بخس ولا رهق .
قال صاحب المجمع : البخس النقصان ، و الرهق العدوان (1) ، و رافقه التفسير الكبير إلا أنه أضاف : و الرهق الظلم ، ثم فيه وجهان : الأول : لا يخاف جزاء بخس ولا رهق ، لأنه لم يبخس أحدا حقا ولا ظلم أحدا فيخاف جزاءهما ، و الثاني : لا يخاف ان يبخــس ، بــليقطــع بأنه يجزي الجزاء الأوفــى ، ولا يخاف ان ترهقــه ذلــة ، مـن قوله " ترهقهم ذلة " (2) ، و أصل البخس القلة ، قال تعالى " و شروه(1) مجمع البيان / ج 10 ص 371 .
(2) التفسير الكبير / ج 30 - ص 159 .
بثمن بخس دراهم معدودة (1) ، و انما قيل كذلك لان مادفعوه ثمنا ليوسف أقل من ثمنه حتى في السوق لو كان عبدا يباع . و سمي البخس بخسا لانه في حقيقته الأخذ من مال الناس بما هو تقليل لحقوقهم الواقعية (2) . و ما تنفيه هذه السورة ( البخس و الرهق ) بالنسبة للمؤمنين بالله على عكس ما أثبتته الآية السادسة في شأن المستعيذين بالجن من الإنس .
[14 - 15] و يعود النفر المؤمنون من الجن للتأكيد بما يشبه الآية الحادية عشر على أنهم مختلفون .
[ وأنا منا المسلمون و منا القاسطون ]
و المسلم هو الذي يسلم نفسه بكل كيانها للحق ، فيكيفها معه معنويا و عمليا ، و أما القاسط فهو الظالم الذي يضم قسط الاخرين الى نفسه بغير حق ، على خلاف المقسط الذي يعطي حق الآخرين ، وإنما قابل القرآن كلمة المسلم بالقاسط مع أنها تقابل الكافر عادة لأن من أظهر معاني الاسلام هو العدل ، ولأن التسليم للحق هو العامل الرئيسي في تجسيد قيمة العدالة في الواقع ، ولأن المطلوب من الاسلام ليس مجرد التسليم اللفظي بل كبح جماح النفس الأمارة السوء .
[ فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ]
قال الراغب : حرى الشيء يحري ، أي قصد حراه ، أي جانبه و تحراه (3) ، و في تفسير البصائر تحرى تحريا : طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن ، و طلب أحرى الأمرين و أولاهما ، و تحرى الأمر توخاه و قصده ، و التحري هو الاجتهاد في(1) يوسف / 20 .
(2) لقد مر بيان لمعنى الارهاق عند الآية (43) من سورة القلم فراجع .
(3) مفردات الراغب مادة حري .
تعرف ما هو أولى و حق ، و في الحديث : " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر " أي تعمدوا طلبها فيها (1) .
وعلى هذا التفسير للكلمة يكون المعنى ان من اختار الاسلام و سلم له فقد جانب الرشد و الهدى ، وهذا مسلم به لأنه حينئذ سيهديه الله بنور الوحي و آيات الرسالة ، مما يكمل عقله و علمه فيجعله راشدا . و الآية تأكيد على ان الاسلام ليس مجرد تسليم النفس للحق ،بل هو اضافة الى ذلك وعي الحق بعد البحث عنه طلبا للرشد .
[ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ]
و من هنا نهتدي الى أن أظهر معاني ( تحري الرشد ) طلب النجاة من النار و من غضب الله ، بمعرفة طريق الهدى بالنفس و العقل ، و كذلك بتجنب الذنوب و الخطايا و القيام بالصالحات ، وذلك ما لم يفعله القاسطون مما أدى بهم الى العذاب . ولا يقول القرآن أنهم سيكونون حطبا لجهنم ، بل قال " كانوا " بصيغة الماضي ، و السبب أن مرتكب الذنوب و الفواحش قد جعل نفسه وقودا للنار لحظة اقتحامها ، بالفعل . قال الزمخشري : القاسطون الكافرون الجائرون عن طريق الحق ، و نقل طريفة عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - : انالحجاج قال حين أراد قتله : ما تقول في ؟ قـال : قاسط عادل ، فقال القوم : ما أحسن ما قال ! حسبوا انه يصفه بالقسط و العدل ، فقال الحجاج : يا جهلة ! إنه سماني ظالما مشركا ، و تلا قوله تعالى : " و اما القاسطون " و قوله تعالى : " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " (2) .
و جرى جدل بين المفسرين في عذاب الجن ، فقد اجمعوا على إمكان تعذيب(1) تفسير البصائر ج 49 ص 320 / 321 .
(2) الكشاف / ج 4 - ص 628 .
القاسطين من الإنس بجعلهم حطبا لجهنم ، ولكنهم اختلفوا في كيفية تعذب الجن بالنار و هم من جنسها ، فقال بعضهم كالفخر الرازي : إنهم وأن خلقوا من النار لكنهم تغيروا عن تلك الكيفية و صاروا لحما و دما هكذا (1) ، و من أطرف ما قرأته في هذا الشأن : ان بهلول أتىالى المسجد يوما و أبو حنيفة يقرر للناس علومه ، فقال في جملة كلامه : ان جعفر بن محمد تكلم في مسائل ما يعجبني كلامه فيها : الأولى : يقول : ان الله سبحانه موجود ولكنه لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهل يكون موجود ولا يرى ؟ ما هذا إلا تناقض ! الثانية: إنه يقول : إن الشيطان يعذب في النار مع ان الشيطان خلق من النار ، فكيف يعذب الشيء بما خلق منه ؟! الثالثة : إنه يقول : إن أفعال العباد مستندة اليهم ، مع ان الآيات دالة على أنه تعالى فاعل كل شيء !
فلما سمعه البهلول أخذ مدرة و ضرب بها رأسه و شجه ، و صار الدم يسيل على و جهه و لحيته ، فبادر الى الخليفة يشكو من بهلول ، فلما احضروا بهلول و سئل عن السبب قال للخليفة : ان هذا الرجل غلط جعفر بن محمد (ع) في ثلاث مسائل : الأولى : أن أبا حنيفة يزعم أنالأفعال كلها لا فاعل لها إلا الله ، فهذه الشجة من الله تعالى وما تقصيري ؟! الثانية : أنه يقول : كل شيء موجود لابد أن يرى ، فهذا الوجع في رأسه موجود مع أنه لا يراه أحد ، الثالثة : انه مخلوق من التراب وهذه المدرة من التراب وهو يقول : ان الجنس لا يتعذببجنسه ، فكيف يتألم من المدرة ؟ ّ فأعجب الخليفة كلامه ، و تخلص من شجة أبي حنيفة (2) .
[16 - 17] و يستثير الواحد إنسيا أو جنيا فكره بحثا عن الأسباب التي أدت الى انحطاط حضارته ، و تخلفه عن ركب التقدم ، فلا يجد مهما أنعم الفكر و النظر(1) التفسير الكبير / ج 30 - ص 160 .
(2) شجرة طوبى / ج 1 - ص 49 .
سوى إجابة واحدة هي الإنحراف عن النهج السليم و التفرق بالسبل الملتوية ، و بتعبير القرآن : الانحراف عن الطريقة لأنها وحدها التي تأخذ الانسان الى السعادة .
[ و ألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءا غدقا ]أي كثيرا فراتا . فما هي تلك الطريقة ؟
ان تعريف القرآن لها بألف و لام العهد و الجنس يهدينا الى أنها طريقة معينة للإنس و الجن ، و ليس سواها طريقة حتى يستراب فيها ذهن السامع أو ينصرف عنها . ولقد كثرت الأقوال في بيان المقصود بالطريقة إلا أن أقربها - كما يبدو لي - الحق المتمثل في :
1 - الفطرة التي اركزها الله في خلقه ، حيث الايمان و التسليم للحق .. فان الاستقامة عليها هي السبيل الى كل خير و سعادة .
2 - خط الرسالات الإلهية و الانبياء ، قال العلامة الطبرسي : لو استقاموا على طريقة الهدى بدلالة قوله : " ولو أنهم أقاموا التوراة و الانجيل وما أنزل اليهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم " (1) ، و نظيره قوله تعالى : " ولو ان أهل القرىآمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض " ، و قوله : " و من يتق الله يجعل له مخرجا " وقوله : " فقلت استغفروا ربكم .. يرسل السماء عليكم مدرارا " (2) . و الفطرة و الرسالات مع الانبياء يكمل واحدهما الآخر في هداية الانسان الى الطريقة السليمة و يثبتانه عليها لو اتبعهما ، وهي - أي الطريقة - واضحة عند كل مكلف بالاستقامة عليها ، إلا أن القليل هم الذين يلتزمون بها كما يريد الله ، و يستقيمون(1) مجمع البيان / ج 10 - ص 371 .
(2) التفسير الكبير / ج 30 ، ص 160 - 161 .
عليها حتى النهاية رغم المصاعب و العقبات . بلى . ان النتائج الحضارية للرسالة قد لا تظهر في اللحظة الأولى التي يقرر المجتمع فيها الالتزام بقيمها و الاستقامة عليها ، لان القيم الرسالية تشبه الى حد بعيد البذرة التي يزرعها الفلاح في الارض .. لابد من الصبرعليها حتى تؤتي اكلها و رعايتها في الاثناء ، مما يفرض الاستقامة كأساس في السعي الحضاري ، و وعي هذه القيمة الواقعية من شأنه تثبيت الانسان على الهدى ، و دفع روح القنوط و اليأس من الرسالة عن فكره و نفسه . أترى لو يئس الرعيل الأول من الاسلام حيث لم يكونوايرون منه سوى التضحيات تلو التضحيات فهل كانوا يبنون حضارته على امتداد المعمورة ؟ أو هل كانوا يحققون تلك الاهداف و المنجزات العظيمة التي وصلوا اليها بفضل الصبر و الاستقامة ؟ كلا .. وما أحوج الامة الاسلامية و هي تعيش مخاض الصحوة و العودة الى رسالتها انتلتفت الى هذه الحقيقة ، و تعزم السير اليها قدما مهما حاول الاعداء ثنيها عن الطريقة بتهويل التضحيات و المشاكل التي تواجهها كل أمة ناهضة في السنين الأولى للنهضة ، فان الاستقامة وحدها التي توصل الأمم الى موسم الحصاد حيث يكسبون المعطيات بكل شموخ و اقتدار، فلا يطعم الماء الغدق إلا من تذوق مرارة الاستقامة و تحمل تحدياتها و جراحاتها .
و لقد توقف المفسرون عند الشطر الثاني من الآية " لأسقيناهم ماء غدقا " متسائلين : كيف يعد الله الجن و الإنس بالماء الغدق كنتيجة للاستقامة على الطريقة و الحال أن الجن ليسوا ذوي أبدان إنسية أو يحتاجون الى الماء فيكون الوعد به مغريا عندهم ؟ والجواب :
اولا : اننا نفهم من عموم القرآن بأن الحاجة الى الماء مرتكزة في كل كائن حي ، لقوله تعالى : " و جعلنا من الماء كل شيء حي " (1) بغض النظر عن المقدار(1) الأنبياء / 30 .
و الكيفية .
ثانيا : يبدو ان الماء رمز للحضارة حيث الماء عصبها ، فأي تقدم حضاري لا غنى له عن الماء .
ثالثا : كما ان أجلى مصاديق الماء ليس ما نشربه و نسقي به الزرع ، إنما هو العلم الحق الذي تحيا بالاستجابة له النفوس و العقول ، و تنعش به الحياة . قال الامام الصادق (ع) : " يعني لأمددناهم علما كي يتعلمونه من الائمة (ع) " (1) وعن بريد العجلي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل : " و ألــو استقاموا على الطريقة " ؟ قال : " يعني الولاية " ، " لأسقيناهم ماء غدقا " ؟ قال : " لأذقناهم علما كثيرا يتعلمونه من الائمة (ع) " (2) وعن الباقر (ع) قال: " لأشربنا قلوبهم الايمان ، و الطريقة هي الايمان بولاية علي و الاوصياء " (3) .. ولا غرابة في تأويل الآية على هذا النحو ، لان الاستقامة على الطريقة في النفس بالايمان ، و في الفكر باتباع آيات الله و رسالته ، و في المجتمع بالانتماء الى حزبه واتباع أوليائه .
ومن كلمة " أسقيناهم " يتبين انهم ظمأى ، و عطشهم الى الايمان و المعرفة أشد من عطشهم الى الماء ، و الاستقامة على الطريقة الآنف ذكرها يؤمن للبشرية كل ذلك ، حيث الايمان بالله و حيث بصائر الوحي التي تروي القلوب و العقول ، و تبني حضارة السعادة ، و مستقبل الفلاح .
ولأن هدف الحياة هو الابتلاء لاستظهار معدن المكلفين و كوامنهم فإن المسألة لا تنتهي عند حدود الاستقامة على الطريقة من قبل المخلوقين و إسقاء الماء(1) البصائر / ج 49 - ص 428 .
(2) المصدر .
(3) نور الثقلين / ج 5 - ص 438 .
الغدق من قبل الله ، بل لابد من الفتنة ، كقضية أساسية يفرضها هدف الخلق ، و كون الدنيا ليست الدار الأخيرة .
[ لنفتنهم فيه ]
بهدف معرفة طبيعتهم ، و مواقفهم العملية من نعم الله عز وجل ، بالذات وأن المسيرة الحضارية للأمم تبدأ بجيل ملتزم مستقيم يشيد صرح الحضارة ثم ينحرف ببطر النعمة ، أو يرثه من بعده خلف يضيع القيم و يتبع الأهواء . فأما الأمة التي تفلح في الاستقامة على الطريقة قبل الرغد و بعده فإنها تصبح محل عناية الله ، و المزيد من فضله بالزيادة جزاء للشكر ، وعلى عكسها الأمة التي يأخذها الغرور بمنجزاتها ، و تنخدع بزينة الحياة الدنيا ، و فضل الله عليها ، فإنها تدخل نفق الانحطاط و العذاب .
[ و من يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ]
قيل : هو العذاب الذي يزداد و يتصاعد بمرور الزمن ، وإن الأمة التي تضل عن مسيـرة الحـــق لترى الأهوال و ألوان العذاب المتكاثرة في أنواعها ، و المتزايدة في كيفيتها ، و قيل : هو العذاب الأليم الذي يصعد الى المخ ، و قيل : صعود جبل في جهنم يجبر المجرمونعلى صعوده محملين بالاثقال ، فكلما بلغوا قمته أعيدوا للأمر كرة و أخرى دون استراحة .. وفي الأثناء تضربهم ملائكة العذاب بمقامع الحديد النارية .
ومن الناحية الواقعية لو أردنا ان نتصور مسيرة أمة خالفت الطريقة السليمة و اتبعت السبل المنحرفة فسنجدها كمن يصعد الجبال الوعرة يخالف سنة الله في الجاذبية ، فيلقى في طريقه العقبات التي لا تطاق . قال ابن عباس : ان صعدا جبل في جهنم ، وهو صخرة ملساء فيكلف الكافر صعودها ، ثم يجذب من أمامه بسلاسل و يضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها في أربعين سنة ، فاذا بلغ أعلاها جذب الى أسفلها ثم يكلف الصعود مرة أخرى (1) .
و انما يسلك المعرض عن ذكر الله عذابا صعدا لان ذكره تعالى وسيلة الاستقامة على الطريقة ، ولا يقدر الانسان على الاستقامة من دونها ، فاذا ما أعرض أحد عن الوسيلة لم يبلغ النتائج فإذا بالماء الغدق يصبح عذابا صعدا . و لعمري إن الأمة الاسلامية حين استقامت على الطريقة سقيت الماء الغدق ، و صارت الى السعادة و السلام ، و لكنها حيث افتتنت بالمعطيات و النعم فشلت في الامتحان ، إذ أعرضت عن ذكر ربها و أوليائه فصارت ولا تزال الى العذاب الصعد .
[18 - 20] و فـي سياق الحديث عن الجن الذين اتخذهم البعض آلهة فاشركوا بهم ، و عبدوهم من دون الله ، يؤكد ربنا حقيقة التوحيد كهدف رئيس من وراء نسف المزاعم الموغلة في الخرافة حول هذا الخلق من خلقه تعالى ، مما يهدينا الى كون الآية الثامنة عشر آية محوريةفي سورة الجن .
[ وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ]
و الأنبياء و كل من يسيرون على خطهم و يتبعون منهجهم حيث يقوموا لله بالدعوة و ينهضون للتغيير يجعلون محورهم توحيده عز وجل عن أي شريك من خلقه ، الى حد التجرد له عن أية ذاتية ، يتجردون عن الارض و العشيرة وكل قرابة و أية علاقة بشيء او بشخص ، و يسلمونأنفسهم بصورة مطلقة له ، و يكيفونها حيث التوافق مع رسالته وهذا من أهم الفوارق بين الدعوات الإلهية الخالصة و بين الدعوات البشرية التي يسعى أصحابها في الغالب الى الانتفاع منها لصالحهم .
(1) التفسير الكبير / ج 20 - ص 162 .
انك لو درست حركة الكهنة فستجدهم يسعون لجعل أنفسهم محورا من وراء ثقافاتهم و دعوتهم ، فهم دائما يريدون إقناع الناس بأنهم عظماء ، وأن لديهم قبسا من عظمة الله سبحانه و علما من علمه . أما الأنبياء و الرسل فإنهم لا يدعون مع الله أحدا أبدا . و يتفرع منذلك ان الدعوات البشرية عادة ما تكون وسيلة لارتزاق أصحابها بها . أما أولياء الله فإنهم لا يسألون أحدا أجرا . بل يأتون ليعطوا الناس الأجر و الخير .
وقد استفاد أئمة الهدى من هذه الآية حكما شرعيا جنائيا بحرمة قطع المساجد كالكف في حوادث السرقة مثلا ، وقد جاء في الرواية في قصة سارق أحضر الى المعتصم العباسي فاستفسر : من أي حد يجب ان يقطع ؟ فقال الراوي ( و هو ابن ابي داود ) : من الكرسوع ، قال : وماالحجة في ذلك ؟ قال : قلت : لان اليد هي الأصابع و الكف الى الكرسوع ، لقول الله في التيمم " فامسحوا بوجوهكم و أيديكم " ، و اتفق معي على ذلك قوم . و قال آخرون : بل يجب القطع من المرفق ، قال : وما الدليل على ذلك ؟ قالوا : لأن الله لما قال : " و أيديكم الى المرافق " في الغسل دل على ان حد اليد هو المرفق .
قال : فالتفت الى محمد بن علي بن موسى بن جعفر (ع) فقال : ما تقول في هذا يا أبا جعفر فقال : " قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين " ، قال دعني مما تكلموا به . أي شيء عندك ؟ قال : " اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين " ، قال : أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه ؟ فقال : " أما إذا أقسمت علي بالله إني أقول : إنهم أخطأوا في السنة ، فان القطع يجب ان يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف " قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : " قول رسول الله (ص) : السجود على سبعة اعضاء : الوجه ، و اليدين ، و الركبتين ، و الرجلين ، فـإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، و قال الله تبارك و تعالى : " و ان المساجد لله " يعني به هذه الاعضاء السبعة التي يسجد عليها " فلا تدعوا مع الله أحدا وما كان لله لميقطع " قال : فأعجب المعتصم ذلك ، و أمر بقطع السارق من مفصـل الأصابع دون الكف . قال ابن أبي داود : قامت قيامتي ، و تمنيت إني لم أك حيا (1) .
و نستفيـــد من الآية بصيرة عملية و هي حرمة جعل المساجد محلا لدعوة غير الله ، و استخدامها بغير غرض العبادة له عز وجل ، كالدعوات الانتخابية و التوجهات ، الحزبية وما أشبه .
ومن الفوارق الاساسية بين دعوة أولياء الله ( رسله و أنبياؤه و من يسير على نهجهم ) و بين الدعوات البشرية كالكهانة و السحر و الفلسفات المنحرفة أنهم لا يبحثون عن التيار الاجتماعي ليسبحوا معه ، إنما يهمهم العمل بالحق مهما كان ذلك مخالفا لتوجهات المجتمع ، بينما نجد الكهنة و السحرة ومن أشبه يسيرون في ركاب السلاطين ، و أصحاب النفوذ في المجتمع ، و يخشون من الإصطدام مع الواقع .
فالرساليون لا يعرفون المداهنة و المساومة ، بل يثورون لتغيير الواقع الفاسد ، و يصطدمون مع كل قيمة منحرفة بغض النظر عن العواقب مادام الأمر يرضي الله ، فإذا بواحدهم كإبراهيم - بل هكذا كل واحد منهم - يقف أمة لوحده في قبالة مجتمع بكامله وقد تظاهر عليهو تلبد كما تتلبد الغيوم بعضها مع البعض الآخر .
[ وأنه لما قام عبد الله يدعوه ]
أي يدعو ربه نابذا كل الافكار و القيم الشركية الضالة .
(1) العياشي / ج 1 - ص 319 .
[ كادوا يكونون عليه لبدا ]
قال الشيخ الطوسي : جماعات متكاتفات بعضها فوق بعض ، ليزيلوه بذلك عن دعوته باخلاص الإلهية (1) . ولعل في الآية إشارة من بعيد الى تظاهر المشركين من الإنس ومن الجن مع بعضهم ضد داعية الحق ، ولكن ذلك ليس بالذي يثني الانبياء و الرسل ولا بالذي يفل عزائمهمو عقائدهم الراسخة ، فقد وقف نبي الاسلام (ص) وكما أمره الله متحديا جبهة الضلال المتلبدة ضده ، و معلنا بأنه لن يغير مسيرته ، و لن يتنازل عن قيمه و أهدافه .
[ قل إنما ادعوا ربي ولا أشرك به أحدا ]
وهذه الآية رمز لتحدي الرساليين لكل عامل واحد يضغط باتجاه المداهنة في قيمة التوحيد او التنازل عنها . أوليست الاستجابة للضغوط لونا من ألوان الشرك ؟!
[21 - 22] و تمتاز الدعوة الإلهية عن غيرها بأنها تثير في الانسان كوامنه ، و تدفعه الى السعي لا التمنيات ، كما يفعل الكهنة و دعاة الأديان و المذاهب البشرية ، الذين يوزعون صكوك الجنة و الأمان المزعومة على الناس إزاء المال ! كلا .. ان أولياء الله يصارحون الناس بأننا لسنا بدائل عنكم ، ولا يغني ايماننا عن سعيكم .. حتى لا يتخذهم الناس أربابا من دونه تعالى ، ولا شفعاء بالطريقة الموجودة في نظرية الفداء عند بعض النصارى .
[ قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ]
و هذه قمة التجرد لله و توحيده ، و دليل إخلاص المساجد له من قبل(1) التبيان / ج 10 - ص 155 .
الرسول (ص) . و الآية تحريض على التوجه لله وحده لانه الذي يملك الضر و الرشد ، كما ان فيها تحريضا على الاعتماد على مواهب الله للنفس البشرية و السعي الذاتي كمنهجية سليمة و كجزء من الطريقة . و تلاحظ في السورة تكرر كلمة الرشد اربع مرات في الآيات (2 ، 10 ،14 ، 21) و استخدامها محل النفع الذي يقابل الشر و الضر ، و لعل السبب يكمن في معالجة السياق لمشكلة الضلال و الانحراف التي تسببها المزاعم و الفلسفات البشرية الباطلة حول الجن و غيرهم ، فأراد تعالى التأكيد على دور الوحي في الهداية و الرشد ، بل التأكيد علىالرشد بذاته في مقابل علاج مشكلة الضلال .
و الرسول ليس لا يملك للآخرين ضرا ولا رشدا ، بل لا يملك حتى لنفسه شيئا من ذلك ، إنما الله وحده منه النفع و الضر و الاجارة ، فخطأ إذن ان يعوذ أحد بغيره جنا أو إنسا أو سواهما .
[ قل أنى لن يجيرني من الله أحد و لن أجد من دونه ملتحدا ]و هذه العقيدة من أهم دواعي التسليم له عز وجل و توحيده ، و بها يقاوم المؤمنون عوامل الهزيمة و الخوف حيث التوكل على رب العزة و الاستجـــارة به من سواه ، لا كما يفعل السفهاء فيستعيذون بالانداد و الشركاء من تقديـــر الله و أمره و عذابــه !
و الملتحد الملجأ الصغير بقدر اللحد ، وإن من يجيره الله فلا خوف عليه ، وإن من يريده عز وجل بسوء فلن يجد ملجأ ولا بمقدار اللحد يفر اليه منه و قد وسعت قدرته كل شيء .
[23 - 28] و يبين النبي (ص) كنه دوره و مهمته في الحياة ، فهو لم يأت ليعطي الناس صكوك الأمان ، ولا ليكون شريكا لله في ملكوته ، إنما جاء عبدا للهو رسولا من الله يبلغ رسالته الى الناس .
[ إلا بلاغا من الله و رسالاته ]
و " إلا " تفيد هنا الاستثناء الحصري ، و قال : " و رسالاته " بالجمع و ليس رسالته بالافراد لبيان أنه امتداد برسالته لكل رسالات الله السابقة ، و ان خط الانبياء واحد يكمل بعضه ( افراد و رسالات ) بعضا .
[ و من يعص الله و رسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا ]ولا تكون معصية الرسول الا باتباع هوى النفس و سفهاء الأمم من القادة المنحرفين الذين يقولون على الله شططا . وإدخال القرآن لعنصر التخويف بالنار في الحديث عن معصية الله و الرسول لان ذلك ينمي الحذر من الله في النفس ، و يضمن طاعة المؤمنين لله و الرسول . و الآية هذه توازن الموقف من الرسول القائد ، فصحيح أنه لا يملك لأحد ضرا ولا رشدا ، إنما يملك الناس أنفسهم ضر أنفسهم و رشدها ، و لكنه حيث تجـــرد لله يعتبر مقياسا ، و يتحول بشخصيته و موقعه الى ميزان و قيمة في المجتمع ، بحيث يقرن الله رضاه و غضبه و طاعته و معصيته برضى الرسول (ص) و غضبه و طاعته و معصيته . و هكذا يصير كل قائد واحد ميزانا بمقدار ما يجسده من قيم الحق في حياته .
ولان العصاة إنما يتمردون على أوامر الله و رسوله اغترارا بما لديهم من القوة ، و بمن حولهم من الانصار ، فان الله يذكرهم بأنهما لا يغنيان عنهم شيئا في تحديهم لرسوله و للحق ، باعتبارهما الأقوى ناصرا و الأكثر جندا .. الأقوى لأن الله ناصرهم ، و الأكثر لأن الملائكة و قوى الطبيعة تقف الى جانب الحق ، و مهما تأخر وعد الله بدحرهم و الانتصار لحزبه و رسالاته في الدنيا و الآخرة فإنه آت لا ريب فيه .
[ حتى إذا رأوا ما يوعدون ]
من الهزيمة في الدنيا امام المؤمنين ، او الوعد بالبعث و الجزاء الذي راح يشكك فيه ضلال الانس و الجن .
[ فسيعلمون من أضعف ناصرا و أقل عددا ]
ومما يزيد في ضلال العصاة لله و لرسوله بالاضافة الى الاغترار بالقوة و العدد هو تشكيكهم في صحة وعد الله بالجزاء ، ولذلك تراهم لا يفترون يسألون مجادلين عن أجل الوعد . وهنا يتدخل الوحي يسدد المؤمنين في مواجهتهم لتلك التشكيكات و الجدليات ، بأمرهم ان لايخوضوا معهم حيثما شاؤوا فيكون زمام الحوار بأيدي اولئك ، وإنما إدارته حيث تقتضي القيم و الاستراتيجيات الرسالية ، فان الجدليات التي تصبح هدفا بذاتها كجدلية السؤال عن الساعة لا تنتهي عند حد كما ان الرساليين ليسوا مكلفين بالإجابة على كل سؤال يطرحه الآخرون إلا في حدود المصلحة الرسالية و حدود ما أوتوا من العلم .
[ قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ]وإنما ترك الرسول الإجابة على ذلك بالكيفية التي يريدها المجادلون اتباعا للمصلحة الحكيمة ، ولأن علم الساعة مما يختص به الله و له فيه البداء ، فقد يكون موعدها قريبا ، وقد يعطي الله للناس فرصة لمراجعة الذات بتمديد أجلها لعلهم يتذكرون و يتوبون . و الآية إشارة الى فكرة البداء من حيث أنه تعالى مختار في تحديد وقت الساعة متى شــاء ، فقد يكون لها في علمه زمن معين ثم يبدو له فيجعل لها أجلا آخر قريبا أو بعيدا .
و كفى بجهل الإنس و الجن بميقات الساعة و بالمستقبل دليلا على قصورهم عن علم الغيب ، و انحصار معرفته برب العالمين ، و ذلك مما يميز الخالق عن المخلوق .
[ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ]
و هذه الآية تنفي المزاعم و الأباطيل حول علم الجن و الكهان بالغيب . بلى . قد يظهر الله بعض أوليائه من الرسل على ما يريد من علم الغيب ، و هم بدورهم يحفظون سره تعالى ، إذ يعلم أين يضع رسالته ، ومن يختار لأمانته ، ومع ذلك يحفظهم تماما كما حفظ السماءمن استراق السمع .
[ إلا من ارتضى من رسول ]
فلا أحد يفرض على ربنا ان يظهره على غيبه ، إنما هو الذي يتفضل برضاه و حكمته على من يشاء فيطلعه على بعض الغيب ومع ذلك لا يدع غيبه يتسرب من مخازنه الى من لا يستحقه .
[ فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ]
يحفظونه و يسددون خطاه ، و يراقبون حركاته و تصرفاته ، برصد ما يصدر منه في الحاضر و المستقبل " بين يديه " وما صدر عنه في الماضي " من خلفه " . و كيف يطلع المنجمون و السحرة و الكهان على الغيب وهم مغضوب عليهم عند الله ؟! أم كيف تصــل معــرفة الشياطين به وهم أعداؤه الذين أعد لهم الحرس الشديد و الشهب حربا عليهم ؟! وفي هذا جاءت أحاديث أئمة الهدى كالتالي :
قال الامام الباقر (ع) لحمران : " فان الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء و يقضيه في علمه قبل ان يخلقه و قبل ان يقضيه الى الملائكة ، فلذلك يا حمران ! علم هو موقوف عنده اليه في المشيئة ، فيقضيه إذا أراد ، و يبدو له فلا يمضيه ، فاما الذي يقدره عز وجل و يقضيه و يمضيه فهو العلم الذي انتهى الى رسول الله (ص) ثم الينا " (1) ، وعن الامام الصادق (ع) قال : " ان لله عز وجل علمين : علما عنده لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، و علما نبذه الى ملائكته و رسله ، فما نبذه الى ملائكته و رسله فقد انتهى الينا " (2) .
و تهدينا الآية الى أمرين :
الأول : إذا كان ثمة سبيل للمخلوقين يطلعون بسببه على الغيب فانه ليس الجن ولا غيرهم لأنهم لا يعلمونه ، إنما ينبغي لهم الاستعاذة بالله و طلبه عند رسله و أوصيائه المرضيين عنده .
الثاني : خطأ ما زعمه البعض من ان أحدا لا يعلم الغيب البته ، فإنه يعلمه من ارتضاه الله لغيبه و بقدر ما يعلمه الله بصريح النص . قال الامام علي (ع) وهو يتحدث عن الناس : " و ألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابا يدل على انفراده و توحيده ، وبأن لهم أولياءتجري أفعالهم و أحكامهم مجرى فعله ، و عرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله : " عالم الغيب .. " قال السائل : من هؤلاء الحجج ؟ قال : " هم رسول الله (ص) و من حل محله من أصفياء الله الذين قال : " فأينما تولوا فثم وجه الله " الذين قرنهم الله بنفسه و برسوله ، و فرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها ( من الطاعة ) لنفسه " (3) .
و يبين الله الهدف من اطلاع رسله المرضيين على الغيب ، و سلك الرصد من بين أيديهم ومن خلفهم ، إلا وهو كونه مما يقتضي تبليغ الرسالة و يخدم مصلحتها .
(1) البرهان / ج 4 - ص 395 .
(2) نور الثقلين / ج 5 - ص 442 .
(3) المصدر / ص 44 نقلا عن الاحتجاج .
[ ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ]
و الآية تهدينا الى ان الرسالة جزء من ذلك الغيب الذي يظهر عليه من يرسلهم بها ، و ان اطلاعهم على بعض الغيب لدليل على كونهم رسل رب العالمين ، مما يقيم الحجة على العقلاء و يفرض اتباعهم عليهم ، فذلك إذن مما يعينهم في إبلاغ الرسالة من جهة ، و إقامة الحجة الداعية الى تبليغها على الأنبياء أنفسهم بحيث لا يبقى لهم عذر لو قصروا حاشاهم .
[ و أحاط بما لديهم ]
إحاطة عامة شاملة .
[ و أحصى كل شيء عددا ]
أي إحاطة مفصلة بالارقام و الدقائق ، و حيث يفعل الله شيئا فان فعله يرتكز على العلم و الحكمة ، وإنما يطلع بعض رسله على الغيب لاحاطته بهم و معرفته بصلاح ذلك و ضرورته .
|