فضل السورة
الاطار العام
إن فلاح الإنسان في الحياة ينطلق من وعيه بحقائقها و معيشتها ، و أخذها بعين الإعتبار عمليا بأخلاقه و سعيه ، و مع أنه مطالب بوعي مختلف الحقائق ، إلا أن الأمر يكون أشد ضرورة و أهمية بالنسبة للحقائق الكبرى ذات الأثر الحاسم في حياته و مصيره . ( و الواقعة )هذه السورة المكية التي نستقبل آياتها تذكرنا بواحدة من أعظم الحقائق و أخطرها بالنسبة للإنسان و هي الساعة التي إذا وقعت تطبع آثارها على كل ذرة في الدنيا ، فالأرض و الجبال تستحيل هباءا منبثا ، و تنطوي صفحة هذه الحياة التي خلقت لابن آدم ، لتفتح صفحات الحياة الآخرة في فصول أولها هلاك هذا الوجود بما فيه من البشر ، و آخرها الجزاء الذي يمتازون فيه ، و بينهما البعث و الحساب .
فبقدر حضور الواقعة في وعي الإنسان و معايشتها عمليا تكون منزلته هناك ، فاما مع السابقين من الأبرار في أعلى عليين ، و أما مع أصحاب الشؤم و للفجور في أسفل سافلين ، و أما بينهما حيث أصحاب الميمنة ، و لكن من أين له الوعي بالواقعة وهيجزء من الغيب الذي حجب عنه ؟!
بلى . إنها غيب كما الملائكة و الجن و المستقبل ، و لكن تعالى الله أن يلزمنا الإيمان بحقيقة حاضرة أو غائبة إلا و الآيات الهادية إليها قائمة و كافية أن تكون حجة بالغة لمن ألقى السمع و أعمل النظر و الفكر وهو شهيد . فما هي آيات الواقعة ؟
اولا : و قبل كل شيء ليس هنالك دليل ولا آية تكذب هذه الحقيقة " ليس لوقعتها كاذبة " ، و هذه من طبيعة الحق أنه لا دليل منطقي على خلافة ، و الذي يكذب به هو الذي يحتاج الى تبرير موقفه .
ثانيا : إن الإنسان يبرر غالبا ريبه في هذه الواقعة بالشك في إمكانيتها ، لأنه ينظر إلى هذه الحقيقة العظمى من خلال قدراته المحدودة فيكفر بها . أما إذا تفكر فيها من خلال قدرة الله التي لا تحد ، و سننه الحكيمة التي لا تتبدل ، فإنه سيراها ( حق اليقين ) . و الإيمان بإرادة الله يأتي من التفكر في آيات قدرته المتجلية في النفس وفــي الآفـاق ، فإن ذلك يهـــديـه إلــى عظمــة ربــه و تنـــزيهه عن العجز ، و الآيات ( 57 / 73) تثير العقل البشري بالحقائق و تجعل الشهود جسرا إلى الغيب .
ثالثا : و القرآن الكريم هو الآية العظمى التي تهدي إلى كل حقيقة ، بشرط أن يكون الإنسان عندما يتدبره و يأول آياته طاهرا من كل دنس مادي ( خبثا و حدثا ) ، و نفسي ( صفات و عقدا ) ، و عقلي ( الافكار الضالة ) و ذلك لتجاوز الحجب التي تمنعه من لمس معانيه و تأويلاته العميقة الحقة ، فإنه يرى بالفطرة السليمة ، و العقل المتقد الحقيقة مكشوفا عنه غطاءها ، وبما أن مشكلة البشر ليست عقلية و حسب ، بل هي نفسية أيضا فقد يسر الله هذه الحقيقة العظمى بالشواهد العقلية و الوجدانية و الواقعية ، بإسلوب أدبي بليغ ، و منهج نفسي مؤثر تضمن الترغيب
و الترهيب ، بما يقود كله إلى التسليم لها ، تسليما واعيا و عميقا ، يحمل صاحبه على المعادلة بين الحاضر و المستقبل ، و السعي بجد و فاعلية للفوز في الآخرة ، فإذا به و قد وقعت الواقعة مستعد للقاء ربه و الفوز بالجنة مع المؤمنين السابقين ، أولا أقل مع أصحاباليمين .
ولأن الموت هو الواقعة الصغرى لكل إنسان فرد ، و الحق الذي يحدد به مصيره ، يتعرض له السياق في نهاية السورة كآية على الجزاء ، و معبر الى المصير والعلم اليقين بذلك الغيب الذي يكذب به الضالون المكذبون .
|