الإطار العام الإسم الآخر لهذه السورة هو : القتال ، و بين الطاعة لمحمد - صلى الله عليه وآله - الذي ذكر اسمه المبارك في فاتحة السورة و للقيادة الشرعية عموما و بين القتال ضد الكفار الذي يحتاج إلى الطاعة التامة للرسول تدور محاور هذه السورة التي تميز بالتركيز على بيان الأمثال للناس .. حيث تتوالى آياتها ، تضرب مثالب الكفار و المنافقين ، و تقارنها بصفات المؤمنين و لعل 17 مفارقة بين الفريقين تنطوي عليها السورة مما يثير التساؤل لماذا هذا التركيز في سورة القتال على الفرق بين الفريقين ؟ الجواب لسببين :
ألف / ربما لأن قلوب المؤمنين تعتمر بالرحمة الإيمانية ، ومن الصعب تعبئة هذه القلوب بروحية الحرب إلا ببيان صفات الكفار السلبية ، ليكون عداءهم للكفر و مثالبه قبل أن يكون لأشخاص الكفار .
باء / لأن القتال أفضل ميزان يعرف به الرجال ، و يتميز به المؤمنون عمن فيقلوبهم مرض .
1- في مستهل السورة يصرح السياق ببيان أن الله يضل أعمال الكفار ، بينما يصلح بال المؤمنين ، و يغفر ذنوبهم . لماذا ؟
2- لأن أولئك اتبعوا الباطل ، بينما سلم هؤلاء للحق ، وهنا يؤكد ربنا ما يبدو أنه المحور الأساسي للسورة حيث يقول : " و كذلك يضرب الله للناس أمثالهم " .
و بعد أن يأمر بقتال الكفار بلا هوادة ، و استمرار ذلك حتى تضع الحرب أوزارها - بظهور الحق كله على الباطل كله - و يختصر تبيان حكمة القتال في كلمة ( الإبتلاء ) بعدئذ يبين فضائل الشهداء في سبيل الله حيث يحفظ الله دماءهم ، و سيهديهم ، و يصلح بالهم ، و يدخلهم الجنة .
3- و ينصر الله الذين آمنوا إن هم نصروا دينه و رسوله ، بينما يفشل الكفار ، و يضيع جهودهم . أوليس قد كرهوا ما أنزل الله ؟! ( فلهم التعس و الفشل ) و أحبط الله أعمالهم ( حتى تلك التي تبدو صالحة ) و حوادث التاريخ تشهد بهذه السنة . أفلم يسيروا في الأرضفينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم من الكفار كانت عاقبتهم ؟ ان دمر الله عليهم ، حتى ما بقي منهم شيء ، وهذه سنة الله تجري فيمن يأتي بمثل ما جرى فيمن مضى ، و لذلك كان للكافرين أمثالها .
4- و الله مولى الذين آمنوا ( يؤيدهم بنصره و يرعى شؤونهم ) و ان الكافرين لا مولى لهم ( بالرغم من ولايتهم للأصنام و الأنداد إلا أنها ليست بشيء ) .
5- الذين آمنوا و عملوا الصالحات يسيرون عبر منهج سليم نحو اهداف سامية ، ولذلك يدخلهم الله الجنة ، بينما الكفار يتمتعون بالدنيا بلا أهداف ،و يأكلون كما تأكل الأنعام ، و النار مثوى لهم ، لأنهم لم يسعوا في الدنيا لاتقائها .
و ينسف القرآن أساس الأفكار على القوة الظاهرية التي يملكها الكفار ببيان : ان هناك قرى كانت أشد من قرية مكة أهلكها الله فلم يكن لها ناصر .
6- المؤمنون على هدى من ربهم لا يمارسون عملا إلا بحجة واضحة من الله ، بينما الكفار يتبعون أهواءهم التي زينت لهم و ليسوا سواءا أبدا . هؤلاء يمضون على شريعة من الأمر واضحة ، بينما أمر أولئك فرط ، لأنهم يميلون مع رياح الهوى أنى اتجهت .
7- قرار المؤمنين و عاقبة أمرهم الجنة بانهارها المتنوعة التي تعطيهم الرواء ، و القوة ، و النشاط ، و اللذة ، و بثمراتها المتنوعة ، و بما فيها من نعمة روحية متمثلة في مغفرة الله ، بينما ليس للكفار إلا النار بما فيها من ماء يغلي يقطع أمعاءهم .
8- كل ذلك لأن الكفار أصموا آذانهم عن الحق ، بينما اهتدى المؤمنون فزادهم الله هدى ، و علمهم كيف يتقون النار .
اولئك لا يؤمنون حتى تأتيهم الساعة التي ظهرت علاماتها ، بينما هؤلاء يستغفرون لبعضهم لأنهم يعلمون ألا إله إلا الله ، و يستغفرون لذنوبهم ، كما للمؤمنين و المؤمنات .
بعد بيان هذه الصفات التي تبصرنا الفروق بين المؤمنين و الكفار ترى السياق ينعطف لبيان المنافقين ، حيث بين أمثالهم أيضا و يجعل القتال في سبيل الله محك التجربة لهم ، فحين ينتظر المؤمنون حقا . و بفارغ الصبر الأوامر الإلهية بالقتال ترى أولئك إذا نزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال ينظرون نظر المغشي عليه من الموت ( خوفا و حزنا ) وهكذا يخرج الجهاد أضغانهم ، و يظهر مرض قلوبهم .
وقد كان خيرا لهم لو أنهم صدقوا الله في ساعة الجد ، و إذا ملكوا السلطة - وهي مختبر آخر بعد الجهاد لحقيقة أنفسهم - تراهم يفسدون في الأرض ، بمنع اعمارها ، و نشر الرذيلة ، و الفسق ، و الظلم بين أرجائها ، و يقطعون أرحامهم ، كما فعلت بنو أمية و بنو العباس بآل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم ( عن سماع الحق ) و أعمى أبصارهم ( عن رؤية شواهده ) .
( و القرآن ميزان لمعرفة حقائق الناس ولكن لمن تدبر فيه ) " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ( فلا تنفذ بصائر القرآن إلى أفئدتهم ) .
و يهدينا السياق إلــى سبب الضلالة بعد الهدى عند هذا الفريق مـن مـرضى القلوب ، الذين سقطوا في وهدة النفاق و يقول : إن هؤلاء الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد أن عرفوا السبيل فانما الشيطان سول لهم ( بأن زين لهم الضلال ) و أملى لهم .
و إن من مثالب المنافقين و مؤامراتهم القذرة انك تراهم يقولون للذين كرهوا ما نزل الله من الهدى نحن معكم ، و سوف نطيعكم في بعض الأمر ، و نتعاون على ضرب الاسلام ( و الله يعلم اسرارهم - كما يعلم اعلانهم ) .
وانهم يزعمون أن اتصالهم بالعدو يوفر لهم الحماية ، و لكنهم ماذا يصنعون غدا حين تضرب ملائكة الموت وجوههم و ادبارهم ( ولا ينفعهم يومئذ أعوانهم من المشركين بل لا ينتفعون حتى من أعمالهم الصالحة ) ذلك لأنهم اتبعوا ما أسخط الله ، و كرهوا رضوانه ( المتمثلفي طاعة الرسول ، و النصح للقيادة الشرعية ، و التسليم لأوامر القتال الصادرة منها ) فأحبط الله أعمالهم .
كلا .. و يعتمد المنافقون على مبدأ السرية ، ولكن أيحسبون أن الله لن يخرج أضغانهم ، و يظهر مرض القلب الذي تنطوي عليه أنفسهم بالأمر بالقتال ؟!
بلى . ربنا قادر على كشفهم الآن ، بتغيير صورهم ، بل انك قادر على معرفتهم من خلال تضاعيف كلماتهم ، أو من ملامح صورهم .
و يعود القرآن الى الحديث عن القتال ببيان حكمته المتمثلة في الإبتلاء ، و يؤكد : أن الكفار لن يضروا الله شيئا ، و سيحبط أعمالهم . و يأمر المؤمنين بطاعة الله و الرسول و التسليم لأمره بالقتال ، ولا يبطلوا أعمالهم .
أما الكفار الذين يموتون وهم كفار فلن يغفر الله لهم .
و يشحذ الله عزيمة الاستقامة عند المقاتلين ، و يدعوهم الى الصمود ، و ألا يهنوا ، و يدعوا إلى السلم ( الذليل ) وهم الأعلون ( بايمانهم ) و ان الله لن يترهم أعمالهم .
و يهون شأن الدنيا في أعينهم ، و يبين أنما الحياة الدنيا لعب و لهو ( إلا ما طلب بها الآخرة ) ففيه الجزاء بشرطين ( الايمان و التقوى ) و إذا آمنوا و اتقوا يؤتهم الله أجورهم ، ولا يطلب منهم أموالهم .
وفي خاتمة السورة يذكرنا السياق بضرورة الانفاق في سبيل الله - خصوصا وان القتال بحاجة إليه - و إذا طلب الله كل أموالكم - وهذا امتحان صعب - لانكم تبخلون ، و يخرج الله أضغانكم ( و مدى تشبثكم بالدنيا ) .
كيف و انتم حين تدعون لإنفاق بعض أموالكم فان منكم من يبخل ، و من يبخل فإنما يبخل عن نفسه ، و الله الغني و انتم الفقراء .
وفي نهاية السورة نجد إنذارا للمؤمنين بأنهم إن لم يتحملوا مسؤولية الرسالة ، و يتولوا ، يستبدل الله بهم قوما غيرهم .
|