بينات من الآيات [ 33] ما هو جزاء المصطفين من عباد الله الذين أورثوا الكتاب ؟
[ جــنات عــدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ]يحلون : اي يتحلون بها ، فلقد حرم الله عليهم الذهب و الحرير في الدنيا ، و عوضهم في الآخرة .
و قد جاء في الحديث عن الامام الباقر (ع) عن رسول الله (ص) .
إذا دخل المؤمن في منازله في الجنة ، و ضع على رأسه تاج الملك و الكرامة ، و ألبس حلل الذهب و الفضة ، و الياقوت والدر منظوما في الإكليل تحت التاج ، و ألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة منسوجة بالذهب و الفضة و اللؤلؤ و الياقوت الأحمر ، و ذلك قوله : " يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير " (1)[ 34] و بالاضافة الى هذه النعم المادية هناك نعم معنوية اخرى هي نعمة الأحساس بالرضى الذي يعبرون عنه بالحمد لله .
[ و قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ]
ما هو الحزن ؟
الحزن يتعدد بتعدد الظروف ، فمن الحزن القلق والهم ، كقوله تعالى لام(1) نور الثقلين / ج 4 / ص 366 .
موسى (ع) : " ولا تخافي ولا تحزني " ، و من الحزن الخوف من الفزع الاكبر ، كقوله تعالى : " لا يحزنهم الفزع الاكبر " ، و من الحزن القلق من الهزيمة ، كقوله تعالى : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون " .. والله يذهب كل ذلك عنهم ، لأنهم قد حزنوا على ذنوبهم في الدنيا ، و قد ورد في الحديــث : " إن المــؤمن في الدنيا حزين " أي قلق من ذنبه .
[ إن ربنا لغفور شكور ]
فالغفران يكون عند الذنب ، و الشكر يكون للنعمة ، فربنا سبحانه يغفر لهم ما أذنبوا ، و يشكر لهم ما عملوا .
[ 35] [ الذي أحلنا دار المقامة من فضله ]
أي الدار التي يستقر فيها الانسان ، و ربما تفيد هذه الآية معنى الخلود ، لأن الدنيا ليست دار مقامة بل هي دار انتقال .
[ لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ]
جاء في تفسير علي بن إبراهيم : إن النصب هو العناء ، و اللغوب هو الكسل والضجر .
وفي نهج البلاغة :
" ... و أكرم أسماعهم من أن تسمع حسيس نار ابدا ، و صان أجسادهم أن تلقى لغوبا ونصبا " (1)(1) نهج / ط 183 / ص 268 .
وقد شوقتنا النصوص الى دار ضيافة ربنا ببيان جانب من نعمها، فقد جاء في حديث مفصل عن رسول الله (ص) :
" فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة و حولها و صفاؤها يحجبنها ، عليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت و اللؤلؤ و الزبرجد صبغن بمسك و عنبر ، و على رأسها تاج الكرامة ، و في رجلها نعلان من ذهب مكللان بالياقوت و اللؤلؤ شراكهما ياقوت احمر ، فإذا دنت من ولي الله ، و هم ( ان ) يقوم لها شوقا تقول له : يا ولي الله ليس هذا يوم تعب و لا نصب ولا تقم ، انا لك وانت لي " (1)هكذا يسقط التعب و النصب من الانسان المؤمن حتى بمقدار القيام لاستقبال زوجته من الحور العين .
[ 36] هذا عن الذين آمنوا فما هو جزاء الذين كفروا ؟
[ و الذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ]جاء في النصوص انه في يوم القيامة يذبح الموت بين الجنة و النار في صورة شاة ، فلا أهل الجنة يموتون ، ولا اهل النار ، بل كلهم مخلدون ، و أعظم بعقاب يبقى ابدا . إن قليله كثير ، و ضعيفه شديد ، فكيف بعذاب النار المتناهي شدة وسعيرا ؟!
و قد جرت سنة الله في عالمنا اليوم أن الجسم يتكيف مع الصعوبات ، و أن لكل شيء أجل وحد ، وكلما اقترب من نهايته خف ، بيد أن عذاب الله لا أجل له ، فلا يخفف ابدا ، ولا يتكيف الجسم معه ، بل يبقى يتألم معه ابدا ( نعوذ بالله العظيم منه ) .
(1) نور الثقلين / ج 4 / ص 367 .
[ ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ]
و هنا يذكر السياق صفتين لجهنم ، و يقابلهما بمثلهما للجنة :
الاولى : الخلود " لا يقضى عليهم فيموتوا " والثانية : الشدة " لا يخفف عنهم "و قد ذكر صفتان مقابلتان للجنة : الراحة و الخلود .
[ 37] ولأن العذاب شديد و مستمر فإنهم لا ينفكون يحاولون التخلص منه للنجاة ، فتراهم يرفعون اصواتهم يطلبون العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحا .
[ و هم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ]كل إنسان في الدنيا يدعي انه يعمل صالحا ، و لكن حينما يواجه العذاب الشديد هناك يعرف بل و يعترف بأن أعماله كانت غير صالحة .
إن هؤلاء يصطرخون ، و الاصطراخ أعظم الصراخ : أن اخرجنا ربنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ، فيجيبهم الله :
[ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ]
أي عمرناكم في الدنيا بقدر يكفي للتذكر ، فلم تتذكروا ، و جاءكم النذير فلم تتذكروا .
قد اختلفت أقوال المفسرين في النذير : هل هو الرسول و القرآن أم هو الشيب و موت الأقارب و تقادم السن أم هو كمال العقل و البلوغ .
و يبدو ان الكلمة مطلقة ، و توحي بان الانسان ينذر بالتالي بطريقة أو باخرى ،وان الله لا يتوفاه حتى يكتمل امتحانه .
[ فذوقوا فما للظالمين من نصير ]
لماذا الإختلاف في الاجال ؟ فبعض يعيش عشرين عاما ، و بعضهم اربعين ، و بعضهم ستين ..؟
الشاعر إقبال اللاهوري أجاب على ذلك و قال : إن اختلاف آجال الناس مرتبط بحكمة و جودهم في الدنيا ، و هو تهيئة الإنسان للجنة ، و كأن الدنيا مدرسة ، يدخلها الناس تمهيدا لدخول الجنة .
فبعض الناس ينجحون من أول امتحان ، و بعضهم لا ينجحون في الإمتحان الأول فيدخلون الامتحان الثاني ، و هكذا فان اختلاف الناس في آجالهم هو بسبب مدى استعدادهم ، و تقبلهم ونجاحهم وهذه النظرية جميلة الا انها لا توافق القرآن الكريم ، لان الدنيا كما هي مدرسةتهيؤ المؤمنين لدخول الجنة ، فهي في نفس الوقت مهوى يسقط الكفار منه الى النار .
و في بصائر القرآن الدنيا دار ابتلاء فهي فقط قاعدة امتحان و ليست مدرسة .
و لعل الآية هذه تشير الى أن اختلاف الآجال يرتبط بهذه الكلمة ( الابتلاء ) فالدنيا فرصة للتذكرة ، و كل شخص يعمر بقدر التذكر ( حسب ظروفه ، و بنية شخصيته ) فإذا انتهت الفرصة فإن الحكمة الرئيسية من بقائه تنتهي ، بلى . هناك حكم اخرى : كاستدراج الكفار ليزدادوا كفرا ، و إطالة عمر المؤمنين ليزدادوا ثوابا ، و كأن يكون وجود شخص مفيدا لابتلاء الآخرين ، و الله العالم .
واختلفت الروايات في تحديد العمر في قوله : " أولم نعمركم " فقالت بعضالروايات : إنها لذوي الثمانية عشر سنة ، و في رواية اخرى : إنها لذوي الاربعين سنة ، وفي رواية ثالثة : انها لذوي الستين .
و لعل ما قلناه آنفا في اختلاف الناس في التذكر يجمع بين النصوص .
[ 38] [ إن الله عالم غيب السموات و الارض إنه عليم بذات الصدور ]إن الله عالم غيبك ، و يعلم سرك و ما يكن صدرك ، كما هو عالم بغيب السموات و الأرض ، فهو ليس بحاجة الى امتحانك ، و لكن إنما هي فرصة يعطيها الله لكي تجرب نفسك ، و تمتحن إرادتك .
[ 39] [ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ]
أي جعل بعضكم يخلف بعضا ، و لعل هذه الآية تدل على ان الأمم تنتهي ، و أن لها آجالا كما للناس آجال محددة .
و أما مقياس آجال الأمم و المجتمعات فهو كما قال ربنا سبحانه :
[ فمن كفر فعليه كفره ]
نتيجة الكفر على صاحبها .
[ ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم الا مقتا ]
يبغضهم الله و يمقتهم .
[ ولا يزيد الكافرين كفرهم الا خسارا ]
خسارة في الدنيا و الآخرة .
[ 40] يظل الشرك بالله الحجاب الكبير الذي يفصلنا عن ربنا ، و يمنع عنا خيرات عبادة الله وحده ، و يذكر السياق بأن الشركاء لا يملكون حق العبادة لأنهم لم يخلقوا شيئا من الأرض ، ولا ساهموا في تدبير السموات ، ولا اذن لهم رب الأرض و السماء بقيادة الناس .. فبأي حق يتسلطون على رقاب الناس ، و لماذا يخضع لهم الناس ؟!
[ قل أرءيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض ]حتى يتسلطوا باسمه على الناس .
[ أم لهم شرك في السموات ]
لانجد قدرتهم تتجلى في السماء ، كأن يديروا الشمس و القمر .
[ أم ءاتيناهم كتابا فهم على بينت منه ]
أمرناكم بأن تتبعوهم بأن انزلنا عليكم كتابا يامركم بأن تتبعوهم .
[ بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ]
فإن مشكلة الإنسان التي تمنعه من الوصول الى الحقيقة هي حجاب الغرور و التمنيات ، و على الإنسان أن يخرقه حتى يتقرب الى ربه .
وربما توحي خاتمة الآية بأن الظالمين - الشركاء و التابعين - كل واحد منهم يضل الآخر ، فالمضل يعد متبعيه بأنه سوف يحمل خطاياهم ، و ما هو بحامل من خطاياهم من شيء ، و المضللون يعدون مضليهم بالولاء و الانتصار لهم ، فكل واحدمنهم يمني الآخر ، و ما هذه الأمنيات سوى الغرور بذاته ، لأنه لا أحد ينفع أحدا يوم القيامة ، و يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا .
[ 41] يحيط بأولئك الشركاء و المشركون بهم الغرور ، إذ لم يخلقوا شيئا من الأرض ، و لم يكن لهم شرك في تدبير السموات ، بينما الله الواحد استوى على عرش العلم و الملك ، و هو يمسك السموات و الارض لكي لا تزولا ، ولا شيء قادر على المحافظة عليها لو تركها الرب .
[ ان الله يمسك السموات و الارض ان تزولا ]
و السؤال : ما هو معنى الزوال ؟
1 - لا ريب أن النظام الذي يحافظ على الوجود بحاجة الى منظم ، و التدبير بحاجة الى مدبر ، و الله هو المدبر الذي لو تركها فسد النظام ، و زالت السموات و الأرض بفساده .
2 - وإذا تعمقنا قليلا و عرفنا شيئا من الفيزياء الحديثة ، و كيف أن نظام دوران الإلكترون حول محور البروتون - في مملكة الذرة العظيمة و المتناهية في صغر الحجم - قائم على الحركة ، حتى قالوا : إن الحركة لو توقفت لتلاشى الوجود ، عرفنا أن ( قيام ) كل شيء إنما هو بالله عبر أنوار قدسه التي يفيض بها كل خير على الخلائق .
[ و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ]
و لكن لماذا لا يسمح الله للسموات و الأرض بالزوال مع كثرة المعاصي التي يرتكبها العباد ؟
[ إنه كان حليما ]
لا يبادر بإنزال العقوبة على العصاة ، بل يؤخرهم لأجل مسمى ، و في آخر آية من هذه السورة تبيان لذلك .
[ غفورا ]
يعفو عن كثير من السيئات فلا يعاقب عليها ابدا .
|