فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 106] النبي ابراهيم (ع) جاء لكي ينسف عادة جاهلية كانت شائعة ذلك اليوم وهي ذبح الابناء امام الاصنام تقربا لها ، و ما كانت هذه العادة مقتصرة على فلسطين وحدها ، ففي مصر ايضا كانوا ينتخبون ملكة الجمال من بين بناتهم ليلقوا بها مع بداية الربيع في النهرالذي كانوا يقدسونه لتذهب ضحية عقيدة جاهلية . تقول : بان إله البحار يريد ان يتزوج ، فلابد ان نختار له أجمل بناتنا لكي تهدأ المياه ولا يحدث فيضانا يخرب بيوتنا و يهلك مزارعنا .

و هذه العادات ليست بعيدة عن واقعنا المعاصر ، لانها مهما اختلفت في ظاهرها تلتقي في نقطة مركزية واحدة هي التضحية بالابناء من اجل الاهداف التافهة .

ان الله أمر ابراهيم (ع) بذبح ابنه ثم عوضه بالذبح العظيم ليقضي على هذهالعادة الجاهلية ، و يبدلها بسنة الهية حسنة ، جرت لدى البشرية الى هذا اليوم ، و هي ذبح الانعام في منى عند الحج وفي غيرها ، و حينما بدا لله ان يفدي نبيه بالكبش جعل الحادث يمر بوقائع اعجازية عجيبة ، فقد كانت السكين تلتوي كلما ادناها ابراهيم من رقبة ولده ( عليهما السلام ) و كانت تفت الصخرة لو ضربها ، و لكنها تعجز عن التأثير في جلد رقبة اسماعيل الرقيق بحدها . و لهذه القصة عبرتان أساسيتان :

الاولى : ان على الانسان التضحية بابنه و بافضل علاقاته من اجل الدين وفي سبيل الله . و الثانية : وان يرفض من جهة اخرى التضحية باولاده من اجل الالهة المزيفة ، حجرا كانت او بشرا كطواغيت اليوم ، الذين يريدون بلوغ مآربهم و شهواتهم الرخيصة على جسر من دماء شباب الامة و افلاذ اكبادها .

ان مقاومة ابراهيم (ع) للانحراف الاجتماعي كان أمرا صعبا ، و صار اعظم صعوبة حينما جعل الله الطريقة لمقاومته هو ذبح اعز الناس عليه و هو ابنه (ع) ، و قد وصف الله هذا الامتحان بقوله :

[ إن هذا لهو البلاؤا المبين ]

و انما سمي مبينا لأنه يكشف مستوى الايمان ، و يبين حقيقة الانسان .

[ 107] و بالفعل كشف لنا هذا الامتحان مدى اخلاص النبي ابراهيم و تسليمه لله . هو و ولده الذي فداهما الرب بذبح من عنده تنزل به جبريل الامين .

[ و فديناه بذبح عظيم ]

و بهذا الذبح سن عليه السلام سنة سار عليها المؤمنون الى اليوم ، فهم يذبحونالهدي بمنى وفي كافة انحاء العالم اقتداء به ، و لعله لذلك سمي عظيما ، و قالوا ان الذبح العظيم هو السبط الشهيد الامام الحسين بن علي (ع) الذي ذبح على النهر عطشانا بكربلاء فداء لدين الله ، و مقاومة للعادات الجاهلية الاموية .

[ 108 - 109] و كرامة لابراهيم الخليل في الدنيا قبل الآخرة ، جعل الله له ذكرا حسنا عند البشرية باختلاف مذاهبها و عقائدها ، و لخص ربنا هذه الكرامة في كلمة واحدة هي : السلام على ابراهيم .

[ و تركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم ]

و مما تجدر الاشارة اليه ان الاستحباب الشرعي في السلام على الانبياء و الصالحين يقتضي تقديم الصلاة على محمد و آله ( صلوات الله عليهم ) ثم يذكر الطرف المراد ذكره . فيقول الذي يريد الصلاة على عيسى : على نبينا و آله و عليه افضل الصلاة و السلام ، إلا نبيالله ابراهيم فان المستحب ذكره اولا ثم الثناء على نبينا وآله ، فتكــون جملــة القــول : ( على ابراهيم و على نبينا و آله الصلاة و السلام ) .

[ 110] و لكن هذا الجزاء الذي يحصل عليه الانبياء ليس بسنة خاصة بهم ، انما ضمن العدالة الالهية التي تشمل البشرية كلها ، فلان ابراهيم كان محسنا استحق هذه الكرامة .

[ كذلك نجزى المحسنين ]

و نستوحي من هذه الآية فكرتين :

الاولى : ان الجزاء الحسن ليس قصرا على الانبياء وحدهم ، انما يلقاه كل محسن في كل زمان و مكان ، و ان الكرامة الحقيقية لا ينالها الانسان إلا بالكفاءة و السعي ( و الاحسان ) وان جهود المؤمن لن تضيع ، فربنا يحفظ لكل عمله و يجازيه عليه انفي حياته أو بعد الوفاة ، و ما هذا الجزاء الدنيوي الا دليل على الجزاء الاعظم في الآخرة .

الثانية : إن الاحسان الى الناس يجازيه الرب بالولاية عليهم ، فأحق الناس بالناس احبهم لهم و اكثرهم احسانا إليهم .

[ 111] و ربنا عز وجل يجازي من كان محسنا على احسانه و يقدره ، حتى ولو لم يكن مؤمنا ، لان الاحسان بذاته محمود عنده ، و قد قال سبحانه : ( هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ) فكيف اذا كان المحسن مؤمنا ؟ بالطبع سوف يجازى اكثر في الدنيا و الآخرة ، لان احسانه للناس ليس من أجل سمعة طيبة أو جزاء مادي عاجل ، بل يزيد في رصيده الاخروي ، فهذا ابراهيم (ع) و قد سن الأضحية لله فتنامى ثوابه بقدر ما افتدى به الآخرون ، اذن فالمؤمن يحصل على الجزاء بمقتضى سنتين ، سنة الاحسان ، و سنة الايمان ، لهذا يؤكد الله على احسان نبيه ابراهيم (ع) ثم يعود للتأكيد على ايمانه فيقول :

[ إنه من عبادنا المؤمنين ]

فجزاؤه مضاعف اذن .

[ 112 ] يزعم البعض ان الذي يخالف المجتمع الجاهلي ، سوف يعزل و يتجاوزه التيار ثم يكون ابتر ولا يبقى له اثر ، و لكن العكس تماما نجده في تأريخ الانبياء . فبالرغم من مخالفتهم جموع الكافرين فان الله سبحانه أهلك اعداءهم ، و بارك في ذريتهم ، و نشر ثناءهمعلى كل لسان و في كل زمن .

فهذا ابراهيم (ع) يحنف عن قومه لوحده حتى يكون لوحده امة قانتا لله ، و لكن انظر الى العاقبة فاين اولئك الذين خالفوه؟ اما هو فهذا امتداده المبارك في ذريتهو تابعيه .

[ و بشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ]

فصلاح الوالدين ينعكس على الاجيال التي تنسل منهما ، عبر طائفة من السنن الالهية كالوراثة ، و التربية ، وتأييدات ربانية .

[ 113] ثم بارك الله لابراهيم ولاسحاق .

[ و باركنا عليه و على إسحاق ]

فالعرب من ابراهيم و هم اولاد اسماعيل ، و بنو اسرائيل من ولده اسحاق ، فهو ليس أب الانبياء و حسب انما هو أب لشعبين عظيمين ايضا ، ثم يؤكد ربنا الى جانب ذكره البركة التي اسبغها على ابراهيم و ولده اسحاق ، أن ذلك ليس مبررا لمن اراد من ولدهما ان يضفي علىنفسه صبغة القداسة ، فيدعي الافضلية لا لشيء الا أنه ينسل منهما ، لان قيمة الانسان الحقيقية تنبعث من عمله هو لا من حسبه و نسبه .

[ و من ذريتهما محسن ]

لانه احسن . و ليس لانه ينتمي للمحسنين ، كما يوجد من بينهم المنحرفون الظالمون .

[ و ظالم لنفسه مبين ]

[ 114 - 115] و يضرب لنا القرآن مثلا من واقع المحسنين من هذه الذرية المباركة ، فيقول :


[ و لقد مننا على موسى و هارون ]

بالنبوة و هما من ذرية اسحاق .

[ و نجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ]

و اذا كان الغرق صورة من الكرب لانه من غضب الله ، فان ظلم فرعون وجنوده صورة اخرى لا تقل فظاعة عنها .

[ و نصرناهم ]

[ 116] اضافة الى النجاة من الكرب على فرعون و جنوده .

[ فكانوا هم الغالبين ]

بلى . قد يتسلط الطغاة على البلاد ، و يفشل المؤمنون في كثير من المحاولات للاطاحة بهم ، و يقدمون التضحيات ، و لكن العاقبة تكون لهم ، و اذا كانت للباطل جولة فان للحق دولة . و مهما تكن الظروف معاكسة ، و الظاهر يوحي بغلبة الباطل إلا ان الحق واهله هم المنصورون .

[ 117] ولكي يحافظ موسى و هارون على مكتسبات النصر ، ويديرون شؤون بني اسرائيل انزل الله عليهما التوراة منهجا للحياة .

[ و ءاتيناهما الكتاب المستبين ]

و من صفات الرسالات الالهية أنها واضحة ، كالقرآن الذي يصفه الله بقوله : " و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " (1) و هذه الفكرة تنسف اساس المعقدينالذين اتخذوا منهج التكلف لآيات الله ، بتفسيرها تفسيرات معقدة ، أو من خلال الأشعار الجاهلية و أحاديث و اسباب النزول الضعيفة في سندها غالبا ، بل إن البعض منهم حاول تفسير القرآن من خلال الافكار الدخيلة ، حتى قال قائل منهم لابد لمن اراد تفسير القرآن ان يقرأ الفكر الماركسي اولا .

[ 118] هنا نعمتان متدرجتان تتواليان على المؤمنين احداهما توفير فرصة الهداية بانزال الوحي ، الثانية هداية الله لهم بعد تقبلهم للوحي و التزامهم بشرائعه .

و اذا كانت النعمة العامة تعم الناس جميعا اذ ان ربنا يبعث الى كل قرية نذيرا فان النعمة الثانية تخص المؤمنين فقط ، و لذلك خص ربنا موسى و هارون بالهداية قائلا :

[ و هديناهما الصراط المستقيم ]

[ 119 - 120] و يوصل الله سياق الحديث عن موسى و هارون بالسياق العام للسورة ، الذي يحدثنا عن جزاء عباد الله المخلصين و المحسنين ، و ذلك من خلال الاشارة الى جزائهما عليهما السلام .

[ و تركنا عليهما في الاخرين * سلام على موسى و هارون ]ولا يمكن لاحد أن ينكر دور الارادة الالهية في تخليد ذكر هؤلاء الانبياء الذين مر على وفاتهم آلاف السنين ، فلولا ذكرهم الذي تضمنته رسالات الله ، هل كان احد في هذا العصر يعرف هذه التفاصيل عن حياتهم ؟ و اكبر دليل أننا لا نعرف عن حياة الانبياء الآخرين الذين لم تتعرض لذكرهم الرسالات شيئا مع ان عددهم ( 124000) نبيا و رسولا و يؤكد القرآن في سورة هود ذلك بعد ان يذكر قصة نبي الله نوح و يقول :


" تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين " (1) ان احداث التاريخ كانت تتلاشى من ذاكرة البشر و كل جيل يأتي ينسى جزء منها حتى تنتهي تماما ، بالذات و ان البشرية و لفترة ليست بالبعيدة لم تكن قد وصلت الى التقدم العلمي الذي يمكنها من المحافظة على كل ذلك ، بالاضافة الى أن كثيرا من الاقوام كانوا يتعرضون للانقراض و الهلاك الجماعي فيموت معهم تاريخهم ، و علم الآثار القائم اليوم يطلع علينا كل حين بمعلومات عن اقوام لم تكن البشرية تعرف عنهم شيئا، و لكن الله يخلد ذكرى الانبياء العظام بفضله و يترك السلام عليهم يتوالى ليل نهار . و نعود للآية لنتسائل ماذا ترك ربنا على موسى و هارون ؟

اولا : ان الله حافظ على رسالتهما في الحياة ، اذ ابقى مشعل الهداية الذي تحملا الجهاد به و الدعوة اليه ، يتلقفه الصالحون من ورثتهما على طول التأريخ دون ان يسقط يوما .

ثانيا : جعل ذكرهما الحسن يطبق الخافقين ولا يزال الى الأبد .

[ 121 - 122] ولان الله ذكر هذه القصص توضيحا و تأكيدا للحقيقة المحورية في هذه السورة عاد ليؤكدها ، و تلك الحقيقة هي ان العاقبة للمحسنين .

[ إنا كذلك نجزى المحسنين * إنهما من عبادنا المؤمنين ]ولابد ان نلاحظ بان هذه الآية تأتي بعد ذكر مجموعة حقائق من حياة كل نبي فمن حياة نوح (ع) ذكر النجاة ، و من حياة إبراهيم ذكر الذرية الصالحة ، و من حياة موسى ذكر النصر و الهداية ، و اشركهم في الذكر الحسن الذي لخصه في السلام(1) هود 49 .


عليهم ، و معنى ذلك ان جزاء المحسنين لا ينحصر في الذكر الحسن ، بل يشمل كل هذه الامور و ما سيأتي ذكره في القصص الاخرى . و قد يكون تلخيص القرآن لحياة هؤلاء ليس من باب الحصر إنما أراد ان يشير لنا في هذه السورة اشارات مختصرة ، اما التفاصيل فيمكننا التعرف عليها من خلال مراجعتنا للسور الاخرى .

[ 123] [ و إن إلياس لمن المرسلين ]

و يبدو انه من انبياء بني اسرائيل ، قيل إنه عاش في منطقة بعلبك بلبنان ، و انما سميت بذلك لان اهلها في ذلك الزمان كانوا يعبدون إلها لهم يسمى بعلا . يقول صاحب المنجد : ( بعل : اسم أطلق على عدة آلهة سامية اشهرها معبود فينيقي ، هو إله الخصــب و التناسل) و بعلبك محافظة البقاع يدل اسمها الحالي على اسمها الفينيقي : بعل البقاع (1)[ 124] و يلخص القرآن رسالة الياس في ثلاثة امور هي :

الاول : الدعوة الى تقوى الله عز وجل .

[ إذ قال لقومه ألا تتقون ]

و هذه دعوة جميع الانبياء لاقوامهم ، لان مشكلة الانسان الحقيقية هي ابتعاده عن ربه و ضعف ايمانه به ، ولا سبيل للبشرية الى معالجة انحرافاتها و مشاكلها إلا بالايمان و التقوى .

[ 125] الثاني : و لكي يتصل الانسان بربه و يكون متقيا ، يجب ان يتغلب على مشكلة الشرك لهذا نجد الياس في الوقت الذي يدعو قومه لتقوى الله يأمرهم بنبذ(1) المنجد كتاب الاعلام / ص 136 / الطبعة 26 .


الآلهة المزيفة .

[ اتدعون بعلا و تذرون أحسن الخالقين ]

و الخلق هنا ليس بمعنى الانشاء من لا شيء ، انما يعني الصناعة و التغيير التي يستطيع الانسان على شيء منها ، و لكن الله افضل الخالقين ، فهو الاولى بالعبادة و يبدو ان ذكر صفة أحسن الخالقين هنا لان القوم كانوا ينسبون النسل لالإههم بعل ، فامرهم النبي الياس بتقوى الله من ذلك و رفض هذه الخرافات التي تقف دون تقدمهم و تكاملهم .

[ 126] ثالثا : محاربة الاتباع الخاطىء للآباء .. و يبدو ان التقاليد كانت عميقة الجذور في مجتمع الياس (ع) و السبب أن الله اذ لخص دعوته اشار الى الاباء مما يدل على نوع المعاناة التي كان يعيشها .

[ الله ربكم و رب ءابائكم الأولين ]

اراد من ذلك بيان دور الاباء في الضغط على الابناء ليشركوا بالله او يكفروا به ، و هل يغير الواقع و الحقيقة كفر الناس ؟ كلا .. فالله هو رب الاباء و ان كفروا أو اشركوا به و يجب على الابناء ان يتجاوزوا خطأهم ، و يتركوا هذه الانداد و يتوجهوا الى ربهم الحق .

[ 127] ثم يعرض لنا السياق النتيجة التي صار اليها قوم الياس (ع) ، فقد كذبوا رسولهم وأصروا على انحرافهم .

[ فكذبوه فإنهم لمحضرون ]

امام العدالة الالهية لينالوا جزاءهم المتمثل في عذاب الله .


[ 128] و تستثني الآيات من العذاب القوم المخلصين ، و هم الذين تمحضوا في الطاعة .

[ إلا عباد الله المخلصين ]

أما الذين يلحق بايمانهم بعض الشك ، و بأعمالهم بعض السلوكيات المنحرفة فانهم يحضرون للحساب والجزاء كلا بنسبة شكه و انحرافه .

[ 129 - 130 - 131- 132] كان ذلك جزاء المكذبين ، اما الرسول الذي صدق برسالته ، و بلغها لهم ، و تحمل من اجلها العناء و التضحيات ، فان جزاءه على الله الكرامة .

[ و تركنا عليه في الآخرين * سلام على إل ياسين * إنا كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين ]و قد تجسد احسان الياس في رسالته التي حملها لقومه ، و اذا كانوا قد قابلوه بالرد و التكذيب ، فان الله لا يضيع لديه عمل محسن أبدا ، و تأكيد القرآن على صفة الايمان في النماذج التي يضربها من حياة الانبياء دون صفة النبوة والرسالة ، حتى لا يتصور متصور انهاذا صار محسنا فقد لا يجني ثمرة لاحسانه باعتباره ليس بنبي ، فالعبودية و الايمان صفتان ممكنتان لكل شخص اذا اراد و سعى .

[ 133] و يسوق لنا القرآن مثلا آخر على نجاة المخلصين من حياة النبي لوط (ع) و هومن اهل بابل بعثه الله في غير قومه .

[ و إن لوطا لمن المرسلين ]

وقد جاء ليعالج الوضع الفاسد الذي يعيشه قومه ، و الذي من ابرز مظاهره278

الفساد الخلقي ، و ذلك برسالة ربه ، لكنهم رفضوه و رفضوا رسالته فكان مصيرهم كسائر الاقوام الذين يكذبون الانبياء ان دمرهم الله .

[ 134 - 135 - 136] و مع ان حياة لوط (ع) تشتمل على الكثير من الدروس و العبر ، إلا ان القرآن في هذه السورة يدعونا للتفكير في لحظة نجاته و من آمن معه من أهله ، و دمار الآخرين الذين كذبوا به . لان هذا الجانب يلتقي مع السياق العام لهذه الآيات .

[ إذ نجيناه و أهله أجمعين * إلا عجوزا في الغابرين ]و قد قيل انها زوجته ، و قصة هلاكها هي : ان الله امر لوطا و من معه حينما يخرجون من القرى المؤتفكة ان لا يلتفتوا وراءهم ، لان ذلك يعبر عن الشفقة على المهلكين ، و التشبث بالمال و حب الوطن من دون الله ، فالتفتت زوجته و أهلكت معهم .

[ ثم دمرنا الأخرين ]

بان قلب جبرئيل (ع) عليهم الارض عاليها سافلها و اهلكهم جميعا .

[ 137 - 138] و اذا كان هؤلاء الاقوام قد انقرضوا بأجسامهم و حضاراتهم فقد بقيت منهم العبرة و السعيد من اتعظ بتجارب غيره .

[ و إنكم لتمرون عليهم مصبحين * و باليل أفلا تعقلون ]اكان هذا المرور على بقايا الآثار ، أو من خلال آيات القرآن الحكيم ، فقد قالابو الربيع الشامي : سألت ابا عبد الله ( الى قوله ) فقلت : فقوله عز وجل " و انكم لتمرون عليهم مصبحين " قال :

" تمرون عليهم في القرآن اذا قرأتم القرآن ، فقرأ ما قص الله عليكم من خبرهم " (1)و مشكلة الناس الذين يكررون تجارب الآخرين الخاطئة فيصيبهم ما اصابهم ، ليس قلة التجارب و العبر ، انما قلة الاعتبار ، فالآثار و القصص التاريخية كفيلة باستثارة عقل الانسان و اعطائه البصيرة في الحياة ، و لكنه يعطل عقله عن التفكير فيها ، و في بعض النصوصالتأريخية ان العرب كانوا يمرون بقوافلهم اثناء تجارتهم الى الشام على قرى لوط إلا انهم لم يستفيدوا من هذه الموعظة التي لا تحتاج إلا الى القليل من التفكير ليقرأها الانسان .

و هذه التذكرة من القرآن الحكيم بضرورة الاعتبار من التأريخ ، تؤكدها الايات عند ذكرها لقصص الماضين ، و ذلك لكي يعلم من يقرأ القرآن ، بان هذه القصص ليست للتسلية و جمع المعلومات انما هي للهداية و الموعظة و الاعتبار .


(1) نور الثقلين / 4 / ص 432


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس