سبحان الله عما يصفون
هدى من الآيات بعث الله نبيه يونس بن متى الى مدينة نينوى بالموصل ، فبلغ الرسالة و ارشدهم للحق بعد ان بين لهم انحرافهم ، و لكنهم لم يستمعوا الى دعوته ، فما صابرهم كثيرا و دعى عليهم فغضب الله عز وجل عليه ، لكن حساب الخطأ على الانبياء يكون بمستوى المسؤولية التي يتحملها النبي . فالرب يعتبر تركهم الأولى معصية كما اسمى تناول آدم من الشجرة عصيانا ، بل في قصة احد الانبياء الذي حاربه قومه فاختفى في جذع شجرة ، و لما دلهم الشيطان عليه قطعوا جذعها بالمنشار ، فاصابه من حدها فقال " آه " ـ فأوحى الله اليه إن عدتلها مرة اخرى محوت اسمك من ديوان الانبياء ، ولا ريب ان لحظة الوقوع في الخطأ لرفع الله عنهم العصمة ليتصرفوا بطبيعتهم البشرية المجردة ، و لعله لحكمة معينة هي اظهر بشريتهم (ع) .
و هكذا غضب الله على نبيه يونس بسبب تركه للاولى ، و سرعة الدعاء على قومه ، الامر الذي جعله مستحقا عند الله الاعتقال ، فسجنه في بطن الحوت فيظلمات ثلاث ، في قصة خلاصتها أنه وصل الى البحر هاربا من قومه ، و ركب سفينة مليئة بالمسافرين ، و في عرض البحر حيث طغى ماؤه و هاج موجه ، و تخوف الجميع من غرقها ، فقال ربان السفينة : ان عبدا آبقا موجودا في سفينتنا ، و كانت عادتهم الاقتراع في مثل هذه الظروف ومن يظهر اسمه في القرعة هو الذي يلقى في البحر ليخف وزن السفينة ، و كانت القرعة و لثلاث مرات تتجه الى يونس بن متى فرموه في عرض البحر ، فتلقفه الحوت الذي ابتلعه و بقي في بطنه .
و لم ينقذ يونس (ع) من هذا المأزق الا بتضرعه لله و اعترافه بخطئه " سبحانك اني كنت من الظالمين " (1) ، اذ أمر الله الحوت ان يقذفه على الساحل و خرج من بطنه و قد اهترأ جلده ، فأنبت الله له شجرة اليقطين ذات الاوراق الكبيرة ، فشوفي و خرج ليمارسمسؤولية التبليغ من جديد .
و تهدينا هذه القصة كما القصص الماضية ، الى الحقيقة التي سبق وان ذكر بها السياق القرآني ، و هي ان العباد المخلصين بشر و ليسوا اولادا لله سبحانه ، ولا آلهة ، و ذلك خلافا لما يصفهم به المشركون ، كما انهم لم يوصفوا بتلك الصفات المثلى الا بما سعوا واحسنوا ، و قد اعترضتهم - كما يحصل ذلك لاي انسان آخر - الصعاب و المشاكل ، ولو كانوا كما يصفهم المشركون لتجاوزوها ، و الحال انهم لولا رحمة الله لكانوا من الهالكين .
بلى ان ربنا سبحانه ترك عليهم سلاما دائما على كل لسان لما امتلكوا من صفات جعلتهم أئمة وقادة .
و لعل هذا التأكيد على السلام عليهم لكي يتخذوا قادة ، و لكي يعرف الناس حدود اكرامهم للانبياء فلا يغلوا فيهم حتى مقام الربوبية ، ولا ينزلونهم الى مستوى(1) الانبياء / 87 .
العلماء و المفكرين ، و اخيرا لكي يفسر القرآن سبب اكرام الناس للانبياء فلا يحرفه الضالون عن سبيل التوحيد .
|