فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الاطار العام


الشرك بالله إطار لكل الضلالات و الجرائم ، و كافة الذنوب و الاخطاء ، و تكاد سور القــرآن جميعا تعالج هذا الداء الذي هو جذر كل داء ، إلا أن عوامل الشرك عديدة ، و المعالجات القرآنية مختلفة بحسبها .

و أننا نستلهم من خلال التدبر في دروس هذه السورة الكريمة ( سورة ص ) انها تعالج الحالة الشركية التي تخلقها السلطة ، و الثروة ، و الشهرة في نفس الانسان فاذا به تأخذه العزة بالأثم ، و ينطلق في سبيل الشقاق عن الحق ، و عبادة آلهة القوة و الغنى .

في افتتاحية هذه السورة نقرأ : أن الذين تفرقوا في عزة و شقاق ، و سرعان ما ينذرهم الرب بمصير الذين أهلكهم من قبل ، و يذكرنا بمحور ضلالتهم ، حيث أنهم تعجبوا من حذف الآلهة ، و الأمر بعبادة إله واحد ، كما أنهم استهانوا بالرسولانطلاقا من مقاييسهم المادية .

و يعالج القرآن هذه الحالة ببيان حقارة ما يملكون ( من قوة و من غنى ) إذا قيس بملك السموات و الارض ، و بخزائن رحمة الرب العزيز .

أما خاتمة السورة فتذكرنا بقصة ابليس الذي رفض السجود لأبينا آدم (ع) اعتزازا بعنصره الناري ، و كيف أن هذه العزة الآثمة كانت وراء هلاكه و هلاك تابعيه الى يوم القيامة ، حيث يحشرون في نار جهنم حشرا .

و بين تلك الفاتحة و هذه الخاتمة يسرد السياق نمطين من القصص :

الأول : قصص المكذبين الهالكين يشير اليها مجرد اشارة ، بينما يفصل القول في النمط الثاني الذي وهب الله لهم الرب ملكا واسعا ، وثروة عريضة ، و لكنهم لم يغتروا و لم يشاققوا الله بها كداود و سليمان ، ثم إبراهيم و اسحاق و يعقوب ، و يبين انهم فازوا بنعيم الدنيا و حسن ثواب الآخرة ، بالإضافة الى الذكر الحسن عبر التاريخ ، و في مقابل هؤلاء يذكرنا السياق بمصير المكذبين الذين اقحموا في نار جهنم ليتخاصموا مع بعضهم ، و بالذات يتخاصم التابعون مع المتبوعين .

و من خلال قصص الانبياء و تقديرهم ، و بيان الحكومات العادلة التي اقاموها في الأرض ، و بالذات قوله - عز وجل - لداود (ع) : " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض " .

ومن خلال بيان هلاك ابليس بسبب رفضه السجود لآدم (ع) ، و بيان هلاك المستضعفين بسبب تسليمهم للمستكبرين نستطيع - من خلال كل ذلك - أن نعرف أن مراد السورة بيان زيف السلطات القائمة على أساس القوة و الثروة ، و سائر القيم المادية الأخرى ، و ضرورة إقامة حكومة العدل الإلهية القائمة على أساس أمر


الله و خلافته ، و أن أساس الولايات الباطلة العزة و الشقاق ، بينما أساس الولاية الربانية الحق .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس