فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 139 - 140] [ و إن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون ]

والآبق هو الهارب ، و المشحون الممتلىء .

[ 141] و لما أبحرت السفينة و خاف اهلها من الغرق اقترحوا ان يقترعوا ، ليلقوا واحدا من ركابها في البحر تخفيفا لوزنها .

[ فساهم ]

النبي يونس بعد ان وافقهم .

[ فكان من المدحضين ]

و المدحض هو الذي لاحظ له ، و قد خسر القرعة ثلاث مرات .

[ 142] فلما كان الامر كذلك ألقي في البحر .

[ فالتقمه الحوت وهو مليم ]

و المليم الذي يأتي من التصرفات ما يستحق عليه اللوم .

[ 143 - 144] ولكن يونس ادرك خطأه و اعترف به ، و اهتدى الى طريق التوبة و رضى الله وهو الاستغفار و التسبيح - و هكذا يجب علينا نحن حينما نقع فيالمعصية - و بهذا تجاوز النبي (ع) محنته ليخلف للبشرية درسا في معالجة الخطأ . ولو لا أنه اصلح خطأه لأحاط به .

[ فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ]و ذلك بان يكون قبره في بطنه .

[ 145] و لكن الله اخرجه من بطن الحوت بعد توبته .

[ فنبذناه بالعراء وهو سقيم ]

اي مريض و السقم شدة المرض ، اما العراء فهي الصحراء .

[ 146] [ و انبتنا عليه شجرة من يقطين ]

لانه ربما كان يحتاج الى الظل كعلاج الى سقمه ، قال الامام علي (ع) :

" و أمر الله الحوت ان يلفظه فلفظه على ساحل البحر ، وقد ذهب جلده و لحمه ، و انبت الله عليه شجرة من يقطين وهي الدبا ، فاظلته من الشمس ، ثم أمر الشجرة فتنحت عنه و وقعت الشمس عليه فجزع ؟ فأوحى الله اليه : يا يونس لم لم ترحم مائة الف او يزيدون وانتتجزع من تألم ساعة ؟ فقال : يا رب عفوك ، عفوك ، فرد الله عليه بدنه ، و رجع الى قومه و آمنوا به " (1)و يبدو ان الشجرة لم تكن تظله و حسب ، و انما كان يتداوى بها عن مرضه ، لان ثمر هذه الشجرة - وهو القرع - بارد طبعه كما يقولون ينفع الجسم الملتهب .


(1) نور الثقلين / ج 4 / ص 436 .


[ 147] و هكذا نهض يونس من مرضه ليمارس عمله الجهادي من جديد بوحي من الله عز وجل ، الذي بعثه ليعيد التجربة مع قومه .

[ و أرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ]

و لم يحدد القرآن عدد هؤلاء بالضبط ، لان المجموعة البشرية المتواجدة في منطقة ما ، تزيد و تنقص لعوامل مختلفة من بينها الولادة و الموت ، و من بينها الهجرة من المجتمع و اليه .

[ 148] و حينما عاد يونس الى قومه هذه المرة نجح في تغييرهم .

[ فامنوا ]

و صاروا مثلا للامة التي استفادت من تجربتها السلبية في ارتقائها و تقدمها ، فقد حدد قوم يونس و هم يرون العذاب على الابواب المسؤول عن هذا الواقع ، فلم يبرروا لانفسهم ولم يعاندوا ، انما تحملوا المسؤولية وتواضعوا للحق فرفعهم الله و ارسل عليهم الخير و البركة . و ليس بالضرورة ان يكون العذاب غماما ولا خسفا من غضب الله ، فقد يكون هو التمزق و الفقر و التخلف و المشاكل النفسية و الاجتماعية ، و كلها موجودة الآن في واقع الامة الاسلامية ، و واجبها ان تغير واقعها ليغير الله ما هي عليه من التخلف الى التحضر والازدهار . ولا يكون ذلك الا بالايمان ، فهذه امة يونس يحكي الله عنها اذ آمنت قائلا :

[ فمتعناهم الى حين ]

فلم تبق هذه المتعة و البركة طويلا ، لانهم لم يحافظوا على عاملها الأساسي وهو الايمان فهم ظلوا في متعتهم الى حين وجود الايمان بينهم .


[ 149] و بعد ان يختم ربنا قصص الانبياء التي أكد فيها على عبوديتهم له نفيا لادعاء المشركين بانهم آلهة ، و ذلك من خلال الآية الكريمة : " انه من عبادنا المؤمنين " ، التي تمثل عاملا مشتركا بين القصص كلها ، ينفي من الجانب الآخر مجموعة من التصورات التي اختلقها المشركون حول الملائكة و الجن ، و أهمها زعمهم بانها نسب لله عز وجل كوسيلة لتأليهها . و نجد في السياق امرا من الله الى رسوله بأستفتاء المشركين في ذلك .

[ فاستفتهم ألربك البنات و لهم البنون ]

و الاستفتاء هو اخذ الفتيا و الرأي .

[ 150] و لو سألهم الرسول لقالوا بلى ، و لكن على اي دليل يستند قولهم ، هل شاهدوا خلق الملائكة ؟

[ أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ]

الذي يرى شيئا بعينه يمكنه ان يدعى صدق ما رآه ، و يكون ادعاؤه منطقيا ، بينما لم يشهد هؤلاء خلق الملائكة حتى يعرفوا ماهيتها ، و هذه الآية تنسف فكرة الجاهلية من الأساس حول الملائكة ، حيث تهدينا الى انها مجرد ظن لا دليل عليه .

[ 151 - 152] و مع ان ظاهر الآيتين الماضيتين حول الملائكة ، انهما تعالجان فكرة انوثة الملائكة ، الا ان هدف القرآن من الحديث هو نسف الاعتقاد بألوهيتها ، ذلك ان بعضا من المشركين تصوروها تولدت من الله فهي آلهة ايضا ، و انما دخل السياق لهذا الموضوع من زاوية الحديث عن طبيعة الملائكة وماهيتها ، ليبين لنا بان تصورات الجاهليين خاطئة ليس في تحديد دور الملائكة و حسب و انما يجهلون حتى ماهيتها ، و كل ما هنالك من افكار لديهم حولها فانها مجرد ظنون لا دليل منطقيعليها .

[ ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله و إنهم لكاذبون ]ان الاعتقاد بولادةالله الذي نشأ اصلا من اجل الهروب من ثقل المسؤولية ، ولكي يشبع الانسان غروره و كبره و تطلعه الى مقام الربوبية - ان هذا الاعتقاد - برره ادعياء الحكمة و الفلسفة فوضعوا له نظريات الحلول و الاتحاد ، و وحدة الوجود ، و مهما حاولوا تبريرها فهي افك داخلي في نفوسهم ، و كذب فظيع على ألسنتهم .

ان المشركين يعلمون بكذب دعواهم فاجتمع في هذا الادعاء القبح الفاعلي الى جانب القبح الفعلي .

[ 153] و يتساءل القرآن من جديد :

[ أصطفى البنات على البنين ]

[ 154] ان استصدار هذا الحكم على الله سبحانه ، لا ينطبق مع أبسط قواعد الحكم المنطقية .

[ مالكم كيف تحكمون ]

[ 155 - 156 - 157] و الانسان حينما يريد الحكم على قضية ما إما ان يرجع الى ضميره ، أو الى حجة اخرى كالعقل و العلم ، وهؤلاء لا يراجعون ضميرهم بالتذكر ولا يرجعون الى حجة قاطعة اخرى .

[ افلا تذكرون * أم لكم سلطان مبين ]

إذا بلغ الانسان حدا - و بالاعتماد على البراهين و الشواهد القاطعة - ان اعتقدحتى ولو بهذه الفكرة الباطلة في واقعها . فانه معذور عند الله ، و لكنه تعالى أبى ان يجعل الحق باطلا لا ريب فيه ، ولا الباطل حقا لا ريب فيه ، و ذلك بما زرع في الانسان من ضمير ، و بما وهبه من عقل ، و انزل عليه من كتب ، و بعث له من رسل ، و جعلها جميعا فرقانا له في الحياة في كل امورها و قضاياها .

[ فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين ]

اذا كانت مزاعمكم هذه تعتمد على دليل فإين هو الدليل ؟؟

[ 158] وفي نهاية الدرس يعرج القرآن على فكرة باطلة اخرى لينسفها نسفا و هي تأليه الجن .

[ و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا ]

فعبدوا الجن ، و عبدوا السحرة و الكهنة التي تدعي الاتصال بها ، أو تتصل بها فعلا .

[ و لقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ]

ولو كانت الجن آلهة كما يتصور المشركون ، لما أحضروا للعذاب كسائر العصاة من الخلائق و ذلك يدل بوضوح على انهم مخلوقون و ليسوا بآلهة . و ذكر الله لحضور الجنة للعذاب يضرب افكار المشركين في الصميم ، ذلك ان للشرك بصورة عامة جذر مشترك ، هو محاولة التخلص منالمسؤولية ، عبر الاعتقاد باشياء و قوى أنها تخلــص الانسان من عذاب الله ، و اذا كانت الجنة لا تخلص نفسها فكيف تنقذ البشر .

[ 159] و تعالى الله و تنزه عن هذه الافكار المنحرفة .


[ سبحان الله عما يصفون ]

[ 160] وفي الوقت الذي ينسف القرآن فكرة تأليه الجن ، ينسف من جانب الاعتقاد السائد لدى البعض من ان الجن يذهبون الى النار جميعا ، و ذلك حينما يستثنى من الحضور في العذاب المؤمنين المخلصين منهم .

[ إلا عباد الله المخلصين ]

كما تتضمن الآية تأكيد في كلمتها الاولى على عبودية الجن لا ألوهيتهم .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس