بينات من الآيات [ 22] ما هي المعرفة ، و كيف يتخلص البشر من رواسب الجهل ، و لماذا نجد البعض يرتفعــون الى أعلى درجات الإيمان بينما يهبط الآخرون الى الحضيض في الكفر ؟
للقرآن بصيرة واضحة في المعرفة تتلخص في أن محل العلم القلب ، فإذا كان منشرحا ازداد معرفة و إيمانا ، بينما القلب القاسي لا يتسع للمعرفة .
[ أفمن شرح الله صدره للإسلام ]
ما هو الصدر المنشرح بالاسلام ؟
الإسلام هو التسليم لله لسنن الله لشرائع الله و للحق أنى كان ، فإذا شرح الله الصدر خشع له ولان لكلمات الله و وسعها كما تخشع الأرض الطيبة لماء السماء ، كما تلين التربة الصالحة لنبتة مباركة ، كما تستقبل الزهور النسيم العليل ، بينما القلب القاسي كالصخرة الصماء لا يتسع لمعارف الحق ، و لا يهتز لوابل السماء ، و لا ينبت زهرة ، ولا يستقبل نسمة .
هكذا أوصى نبينا الأكرم ابن مسعود فقال له : " يابن مسعود ! فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ، فإن النور إذا وقع في القلب انشرح و انفتح .
فقيل يا رسول الله : فهل لذلك علامة ؟ فقال : نعم ، التجافي عن دار الغرور ، و الإنابة الى دار الخلود ، و الإستعداد للموت قبل نزول الفوت ، فمن زهد في الدنيا قصر أمله فيها ، و تركها لأهلها " (1)(1) بحار الانوار / ج 77 / ص 93 .
[ فهو على نور من ربه ]
فبالنــور الرباني يتصل صدر الإنسان بعالم الحقائق ، فيتسع لها ، و ينشرح بها ، و نور الله هو العقل المستضيء بالوحي ، و لعل التعبير بـ " على " للإيحاء بأن المؤمن ماض على صراط مستنير ، كقوله سبحانه : " أولئك على هدى من ربهم " .
و يمكن أن نستوحي من الآية : أن للقلب حالتين : فهو ينغلق على ذاته فلا يرى إلا نفسه فيعيش فقط ضمن مصالحها و تمنياتها و أوهامها ، و يريد العالم المحيط لذاته ، فيكون قاسيا و مع الهوى متقلبا ، و بالرين و الطبع متلبسا ، لا يعترف بقانون ، و لا يؤمن بسنة ،و يكون مثله من يعيش في بيت و يزعم بألا أحد يمكث فيه معه ، فيفعل فيه ما يشاء ، و يتحلل من كل التزام ، و أما الحالة الثانية فهي الخروج من زنزانة الذات الى رحاب الحقيقة ، حيث يعيش في عالم واقعي يعترف بوجوده ، و يسعى للتعرف عليه و الكيف معه ، ان مثل صاحبهاكمن يدخل بلدا و يعلم أن فيه أناسا لابد ان يعايشهم ، و أن لهم قوانين لابد من الإلتزام بها ، و هكذا لا يضيق ذرعا إذا تعرف عليــهم و عرف حقوقهــم ، بل إنه يستقبلهم بترحاب ، و يخضع لنظامهم بلا تردد .
و إذا كانت الحالة الأولى تعكس الجمود و التخلف و الجهل و الفوضى ، فإن الحالة الثانية هي ذروة النشاط و الرقي و العلم و الإلتزام .
[ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ]
الله الذي و سعت كل شيء آيات رحمته و قدرته و عظمته ، مع ذلك ترى قلوبهم قاسية من ذكره ، فكيف سائر حقائق الخلق ؟ أرأيت من عمي عن ضوء الشمس هل يرى شمعة ؟! كذلك حين قسى القلب عن ذكر الله فلا يرجى أن ينشرح لمعرفةشيء .
[ أولئك في ضلال مبين ]
يحيط بهم الضلال المبين كما يحيط بأولئك نور الله .
[ 23] من أبرز معالم شرح الصدر استقبال نور الله في القرآن ، فلقد أنزل الله أحسن الحديث ، اختصر الجمال و الروعة والبلاغة و العلم و الهدى و النور ، و تجلى فيه الرب حتى رأت فيه قلوب المؤمنين جمال ربهم كما رأت أعينهم جمال صنعه .
[ الله نزل أحسن الحديث ]
إنه مرآة تعكس روعة الخلق و جمال الخالق و أحسن الخلق و أنبل الأعمال ..
[ كتابا ]
منتظــما في وحــدة متماسكة ، مجموعا الى بعضه بتماسك لا ثغرة فيه ولا فطور ، ولا تناقض ولا اختلاف .
[ متشابها ]
بعضه يشهد على بعضه و يفسره و يبينه ، و في ذات الوقت لا يرقى الى كنه فهمه عقل ، و لا ينفذ في غور علمه أحد ، وكلما تلوت آياته استفدت علما جديدا و هدى طارفا ، و ما أوتيت من علم فهو بالنسبة إليك محكم ، و لكن يبقى مالم تؤت من علم كالمحيط الواسع لا تتناهى عجائبه ولا تنقضي غرائبه .
[ مثاني ]
فنجد فيه :
أولا : مفارقات بين الخالق و المخلوق ، بين الحق و الباطل ، بين المحسن و المسيء ، كما يذكرنا بالمفارقات الظاهرة بين النور و الظلام ، بين الظل و الحرور ، و بين الحرية و العبودية ، و . و .
و لعل سورة الزمر قد بلغت الذروة في هذا التميز ، بالذات بين الناس حيث تجلت فيها صفة ( الفرقان ) في معرفة الصالحين و تزيلهم عمن سواهم .
ثانيا : مقارنات بين أزواج الطبيعة ، بين الذكر و الأنثى ، بين السماء و الأرض ، البر و البحر ، الإنسان و الحيوان ، الزيتون و الأعناب ، الفاكهة و الأب وهكذا .
ثالثا : شواهد و أمثلة ، فما من حقيقة يذكر بها كتاب ربنا الا و تتثنى بتفسيرها و دليلها و مثالها ، فما تتلو فيه من آية حتى تجد في السياق عادة أو في موقع آخر تبيانا لها ، فإذا ذكرت عاقبة المتقين ضربت لها أمثلة من جزائهم عند الله و انتصارهم في الدنيا ،و إذا ذكرت من صفات المتقين و احدة ثنيت بشواهدها من حياة النبــيين - عليهم السلام - ، و إذا ذكرت حقيقة من حقائق التوحيد توالت شواهدها .
فمثلا حين ذكر السياق شرح الصدر بالإسلام بين مثله في خشوع قلب المؤمنين لآيات الذكر .
و هكذا أشارت الآيات التالية إلى أن القرآن ضرب للناس من كل شيء مثلا ، فيكون المثل تثنية كل حقيقة مذكورة في القرآن .
هذا بعض معاني المثاني .
و لأنه مثاني تشفع الحجة بالحقيقة فإن قلوب المؤمنين تصعق له ، و تسري فيأعصابهم رعشة الخشية ، فتهتز تبعا - لذلك - جلودهم .
[ تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ]
عندما تواجه النفس حقيقة أكبر من سعتها تندهش بها و تحصل لصاحبها قشعريرة ، أما لإهتزاز الأعصاب أو لتجمع الدم حول القلب كما يحصل في حالات الخوف الشديد .
و لأن هذا الفريق يخشون ربهم ، و يعرفون شيئا من عظمته و كبريائه ، و يعلمون أن الكتاب رسالة الله إليهم ، فلا تكاد قلوبهم تستقر لتجلياته الظاهرة في كتابه ، ولولا أن الله يؤيدهم في تلك اللحظة بروحه لتصدعت قلوبهم كما اندك الجبل عندما تجلى الرب له أمام موسى فخر موسى (ع) صعقا ، أرأيت تجلي الله للجبل كان أعظم من تجلياته في كتابه للرسول و المؤمنين .
إنما المؤمنون توجل قلوبهم بمجرد ذكر الله ، فكيف لا تصعق عندما تتلى عليهم رسالة الله إليهم ، إنه الله يتحدث اليهم فكيف يصمدون ، بلى . أنا و أمثالي الذين أحاطت الشهوات بقلوبنا لا نعرف ذلك ، إلا إذا رفع الله الحجب و اتصل القلب بنور الرب .
[ ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله ]
إذا ذهبت آثار الصدمة ، و تغلب العقل بتأييد الله على هول المواجهة ، لانت الجلود تعبيرا عن خشوع القلب ، و استعدادا لاستقبال ضياء الهدى .
و قال المفسرون : إن قشعريرة الجلد تعبير عن خشيتهم من عذاب الله ، أما حين يلين فإنه دليل على طمعهم في رحمة الله ، و هكذا يعيش قلب المؤمن بين الخوفو الرجاء
و قال الفخر الرازي : إن المقامين المذكورين في الآية " تقشعر و تلين " لا يجب قصرهما على سماع آية العذاب و الرحمة ، بل ذاك أول المراتب ، و بعده مراتب لاحد لها ولا حصر في حصول تلك الحالتين .
ثم تناول هذا المفسر الكبير الفرق بين حالة المؤمنين عند تلاوة الكتاب ، و حالة الوجد الصوفية عند سماع أشعار الهجران و الوصل ، و قال : إن الشيخ أبا حامد الغزالي أورد مسألة في كتاب " إحياء علوم الدين " و هي أنا نرى كثيرا من الناس يظهر عليه الوجد الشديد التام عند سماع الأبيات المشتملة على شرح الوصل و الهجر ، و عند سماع الآيات لا يظهر عليه شيء من هذه الأحوال ، ثم إنه سلم هذا المعنى و ذكر العذر فيه من وجوه كثيرة ، و أنا أقول : إني خلقت محروما عن هذا المعنى ، فإني كلما تأملت في أسرار القرآناقشعر جلدي ، و وقف علي شعري ، و حصلت في قلبي دهشة و روعة ، و كلما سمعت تلك الأشعار غلب الهزل علي ، وما وجدت البــتة في نفسي منها أثرا ، و أظن أن المنهج القويم و الصراط المستقيم هو هذا ، ثم ذكر وجوها في بيان ذلك تتلخص فيما يلي :
اولا : إن تلك الأشعار لا تليق بمقام الخالق ، و إن اثباتها في حقه كفر .
ثانيا : إن قائل القرآن هو الله عبر جبرائيل إلى الرسول إلينا ، بينما قائل تلك الأشعار شاعر كذاب مملوء من الشهوة و داعية الفجور .
ثالثا : إن مدار القرآن الدعوة الى الحق ، و مدار الأشعار الباطل . (1)و أقول : إن تلك الأشعار تثير شهوات البعض ، و تدغدغ عواطف الهوى المكبوتة(1) راجع التفسير الكبير / ج 26 / ص 273 .
لديهم ، بينما تستثير آيات الذكر دفائن العقول ، و تجلي القلوب من رين الشهوات ، و كل إناء بالذي فيه ينضح .
[ ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ]
و أن أولئك الذين يبحثون عن سبل الزلفى الى الله عبر الأشعار الجاهلية و الطرق غير الشرعية لا يهديهم الله اليه ، بل يضلهم لأنهم لم يتبعوا الوسيلة التي بينها لعباده .
[ و من يضلل الله فما له من هاد ]
فمن شاء أن يهتدي إلى ربه سبيلا فعليه أن يتوسل به إليه ، و بأوليائه الذين جعلهم وسائل رحمته ، و ألا يخترع لنفسه مذهبا فيضله الله ، و أن يعلم أن الله يدل على ذاته بذاته ، و لا شيء أظهر دلالة منه ولا شفيع إلا من بعد إذنه ، و هكذا يخلص النية لربه ، و حاشا لله أن يخيب ظن عبده به .
[ 24] و يعود القرآن الى مفارقته بين من يتقي به في الدنيا فينجيه الله من عذاب النار ، و بين من لا يتقي ولا يجد هناك شيئا يحتجز به عن النار ، فتراه يضطر الى اتقاء النار بوجهه .
[ أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ]
أي عذاب هائل ذلك العذاب ، حين تتميز جهنم غيضا ، و تتفجر فيها النيران تفجرا ، و يأتي المجرمون لا يملكون من الثواب ما يقيهم النار ، فتتعرض وجوههم لها ، تلك الوجوه التي اعتزوا بها و بإثمها في الدنيا ، و صانوها بأيديهم و بما يملكون .
[ و قيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون ]
إن الفواحش التي يرتكبها الظالمون في الدنيا تتجسد في صورة نيران ملتهبة و عقارب و حيات . أرأيت الذي يصنع القنبلة النووية بيده ثم يفجر نفسه و البلاد كيف أنه حين يصنعها لا يتصور بسهولة هول عذابها ، كذلك المجرمون حين يزنون أو يغتابون أو ياكلون أموالهم بينهم بالباطل أو يؤيدون الطاغوت لا يتصورون أي عذاب شديد يكتسبونه و يعدونه لأنفسهم في يوم القيامة .
[ 25] و كما هو في الآخرة كذلك في الدنيا ، فمن بنى السد و طغى به عذب به ، كما أنهار سد مأرب ، و من عبد الحجارة ، أو اتخذ من الجبال أكنانا عذب بها كما عاد و ثمود ، و من عبد الماء أغرق فيه كقوم فرعون .
[ كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ]فمن كذب بآيات الله وصدف عنها أتاه العذاب من حيث لا يشعر ، و علينا أن نراجع قصص القرآن كيف عذب الله الأقوام ، فهل كان يتصور فرعون أن موسى (ع) الذي رباه في بيته يكون فناء ملكه على يديه ؟! كلا .. و هل كان يعلم فرعون و ملأه الذين عبدوا الماء ، فكانوا يرمون في النيل بأجمل فتياتهم لإرضائه ، و كان فرعون يفتخر بالأنهار التي تجري من تحته ، و كانت حضارتهم قائمة عليه ، هل كانوا يعلمون بأنهم سوف يغرقون في معبودهم و أساس تحضرهم . إن الذي يكذب بآيات الله يكون هلاكه بالقوة التي يعتمد عليها ( يعبدها ) .
[ 26] [ فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ]
لأنهم كانوا يستكبرون ، و لا يعترفون بشيء غرورا ، و الآن يجب أن يلاحقهم الخزي و العار ، هذا في الدنيا .
[ و لعذاب الأخرة أكبر لو كانوا يعلمون ]
اكبر خزيا و ألما ، و الإنسان يهرب من عذاب الدنيا فكيف لا يهرب مما هو أكبر منه ؟!
[ 27] و بعد ذلك يذكرنا الرب بأنه ضرب لنا الأمثال ، من قصص الأنبياء و أممهم .
و هي وقائع خارجية جسدت القيم التي يبشر بها القرآن و هذا المعنى المثل أي التطبيق الخارجي للحقيقة .
[ و لقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل لعلهم يتذكرون ]و التعبير " بكل مثل " يدل على أن في القرآن إشارة الى كل الحقائق ، و ذلك عبر أمثلة واقعية لها ، فأنى تفكرت فيه مما يتصل بالخلق و الخالق و الصلة بينهما و صلة الخلق ببعضهم و غيرها مذكور في القرآن و مفصل بالأمثلة التي لا تقتصر على حياة الشعوبالسابقين بل و تشمل إشارات الى الطبيعة و أحوالها .
[ 28] و بعد ذلك يأخذنا الرب الى صفات ذلك القرآن الذي يضرب فيه من كل مثل ، و يذكر له صفات ثلاث :
1 - قرآنا : مقروءا ، يوصلنا بالماضي ، و يفصل لنا الحاضر ، و يرسم خريطة المستقبل .
2 - عربيا : بلغة مفهومة ، فأعرب الكلام أفصح عنه ، و يقال أعرب فلان عن أستيائه أي بينه ، و العربي هو الذي يكون فصيحا بليغا .
3 - غير ذي عوج : ليس به انحراف يمنة أو شمالا ، شرقا أو غربا ، ذلك أنمن أسباب الإنحراف الجهل و الهوى و الإستسلام للضغوط ، و تعالى الله عن كل ذلك ، و هكذا يفصح القرآن عن الحقائق بصورة مباشرة .
[ قرءانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ]
و هذا هدف القرآن ، إنه يريد منا أن نتقي الله و نخافه ، و نعمل بمضمون التقوى من إصلاح دنيانا و أخرانا .
[ 29] و من أمثلة القرآن التي تقرب الى أذهاننا قبح الشركاء اشتراك مجموعة في امتلاك شخص .
[ ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ]
هل يستوي عبد يملكه أكثر من مالك و عبد يملكه رجل واحد ؟! كلا .. لأن في الثاني كل مالك يريد أن يجيره لحسابه على حساب الآخرين ، و قد بين الباري ذلك في قوله : " و إن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض " (1) و قال تعالى : " لو كان فيهماآلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون " (2) و قال تعالى عن استحالة الأشباه و الأعضاد : " ما اتخذ الله ولد و ما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون " (3) .
و هناك مثال من واقعنا : حيث تعيش بعض الدول المستضعفة في إطار ولاءات مختلفة فتتصارع عليها قوى الشرق و الغرب ، و قد يجري الصراع على أراضيها و بأيديها ، و يكون بالتالي الغرم لها و المكاسب للأسياد ، و آخر مثال على ذلك ما(1) ص / 24 .
(2) الأنبياء / 22 .
(3) المؤمنون / 91 .
يجري حتى اليوم في كمبوديا حيث تتصارع قوى عالمية عديدة على أراضيها و بأبنائها و لكن لمصالح الأجانب ، و قد هدمت البلاد و قتل من الشعب الكمبودي زهاء ثلاثة ملايين بشر .
و ليست الآلهة التي تعبد من دون الله سوى رموز للقوى السياسية و الإجتماعية التي تتصارع على استعباد البشر فتجر إليه الويلات ، و ما يخلصنا سوى التحرر من عبادتها و التمرد على سلطانها للنجاة من مشاكساتها و حروبها التي تطحننا اليوم طحنا .
[ و رجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا ]
كلا .. إن الرجل الذي يقوده شخص واحد باسم الله ولا تتداخل فيه شهوات الآخرين ولا ضغوطهم ولا مصالحهم يعيش دائما في حرية مستقيما في طريق واحد ، و تعصف به الإختلافات ، و لا تتحكم فيه الفوضى ، ولا يواجه مشكلة تعدد الولاءات ، إنه لا يخاف الصراعات ولا تنافس القوى عليه ، إنه يعيش بعيدا عن أهواء الشياطين و أطماع الحكام .
جاء في الحديث عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال :
" و أنا السلم لرسول الله (ص) يقول الله عز وجل : " و رجلا سلما لرجل " (1)و عن أبي جعفر (ع) في الآية قال :
" سلما هو علي (ع) لرجل هو النبي (ص) و شركاء متشاكسون : أي مختلفون و أصًحاب علي مجتمعون على ولايته " (2)(1) تفسير البرهان / ج 4 / ص 75 .
(2) المصدر .
[ الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ]
فلا يفرقون بين الذي يوحد الله و يخضع فقط لأوليائه و من تستعبده قوى السلطة و الثروة .
و هكذا ضرب الله لنا مثلا للتوحيد من واقع الحياة الإجتماعية و السياسية ، و ميز بين نمطين من الحياة ، حياة الإستقلال و حياة العبودية ، و ذلك تكميلا لبيان المفارقات في سورة الزمر .
|