والقمي هذا دليل على الرجعة في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فانه قال : لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا وفي أمتي مثله يعني دليل على وقوعها لعلكم تشكرون لعل أسلافكم يشكرون الحياة التي فيها يتوبون ويقلعون وإلى ربهم ينيبون لم يدم عليهم ذلك الموت فيكون إلى النار مصيرهم وهم فيها خالدون .
وفي العيون : عن الرضا عليه السلام أنهم السبعون الذين اختارهم موسى وصاروا معه إلى الجبل فقالوا له إنك قد رأيت الله فأرناه كما رأيته فقال لهم : إني لم أره فقالوا له لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ويأتي تمام القصة ان شاء الله تعالى في سورة الأعراف .
وفي تفسير الإمام عليه السلام أن موسى لما أراد أن يأخذ عليهم عهد الفرقان فرق ما بين المحقين والمبطلين لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بنبوته ولعلي والأئمة عليهم السلام بإمامتهم قالوا : لن نؤمن لك ان هذا أمر ربك حتى نرى الله عيانا يخبرنا بذلك فأخذتهم الصاعقة معاينة فقال موسى عليه السلام للباقين الذين لم يصعقوا : أتقبلون وتعترفون وإلا فأنتم بهؤلاء لاحقون فقالوا لا ندري ما حل بهم فإن كانت انما أصابتهم لردهم عليك في أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام فاسئل الله ربك بمحمد وآله أن يحييهم لنسألهم لماذا أصابهم ما أصابهم فدعا الله موسى عليه السلام فأحياهم فسألوهم فقالوا : أصابنا ما أصابنا لآبائنا اعتقاد امامة علي بعد اعتقاد نبوة محمد لقد رأينا بعد موتنا هذا ممالك ربنا من سمواته وحجبه وعرشه وكرسيه وجنانه ونيرانه فما رأينا أنفذ أمرا في جميع الممالك وأعظم سلطانا من محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وإنا لما متنا بهذه الصاعقة ذهبنا إلى النيران فناداهم محمد وعلي كفوا عن هؤلاء عذابكم فانهم يحيون بمسألة سائل سأل ربنا عز وجل بنا وبآلنا الطيبين قال الله عز وجل لأهل عصر محمد فإذا كان بالدعاء بمحمد وآله الطيبين نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم فانما يجب عليكم أن لا تتعرضوا لمثل ما هلكوا به إلى أن أحياهم الله .
(57) وظللنا عليكم الغمام لما كنتم في التيه يقيكم من حر الشمس وبرد القمر

( 135 )

وأنزلنا عليكم المن الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه والسلوى السماني أطيب طير كان يسترسل بهم فيصطادونه كلوا من طيبات ما رزقناكم قال الله تعالى : كلوا .
والقمي لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى أهلكتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل فيها ولا شجر ولا ماء فكانت تجيء بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وتنزل عليهم بالليل المن فيأكلونه وبالعشي يجيء طائر مشوي فيقع على موائدهم فإذا أكلوا وشبعوا طار عنهم وكان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فينفجر منه إثنتا عشرة عينا فيذهب الماء إلى كل سبط وكانوا إثنا عشر سبطا فلما طال عليهم ملوا وقالوا : يا موسى لن نصبر على طعام واحد وما ظلمونا لما بدلوا وغيروا ما به أمروا ولم يفوا بما عليه عوهدوا لأن كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا وممالكنا كما أن إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون يضرون بها بكفرهم وتبديلهم .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في قوله عز وجل وما ظلمونا قال إن الله أعظم وأعز وأجل وأمنع من أن يظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني الأئمة .
(58) وإذ قلنا واذكروا يا بني إسرائيل إذ قلنا لأسلافكم ادخلوا هذه القرية وهي أريحا من بلاد الشام وذلك حين خرجوا من التيه فكلوا منها حيث شئتم رغدا واسعا بلا تعب وادخلوا الباب باب القرية سجدا مثل الله تعالى على الباب مثال محمد وعلي وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك ويجددوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما وقولوا حطة وقولوا سجودنا لله تعظيما للمثال واعتقادنا الولاية حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا نغفر لكم خطاياكم السالفة ونزيل عنكم آثامكم الماضية وقرئ بضم الياء وفتح الفاء وسنزيد المحسنين من لم يقارف منكم الذنب وثبت على عهد الولاية ثوابا .
(59) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم لم يسجدوا كما امروا ولا قالوا

( 136 )

ما امروا بل دخلوها باستاههم وقالوا ما معناه حنطة حمراء نتقوّتها أحب إلينا من هذا الفعل وهذا القول .
وفي موضع آخر من تفسير الإمام عليه السلام وكان خلافهم أنهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا قالوا ما بالنا نحتاج أن نركع عند الدخول هاهنا ظننا أنه باب متطامن لا بد من الركوع فيه وهذا باب مرتفع وإلى متى يسخر بنا هؤلاء يعنون موسى عليه السلام ثم يوشع بن نون ويسجدوننا في الأباطيل وجعلوا استاههم نحو الباب وقالوا بدل قولهم حطة ما معناه حنطة حمراء فذلك تبديلهم .
فأنزلنا على الذين ظلموا وبدلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وآلهما ، قيل كرره مبالغة في تقبيح أمرهم واشعارا بأن الانزال عليهم بظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه أو بظلمهم على أنفسهم بأن تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب بهلاكها رجزا من السماء قيل أي عذابا مقدرا من السماء هو في الأصل لما يعاف عنه كالرجس بما كانوا يفسقون يخرجون من أمر الله وطاعته والرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم ماءة وعشرون ألفا وهم الذين كان في علم الله أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون ولم ينزل على من علم أنه يتوب أو يخرج من صلبه ذرية طيبة .
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال : نزل جبرائيل بهذه الآية فبدل الذين ظلموا آل محمد صلى الله عليهم حقهم غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد صلى الله عليهم حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون .
(60) وإذ استسقى واذكروا إذ استسقى موسى لقومه طلب لهم السقيا لما عطشوا في التيه ضجوا إليه بالبكاء فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فضربه بها داعيا بمحمد وآله الطيبين فانفجرت .
وفي المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام نزلت ثلاثة أحجار من الجنة حجر مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود .
وفي الكافي والإكمال عنه عليه السلام إذا خرج القائم عليه السلام من مكة

( 137 )

ينادي مناديه الا لا يحملن احد طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير ولا ينزل منزلا الا انفجرت منه عيون فمن كان جائعا شبع ومن كان ظمآنا روي ورويت دوابتهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة . قد علم كل أناس كل قبيلة : من بني اب من أولاد يعقوب مشربهم ولا يزاحم الآخرين في مشربهم كلوا واشربوا قال الله تعالى : كلوا واشربوا من رزق الله الذي أتاكموه قيل أي من المن والسلوى والماء ولا تعثوا في الارض مفسدين ولا تعثوا فيها وأنتم مفسدون عاصون قيل هو من العثو بمعنى الاعتداء ويقرب منه العيث غير أنه يغلب على ما يدرك بالحس .
(61) وإذ قلتم وإذكروا إذ قال اسلافكم يا موسى لن نصبر على طعام واحد اي المن والسلوى ولا بد لنا من خلط معه فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الا رض من بقلها وقثائها وفومها في المجمع عن الباقر عليه السلام والقمي الثوم الحنطة وقيل هو الثوم .
وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى أتستدعون الأدون بالذي هو خير ليكون لكم بدلا من الأفضل اهبطوا من هذه التيه مصرا من الأمصار فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة الجزية والفقر وباؤا بغضب احتملوا الغضب واللعنة من الله.
أقول : يعني ورجعوا وعليهم للغضب كما يأتي في مثله في هذه السورة فالمذكور هنا محصل المعنى ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق بلا جرم منهم إليهم ولا إلى غيرهم ، وقرىء النبيئين بالهمزة حيث وقع وفي سائر تصاريفها اجمع ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون يتجاوزون امر الله إلى أمر إبليس ، قيل جرهم العصيان والاعتداء فيه إلى الكفر بالآيات وقتل النبيين فان صغار الذنوب تؤدي إلى كبارها كما ان صغار الطاعات تؤدي إلى كبارها .
وفي تفسير الامام عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا عباد الله فاحذروا الإنهماك في المعاصي والتهاون بها فان المعاصي يستولي بها الخذلان على

( 138 )

صاحبها حتى توقعه فيما هو اعظم منها فلا يزال يعصي ويتهاون ويخذل ويوقع فيما هو أعظم مما جنى حتى توقعه في رد ولاية وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفع نبوة نبي الله ولا يزال ايضا بذلك حتى توقعه في دفع توحيد الله والالحاد في دين الله قيل المراد بآيات الله المعجزات والكتب المنزلة وما فيها من نعت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وبقتل النبيين قتل شعيب وزكريا ويحيى وغيرهم .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام انه تلا هذه الآية فقال والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم ولكن سمعوا احاديثهم فاذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا باعتداء ومعصية .
(62) ان الذين آمنوا بالله وبما فرض عليهم الايمان به والذين هادوا اليهود والنصارى الذين زعموا انهم في دين الله متناصرون .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام انهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام نزلها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر .
والصابئين الذين زعموا انهم صبوا إلى دين الله وهم كاذبون .
أقول : صبوا اي مالوا إن لم يهمز وخرجوا ان قرئ بالهمزة .
والقمي انهم ليسوا من أهل الكتاب ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم من آمن بالله واليوم الآخر منهم ونزع عن كفره وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم في الآخرة حين يخاف الفاسقون ولا هم يحزنون إذا حزن المخالفون .
(63) وإذ أخذنا واذكروا إذ اخذنا ميثاقكم عهودكم ان تعلموا بما في التوراة وما في الفرقان الذي اعطيته موسى مع الكتاب وتقروا بما فيه من نبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصيه علي والطيبين من ذريتهما وان تؤدوه إلى اخلافكم قرنا بعد قرن فأبيتم قبول ذلك واستكبرتموه ورفعنا فوقكم الطور الجبل أمرنا جبرئيل ان يقلع من جبل فلسطين (1) قطعة على قدر معسكر اسلافكم فرسخا في فرسخ فقطعها وجاء بها
____________
(1) فلسطون وفلسطين وقد يفتح فاؤهما كورة بالشام وبلد بالعراق . تقول في حال الرفع بالواو وفي النصب والجر بالياء أويلزمها الياء في كل حال والنسبة فلسطي . قاموس .

( 139 )

فرفعها فوق رؤوسهم خذوا ما آتيناكم فقال لهم موسى اما ان تأخذوا بما امرتم به فيه واما ان القي عليكم هذا الجبل فالجأوا إلى قبوله كارهين الا من عصمه الله من العناد فانه قبله طائعا مختارا ثم لما قبلوه سجدوا وعفروا وكثير منهم عفر خديه لا لارادة الخضوع لله ولكن نظرا إلى الجبل هل يقع أم لا بقوة من قلوبكم ومن ابدانكم .
في المحاسن والعياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الآية أقوة في الأبدان أم قوة في القلوب فقال : فيهما جميعا واذكروا ما فيه من جزيل ثوابنا على قيامكم به وشديد عقابنا على إبائكم له .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام واذكروا ما في تركه من العقوبة لعلكم تتقون لتتقوا المخالفة الموجبة للعقاب فتستحقوا بذلك الثواب .
(64) ثم توليتم يعني تولى أسلافكم من بعد ذلك عن القيام به والوفاء بما عوهدوا عليه فلولا فضل الله عليكم ورحمته بامهالكم للتوبة وانظاركم للانابة لكنتم من الخاسرين المغبونين .
(65) ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت لما اصطادوا السموك فيه فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين مبعدين عن كل خير .
(66) فجعلنها : اي المسخة التي اخزيناهم ولعناهم بها .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام فجعلنا الأمة .
نكالا لما بين يديها وما خلفها عقوبة لما بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات التي استحقوا بها العقوبة وردعا للذين شاهدوهم بعد مسخهم وللذين يسمعون بها من بعدها لكي يرتدعوا عن مثل افعالهم وموعظة للمتقين وسيأتي قصتهم في سورة الأعراف إنشاء الله .
(67) وإذ قال موسى : واذكروا إذ قال موسى لقومه ، إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة تضربون ببعضها هذا المقتول بين اظهركم ليقوم حيا سويا باذن الله عز وجل ويخبركم بقاتله وذلك حين القى القتيل بين اظهركم فالزم موسى أهل

( 140 )

القبيلة بأمر الله ان يحلف خمسون من اماثلهم بالله القوي الشديد إله بني إسرائيل مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا اجمعين إنا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا فان حلفوا بذلك غرموا دية المقتول وإن نكلوا نصوا على القاتل أو أقر القاتل فيقاد منه وإن لم يفعلوا حبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا أو يقروا أو يشهدوا على القاتل فقالوا يا نبي الله أما وقت أيماننا اموالنا ولا اموالنا أيماننا قال : لا هذا حكم الله وكان السبب ان امرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل وفضل بارع ونسب شريف وستر ثخين كثر خطابها وكان لها بنو اعمام ثلاثة فرضيت بأفضلهم علما وأثخنهم سترا وارادت التزويج به فاشتد حسد إبني عمه الآخرين له وغبطاه عليها لايثارها إياه فعمدا إلى ابن عمها المرضي فأخذاه إلى دعوتهما ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على اكثر قبيلة من بني إسرائيل فألقياه بين اظهرهم ليلا فلما اصبحوا وجدوا القتيل هناك فعرف حاله فجاء ابنا عمه القاتلان له فمزقا على انفسهما وحثيا التراب على رؤسهما واستعديا عليهم فأحضرهم موسى وسألهم فأنكروا ان يكونوا قتلوه وعلموا قاتله فقال : فحكم الله عز وجل على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه فالتزموه فقالوا يا موسى اي نفع في إيماننا إذا لم تدرأ عنا الغرامة الثقيلة ام اي نفع في غرامتنا إذا لم تدرأ عنا الأيمان .
فقال موسى عليه السلام : كل النفع في طاعة الله والائتمار لأمره والانتهاء عما نهى عنه فقالوا : يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا وإيمان غليظة ولا حق في رقابنا لو ان الله عز وجل عرفنا قاتله بعينه وكفانا مؤنته فادع لنا ربك أن يبين لنا هذا القاتل لينزل به ما يستحقه من العذاب وينكشف أمره لذوي الألباب . فقال موسى عليه السلام إن الله قد بين ما أحكم به في هذا فليس لي ان اقترح عليه غير ما حكم ولا اعترض عليه فيما أمر الا ترون أنه لما حّرم العمل في يوم السبت وحرم لحم الجمل لم يكن لنا ان نقترح عليه ان نغير ما حكم به علينا من ذلك بل علينا ان نسلم حكمه ونلتزم ما الزمناه وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثتهم فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى اجبهم

( 141 )

إلى ما اقترحوا وسلني ان ابين لهم القاتل ليقتل ويسلم غيره من التهمة والغرامة فاني إنما أريد باجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار امتك دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بعده على سائر البرايا وأغنيه في الدنيا في هذه القضية ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال موسى : يا رب بين لنا قاتله فأوحى الله عز وجل إليه قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى أفتسلمون لرب العالمين ذلك والا فكفوا عن المسألة والتزموا ظاهر حكمي فذلك ما حكى الله عز وجل وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أي سيأمركم أن تذبحوا بقرة إن أردتم الوقوف على القاتل .
والقمي عن الصادق عليه السلام أن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا فردته فحسد ابن عمه الذي أنعمت إليه فرصده وقتله غيلة ثم حمله إلى موسى عليه السلام فقال يا نبي الله إن هذا ابن عمي قد قتل فقال من قتله قال : لا أدري وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم قتل ذلك الرجل على موسى عليه السلام فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة وكان له ابن بار وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكان مفتاح بيته في تلك الحال تحت رأس أبيه وهو نائم فكره ابنه أن ينبهه وينغص عليه نومه فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته فلما انتبه أبوه قال يا بني ما صنعت في سلعتك ؟ قال : هي قائمة لم أبعها لأن المفتاح كان تحت رأسك فكرهت أن أزعجك من رقدتك وانغص عليك نومك قال له أبوه : قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك وشكر الله للابن ما فعل بأبيه فأمر الله جل جلاله موسى أن يأمر بني إسرائيل بذبح تلك البقرة بعينها ليظهر قاتل ذلك الرجل الصالح فلما اجتمع بنو إسرائيل إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتعجبوا وقالوا : أتتخذنا هزؤاً نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا

( 142 )

بقرة قالوا : يا موسى أتتخذنا هزُواً سخرية تزعم أن الله يأمر نذبح بقرة ونأخذ قطعة من ميت ونضرب بها ميتا فيحيى أحد الميتين بملاقاة بعض الميت له فكيف يكون هذا وقرئ باسكان الزاي وبغير همز قال موسى أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين أنسب إلى الله ما لم يقل لي أعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت دافعا القول الله عز وجل وأمره ثم قال موسى : أو ليس ماء الرجل نطفة ميتة وماء المرأة كذلك ميتان يلتقيان فيحدث الله من التقاء الميتين بشرا حيا سويا أو ليس بذوركم التي تزرعونها في أرضكم تتفسخ في أرضكم وتتعفن وهي ميتة ثم يخرج منها هذه السنابل الحسنة البهيجة وهذه الأشجار الباسقة المونقة فلما بهرهم موسى .
(68) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي مواصفاتها لنقف عليها .
وفي رواية القمي : فعلموا أنهم قد أخطأوا قال إنه إن الله يقول بعد ما سأل ربه إنها بقرة لا فارض لا كبيرة ولا بكر ولا صغيرة عوان وسط بين ذلك بين الفارض والبكر فافعلوا ما تؤمرون إذا أمرتم به .
(69) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها قال إنه يقول إن الله يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها حسنة الصفرة ليس بناقص يضرب إلى البياض ولا بمشبع يضرب إلى السواد تسر الناظرين إليها لبهجتها وحسنها وبريقها .
(70) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ما صفتها يزيد في صفتها إن البقر تشابه علينا وإنا إنشاء الله لمهتدون وفي الحديث النبوي لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد .
(71) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض لم تذلل لإثارة الأرض ولم ترض بها ولا تسقي الحرث ولا هي مما تجر به الدلاء للزرع ولا تدير النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع مُسَلّمَةَ من العيوب كلها لا شية فيها من غيرها .

( 143 )

في العيون والعياشي عن الرضا عليه السلام لو عمدوا إلى أي بقرة أجزأهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم ، وفي تفسير الامام عليه السلام فلما سمعوا هذه الصفات قالوا يا موسى أفقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها قال : بلى ولم يقل موسى في الابتداء إن الله قد أمركم بل قال : يأمركم لأنه لو قال إن الله أمركم لكانوا إذ قالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ما هي وما لونها كان لا يحتاج أن يسأله ذلك عز وجل ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول أمركم ببقرة فأي شيء وقع عليه اسم البقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها فلما استقر الأمر عليهم طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها الا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما عليهم السلام فقالا له إنك كنت لنا محبا مفضلا ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها الا بأمر امك فان الله يلقنها ما يغنيك به وعقبك ففرح الغلام وجاء القوم يطلبون بقرته فقالوا بكم تبيع بقرتك هذه قال : بدينارين والخيار لأمي قالوا رضينا بدينار فسألها فقالت بأربعة فأخبرهم فقالوا نعطيك دينارين فأخبر أمه فقالت ثمانية فما زالوا يطلبون على النصف مما تقول أمه ويرجع إلى أمه فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها ملأ مسك ثورا أكثر مما يكون ملأ دنانير فأوجبت لهم البيع ثم ذبحوها قالوا الآن جئت بالحق في رواية القمي عرفناها هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا أبيعها الا بملء جلدها ذهبا فرجعوا إلى موسى فأخبروه فقال لهم موسى لا بد لكم من ذبحها بعينها فاشتروها بملء جلدها ذهبا .
وفي تفسير الإمام عليه السلام أنه بلغ خمسماءة الف دينار فذبحوها وما كادوا يفعلون فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ولكن اللجاج حملهم على ذلك واتهامهم موسى حداهم عليه .
(72) وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها اختلفتم وتدارأتم ألقى بعضكم ذنب القتل على بعض وأدرأه عن نفسه وذويه والله مخرج ما كنتم تكتمون من خبر القاتل وإرادة تكذيب موسى باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيب إليه .
(73) فقلنا اضربوه ببعضها اضربوا الميت ببعض البقرة ليحيى وقولوا له

( 144 )

من قتلك فأخذوا الذنب وضربوه به .
والعياشي عن الرضا عليه السلام أن الله أمرهم بذبح بقرة وإنما كانوا يحتاجون بذنبها فشددوا فشدد الله عليهم .
وفي تفسير الإمام عليه السلام أخذوا قطعة وهي عجز (1) الذنب الذي منه خلق ابن آدم وعليه يركب إذا اعيد خلقا جديدا فضربوا بها وقالوا : اللهم بجاه محمد وعلي وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت وأنطقته ليخبر عن قاتله فقام سالما سويا وقال : يا نبي الله قتلني هذان إبنا عمي حسداني على بنت عمي فقتلاني والقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي فأخذ موسى الرجلين فقتلهما .
وفي رواية القمي : قتلني ابن عمي فلان بن فلان الذي جاء به .
كذلك يحي الله الموتى في الدنيا والآخرة كما أحيى الميت بملاقاة ميت آخر له أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة فيحيى الله الذي كان في الأصلاب والأرحام حيا واما في الآخرة فان الله عز وجل ينزل بين نفختي الصور بعد ما ينفخ النفخة الأولى من دوين (2) السماء من البحر المسجور المملوّ الذي قال الله والبحر المسجور وهي مني كمني الرجال فيمطر ذلك على الارض فيلتقي الماء المني مع الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون ويريكم آياته سوى هذه من الدلالات على توحيده ونبوة موسى وفضل محمد وآله عليهم السلام على سائر خلق الله أجمعين لعلكم تعقلون وتتفكرون أن الله الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر الخلق الا بالحكمة ولا يختار محمدا وآله عليهم السلام الا لأنهم أفضل أولي الألباب وقيل لكي يكمل عقلكم وتعلموا أن من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلها .
وفي تفسير الامام عليه السلام أن المقتول المنشور توسل إلى الله سبحانه
____________
(1) عجز الذنب ويقال عجب الذنب بالتسكين وهو العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز ، وفي الحديث النبوي : كل ابن آدم يبلى الأعجب الذنب وكأنه كتابة عما يقوم به البدن . منه قدس الله سره .
(2) دوين مصغر دون ونقيض الفوق . منه قدس الله سره .


( 145 )

بمحمد وآله أن يبقيه في الدنيا متمتعا بابنة عمه ويخزي عنه ويخزي أعداءه ويرزقه رزقا كثيرا طيبا فوهبه الله له سبعين سنة بعد أن كان قد مضى عليه ستون سنة قبل قتله صحيحة حواسه فيها قوية شهواته فتمتع بحلال الدنيا وعاش لم يفارقها ولم تفارقه وماتا جميعا معا وصارا إلى الجنة وكانا زوجين فيها ناعمين وإن أصحاب البقرة ضجوا إلى موسى وقالوا افتقرت القبيلة وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا فأرشدهم موسى عليه السلام إلى التوسل بنبينا وآله عليهم السلام فأوحى الله إليه ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان ويكشفوا عن موضع كذا ويستخرجوا ما هناك فانه عشرة آلاف الف دينار ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود احوالهم على ما كانت ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهو خمسة آلاف الف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة كذا في نسخة من تفسير الامام عليه السلام ليتضاعف اموالهم جزاءا على توسلهم بمحمد وآله عليهم السلام واعتقادهم لتفضيلهم .
(74) ثم قست : غلظت وجفت ويبست من الخير والرحمة قلوبكم معاشر اليهود من بعد ذلك من بعد ما تبينت الآيات الباهرات في زمن موسى والمعجزات التي شاهدتموها من محمد صلى الله وآله وسلم فهي كالحجارة اليابسة لا يترشح برطوبة ولا ينتفض (1) منها ما ينتفع به اي انكم لا حق الله تؤدون ولا من اموالكم ولا من مواشيها تتصدقون ولا بالمعروف تتكرمون وتجودون ولا الضيف تقرون (2) ولا مكروبا تغيثون ولا بشيء من الإنسانية تعاشرون وتعاملون أو أشد قسوة أبهم على السامعين اولا ثم بين ثانيا ان قلوبهم اشد قسوة من الحجارة بقوله : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار فيجيء بالخير والنبات لبني آدم وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وهو ما يقطر منه الماء دون الأنهار وقلوبكم لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل وإن منها لما يهبط
____________
(1) نفضت الثوب والشجر انفضه إذا حركته لينتفض ، والنفض بالتحريك ماتساقط من الورق والثمر . صحاح .
(2) قريت الضيف قرى مثال قليته قلى وقراء أحسنت إليه إذا كسرت القاف قصرت وإذا فتحت مدت . صحاح .


( 146 )

من خشية الله إذا اقسم عليها باسم الله وبأسماء اوليائه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم وما الله بغافل عما تعملون بل عالم بها يجازيكم بالعدل وقرئ بالياء .
(75) أفتطمعون يا محمد انت وأصحابك وقرئ بالياء أن يومنوا لكم هؤلاء اليهود ويصدقوكم بقلوبهم وقد كان فريق منهم طائفة من اسلافهم يسمعون كلام الله في اصل جبل طور سيناء وأوامره ونواهيه ثم يحرفونه عما سمعوه إذ أدوه إلى من ورائهم من سائر بني إسرائيل من بعد ما عقلوه فهموه بعقولهم وهم يعلمون انهم في تقولهم كاذبون قيل معنى الآية ان أخيار هؤلاء ومقدميهم كانوا على هذه الحالة فما طمعكم بسفلتهم وجهالهم .
(76) وإذا لقوا الذين آمنوا كسلمان وابي ذر ومقداد قالوا آمنا كإيمانكم واخبروهم بما بين الله لهم من الدلالات على نعت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا اي كبراؤهم اي شيء صنعتم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من الدلالات الواضحة على صدقه ليحاجوكم به عند ربكم بأنكم قد علمتم هذا وشاهدتموه فلم لم تؤمنوا به ولم تطيعوه وقد رأوا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن لهم عليهم حجة في غيرها أفلا تعقلون إن هذا الذي تخبرونهم به حجة عليكم عند ربكم .
(77) أَوَلاَ يَعْلَمُون : هؤلا القائلون لاخوانهم تحدثونهم بما فتح الله عليكم أن الله يعلم ما يسرون من عداوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وان إظهارهم الايمان به امكن لهم من اصطلامه وإبادة اصحابه وما يعلنون من الايمان به ظاهرا ليونسوهم ويقفوا به على اسرارهم ويذيعوها بحضرة من يضرّهم .
(78) ومنهم أميون لا يقرؤون الكتاب ولا يكتبون والأمي منسوب إلى الام اي هو كما خرج من بطن امه لا يقرأ ولا يكتب لا يعلمون الكتاب المنزل من السماء ولا المكذب به لا يميزون بينهما إلا أماني الا ان يقرأ عليهم ويقال

( 147 )

لهم هذا كتاب الله وكلامه لا يعرفون ان ما قرئ من الكتاب خلاف ما فيه .
أقول : هو استثناء منقطع يعني الا ما يقدرونه في انفسهم من منى أخذوها تقليدا من المحرفين للتوراة واعتقدوها ولم يعرفوا انه خلاف ما في التوراة وإن هم إلا يظنون ما يقلدونه من رؤسائهم مع انه محرم عليهم تقليدهم .
قال عليه السلام : قال رجل للصادق عليه السلام فإذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود الا كعوامنا يقلدون علمأهم فان لم يجز لأولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم فقال عليه السلام بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة أما من حيث استووا فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذم عوامهم وأما من حيث افترقوا فلا ، قال بين لي ذلك يابن رسول الله قال ان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علمائهم بالكذب الصريح وبأكل الحرام والرشا وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات (1) وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه واعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من اموال غيرهم وظلموهم من أجلهم وعرفوهم يقارفون المحرمات واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن يخفى وأشهر من أن لا يظهر لهم وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب (2) على حطام الدنيا وحرامها وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقا وبالترفق
____________
(1) المصانعة الرشوة والمداهنة والمداراة . منه قدس الله سره .
(2) هم يتكالبون على كذا أي يتواثبون . منه قدس الله سره .


( 148 )

بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للاذلال والإهانة مستحقا فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقه فقهائهم فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه ، وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فان من يركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة لهم .
(79) فويل : شدة من العذاب في أسوء بقاع جهنم للذين يكتبون الكتاب بأيديهم يحرفون من أحكام التوراة ثم يقولون هذا من عند الله وذلك أنهم كتبوا صفة زعموا أنه صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو خلاف صفته وقالوا للمستضعفين هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان إنه طويل عظيم البدن والبطن أصهب (1) الشعر ومحمد صلى الله عليه وآله بخلافه وأنه يجئ بعد هذا الزمان بخمسماءة سنة ليشتروا به ثمنا قليلا لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم وتدوم (2) لهم منهم إصاباتهم وبكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فويل لهم مما كتبت أيديهم يعني المحرف وويل لهم شدة من العذاب ثانية مضافة إلى الأولى مما يكسبون من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا عوامهم على الكفر .
(80) وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة لما قال لهم ذووا أرحامهم لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط عليكم معذبون أجابهم هؤلاء اليهود بأن مدة العذاب الذي نعذب به لهذه الذنوب أيام معدودة وهي التي عبدنا فيها العجل وهي تنقضي ثم نصير بعده في النعمة في الجنان ولا نستعمل المكروه في الدنيا للعذاب الذي هو بقدر أيام ذنوبنا فانها تفنى وتنقضي ونكون
____________
(1) الصهبة الشقرة في شعر الرأس . صحاح . الشقرة لون الأشقر وهي في الإنسان حمرة صافية وبشرته مائلة إلى البياض . ص .
(2) أي تدوم للرؤساء منهم أي من ناحية الضعفاء إصاباتهم أي مقاصدهم وحوائجهم وأمانيهم والمراد بالضعفاء الضعفاء في الرأي .


( 149 )

قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة ولذات نعمة الدنيا ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد فانه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فنى قل يا محمد أتخذتم عند الله عهدا ان عذابكم على كفركم منقطع غير دائم فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون يعني اتخذتم عهدا أم تقولون بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون بل ما هو الا عذاب دائم لا نفاد له .
(81) بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته وقرئ خطيئاته بالجمع ، قيل أي استولت عليه وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخرج عنها شيء من جوانبه .
وفي تفسير الامام عليه السلام السيئة المحيطة به أن تخرجه عن جملة دين الله وتنزعه عن ولاية الله وتؤمنه من سخط الله وهي الشرك بالله والكفر به وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وولاية علي عليه السلام وخلفائه وكل واحدة من هذه سيئة تحيط به أي تحيط بأعماله فتبطلها وتمحقها ، قيل وتحقيق ذلك أن من اذنب ذنبا ولم يقلع عنه استجره إلى معاودة مثله والانهماك فيه وارتكاب ما هو أكبر منه حتى تستولي عليه الذنوب وتأخذ بمجامع قلبه فيصير بطبعه مائلا إلى المعاصي مستحسنا إياها معتقدا أن لا لذة سواها مبغضا لمن يمنعه عنها مكذبا لمن ينصحه فيها كما قال الله تعالى ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوءى أن كذبوا بآيات الله فاولئك عاملوا هذه السيئة المحيطة أصحاب النار هم فيها خالدون لأن نياتهم في الدنيا ان لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا فبالنيات خلدوا كذا في الكافي عن الصادق عليه السلام .
وفي التوحيد عن الكاظم عليه السلام لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك .
وفي الكافي عن أحدهما عليهما السلام قال : إذا جحدوا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .