(13) قد كان لكم آية دلالة معجزة على صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم في فئتين التقتا يوم بدر فئة تقاتل في سبيل الله في دينه وطاعته وهم الرسول وأصحابه وفرقة أخرى كافرة وهم مشركوا مكة يرونهم مثليهم يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين وكانوا قريب الف أو مثلي عدد المسلمين وكانوا ثلاثماءة وبضع عشر وكان ذلك بعد ما قللهم في أعينهم حتى غلبوا مددا من الله للمؤمنين لو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا لهم بالنصر الذي وعدهم الله به في قوله وان يكن منكم ماءة صابرة يغلبوا ماءتين ويؤيده قراءة التاء كذا قيل وإنما يصح التأييد إذا كان الخطاب للمؤمنين دون المشركين رأي العين رؤية ظاهرة معاينة والله يؤيد بنصره من يشاء كما أيد أهل بدر إن في ذلك في التقليل والتكثير وغلبة القليل على الكثير لعبرة لأولي الأبصار لعظة لذوي البصائر .
(14) زين للناس حب الشهوات أي المشتهيات سماها شهوات مبالغة وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها حتى احبوا شهواتها كقوله تعالى حكاية من سليمان اني أحببت حب الخير من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة القنطار ملأ مسك ثور ذهبا كذا في المجمع عنهما ، والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم الف مؤلف والخيل المسومة المعلمة أو المرعية والأنعام الابل والبقر والغنم والحرث ذلك متاع الحيات الدنيا والله عنده حسن المئاب المرجع وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات الحقيقية الأبدية بالشهوات المخدجة (1) الفانية .
(15) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم يريد به تقرير ان ثواب الله خير من مستلذات الدنيا للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة مما يستقذر من النساء ورضوان من الله والله بصير بالعباد بأعمالهم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء على قدر استحقاقهم .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام ما تلذذ الناس في الدنيا والآخرة بلذة أكبر لهم من لذة النساء وهو قول الله تعالى زين للناس حب
____________
(1) أخدجت : قلّ مطرها ، والناقة بولد ناقص وإن كانت تامة فهي محدج « ق » .
( 322 )
الشهوات من النساء والبنين إلى آخر الآية ، ثم قال وان اهل الجنة ما يتلذذون بشيء من الجنة أشهى عندهم من النكاح لا طعام ولا شراب قيل قد نبه بهذه الآية على مراتب نعمه فأدناها متاع الدنيا واعلاها رضوان الله لقوله ورضوان من الله أكبر وأوسطهما الجنة ونعيمها .
(16) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار .
(17) الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار المصلين في وقت السحر كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام قال من استغفر سبعين مرة في وقت السحر فهو من أهل هذه الآية .
وفي الفقيه والخصال عنه عليه السلام من قال في وتره إذا أوتر استغفر الله واتوب إليه سبعين مرة وهو قائم فواظب على ذلك حتى تمضي له سنة كتبه الله عنده من المستغفرين
بالأسحار ووجبت له المغفرة من الله تعالى ، قيل تخصيص الأسحار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الاجابة لأن العبادة حينئذ اشق والنفس أصفى والروع أجمع سيما للمتهجدين .
(18) شهد الله أنه لا إله إلا هو بين وحدانيته لقوم بظهوره في كل شيء وتعرفه ذاته في كل نور وفيء ولقوم بنصب الدلائل الدالة عليها ولقوم بانزال الآيات الناطقة بها والملائكة بالاقرار ذاتا لقوم وفعلا لقوم وقولا لقوم وأولوا العلم بالايمان والعيان والبيان شبه الظهور والاظهار في الانكشاف والكشف بشهادة الشاهد قائما بالقسط مقيما للعدل .
العياشي عن الباقر عليه السلام ان أولي العلم الأنبياء والأوصياء وهم قيام بالقسط والقسط هو العدل لا إله إلا هو تأكيد وتمهيد لقوله العزيز الحكيم .
(19) إن الدين عند الله الإسلام لا دين مرضي عند الله سوى دين الاسلام وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد .
في الكافي عن الصادق عليه السلام ان الاسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والايمان عليه يثابون .
وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في الاسلام الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
( 323 )
حسدا وطلبا للرئاسة لا لشبهة فيه ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب وعيد لمن كفر منهم .
(20) فإن حاجوك في الدين وجادلوك فيه بعدما أقمت لهم الحجج فقل أسلمت وجهي لله أخلصت نفسي وجملتي له لا أشرك فيها غيره ، قيل عبر عن النفس بالوجه لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والحواس ومن اتبعن واسلم من اتبعني وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين الذين لا كتاب لهم كمشركي العرب أسلمتم كما أسلمت لما أوضحت لكم الحجة ام انتم بعد على كفركم ونظيره قوله فهل انتم منتهون فإن أسلموا فقد اهتدوا فقد نفعوا أنفسهم بأن أخرجوها من الضلال وإن تولوا فإنما عليك البلاغ فلم يضروك إذ ما عليك الا أن تبلغ وقد بلغت والله بصير بالعباد وعد ووعيد .
(21) إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم قيل هم أهل الكتاب الذين في عصره صلى الله عليه وآله قتل أوائلهم الأنبياء ومتابعيهم من عباد بني اسرائيل ، وهم رضوا به وقصدوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين ولكن الله عصمهم وقد سبق مثله في سورة البقرة وقرئ يقاتلون الذين .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه سئل أي الناس اشد عذابا يوم القيامة قال رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف أو نهى عن منكر ثم قرأ ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ثم قال قتلت بنوا اسرائيل ثلاثة واربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة فقام ماءة رجل واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم وهو الذي ذكره الله تعالى .
(22) أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة إذ لم ينالوا بها المدح والثناء ولم تحقن دماؤهم وأموالهم ولم يستحقوا بها الأجر والثواب وما لهم من ناصرين يدفعون عنهم العذاب .
(23) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب قيل يريد به احبار اليهود اعطوا حظا
( 324 )
وافرا من التوراة أو من جنس الكتب المنزلة يدعون إلى كتاب الله وهو التوراة ليحكم بينهم
قيل يعني في نبوة نبينا وقيل ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل مدارسهم فدعاهم فقال له بعضهم على أي دين انت قال ملة إبراهيم عليه السلام فقالوا ان ابراهيم كان يهوديا فقال ان بيننا وبينكم التوراة فأبوا وقيل نزلت في الرجم وقد اختلفوا فيه وله قصة يأتي ذكرها عند تفسير قوله سبحانه يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب من سورة المائدة ثم يتولى فريق منهم استبعاد لتوليهم مع علمهم بأن الرجوع إلى كتاب الله واجب وهم معرضون عن اتباع الحق .
(24) ذلك التولي والاعراض بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات بسبب تسهيلهم العقاب على أنفسهم وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون من أن النار لن تمسهم الا أياما قلائل أو ان آباءهم الأنبياء يشفعون لهم أو انه تعالى وعد يعقوب ان لا يعذب أولاده الا تحلة القسم يعني قوله عز وجل لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وما اشير إليه بقوله ( سبحانه وان منكم الا واردها ) .
(25) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه استعظام لما يحيق بهم في الآخرة وتكذيب لقولهم لن تمسنا النار الا أياما روي ان أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفر راية اليهود فيفضحهم الله على رؤوس الأشهاد ثم يأمرهم إلى النار ووفيت كل نفس ما كسبت جزاء ما كسبت وهم لا يظلمون .
(26) قل اللهم الميم فيه عوض من ياء ولذلك لا يجتمعان مالك الملك اي يملك جنس الملك يتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكونه تؤتي الملك تعطي ما تشاء من الملك من تشاء وتنزع الملك تسترد ما تشاء منه ممن تشاء فالملك الأول عام والآخران خاصان بعضان من الكل وتعز من تشاء في الدنيا والدين وتذل من تشاء بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك إنك على كل شيء قدير .
(27) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل أن تنقص من الليل وتجعل ذلك النقصان زيادة في النهار وتنقص من النهار وتجعل ذلك النقصان زيادة في الليل وتخرج الحي من الميت المؤمن من الكافر وتخرج الميت من الحي الكافر من المؤمن كذا في
( 325 )
المجمع عن الباقر والصادق عليهما السلام .
وفي المعاني : عن الصادق عليه السلام ان المؤمن إذا مات لم يكن ميتا وان الميت هو الكافر ثم فسر الآية بما ذكر . وترزق من تشاء بغير حساب بلا تقتير ولا مخافة نقصان .
(28) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية أو نحوهما حتى لا يكون حبهم وبغضهم الا في الله وقد كرر ذلك في القرآن لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر الآية والحب في الله والبغض في الله اصل كبير من اصول الايمان من دون المؤمنين المعنى أن لهم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلايؤثروهم عليهم ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء أي ليس من ولاية الله في شيء يعني أنه منسلخ عن ولاية الله رأسا وهذا امر معقول لأن مصادقة الصديق ومصادقة عدوه منافيان كما قيل :
تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك ان الرأي منك لعازب
إلا أن تتقوا منهم تقاة الا أن تخافوا من جهتهم خوفا أو أمراً يجب أن يخاف منه وقرئ تقية منع من موالاتهم ظاهراً وباطنا في الأوقات كلها الا وقت المخافة فان اظهار الموالاة حينئذ جائز بالمخالفة كما قيل كن وسطا وامش جانبا .
في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وامرك أن تستعمل التقية في دينك فان الله يقول لا يتخذ المؤمنون الآية قال وإياك ثم إياك أن تتعرض للهلاك وأن
تترك التقية التي امرتك بها فانك شائط بدمك ودماء اخوانك معرض لزوال نعمك ونعمهم مذلهم في أيدي اعداء دين الله وقد أمرك الله تعالى باعزازهم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا إيمان لمن لا تقية له ويقول قال الله الا أن تتقوا منهم تقاة .
وفي الكافي عنه عليه السلام قال التقية ترس الله بينه وبين خلقه .
وعن الباقر عليه السلام قال التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم وقد أحل الله له . والأخبار في ذلك مما لا تحصى .
( 326 )
ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه وموالاة أعدائه وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد .
(29) قل إن تخفوا ما في صدوركم من ولاية الكفار وغيرها أو تبدوه يعلمه الله لم يخف عليه ويعلم ما في السماوات وما في الأرض فيعلم سركم وعلنكم والله على كل شيء قدير فيقدر على عقوبتكم ان لم تنتهوا عما نهيتم عنه ، قيل الآية بيان لقوله تعالى ( ويحذركم الله نفسه ) فكأنه قال ويحذركم نفسه لأنها متصفة بعلم ذاتي يحيط بالمعلومات كلها وقدرة ذاتية تعم المقدورات بأسرها فلا تجسروا على عصيانه إذ ما من معصية الا وهو مطلع عليها قادر على العقاب بها .
(30) يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا .
يوم ظرف لتود اي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها أو جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له امدا بعيدا أو المضمر نحو اذكر وتوّد حال من الضمير في عملت من سوء أو خبر لما عملت من سوء وتجد مقصورة على ما عملت من خير ويحذركم الله نفسه كرر للتأكيد والتذكير والله رؤوف بالعباد اشارة إلى أنه تعالى انما نهاهم وحذرهم رأفة بهم ومراعاة لصلاحهم وانه لذو مغفرة وذو عقاب يرجى رحمته ويخشى عذابه .
(31) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام هل الدين الا الحب ثم تلا هذه الآية .
أقول : المحبة من العبد ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه بحيث يحملها على ما يقرّبها إليه ومن الله رضاه على العبد وكشف الحجاب عن قلبه والعبد إذا علم ان الكمال الحقيقي ليس الا لله وان كل ما يراه كمالا من نفسه أو غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبه الا لله وفي الله وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقر به إليه فعلامة المحبة
( 327 )
ارادة الطاعة والعبادة والاجتهاد البليغ في اتباع من كان وسيلة له إلى معرفة الله تعالى ومحبته ممن كان عارفا بالله محبا إياه محبوبا له فان من هذه صفاته إنما نال هذه الصفات بالطاعة على الوجه المخصوص وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يحذو حذوه فمن أحب الله لا بد له من اتباع الرسول في عبادته وسيرته وأخلاقه وأحواله حتى يحبه الله فان بذلك يحصل التقرب إلى الله وبالتقرب يحصل محبة الله تعالى إياه كما قال تعالى وإن العبد ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه وايضا لما كان الرسول حبيب الله فكل من يدعي محبة الله لزمه محبة الرسول لأن محبوب المحبوب محبوب ومحبة الرسول إنما تكون بمتابعته وسلوك سبيله قولا وعملا وخلقا وحالا وسيرة وعقيدة ولا يتمشى دعوى محبة الله الا بهذا
فانه قطب المحبة ومظهرها فمن لم يكن له من متابعته نصيب لم يكن له من المحبة نصيب ومن تابعه حق المتابعة ناسب باطنه وسره وقلبه ونفسه باطن الرسول وسره وقلبه ونفسه وهو مظهر محبة الله فلزم بهذه المناسبة أن يكون لهذا التابع قسط من محبة الله بقدر نصيبه من المتابعة فيلقي الله محبته عليه ويسري من باطن الرسول نور تلك المحبة إليه فيكون محبوبا لله محبا له ومن لم يتابعه يخالف باطنه باطن الرسول فبعد عن وصف المحبوبية وزوال المحبة عن قلبه أسرع ما يكون إذ لو لم يحبه الله لم يكن محبا له وفي حكم الرسول من أمر الله والرسول بحبه واتباعه وهم الأئمة والأوصياء عليهم السلام .
في الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث من سره أن يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعته وليتبعنا ألم تسمع قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) والله لا يطيع الله عبد ابدا الا ادخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله يتبعنا عبد ابدا الا أحبه الله ولا والله لا يدع احد اتباعنا ابدا الا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا احد أبدا الا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله واكبه على وجهه في النار .
ويغفر لكم ذنوبكم بالتجاوز عما فرط منكم والله غفور رحيم لمن تحبب إليه بطاعته واتباع من أمر الله ونبيه باتباعه ، وروي انها نزلت لما قالت اليهود نحن ابناء الله واحباؤه وقيل نزلت في وفد نجران لما قالوا انما نعبد المسيح حبا لله وقيل في أقوام زعموا على عهده صلى الله عليه وآله وسلم انهم يحبون الله
( 328 )
فأمروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل .
(32) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا يحتمل المضي والمضارعة بمعنى فان تتولوا فإن الله لا يحب الكافرين لا يرضى عنهم ولا يثني عليهم قيل إنما لم يقل ولا يحبهم لقصد العموم والدلالة على أن التولي كفر وانه بهذه الحيثية ينفي محبة الله تعالى وان محبته مخصوصة بالمؤمنين .
(33) إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين بالرسالة والخصائص الروحانية والفضائل الجسمانية ولذلك قووا على ما لم يقو عليه غيرهم لما أوجب طاعة الرسل وبين انها الجالبة لمحبة الله ، عقب ذلك ببيان مناقبهم تحريضا عليها وبه استدل على فضلهم على الملائكة وآل إبراهيم اسماعيل واسحاق وأولادهما وآل عمران : موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر ابن فاهث ابن لاوي بن يعقوب وعيسى وامه مريم عليها السلام بنت عمران بن ماثان وماثان ينتهي بسبعة وعشرين ابا إلى يهود بن يعقوب وبين العمرانين ألف وثمانماءة سنة كذا قيل .
أقول : وقد دخل في آل إبراهيم نبينا واهل بيته عليهم السلام .
العياشي عن الباقر عليه السلام انه تلا هذه الآية فقال نحن منهم ونحن بقية تلك العترة .
وفي المجالس عن الصادق عليه السلام قال قال محمد بن اشعث بن قيس الكندي لعنة الله عليه : للحسين عليه السلام يا حسين بن فاطمة صلوات الله عليهما اية حرمة لك من رسول الله صلى الله عليه وآله ليست لغيرك فتلا الحسين عليه السلام هذه الآية ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ) الآية ثم قال والله إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لمن آل ابراهيم وان العترة الهادية لمن آل محمد صلوات الله عليهم .
وفي العيون : في حديث الفرق بين العترة والأمة فقال المأمون هل فضّل
( 329 )
الله العترة على سائر الناس فقال أبو الحسن عليه السلام ان الله تعالى ابان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه فقال له المأمون أين ذلك من كتاب الله فقال له الرضا عليه السلام في قوله تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين .
والقمي قال العالم عليه السلام نزل وآل ابراهيم وآل عمران وآل محمد صلوات الله عليهم على العالمين فاسقطوا آل محمد عليهم السلام من الكتاب .
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال وآل محمد كانت فمحوها .
وفي المجمع وفي قراءة اهل البيت وآل محمد صلوات الله عليهم على العالمين وقالوا ايضا ان آل ابراهيم عليهم السلام هم آل محمد صلوات الله عليهم الذين هم أهله ويجب أن يكون الذين اصطفاهم الله تعالى مطهرين معصومين منزهين عن القبائح لأنه سبحانه لا يختار ولا يصطفي الا من كان كذلك انتهى كلامه .
أقول : وعلى هذه القراءة يكون من قبيل عطف الخاص على العام كعطف آل عمران بكلا معنييه على آل ابراهيم عليهم السلام .
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام انه سئل عن معنى آل محمد عليهم السلام فقال آل محمد صلوات الله عليهم من حرم الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم نكاحه .
وعنه عليه السلام ان آل محمد صلوات الله عليهم ذريته وأهل بيته الأئمة الأوصياء وعترته أصحاب العباء وامته المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند الله المتمسكون بالثقلين الذين امروا بالتمسك بهما كتاب الله وعترته أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهم الخليفتان على الأمة بعده .
(34) ذرية بعضها من بعض الذرية يقع على الواحد والجمع يعني انهم ذرية واحدة متسلسلة بعضها متشعبة من بعض .
( 330 )
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام في بيانه ان الذين اصطفاهم الله بعضهم من نسل بعض .
والعياشي عنه عليه السلام انه قيل له ما الحجة في كتاب الله ان آل محمد هم أهل بيته صلوات الله عليهم ؟ قال قول الله عز وجل ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران وآل محمد هكذا نزلت على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) قال ولا يكون الذرية من القوم الا نسلهم من اصلابهم .
والله سميع بأقوال الناس عليم بأعمالهم فيصطفي من كان مستقيم القول والعمل .
(35) إذ قالت اذكر إذ قالت أو سميع بقول امرأة عمران عليم بنيتها إذ قالت امرأت عمران هي امرأة عمران بن ماثان ام مريم البتول جدة عيسى بنت قافوذا والمشهور ان اسمها حنة كما يأتي عن الصادق عليه السلام .
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام انه قال لنصراني اما ام مريم فاسمها مرثار وهي وهيبة بالعربية .
رب إني نذرت لك ما في بطني محررا معتقا لخدمة بيت المقدس لا أشغله بشيء فتقبل مني ما نذرته إنك أنت السميع لقولي العليم بنيتي .
(36) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت اعتراض وهو قول الله وليس الذكر كالأنثى من تتمة كلام امرأة عمران ، وقرئ بما وضعت على انه من كلامها تسلية لنفسها أي ولعل لله فيه سرا أو الانثى كان خيرا .
ورواها في المجمع عن علي عليه السلام في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام قال ان الله أوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا سويا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذن الله وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل فحدث
( 331 )
عمران امرأته حنة بذلك وهي ام مريم فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى وليس الذكر كالأنثى لا تكون البنت رسولا يقول الله تعالى : ( والله اعلم بما وضعت ) فلما وهب الله لمريم عيسى عليه السلام كان هو الذي بشر به عمران ووعده إياه فإذا قلنا في الرجل منا شيئا وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك .
والعياشي عن الباقر عليه السلام ما يقرب منه .
وعن الصادق صلوات الله عليه ان المحرر يكون في الكنيسة لا يخرج منها فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى وليس الذكر كالأنثى ان الانثى تحيض فتخرج من المسجد والمحرر لا يخرج من المسجد ، وعن أحدهما عليهما السلام نذرت ما في بطنها للكنيسة ان يخدم العباد وليس الذكر كالانثى في الخدمة قال نشبت (1) وكانت تخدمهم وتناوئهم حتى بلغت فأمر زكريا ان يتخذ لها حجابا دون العباد .
وإني سميتها مريم انه قلت ذلك تقربا إلى الله وطلبا لأن يعصمها ويصلحها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها فان مريم في لغتهم بمعنى العابدة وإني أعيذها بك وذريتها أجيرها بحفظك من الشيطان الرجيم المطرود واصل الرجم الرمي بالحجارة .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما من مولود يولد الا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مسه الا مريم وابنها ، قيل معناه ان الشيطان يطمع في اغواء كل مولود بحيث يتأثر من طمعه فيه الا مريم وابنها فان الله عصمهما ببركة هذه الاستعاذة .
(37) فتقبلها ربها فرضي بها في النذر مكان الذكر بقبول حسن بوجه حسن يقبل به النذائر وهو اقامتها مقام الذكر وتسلمها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح
____________
(1) نشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له ونشب الشيء في الشيء من باب تعب نشوبا علق به فهو ناشب « مجمع » .
( 332 )
للسدانة ، روي ان حنة لما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعت عند الأحبار وقالت دونكم هذه النذرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فان بني ماثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم فقال زكريا انا أحق بها عندي خالتها فأبوا الا القرعة وكانوا سبعة وعشرين فانطلقوا إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم فطفا قلم زكريا ورسبت اقلامهم فتكفلها .
أقول : وفي رواية أصحابنا أن زوجة زكريا كانت أختها لا خالتها .
رواه القمي والعياشي عن الباقر عليه السلام ويأتي من تفسير الامام ايضا ما يدل عليه .
وأنبتها نباتا حسنا مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع احوالها وكفلها وقرئ بالتشديد اي الله زكريا وقرئ بالقصر حيث وقع كلما دخل عليها زكريا المحراب أي الغرفة التي بنيت لها أو المسجد أو اشرف مواضعه ومقدّمها سمي به لأنه محلّ محاربة الشيطان كأنها وضعت في اشرف موضع من بيت المقدس وجد عندها رزقا جواب كلما روي انه كان لا يدخل عليها غيره وإذا خرج اغلق عليها سبعة ابواب وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس .
أقول : ويأتي مثله في رواية أصحابنا قال يا مريم أنى لك هذا من أين لك هذا الرزق الآتي في غير أوانه والأبواب مغلقة عليك قالت هو من عند الله فلا تستبعد إن الله يرزق من يشاء بغير حساب العياشي عن الباقر عليه السلام قال ان فاطمة ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجن والخبز وقمّ البيت وضمن لها علي عليه الصلاة والسلام ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام فقال لها يوما يا فاطمة هل عندك شيء قالت لا والذي عظّم حقّك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به قال أفلا أخبرتني قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاني ان اسألك شيئا فقال لا تسألي ابن عمّك شيئا ان جاءك بشيء عفو والا فلا تسأليه قال فخرج علي عليه السلام فلقي رجلا فاستقرض منه دينارا ثم أقبل به وقد أمسى فلقي مقداد بن الأسود فقال للمقداد ما
( 333 )
أخرجك في هذه الساعة قال الجوع والذي عظّم حقّك يا امير المؤمنين قال فهو أخرجني وقد استقرضت دينارا وسأوثرك به فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول الله جالسا وفاطمة تصلي وبينهما شيء مغطى فلما فرغت اختبرت ذلك فإذا جفنة من خبز ولحم قال يا فاطمة انّى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا أحدثك بمثلك ومثلها قال بلى قال : مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال يا مريم انّى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب فأكلوا منها شهرا وهي الجفنة التي يأكل منها القائم وهي عندنا .
وفي الكافي أورد هذا الخبر بنحو آخر من طريق العامة بنحو ثالث اوردها الزمخشري والبيضاوي وغيرهما في تفاسيرهم .
(38) هنالك في ذلك المكان أو الوقت دعا زكريا ربه لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله . العياشي عن الباقر عليه السلام انها كانت أجمل النساء وكانت تصلي فيضيء المحراب لنورها فدخل عليها زكريا فإذا عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فقال انّى لك هذا قالت هو من عند الله هنالك دعا زكريا ربه .
وفي تفسير الامام في سورة البقرة ان زكريا عليه السلام قال في نفسه ان الذي يقدر ان يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء لقادر ان يهب لي ولدا وإن كنت شيخا وكانت امرأتي عاقرا فهنالك دعا زكريا ربه .
قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ولدا مباركا كما وهبتها لحنة قيل كانت عنده ايشاع بنت عمران بن ماثان اخت حنة فرغب أن يكون له ولد منها
مثل ولد اختها حنة في الكرامة على الله إنك سميع الدعاء .
(39) فنادته وقرئ فناداه بالتذكير الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله وقرئ بكسر الهمزة يبشرك وقرئ بفتح الياء وضم الشين وكذا فيما يأتي
( 334 )
بيحيى مصدقا بكلمة من الله يعني بعيسى كما يأتي عن قريب وسيدا يسود قومهم ويفوقهم وكان فائقا للناس كلهم في أنه ما هم بمعصية .
وفي تفسير الامام عليه السلام يعني رئيسا في طاعة الله على اهل طاعته .
وحصورا مبالغا في حصر النفس عن الشهوات والملاهي ، روي انه مر في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت .
وعن الصادق عليه السلام هو الذي لا يأتي النساء ويأتي ذكر الروايتين في سورة مريم انشاء الله
ونبيا من الصالحين كائنا من عدادهم أو ناشئا منهم .
في تفسير الامام عند قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم ما الحق الله صبيانا برجال كاملي العقول الا هؤلاء الأربعة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام ثم ذكر قصتهم ثم قال وكان اول تصديق يحيى بعيسى ان زكريا كان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره يصعد إليها بسلم فإذا نزل اقفل عليها ثم فتح لها من فوق الباب كوة صغيرة يدخل عليها منها الريح فلما وجد مريم وقد حبلت ساءه ذلك وقال في نفسه ما كان يصعد إلى هذه أحد غيري وقد حبلت والآن أفتضح في بني اسرائيل لا يشكون اني احبلتها فجاء إلى امرأته وقال لها ذلك فقالت يا زكريا لا تخف فان الله لن يصنع بك الا خيرا فأتني بمريم انظر إليها واسألها عن حالها فجاء بها زكريا إلى امرأته فكفى الله مريم مؤنة الجواب عن السؤال ولما دخلت إلى أختها وهي الكبرى ومريم الصغرى لم تقم إليها امرأة زكريا فاذن الله تعالى ليحيى وهو في بطن امه فنخس بيده في بطنها وازعجها وناداها يا امّة تدخل اليك سيدة نساء العالمين مشتملة على سيدة رجال العالمين فلا تقومين لها فانزعجت وقامت إليها وسجد يحيى وهو في بطن امه لعيسى بن مريم فذلك كان اول تصديقه له فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحسن والحسين عليهما السلام انهما سيدا شباب أهل الجنة الا ما كان من ابني الخالة عيسى ويحيى .