مُعاويَة بن أبي سُفْيان من بني أُميّة،وبنو أُميّة قبيلة من قُريْش عُرفت على وجه الخصوص بعداوتها لبني هاشم قبيلة النّبيّ صلى الله عليه وآله .وقد وردت أحاديث في مُستَدرك الحاكم وتفْسير القُرْطبيّ وكتاب الفتن[1] تفيد أنّهم لم يكونوا يستثنون النّبيّ صلى الله عليه وآله من تلك العداوة. قال ابن أبي الحديد[2]:وبنوأُميّة صنفان:الأعياص
والعنابس فالأعياصُ،العاص وأبوالعاص والعيص وأبوالعيص.والعنابِس:حرب،وأبوحرب،وسُفْيان،وأبوسُفْيان.فبنو مَرْوان وعثمانُ من الأعياص،ومُعاويَة وابنُه من العنابس،ولكلّ واحد من الصّنفين المذكورين وشيعتهم كلامٌ طويلٌ واختلافٌ شديدٌ،في تفضيل بعضهم على بعض .اهـ
وفي لسان العرب[3]:والعنابس من قُريْش أولاد أُميّة بن عبد شمس الأكبر وهم ستّة حَرْب وأبو حَرْب وسُفْيان وأبو سُفْيان وعمْرو وأبو عمْرو وسُمُّوا بالأسد
والباقون يقال لهم الأعياص.اهـ
وقد جاء في وصف أُميّة[4]جدّ القبيلة أقوالٌ منْ بيْنها أنّه كان صاحب عهار وفُجور،وأنّه كان فيه نَكد. قال ابن أبي الحديد في شرح النهج(ج3 ص467):إنّ
عثمان بن عفان تمنّى رجُلاً يُحدّثه عن المُلوك وعمّا مضى فذُكر له رجلٌ بحضْرموْت،فأحْضرهُ وكان له مَعهُ حديثٌ طويلٌ كان منْه أنْ سألَه:أرأيتَ عبدَ المطّلب؟فقال:نعم رأيْتُ رجلاً قعداً أبيضَ طويلاً مقرونَ الحاجبين بين عيْنيْه غُرّة يقال إنّ فيها بركةً،وإنّ فيه بَرَكَةً،قال:أفرأيْتَ أُميّة؟قال:نعمْ رأيْت رجلاًآدمَ دَميماً قصيراً أعْمى يُقال إنّه نكِدٌ ـوإنّ فيه نكَداًـ فقال عثمانُ: يكْفيك منْ شرّسماعُه،وأمرَ بإخْراج الرّجُل.اهـ
والإنْصافُ يقْتضي أنْ نتساءل عنْ مدى شرْعية تصرّف عثمان ههنا،فإنّه يُخالف ماعليْه الأدْيانُ والأعْرافُ والثّقافات ممّا ينْبغي أنْ يُعامَل به الضّيْفُ.فالحضْرميّ شيْخ كبيرٌلم يأْتِِ من تلْقاء نفْسه وإنّما أحْضرهُ الخليفةُ عُثمان منْ حضْرموْت ،وحضْرموْتُ باليَمَن، وقطعُ مثْلِ تلْك المسافةِ ليْس بالشيْء اليسيرعلى شيْخ كبيروفي مثْل مناخ الحجاز واليَمَنِ.و لعلّ الشيْخ اعْتبرهذه الدّعْوة شرفاً أدْركَهُ في آخرعُمره إذْ ليْس كلّ واحد في اليَمَن يحْظى بأنْ يُوَجّهَ إليْه الخليفةُ دَعْوةً.
تُرى أكان عُثْمانُ يأْمرُ بإخْراج الرّجل لو أنّه حرّف وزخْرف في وصْف أُميّة وادّعى له من الأوْصاف ما يدّعيه المتملّقُون ؟!
وفي تاريخ مدينة دمشق[5]:قال أبو حاتم قال ابْنُ الكلْبيّ سمعْتُ أبي يقولُ أدرك ثوب بن تلدةَ[6] مُعاويَة فدخل عليه فقال له:ما أدركت وكمْ عُمرك قال:لا أدري
إلاأنّي أدركت بني والبةَ ثلاثَ مرّات يُريد أفْنيت ثلاثةَ قُرون قال:فكيْف بصرُك اليوْم قال:أحدّ ما كان قطّ كنتُ،أرى الشّخْص واحداً فأنا أراه اليوْم شخْصيْن قال:فكيف مشيُك قال أمْشى ما كنْت قطّ،كنْت أمْشي تائداً فأنا اليوْم أُهرولُ هرْولةً.فقال:أدركْت أُميّة بنَ عبْد شمْس؟ قال:نعمْ،وهوأعْمى وعبدٌ له يقُوده.قال له مُعاويَة:كُفّ فقدْ جاء غيرُما ذكرْتَ!ثمّ قال مُعاويَة:ليس في البيْت إلاّ أمويّ فأنظرْ أيّ هؤلاء أشْبه بأُميّة.قال:هذا لِعمْروبن سعيد بن العاص وهو عمْروالأشْدق وقيل له الأشْدق لأنّه كان خطيباً مفلقا.اهـ [7]
وقد سبق كلامُ الرّجل الّذي قال لعثْمان ما قال بخُصوص أُميّة،والعبارتان تتّفقان على أنّ أُميّة كان أعْمى.والمتمعّنُ في القصّتيْن يجدُ موْقفَ الخليفة عثْمانَ وموْقفَ مُعاويَة مُتشابهيْن مُتناغميْن.
وعلى فرْض أنّ أُميّة لمْ يكُنْ أعْمى فيه نَكد،وعلى فرْض أنّهُ كان في جمال يوسف عليه السلام،فهل ينفعُه ذلك وهو صاحب عهاروفجُور؟ثمّ إنّ المرء لا يُعاب بالعمى إذْليس العمى بنفسه عيْباقادحاً في المُروءة،وقد عَميَ جماعةٌ من الصّحابة والتّابعين[8]،وإنّما يظْهرالنّقْص إذا انْضمّ إلى العمى سفاسفُ الأخْلاق وماتشْمئزّمنْه
النّفوس،فيجْتمع العَمَيَان عمَى الظّاهروعمى البَاطن. ولماذا ينْزعج عثمانُ ومُعاويَة منْ عمى أُميّة والحالُ أنّ لدى الجمْهور رواياتٍ تُشيرإلى أنّ من الأنْبياء مَنْ كان فاقداً للبصر!
على كلّ حال، ليس في كُتب التّاريخ والأدب والتّراجم ما يُشيرإلى فضائلَ تحلّى بها أُميّة،ولم تنْفع الأمْوالُ العريضةُ في اخْتلاق شيءٍ مِنْ ذلك ونشْرِه،ولا يمْلك العاقلُ المُنْصف إلاّ أنْ يضعَ أُميّة حيْثُ وضعَ نفسَهُ . وقد جرت العادة عند العرب أنهّم يفتخرون بمآثر آبائهم وأجدادهم،ويعتبرونها رصيداً مهمّا في سجلّ الشّرف يتوارثونه جيلاً بعد جيل،وليس في آباء النّبيّ صلى الله عليه وآله إلاّ من هو فخرٌلا يُضاهى،وعزّ لا يتناهى،أقرّلهم بالفضل موالف ومخالف،وإنّما لا أبسط القول في ذلك لأنّ الموضوع يتعلّق بمُعاويَة وبني أُميّة.
وقد ذكر المؤرخون والأدباء من أخبار أمية وأوصافه ما تمجّه الأسماع،وأعرضت عن إيراد ذلك لأنّه لا يصحّ محاكمة بني أميّة بما كان في الجاهلية،وإن كان فيه ما يُعين على تشخيص ما يندرج تحت مقولة العرق الدّسّاس؛وأمّا مايستوي في الموقف منه المسلمُ والكافر فلا أرى حَرَجاً في ذكره.
1- بنو أُميّة في القرآن الكريم
في تفْسير القُرْطبيّ (ج 10 ص 282/283):
وقال في رواية ثالثة إنّه عليه السلام رأى في المنام بني مَرْوان ينْزون على منْبره نزْو القِرَدَةِ فساءَه ذلك فقيل إنّما هي الدّنْيا أعْطُوها فسُريَ عنْه وما كان له بمكّة منْبرٌ ولكنّه يجوزأنْ يرى بمكّة رؤيا المنْبر بالمدينة.وهذا التّأويل الثّالث قاله أيْضا سهْل بْن سعْد رضي الله عنْه قال سهْل إنّماهذه الرّؤْيا هي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم كان يرى بني أُميّة ينْزون على منْبره نزْوَالْقِرَدَةِ فاغْتمّ لذلك ومااستجْمع ضاحكاً منْ يوْمئذ حتّى مات صلّى اللّه عليْه وسلّم،فنزلتْ هذه الآية مُخْبرةً أنّ ذلك منْ تملّكِهمْ وصُعودِهمْ يجْعلها الله فتْنةً للنّاس وامْتحاناً.
وفي الدّرّ المَنثُر(ج5ص310):وأخْرج ابْن مرْدوَيْه عن الحسيْن بن عليّ رضي الله عنْهما أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم أصْبح وهو مهْموم فقيلَ مالكَ يارسول الله فقال إنّي رأيْت في المنام كأنّ بني أُميّة يتعاوَرُون منْبري هذا فقيل يارسول الله لا تهتمّ فإنّها دنْيا تنالهمْ فأنْزل الله وما جعلْنا الرّؤْيا التي أريْناك إلاّ فتنةً للنّاس.وأخْرج ابْن أبي حاتم وابْن مرْدوَيْه والبيْهقيّ في الدّلائل وابْن عساكرعن سعيد بْن المُسيّب رضي الله عنْه قال رأى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بني أُميّة على الْمنابرفساءَه ذلك فأوْحى الله إليْه إنّماهي دنْيا أُعْطوها فقرّت عيْنه وهي قوْله وما جعَلْنا الرّؤيا التي أريْناك إلاّ فتْنةً للنّاس يعْني بلاءً للنّاس..اهـ .
وحديثُ رُؤْيا النّبيّ( ص)بني أُميّة ينْزون على منْبره مذْكُورفي شُعب الإيمان (ج3ص324)عن يوسف بن مازن الرّاسبيّ .
وفي تفْسيرالقُرْطبيّ(ج11 ص351):ورُويَ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم رأى بني أُميّة في منامه يَلُونَ النّاس فخرج الحَكَمُ منْ عنْده فأخْبربني أُميّة بذلك فقالوا له:ارْجع فسلْه متى يكون ذلك فأنزل الله تعالى وإنْ أدْري أقريبٌ أمْ بعيدٌ ما تُوعدُون وإنْ أدْري لعلّه فتْنة لكمْ ومتاعٌ إلى حين يقول لنبيّه عليه السلام قُلْ لهُم ذلك.
وقال ابْن كثيرفي تفْسيره عنْد ذكْرالآية منْ سورة القدر (ج4 ص530): قال أبوعيسى التّرمذيّ عنْد تفْسيرهذه الآية حدّثنا محمود... عنْ يوسف بن سعْد قال قام رجل إلى الحسن بْن عليّ بعْدما بايعَ مُعاويَة فقال سوّدْتَ وُجوه الْمُؤْمنين أوْيا مُسوّدَ وُجوه المؤمنين فقال لا تؤَنّبْني رَحمَك الله فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم أُرِيَ بني أُميّة على منْبره فساءَهُ ذلك فنزلتْ إنّاأعْطيْناك الكوْثر يا مُحمّد يعْني نهْراً في الجنّة ونزلتْ إنا أنزلْناه في ليْلة القدْروما أدْراك ما ليْلة القدْر ليلةُ القدْرخيْرمنْ ألْف شهْر يمْلكُها بعْدك بنُو أُميّة.اهـ
أقول:وقد تعقّب ابْن كثيرهذا بكلام جرى فيه على عادته في الدّفاع عن بني أُميّة، وتلْك شنْشنة أعْرفها من أخْزم.[9]والدّليل على بطلان كلام ابْن كثيرروايةُ
الحاكم للقصّة في المُسْتَدْرك (ج3ص186)وقوله بعد ذلك"هذا إسْناد صحيح "!وأمّا ما زعمُوه منْ وجوب تصْحيح الذّهبيّ لما يرّويه الحاكم فتحكّم ما أنزل الله به من سلطان .
ولم يخْتلف المفسّرون في أنّ سورة "المسد " نزلت في حقّ أبي لهب وزوْجته.وأرباب السّيَروالتّراجم متّفقون أنّ زوْجة أبي لهب حمّالة الحطب هي أمّ جميل بنت حرْب بن أُميّة،أخْت أبي سُفْيان،وهي عمّة مُعاويَة بن أبي سُفْيان.وقد كان حنقها على النّبيّ صلى الله عليه وآله من شدّته لا يكاد يُُوصَف،حتّى إنّها كانتْ تسمّي النّبيّ صلى الله عليه وآله مُذمّما!!قال السّيوطيّ[10]:امْرأته امْرأة أبي لهب أمّ جميل العوْراء بنْت حرب بن أُميّة.وقال البغويّ في تفْسيره[11]:وامْرأتُه أمّ جميل بنْت حرْب بن
أُميّة أخْت أبي سُفْيان حمّالة الحطب قال زيْد والضّحّاك كانتْ تحْمل الشّوْك والعضاه فتطْرحه في طريق النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وأصْحابه لتعْقرهم وهي رواية عطيّة عن ابْن عبّاس وقال قتادة ومجاهد والسّديّ كانت تمْشي بالنّميمة وتنْقل الحديث فتلْقي العداوة بيْن النّاس وتوقد نارها كما توقد النّارالحطب يقال فلان يحْطب على فلان إذا كان يُغْري به وقال سعيد بْن جُبيْر حمّالة الخطايا دليله قوله وهم يحْملُون أوْزارهم على ظهورهم.وقال الشوكاني في الفتح[12]:وقد ذهب جمهورالمُفسّرين إلى
أنّهم كفار مكّة وأنّ الآية [ألم ترإلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار..الآية] نزلتْ فيهم وقيل نزلت فى الذين قاتلوا النّبيّ صلى الله عليه و آلهوسلم يوْم بدْر، وقيل نزلتْ فى بطْنين منْ بُطون قُريْش بني مخْزوم وبني أُميّة.اهـ
وفي فتح القدير أيضاً [13]: وأخرج البخاريّ فى تاريخه وابن جرير وابنُ المنْذر وابْن مرْدوَيْه عنْ عمر بْن الخطّاب فى قوْله ألمْ تر إلى الذين بدّلوا نعْمة الله
كفْراً قال هُما الأفْجرَان منْ قُريْش بنو المغيرة وبنوأُميّة فأمّا بنو المغيرة فكُفيتُمُوهمْ يوْم بدر وأمّا بنو أُميّة فمُتّعوا إلى حين. وأخْرج ابنُ مرْدوَيْه عن ابْن عبّاس عنْ عمر نحْوَه .وأخرح ابنُ جريروابْنُ المنْذروابْن أبى حاتم والطّبرانيّ فى الأوْسط والحاكم وصحّحه وابْن مرْدوَيْه منْ طرق عنْ عليّ فى الآية نحوَه أيضا. وأخرج عبد الرّزاقوالفريابيّ والنّسائيّ وابْن جرير وابْن أبى حاتم وابْن الأنْباريّ والحاكم وصحّحه وابن مرْدوَيْه والبيْهقيّ عن أبي الطّفيل أنّ ابن الكوّاء سأل عليّاً عن الذين بدّلوا نعْمة الله كُفْراً قال هو الفجّار من قُريْش كُفيتَهُم يوْم بدْر.اهـ
والعجبُ من البُخاريّ يرْويه في تاريخه ولايرويه في صحيحه،ولعلّ القارئ يتصوّرأنّ شرْط الصّحيح لمْ يتوفرفيه،والأمْرُخلافُ ذلك ،فقد اسْتدْركه عليْه الحاكم ضمن عدد هائل من الأحاديث؛ففي المُستَدرك [14]:حدّثنا أبوالعبّاس محمّد … عن عمرو ذي مرّ عن عليّ رضي الله عنْه ثمّ في قوله عزّوجلّ وأحلّوا قومهم دارالبوارقال
هم الأفْجران منْ قُريْش بنو أُميّة وبنو المغيرة. فأمّا بنوالمغيرة فقدْ قطع الله دابرَهم يوْم بدْروأمّا بنوأُميّة فمُتّعوا إلى حين.هذا حديث صحيح الإسْناد ولمْ يُخْرجاه .اهـ
وفي زاد المسير[15]:فأمّا الأحْزابُ فهُم الكفّارالذين تحزّبوا على النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بالمُعاداة وفيهم أرْبعة أقْوال أحدُها أنّهم اليهُود والنّصارى قاله قتادة والثّاني
أنّهم اليهود والنّصارى والمجوس قاله ابن زيد والثالث بنو أُميّة وبنو المغيرة وآل أبي طلحة بن عبد العزّى قاله مقاتل والرّابع كُفّار قُريْش ذكره الماورديّ. اهـ
وقال السيوطي [16]: وأخْرج ابْن مرْدوَيْه والبيْهقيّ في الدّلائل منْ وجْه آخرَ عنْ أسْماء بنْت أبي بكْر رضي الله عنْهما أنّ أمّ جميل دخلتْ على أبي بكْر وعنْده النّبيّ
صلّى اللّه عليْه وسلّم فقالت ياابْن أبي قحافة ما شأْن صاحبك ينْشد فيّ الشِّعْرفقال والله ما صاحبي بِشاعرٍ وما يدْري ما الشّعْر فقالتْ أليْس قد قال في جيدها حبْل من مسد فما يُدْريه ما في جيدي؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم قل لها هل تريْن عندي أحداً فإنّها لنْ تراني جعل بيْني وبيْنها حجاباً.فقال لها أبو بكْررضي الله عنْه فقالتْ أتهْزأ بي والله ما أرى عنْدك أحداً.وأخْرج ابن مرْدوَيْه عن أبي بْكر الصّدّيق رضي الله عنْه قال كنْت جالساً عنْد المقام والنّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم في ظلّ الكعْبة بيْن يديّ إذْ جاءت أمّ جميل بنْت حرْب بْن أُميّة زوْجة أبي لهب ومعها فهْران[17] فقالت أيْن الذي هجاني وهجا زوْجي والله لئنْ رأيْته لأرُضّن أنْثييْه بهذيْن الفهْريْن وذلك عنْد نزول تبّتْ يدا أبي
لهب قال أبوبكْر رضي الله عنه فقلْت لها ياأمّ جميل ما هجاك ولا هجا زوْجك.قالت والله ما أنْت بكذّاب وإنّ النّاس ليقولون ذلك ثمّ ولّتْ ذاهبة فقلْت يارسول الله إنّها لمْ تَرَك فقال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم حال بيْني وبيْنها جبْريل.وأخْرج ابْن أبي شيْبة والدّارقطْنيّ في الأفْراد وأبو نعيم في الدّلائل عن ابْن عبّاس رضي الله عنْهما قال لمّا نزلتْ تبّتْ يدا أبي لهب جاءت امْرأة أبي لهب فقال أبو بكْر رضي الله عنْه يا رسول الله لو تنحّيْت عنْها فإنّها امْرأة بذيّة فقال إنّه سيُحَالُ بيْني وبيْنها فلا تراني فقالت يا أبا بكرهجانا صاحبك.اهـ
وقال ابن كثير[18]: وامْرأته حمّالة الحطب وكانتْ زوْجته من سادات نساء قُريْش وهي أم ّجميل واسْمها أروى بنت حرب بن أُميّة،وهي أخت أبي سُفْيان
وكانتْ عوْنا لزوْجها على كفْره وجُحوده وعناده،فلهذا تكُون يوم القيامة عوْناً عليْه في عذابه في نارجهنّم ولهذا قال تعالى حمّالة الحطب في جيدها حبْل من مسد يعني تحْمل الحطب فتلْقى على زوْجها ليزْداد على ماهو فيه وهي مهيّأةٌ لذلك مُستعدّة له.وقال السيوطي:[19]وأخرج ابْن جريرعن سهْل بن سعْد رضي الله عنْه قال رأى
النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بني فلان [20]ينْزون على مْنبره نزوَ القردة فساءه ذلك فما استجْمع ضاحكاً حتّى مات وأنْزل الله وما جعلْنا الرّؤيا التي أريْناك إلاّ فتْنة
للنّاس.وأخْرج ابْن أبي حاتم عن ابْن عُمر رضي الله عنْهما أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم قال رأيْت ولد الحكَم بْن أبي العاص على المَنابر كأنّهم القردة وأنْزل الله في ذلك وما جعْلنا الرؤْيا التي أريْناك إلاّ فتنة للنّاس والشّجرة الملْعُونة يعني الحكَم وولدَه.وأخْرج ابْن أبي حاتم عن يعلى بن مرّة عنْ علي رضي الله عنْه قال قال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم أُريتُ بني أُميّة على منابر الأرْض وسيتملّكونكم فتجدُونَهم أرْبابَ سوء.واهْتمّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم لذلك فأنْزل الله وما جعلْنا الرّؤْيا التي أريْناك إلاّ فت ْنةً للنّاس .وأخْرج التّرمذيّ والحاكم عن الحسن بْن عليّ أنّ النّبيّ رأى بني أُميّة على منْبره فساءه ذلك فنزلتْ إنّا أعْطيْناك الكوْثر ونزلتْ إنّا أنْزلْناهُ في ليْلة القدْر..الحديث.لكنّ المزّيّ يقول:هو حديث مُنْكر،ولاعجب منْ قوْل المزّيّ[21]وغيره من الشاميّين،فكم من حديث صحيح عدّوه في الموضوعات وكم من حديث موضوع أحاطوه بهالة
من الّتقْديس.
قال البيْضاويّ [22]:والله سريع الحساب لا يشغله حساب عن حساب رُوي أنّها نزلتْ في عتْبة بْن ربيعةَ بْن أُميّة تَعبَّدَ في الجاهليّة والْتمَس الدّين فلمّا جاء
الإسْلام كَفَر.وفي تفْسير الطّبريّ[23]: …عن ابْن عبّاس قال كان أُبيّ بْن خَلَف يحْضر النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فزَجَرهُ عُقْبة بْن أبي معيط فنزل ويوْم يعضّ الظّالم
على يديْه يقولُ ياليْتني اتّخذْتُ مع الرّسول سبيلاً إلى قوله خذولاً قال " الظّالمُ " عقْبة و" فُلاناً خليلاً " أبيّ بْن خَلَف. حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا جرير عن الشَّعبيّ في قوله ليْتني لمْ أتّخذْ فلاناً خليلاً قال كان عقْبة بْن أبي معيط خليلاً لأُميّة بْن خَلَف فأسْلم عقْبة فقال أُميّة وجْهي منْ وجْهك حرام إنْ تابعْتَ محمّداً فكفروهو الذي قال ليْتني لمْ أتّخذْ فلاناً خليلاً.حدّثنا الحسنُ قال أخبرَناعبد الرّزاققال أخبرَنا معمر عنْ قتادةَ وعثْمان الجزريّ عنْ مقسم في قوْله ويوْم يعضّ الظّالم على يديْه يقُول يا ليْتني اتّخذْت مع الرّسول سبيلاً قال اجْتمع عقْبة بْن أبي معيط وأُبيُّ بْن خَلَف وكانا خليليْن فقال أحدُهما لصاحبه بلغَني أنّك أتيْتَ محمّداً فاستمعْتَ منْه والله لا أرْضَى عنْك حتّى تتفُل في وجْهه وتكذّبه فلمْ يسلّطْه الله على ذلك فقُتل عقْبة يوْم بدْرصبراً،وأمّا أُبيُّ بْن خّلف فقتله النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بيدِه يوْم أُحُد في القتال وهُما اللّذان أنْزلَ اللهُ فيهِما ويوْم يعضُّ الظّالمُ على يديْه يقولُ يا ليْتني اتّخذْت مع الرّسول سبيلاً.والقصّة مذْكورة في زاد المَسِيرج6ص86.وقال القرطبي في قوله تعالى"وإذا دُعُوا إلى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ َبيْنَهُمْ..."[24]:وقيلَ نزلتْ في المُغيرة بْن وَائل منْ بني أُميّة كان بيْنه وبيْن عليّ بْن أبي طالب خُصومةٌ في ماء وأرْض
فامْتنع المُغيرةُ أنْ يحاكمَ عليّاً إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وقال إنّه يبْغضُني فنزلتْ الآية ،وذَكَرهُ الماورْديّ وقال ليحْكُم ولمْ يقُلْ ليحْكُما لأنّ المعْنىَّ به الرسولُ صلّى اللّه عليْه وسلّم وإنّما بدأ بذكْر الله إعْظاماً لله واستفتاحَ كَلاَمٍ.
وقالَ في تفْسير قوْله تعالى " ويوْم يعض ّ الظّالم على يديْه....":قوْله تعالى ويوْم يعضّ الظّالم على يديّه الماضي عَضَضْت وحَكَى الكسائيّ عضضْت بفتْح الضّاد الأولى وجاء التوْقيف على أهْل التفْسيرمنْهم ابْن عبّاس وسعيد بْن المُسيّب أنّ الظّالم ها هُنا يُراد به عُقْبة بْن أبي معيط وأنّ خليلَه أُميّة بْن خَلَف فعُقبة قَتَلَهُ عليّ بْن أبي طالب رضيَ الله عنْه وذلك أنّه كان في الأُسارى يوْم بدْر فأمَرَ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بقتْله فقال أأُقْتَلُ دُونَهُم فقال نعمْ بكُفْرك وعُتُوّك فقال مَنْ للصّبْيةِ فقال النّارفقام عليّ رضيّ الله عنْه فَقَتله وأُميّة قَتلَهُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فكانَ هذا منْ دَلائِل نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم لأنّهُ خبّر عنْهُما بهذا فقُتلا على الكُفْرولمْ يُسمّيا في الآية لأنّه أبْلغ في الفائدة ليُعْلم أنّ هذا سبيلُ كلّ ظالم قَبِلَ منْ غيْره في معْصية الله عزّ وجلّ قال ابْن عبّاس وقتادة وغيْرُهما وكان عُقْبة قدْ همّ بالإسْلام فمَنعَهُ منْه أُبيُّ بْن خَلَف وكانا خدنيْن وأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم قتَلهُما جميعاً قتلَ عُقْبَةَ يوْم بدْر صبْراً وأُبيّ بْن خَلَف في المُبارزة يوْم أُحُد ذكَرهُ القُشيْريُّ والثّعلبيّ والأوّل ذَكَره النَّحّاسُ وقال السُّهيْليّ ويوْم يعضّ الظّالم على يديْه هو عُقْبة بْن أبي معيط وكانَ صديقاً لأُميّة بْن خَلَف الجُمَحي ويرْوى لأُبيّ بْن خَلَف أخي أُميّة وكان قدْ صنع وليمةً فدعا إليْها قُريْشاً ودعَا النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فأبى أنْ يأْتيَه إلاّ أنْ يُسْلمَ وكَرِهَ عُقْبة أنْ يتأخّرعنْ طَعامِه مِنْ أشْراف قُريْش أَحدٌ فأسْلم ونَطَق بالشّهادتيْن فأتاهُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وأكلَ منْ طعامِه فعاتَبَه خَليلُه أُميّة بْن خَلَف أوأُبيّ بْن خَلف وكان غائباً فقال عُقْبة رأيْتُ عظيماً ألاّ يحضُر طعامي رجلٌ منْ أشْراف قُريْش فقال له خَلِيلُه لا أرْضى حتّى تَرْجعَ وتَبْصقَ في وجْهه وتَطأَ عُنُقَه وتقولَ كيْت وكيْت فَفَعلَ عدوّ الله ما أمَرَهُ به خَليلُه فأنْزل اللهُ عزّ وجلّ ويوْم يعضّ الظّالم على يديّه.اهـ
وروى مثْله البغويّ في تفْسيره ج3ص 367 .
وفي تفْسيرابْن كثيرعنْد قوله تعالى "ألمْ تَرَإلى الذينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْراً وأحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَالبَوارِ..":قال البُخاريّ قوْله ألمْ ترَإلى الذين بدّلُوا نِعْمةَ الله كُفْراً ألمْ تعْلمْ كقوْلِهِ ألمْ ترَ كيْفَ ألمْ ترإلى الذين خرجُوا البوارُالهلاكُ بارَ يبُورُبوْراً وقوماً بُوراً هَالِكِينَ حدّثنا عليّ بْن عبْد الله حدّثنا سُفْيان عن عمْرو عن عطاء سمع ابْن عبّاس ألمْ ترّ إلى الذين بدّلوا نِعْمةَ الله كُفْراً قال هم كُفّارأهْل مكّة وقال العَوْفيّ عن ابْن عبّاس في هذه الآية هو جبلَةُ بْن الأيْهم والذين اتّبعوه من العرب فلحقُوا بالرّوم[25]
والمشهورُ الصّحيح عن ابْن عبّاس هو القوْل الأوّل وإنْ كان المعْنى يعمّ جميعَ الكُفّار فإنّ الله تعالى بَعثَ محمّداً صلّى اللّه عليْه وسلّم رحْمةً للعالَمين ونعْمةً للنّاس فمَنْ قَبِلَها وقامَ بشُكْرِها دخَل الجنّةَ ومَنْ ردّها وكَفَرَهَا دخَل النّار.وقدْ رُويَ عنْ علِيٍّ نحْوُ قوْل ابْن عبّاس الأوّل وقال ابْن أبي حاتم حدّثَنا أبي... أبي الطُّفيْل أنّ ابْن الكوّاء سأل عليّاً عن الذين بدّلُوا نعْمة الله كُفْراً وأحلّوا قوْمهم دارَالبوَارقال هُم كُفّار قُريْش يوْم بدْر.حدّثنا المُنْذر بْن شاذان ...عن أبي الطّفيْل قال جاء رجل إلى عليّ فقال يا أميرَ المؤْمنين من الذين بدّلوا نعْمة الله كُفْراً وأحلّوا قوْمهُم دارَ البوَار قال مُنافقو قُريْش وقال ابْن أبي حاتم حدّثَنا أبي حدّثَنا ابْن نُفَيْل قال قرأْت على معقل عن ابْن أبي حُسين قال قام عليّ بْن أبي طالب رضي الله عنْه فقال ألا أحدٌ يسْألُني عن القرْآن فوالله لوْ أعْلمُ اليوْم أحداً أعْلم به منّي وإنْ كان منْ وراء البحارلأتيْته فقام عبْد الله بْن الكوّاء فقال من الذين بدّلوا نعْمة الله كُفْراً وأحلّوا قوْمهُم دار البوار قال مُشْركو قُريْش أتتْهم نعْمة الله فبدّلوا نعْمة الله كُفْراً وأحلّوا قوْمهم دارَ البَوار وقال السديّ في قوْله ألمْ تر إلى الذين بدّلوا نعْمة الله كُفْراً الآية ذكر مُسلم المُسْتوْفي عن عليّ أنّه قال هم الأفْجَرانِ منْ قُريْش بنُو أُميّة وبنو المُغيرة فأمّا بنو المغيرة فأحلّوا قوْمهم دارالبوار يوْم بدْر وأمّا بنُو أُميّة فأحلّوا قوْمهم دار البوار يوْم أُحُد وكان أبو جهْل يوْم بدْر وأبو سُفْيان يوْم أُحُد وأمّا دار البوار فهي جهنّم وقال ابْن أبي حاتم رَحِمَهُ الله حدّثنا محمّد بْن يحْيى .. عنْ عمْرو بْن مرّة قال سمعْت عليّاً قرأ هذه الآية وأحلُّوا قوْمهم دارَالبَوارقال هم الأفْجران منْ قُريْش بنُو أُميّة وبنو المُغيرة فأمّا بنوالمغيرة فأُهْلكوا يوْم بدْر وأمّا بنو أُميّة فمُتّعوا إلى حين ورواه أبو إسْحاق عنْ عمْرو ذي مرعن عليّ نحْوه ورُوي منْ غيْر وجْه عنْه وقال سُفْيان الثوْريّ عنْ عليّ بْن زيْد عنْ يوسُف بْن سعْد عنْ عُمر بْن الخطّاب في قوْله ألمْ ترإلى الذين بدّلوا نعْمة الله كفراً قال هم الأفْجران منْ قُريْش بنو المُغيرة وبنوأُميّة فأمّا بنو المُغيرة فكُفيتُموهم يوْم بدْروأمّا بنوأُميّة فمُتّعوا إلى حين.وكذا رواه حمْزة الزّيّات عنْ عمْرو بْن مرّة قال قال ابْن عبّاس لعمربن الخطّاب يا أميرالمؤْمنين هذه الآية ألمْ تر إلى الذين بدّلوا نعْمة الله كفْراً وأحلّوا قوْمهم دارالبوارقال هم الأفْجران منْ قُريْش أخْوالي وأعْمامك فأمّا أخوالي فاستأصلهم الله يوْم بدْروأمّا أعْمامك فأمْلى الله لهُم إلى حين .اهـ
وفي زاد المسير[26]:قوله تعالى ألمْ تر إلى الذين بدّلوا نعْمة الله كفْراً في المُشارإليْهم سبْعة أقْوال أحدها أنّهم الأفْجران منْ قُريْش بنو أُميّة وبنو المغيرة روي
عنْ عُمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب والثاني أنّهم منافقو قُريْش رواه أبو الطّفيل عنْ عليّ والثالث بنو أُميّة وبنوالمغيرة ورؤساء أهْل بدْر الذين ساقوا أهْل بدْر إلى بدْر رواه أبو صالح عن ابن عبّاس.والرّابع أهْل مكّة رواه عطاء عن ابْن عبّاس وبه قال الضّحّاك والخامس المشْركُون منْ أهْل بدْر قاله مجاهد وابْن زيْد.والسّادس أنّهم الذين قتلوا ببدْرمنْ كفّار قُريْش قاله سعيد بْن جُبيروأبو مالك.والسّابع أنّها عامّة في جميع المُشْركين قاله الحسن.اهـ
وفي تفْسير الطّبريّ[27]: وقيل إنّ الذين بدّلوا نعْمة الله كُفْراً بنو أُميّة وبنو مخْزوم ذِكْرُ مَنْ قال ذلك: حدّثنا ابْنُ بشّار وأحْمد بن إسْحاق قالا حدّثنا أبو أحمد قال
حدّثنا سُفْيان عن علي بن زيْد عنْ يوسُف بْن سعْد عنْ عُمَر بْن الخطّاب في قوْله ألمْ تَرَ إلى الذين بدّلوا نعْمة الله كُفْراً وأحلّوا قوْمهُم دار البوار جهنّم قال هُما الأفْجران منْ قُريْش بنو المُغيرة وبنُو أُميّة فأمّا بنو المغيرة فكُفيتُموهم يوْم بدْر وأمّا بنو أُميّة فمُتّعوا إلى حين. اهـ
وروى مثله في ص220 و ص222.
وقال السّيوطيّ في الدّرّ المَنثُر ج 5ص 41 : وأخْرج البُخاريّ في تاريخه وابْن جرير وابْن المنْذر وابْن مرْدوَيْه عنْ عُمَر بْن الخطّاب رضي الله عنْه في قوْله ألمْ تَرَ إلى الذين بدّلوا نعْمة الله كُفراً قال هُما الأفْجران منْ قُريْش بنو المغيرة وبنو أُميّة فأمّا بنو المغيرة فكُفيتُموهم يوْم بدْر وأمّا بنو أُميّة فمُتّعوا إلى حين .اهـ وفيه ج 5 ص 42 :
وأخرج ابن مرْدوَيْه عن عليّ رض ي الله عنه أنّه سُئل عن الذين بدّلوا نعْمة الله كُفراً قال بنو أُميّة وبنو مخزوم رهْط أبي جهْل .اهـ
***
هذا تعبيرورد في القرآن الكريم،وذكرأكثرالمفسّرين أنّ المقصود به بنو أميّة،والذين ذكروا ذلك غيرُ متّهمين على بني أميّة إذْ ليس فيهم من يُنسب إلى التّسيّع،وقد جرت العادة لدى المفسّرين أنْ يذْكروا أكثرمن قول ليرجّحوا واحداً في آخرالأمرأويتْركوا الاخْتيارللقارئ،لذلك تراهم في تفْسيرهم للآية ذكروا أيْضاً أشجاراً احتملوا أنْ تكون مقصودةً باللّعن ، ولا أدْري ما ذنْب شجرةٍ لم تَخْلُقْ نفْسَها ولمْ تخْترلوْنَها ولامكانَها ، ولم تُكلّفْ ولم تخالف التكْليف ـ لا أدري ـ ما ذنبها حتّى تُلعن ؛ واللْعْن هو الطّرْد والإبْعاد من رحْمة الله ولا يكون إلاّ باستحْقاق ! وبناءً على القوْل الذي يُشير إلى بني أميّة يكونُ أخْذُ الحيطة والحَذر منْهم أمراً مطلوباً لأنّه لا يُرْجى من الملْعون خيْر.وإليْك بعضَ ما قاله المفسّرون :
قال الشوكاني[28]:وقيل إنّ الشجرة الملْعونة هى الشّجرة التى تلْتوى على الشّجر فتقْتلها وهى شجرة الكشوث وقيل هى الشّيطان وقيل اليهود وقيل بنوأُميّة
.ونخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طُغيانا كبيراً أىْ نخوّفهم بالآيات فما يزيدهم التّخويفُ إلا طُغْياناً متجاوزا للحدّ متمادياً غايةَ التّمادي..اهـ
وقال السيوطي[29]:أخْرج ابْن مرْدوَيْه عن عَائشَة رضي الله عنها أنّها قالتْ لمَرْوانَ بْن الحكَم سمعْتُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول لأبيك وجدّك إنّكم الشّجرة الملْعونة في
القرْآن.اهـ
وفي فتْح القدير[30]:أخْرج ابْن أبى حاتم عن ابْن عمرو أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال رأيْت ولدَ الحكَم بْن أبى العاص على المنابر كأنّهم القردةُ فأنْزل الله
وما جعلْنا الرؤيا التى أريْناك إلاّ فتْنةً للنّاس والشّجرة الملْعونة يعنى الحكَم وولدَه .اهـ
وقال ابن الجوزي[31]:وروى ابْنُ الأنْباريّ أنّ سعيد بْن المُسيّب قال رأى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم قوماً على منابر فشقّ ذلك عليْه وفيه نزل والشّجرة الملْعونة في القرْآن.
وفي الدّرّ[32]:وأخرج ابن مرْدوَيْه عن عليّ قال سورة محمّد آية فينا وآية في بني أُميّة.وفي تفْسير الصنعاني في حوار طويل بين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
وابن الكوّاء [33]: قال فمن الذين بدّلوا نعمة الله كُفراً وأحلوا قومهم دارالبوار قال الأفْجران من قُريْش بنو أُميّة وبنو مخزوم كفيتَهم يوْم بدْر.اهـ. وفي
تفْسيرالثّوريّ[34]: حدّثنا أبو حذيفة حدّثنا سفين عن أبي إسحق عن عمرو عن عليّ بن أبي طالب في قوله ألم ترإلى الذين بدّلوا نعمة الله كُفراً وأحلّوا قومهم
دارالبوارجهنّم قال هما الأفْجران من قُريْش بنو أُميّة وبنو المغيرة فأما بنو المغيرة فقطع الله أدْبارَهم وأمّا بنو أُميّة فمُتّعوا إلى حين.وفي تفْسيرأبي السّعود[35]:
وعنْ عمر وعليّ رضي الله عنْهما هم الأفْجران من قُريْش بنو المغيرة وبنوأُميّة أمّا بنو المغيرة فكُفيتُموهُم يوْم بدْر وأما بنو أُميّة فمُتّعوا إلى حين كأنّهما يتأوّلان ما سيتلى من قوْله عزّوجلّ قل تمتّعوا الآية.اهـ
وفي لباب النّقول[36]: أخْرج التّرمذي والحاكم وابن جرار عن الحسن بن عليّ قال إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم رأى بني أُميّة على منْبَره فساءه ذلك فنزلتْ إنّا
أعْطيْناك الكوْثر ونزلتْ إنا أنْزلْناه في ليْلة القدْر وما أدْراك ما ليْلة القدْر ليْلة القدْر خيْرمنْ ألْف شهْرتمْلكها بعْدك بنو أُميّة قال القاسم الحرّانيّ فعددْنا وإذا هي ألْف شهْر لا تزيد ولا تنْقص قال التّرمذيّ غريب وقال المزَنيّ وابْن كثير منْكرجدّاً.اهـ
أقول:ليْست هذه أوّلَ مرّة يقول فيها ابْن كثير "مُنْكَرٌ جدّاً " إذا تعلّق الأمْر بذَمّ بني أُميّة، لأن ابن كثير على أثَر شيخه ابن تَيْميَة،وابنُ تَيْميَة ردّ أحاديثَ صحيحةً لأنّها تَهدم مبانيه، ومن يشابه أبه فما ظلم!
وقال السيوطي [37]: أخرج الخطيب في تاريخه عن ابْن عبّاس قال رأى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بني أُميّة على منْبره فساءه ذلك فأوْحى الله إليْه إنْما هومُلْك
يُصيبُونه ونزلتْ إنّا أنْزلْناه في ليْلة القدْر وما أدْراك ما ليْلة القدْر ليْلة القدْرخيْرمنْ ألْف شهْر.وأخْرج الخطيب عن ابْن المُسيّب قال قال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم أُرِيتُ بني أُميّة يصْعدون منْبري فشقّ ذلك عليّ فأنْزل الله إنّا أنْزلناه في ليْلة القدر.وأخْرج التّرمذيّ وضعّفه وابنُ جريروالطبرانيّ وابْن مرْدوَيْه والبيْهقيّ في الدّلائل عن يوسف بْن مازن الرؤاسيّ قال قام رجلٌ إلى الحسن بْن عليّ بعد ما بايعَ مُعاويَةَ فقال سوّدْتَ وُجوهَ المُؤْمنين فقال لا تُؤنّبْني رحمَك الله فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم رأى بني أُميّة يخْطبون على منْبره فساءه ذلك فنزلتْ إنّا أعْطيْناك الكوْثر سورة الكوثر(الآية) يا محمّد يعني نهراً في الجنّة ونزلتْ إنّا أنْزلْناه في ليْلة القدْر وما أدْارك ما ليْلة القدر ليلْة القدْر خيْر منْ ألْف شهْر يملكها بعدك بنو أُميّة يا محمّد قال القاسم:فعددْنا فإذا هي ألْف شهْر لا تزيد يوْماً ولا تنْقص يوْماً.
وفي زاد المسير[38]:والثاني أنّه أري بني أُميّة على المنابر فساءَه ذلك فقيل له إنّها الدّنْيا يُعْطَوْنَهَا فَسريَ عنْه.وفي تفْسيرأبي السعود ج7ص31 عند قوله
تعالى"ووصّيْنا الإنسانَ بوالدَيْه حُسْناً...":والآية نزلت في سعْد بن أبي وقّاص رضى الله تعالى عنه عند إسلامه حيث حلفتْ أمّه حمْنة بنْت أبي سُفْيان بن أُميّة أنْ لا تنتقل من الضح الى الظّلّ ولا تطْعم ولا تشْرب حتّى يرتدّ فلبثتْ ثلاثة أيّام كذلك.اهـ
وفي تفْسيرالبغويّ[39]: وقال عمر بن الخطّاب هم الأفْجران منْ قُريْش بنو المغيرة وبنو أُميّة أما بنو المغيرة فكُفيتُمُوهم يوْم بدْر وأما بنو أُميّة فُمّتعُوا إلى حين
.وفيه أيضاً[40]:قال مقاتل نزلتْ هذه الآية [حتّى إذا جاءه لمْ يجدْه شيْئا ووجد الله عنْده فوفاه حسابه...الآية ] في عتّبة بْن رَبيعَة بن أُميّة كان يلْتمس الدّين في
الجاهليّة ويلْبس المسُوح فلمّا جاء الإسْلام كفر والأكْثرون على أنّه عامّ في جميع الكفّار.اهـ
وفي فتح القدير[41]: وأخْرج ابن أبي خثيمة وابْن عساكر عن الرّبيع بن أنس قال لما أسري بالنّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم رأى فلاناً وهو بعْض بني أُميّة على المنْبر
يخْطب الناس فشقّّ ذلك على النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فأنْزل الله وإن أدْري لعلّه فتْنة لكمْ ومتاع إلى حين يقول هذا المُلْك.
***
3- بنو أُميّة في الأحاديث والآثار:
قال المقريزي في كتاب " النزاع والتخاصم "[42]: وقد خرج الحاكم من حديث سُفْيان عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مر عن عليّ بن أبى طالب رضي الله عنه في
قوّله عز وجل:واحلّوا قومهم دارالبوارقال:هما الأفْجران من قُريْش بنوا أُميّة وبنو المغيرة ، فأمّا بنو المغيرة فقد قطع الله دابرهم يوْم بدْر،وأمّا بنو أُميّة فمُتّعوا إلى حين.قال الحاكم:هذا حديث صحيح.
أقول: الحديث في المُستَدرك ج2ص 383تحت رقم 3343 قال في ذيْله الحاكمُ :هذا حديث صحيح الإسناد ولمْ يخْرجاه!
وفي معجم الصحابة[43]::حدّثنا محمّد بن إسماعيل البندار... عن عبد الله بن بدر عن أبيه عن جدّه أنّ سالماً قال سمعت النّبيّ صلى الله عليه سلم يقول ويل لبني أُميّة
ثلاثا .اهـ
وهذا جدير بالتأمّل والتّمعّن، فإنّ قوله صلى الله عليه وآله " ويل لبني أميّة " يدلّ على سوء منقلبهم، وكلمة (ويْل ) في القرآن الكريم وردت في حقّ الكفار والمنافقين وأهل العاقبة السّيّئة.
وفي معجم الصحابة[44]:… عن عبد الله بن مطرف قال كان أبغضَ النّاس إلى النّبيّ صلى الله عليه و سلم أو أبغضَ الأحياء بنو أُميّة وثقيف وبنو حنيفة. اهـ
وهو في مجمع الزوائد كما يلي[45]:وعنْ أبي برْزة قال كان أبغض النّاس أو أبغض الأحْياء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ثقيف[46] وبني حنيفة رواه أحمد وأبو
يعلى وزاد إلاّ أنّه قال بنو أُميّة وثقيف وبنو حنيفة وكذلك الطبرانيّ ورجالهم رجال عبدالله بن مطرف بن الشخير وهو ثقة.اهـ
قلت:لعلّ أبا بْرزة حدّث به في زمان دولة بني أُميّة فكان عليه أن يتغاضى عن أن يصرّح باسم القبيلة الحاكمة حقناً لدَمِه،وقد كان أبو هُرَيْرَة يقول: وأمّا الوعاء الثّاني فلوْ حدّثْتُ به لقُطع منّي هذا البلْعُوم.وقد بقي أبو برْزة إلى أيّام الحرّة التي كان فيها ماكان وتوفّي بعْدها.قال ابْن حبّان[47]: أبوبرزة الأسلميّ اسمُه نضلة بن
عُبيد بن الحارث من المتعبّدين، مات في إمارة يزيد بن مُعاويَة بعد الحرّة في المفازة بين سجستان وهراة غازيا.اهـ
ويؤيّد ماقُلتُه بخُصوص خوْف أبي برزة على نفسه ما جاء في كتاب الفتن[48]:
حدّثنا محمّد بن جعفر… عن بجالة بن عبد أو عبد بن بجالة قال قلْت لعمْران بن حصيْن حدّثْني عنْ أبْغض النّاس إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فقال تكتم عليّ حتّى أموت قال قلت نعم قال بنو أُميّة وثقيف وبنو حنفية.اهـ
وفي كتاب الفتَن أيضاً[49]: حدّثنا بقيّة بن الوليد وعبْد القُدّوس …عن أبي ذرّ رضى الله عنْه قال سمعْت النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول إذا بلغتْ بنو أُميّة أرْبَعين اتّخذوا
عبادَ الله خولاً ومالَ الله نحلاً وكتابَ الله دغلاً.وأيضاً تحت رقم 315: حدّثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ...يزيد بن شريك أنّ الضّحّاك بن قيْس أرْسلَ معَه إلى مَرْوان بكسْوة فقال مَرْوانُ مَنْ على الباب فقال أبو هُرَيْرَة فأذن له فسمعْتُه يقول بعْد ما دخلَ سمعتُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقُول يكُون هلاكُ هذه الأمّة على يدي أغَيْلمةٍ[50] من قُريْش.اهـ
وقال المقريزي[51]: وقد جاء من طرق عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أن النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم قال :(رأيت في النّوم بني الحكم أو بني أبي العاص ينزون على منبري
كما تنزوالقردة) قال:فما رؤي النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم مستجمعا ضاحكا حتى توفي. [ الحديث فيمسند أبي يعلى ج 11ص348 تحت رقم 6461 صحيح ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص13]. وعن سعيد بن المسيب قال:رأى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بني أُميّة على منابرهم فساءه ذلك فأوحى إليه:إنما هي دنيا أعطوها فقرت عينه وهي قوله تعالى:وما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلا فتنة للناس يعني بلاء للناس [الحديث في تاريخ بغداد ج9 ص 45 وتاريخ الخلفاء للسيوطي:13 ].
وفي مستدرك الحاكم[52]: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحجازي بحمْص ثنا بقيّة بن الوليد عن أبي بكْر بن أبي مرْيم عن
راشد بن سعْد عنْ أبي ذرّ رضي الله عنه قال سمعْت النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول ثمّ إذا بلغت بنو أُميّة أرْبَعينَ اتّخذوا عباد الله خولاً ومال الله نحلاً وكتابَ الله دغلاً.اهـ
وهذا الحديث بحقّ منْ دلائل النّبوّة،فإنّهمْ لمّا بلغُوا أرْبعينَ رجُلاً كان منْهُمْ ما كان،واسْتوْلَوا على الخلافة وفعلُوا بالمُسلمين الأفاعيل، وأرْسل بعضُهم جاريتَه سَكْرَى جُنُباً تصلّي بالنّاس!!
وقد روى الحاكمُ هذا الحديث في الجُزْء الرّابع من المُستَدرك وذَكَر له شواهدَ لا تَرُوقُ للذّهبيّ. قال الحاكم[53]: قال أبو بكْر بْن أبى مرْيم وحدّثني عمّار بن أبى
عمّار أنّه سمع أبا هُرَيْرَة رضى الله عنه يقول سمعْتُ النّبيّ صلى الله عليه وآله يقولُ هلاكُ هذه الأمّة على يديْ أغَيْلمَةٍ منْ قُريْش.هذا حديثٌ صحيحٌ على شرْط الشّيْخيْن ولمْ يُخْرجاه ولهذا الحديث توابعُ وشواهدُ عنْ النّبيّ صلى الله عليه وآله وصحابَته الطّاهرين والائمّة من التّابعين لمْ يسعْني إلاّ ذكْرُها فذكرْتُ بعْضَ ما حَضرني منها ( فمنها ما حدّثَناه ) أبو عبْد الله محمّد بن علىّ بن عبد الحميد الصّنعانى بمكّة حرسها الله تعالى ( قالوا ) حدثنا عبد الرّزاق بن همّام الإمام قال حدّثنى أبى عن ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال كان لا يولد لأحد مولود الا أتى به النّبيّ صلى الله عليه وآله فدعا له فأُدْخل عليه مَرْوان بْن الحَكَم فقال هُو الوَزَغ ابْن الوَزَغ المَلْعُون ابن الملعون . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . ومنْها ما حدّثَناه أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عقبة الشّيبانيّ بالكُوفة …عن حلام بن جذل الغفاريّ قال سمعتُ أبا ذرّ جندبَ بْن جنادةَ الغفاريّ يقولُ سمعتُ النّبيّ صلى الله عليه و سلم يقولُ إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلاً اتّخذوا مال الله دُوَلاً وعباد الله خَوَلاً ودين الله دَغَلاً قال حلام فأنْكر ذلك على أبي ذرّ فشهد عليّ بن أبى طالب رضي الله عنه إني سمعْت النّبيّ صلى الله عليه وآله يقول ما أظلّت الخضْراء ولا أقلّت الغبْراء على ذي لهْجة أصْدق من أبي ذرّ وأشهد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله قاله.هذا حديث صحيح على شرْط مسْلم ولمْ يخْرجاه .وشاهده حديث أبي سعيد الخدريّ ( حدّثنا ) أبو بكْر محمّد بن أحمد بن بالويه …عن عطيّة عن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه قال قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلاً اتّخذوا دين الله دغلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً . هكذا رواه الأعمش عن عطيّة . حدّثنا أبو بكر بن بالويه …عن الأعمش عن عطيّة عن أبى سعيد رضي الله عنه قال قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا ودين الله دغلا وعباد الله خولا . اهـ
ومنها[54] ما حدّثناه أبو بكر محمّد بن أحمد بن بالويه …عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة الأسلمي قال ثمّ كان أبغض الأحياء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بنو
أُميّة وبنو حنيفة وثقيف.هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.اهـ
ومن أمعن النظر تحقق لديه صحّة هذا الحديث، فإنّ أعمال بني أُميّة في حياة النّبيّ صلى الله عليه و آله وبعد وفاته لم تكن لتثير في نفسه إلا الاشمئزاز والنفور.
وفي كتاب الفتن ج1ص129 "باب آخر من ملك بني أُميّة ": ...راشد بن سعد أنّ مَرْوان بن الحكم لما ولد دفع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ليدعو له فأبى أن يفعل ثم قال: ابن الزرقاء هلاك عامة أمتي على يديه ويدي ذريته.اهـ
وفي كتاب الفتن ج1ص130 : ...عن ابن موهب أنّ مُعاويَة بينا هوجالس وعنده ابن عبّاس إذ دخل عليهم مَرْوان بن الحكم في حاجة فلمّا أدْبرقال مُعاويَة لابن عبّاس أما تعْلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم قال إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله تعالى بينهم دولاً وعباده خولاً وكتابه دغلاً قال ابن عبّاس اللّهم نعم ثمّ إنّ مَرْوان ردّ عبد الملك إلى مُعاويَة في حاجته فلمّا أدْبرعبد الملك قال مُعاويَة أنشدك بالله ياابن عبّاس أما تعلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ذكرهذا فقال أبو الجبابرة الأربعة قال اللّهم نعم فعند ذلك ادّعى مُعاويَة زيادَ بن عُبيد.اهـ
وفي كتاب الفتن[55]: ...عن مكحول قال بلغني أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم قال يكون من قُريْش أربعة زنادقة[56]. قال أبوه فسمعت سعيد بن خالد يذكرُ عن ابن
أبي زكريّا نحوَ ذلك ثمّ قال هو مَرْوان بن محمّد بن مَرْوان بن الحكم والوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مَرْوان بن الحكم ويزيد بن خالد بن يزيد بن مُعاويَة بن أبي سُفْيان وسعيد بن خالد الذي كان بخراسان.اهـ
أقول:ذكرهؤلاء الأربعة لا ينفي وجود غيرهم ،فقد كان عبد الملك بن مَرْوان راضياً بأقوال الحجّاج التي يفضّله فيها على النّبيّ صلى الله عليه وآله وكان مَرْوان راسخا في الباطل حتّى سمّوْه " خيط باطل " وقال مُعاويَة بن أبي سُفْيان للمغيرة بن شعبة:"وإنّ ابن أبي كبشة ليُهتف باسْمه كلّ يوْم خمْس مرّات أشْهد أنّ محمّدا رسول الله " ؟!
وفي سنن الترمذيّ[57]:...عن يوسف بن سعد قال قام رجلٌ إلى الحسن بن عليّ بعد ما بايع مُعاويَةَ فقال سوّدْت وجوهَ المؤمنين أو يا مسوّدَ وجوهِ المؤمنين فقال
لا تؤنّبْني رحمَك الله فإنّ النّبيّ أُري بني أُميّة على منْبره فساءه ذلك فنزلتْ إنا أعطيناك الكوثر يا محمّد يعني نهراً في الجنّة ونزلتْ إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خيرمن ألف شهر يملكُها بنو أُميّة يا محمّد قال القاسم فعددْناها فإذا هي ألْف لا يزيد يوم ولا ينقص .قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل وقد قيل عن القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن والقاسم بن الفضل الحداني هو ثقة وثّقة يحيى بن سعيد وعبد الرّحمن بن مهديّ ويوسف بن سعد رجل مجهول ولا نعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه.اهـ
وفي مسند الشاميين [58]: عن راشد بن سعد قال قال أبو ذرّ سمعتُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول ثم إذا بلغت بنو أُميّة أربعين اتّخذوا عباد الله خولاً ومال الله دخلاً
وكتاب الله دغلاً .اهـ
وفي مسند أبي يعلى[59]:… عن أبي إسحاق عن عبد الله بن الزّبير قال قال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ثمّ لا تقوم السّاعة حتى يخرج ثلاثون كذّابا منهم مسيلمة
والعنسي والمختار وشرّ قبائل العرب بنو أُميّة وبنو حنيفة وثقيف.وفيه أيضا[60]:حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدّورقي قال حدّثني حجّاج بن محمّد حدّثنا شعبة عن
أبي حمْزة جارهم عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف عن أبي برْزة قال ثمّ كان أبغضَ الأحياء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بنو أُميّة وثقيف وبنو حنيفة .اهـ
وفي المُستَدرك [61]:... عن عمرو بن مرة الجهنيّ وكانت له صحبة أنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النّبيّ صلى الله عليه وآله فعرف النّبيّ صلى الله عليه وآله
صوته وكلامه فقال ايذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمن منهم وقليل ماهم يشرفون في الدّنْيا ويضِعون في الآخرة ذوو مكْر و خديعة يُعطَوْن في الدّنْيا وما لهم في الآخرة من خلاق .هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .اهـ
وقد ختم الحاكم حديثه في هذا الباب بعبارة يفْتقِرُ إليها الذّهبيّ وابنُ كثير ومَن على شاكلتهما، قال[62]:قال الحاكم رحمه الله تعالى ليعلم طالب العلم أنّ هذا باب
لم أذكرْ فيه ثلثَ ما رُوي وأنّ أوّل الفتن في هذه الأمّة فتنتُهم ولم يسعْني فيما بيْني وبين الله تعالى أن أخلي الكتاب من ذكرهم . اهـ
وعبارة "فيما بيني و بين الله تعالى " كاشفةٌ عن مدى تحكّم تقوى الرّجل في علمه، فإنّه برّر إيراده للأحاديث في بني أُميّة مع أنّه غير محتاج إلى تبْرير، ولعلّه من وراء هذه الكلمة يريد تذكير الباحثين والمحقّقين بمضْمون قوله تعالى " ولا يجرمنّكم شنآن قوْم على ألاّ تعْدلوا اعدلوا هوأقرب للتّقوى " غير أنّ الذّهبيّ وابن كثيروابن القيّم وابن حجر وابن تيمية لم يلْتفتوا إلى هذا المبدإ فتحكّمت فيهم أمْزجَتُهم وانتماءاتُهم المذهبيّة وجنحُوا إلى أساليب صرّح القرآن الكريم أنها من أعمال اليهُود،ولم تجْن الأمّةُ من أساليبهم إلاّ المزيد من الشحناء والبغضاء بين المسلمين، وخلَفَهم في ذلك خلْفٌ أضاعُوا الحقّ واتّبعوا الباطل وسنّوا للنّاس سنّة تُسخط الله تعالى،ومن سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزْرها ووزْرُ من عمل بها.
وفي تفْسير الطّبريّ[63]: وقال آخرون في ذلك ما حدّثني أبو الخطّاب الجاروديّ سهيل …عن عيسى بن مازن قال قلت للحسن بن عليّ رضي الله عنه يا مسوّد
وجوه المؤمنين عمدْتَ إلى هذا الرّجل فبايعْت له يعْني مُعاويَةَ بن أبي سُفْيان فقال:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم أُري في منامه بني أُميّة يعْلون منْبره خليفةً خليفةً فشقّ ذلك عليه فأنزلَ الله إنّا أعطيناك الكوثروإنا أنزلناه في ليلة القدروما أدراك ما ليلة القدرليلة القدرخيرمن ألف شهر يعني ملك بني أُميّة قال القاسم فحسبْنا ملكَ بني أُميّة فإذاهوألْف شهْر.اهـ
وفي الفائق[64]:عن علي بن أبي طالب عليه السلام:إنّ بنى أُميّة لا يزالون يطْعنون فى مسْحل ضلالة سحل ولهم فى الأرض أجل ونهاية حتى يهريقوا الدّم الحرام
في الشّهر الحرام والله لكأنّي أنظر إلى غرنوق من قُريْش يتشحّط فى دمه فإذا فعلوا ذلك لم يبق لهم فى الأرض عاذر ولم يبق لهم ملك على وجه الأرْض بعد خمس عشرة ليلة.اهـ
ولعلّ قائلا يقول: إنّ شهادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام في حقّ بني أُميّة غيرُ جائزة،لأنّه خصمٌ لهم،وشهادة الخصم لا تجوز باتّفاق.والجواب على ذلك من جهات :
أُولاها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله قد أخْبر أنّ عليّا عليه السلام دائما مع الحقّ والحقّ دائما معه، يدور معه حيث دار،وسواء كان الضمير في "يدور" عائداً إلى عليّ عليه السلام أم إلى الحقّ، فإنّ ذلك يجعل شهادة عليّ عليه السلام نافذة غير قابلة للنّقاش أيّاً كان الطّرف المشهود عليه.ومن عجائب الدّهرأنّ ابن تَيْميَة أنْكرَفي منهاجه وجودَ هذا الحديث في كتب المسلمين وقال "لم يرْوه أحدٌ لا بأسنادٍ صحيح ولا ضعيف " مع أنّه موجود في عشرين مصدراً من بيْنها مُستَدرك الحاكم والرياض
النضرة[65]،وكل أصحابها إمّا معاصرٌلابن تَيْميَة أو متقدّم عليه !
الجهة الثانية أنّ عليّاً عليه السلام لم يُؤثَرعنه تناقضٌ في الكلام أوافتراءٌ على بريءٍ،وهذا إنْ لم يكنْ دليلاًعلى عصْمته فهُوعلى الأقلّ دليلٌ على بُلوغه مرتبةً عاليةً من التحلّي بمكارم الأخلاق.ويكفي لتأكيد ذلك أن أعْدى أعدائه الذين سبّوه ولعَنُوه على المنابرلم ينْسبوا إليه كذباً أو زوراً،ولوأنّهم وجدُوا شيئاً من ذلك لشنّعوا به عليه.ولم يشكّك أحدٌ في كلامه بخصوص بني أُميّة،والأصْل تصديقُ المُخبر الذي لم يُعهد عنه الكذب،فيُستصحب صدقه .
الجهة الثالثة:أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله قال عن عليّ عليه السلام إنّه مع القرآن والقرآن معه ولن يفترقا حتّى يَرِدَا عليه الحوْض،ومن كانت هذه حالُه فكيْف تُردّ شهادته؟أليس في ردّها ردُّ للقرآن الكريم؟!! فإنّه معه لا يُفارقُه،فمن ردّ عليّا عليه السلام ردّ القرآن الكريم ـ و العياذ بالله تعالى ـ من ذلك.
الجهة الرابعة:أنّ قرآناً نزل في حقّ بني أُميّة يشْهد عليهم بالضّلال،وأنّهم الشّجرة الملْعونة،وهذا يؤكّد حديث النّبيّ صلى الله عليه وآله أنّ عليّا مع القرآن والقرآن معه.
الجهة الخامسة:أنّ الأحاديث المأثورة عن النّبيّ صلى الله عليه وآله بخُصوص بني أُميّة تشهد بضلالهم،ومعْنى ذلك أنّ الغرَض من كلام عليّ عليه السلام في حقّ بني أُميّة متحقّق من طرف النّبيّ صلى الله عليه وآله ،وبذلك ينتفي الغرض من إبطال شهادة عليّ عليه السلام.
الجهة السادسة:أنّ كلام عليّ عليه السلام في حقّ بني أُميّة تضمّنَ قضايا غيبيّةً،حدثتْ بعد رحيله من الدنيا بسنين طويلة،وهذه دون إبطالها خرط القتاد أو الانسلاخ من القيم والأعراف الآداب.
الجهة السابعة:أنّ أعمال بني أُميّة في حياة الإمام علي عليه السلام وبعده تُطابق أقْوالَه فيهم انْطباق الظلّ على شخْصه،ومن تتبّع ما جرى على أيديهم لم يشكّ في صدْق ذلك.
الجهة الثامنة:أنّ أقوال صحابةٍ ممّن ثبتتْ تزكيتُهم من طرف النّبيّ صلى الله عليه وآله تنضمّ إلى شهادة عليّ عليه السلام،ويلزم من ردّها نفْي تزْكية النّبيّ صلى الله عليه وآله لهم، وفي ذلك تكذيبٌ له صلى الله عليه وآله .
الجهة التاسعة:أنّ كتبَ المُفسّرين حافلةٌ بما نزل في حقّ عليّ عليه السلام من المدح والثّناء،وليس في وسع العاقل أن يردّ شهادة من مُدح في السماء قبل الأرض.لأنّ الله تعالى لا يَمدح كاذباً.
الجهة العاشرة:أنّه أفضل من خُزيمة بن ثابت الأنصاريّ ذي الشّهادتين من جميع الحيثيّات باتّفاق المسلمين،فيلزمُ منه أن يكون له ثلاث شهادات وإلاّ كان مساوياً له.ولازمُ كونه كذلك أنّه على فرض ردّ شهادةٍٍ تبقى شهادتان ، وقد اقتصرالشّارع على شهادتين في الدَّيْن والوصيّة والطّلاق.
***
4- بنو أُميّة في أشعار العرب:
من الأشعارالتي قيلت في بني أميّة ما جاء في تاريخ السيوطي[66]:
يا قوم لا تغلبوا عن رأيكم فلقد جربتم الغدر من أبناء مَرْوانا
أمسوا وقد قتلوا عمرا وما رشدوا يدعون غدرا بعهد الله كيسانا
ويقتلون الرجال البزل ضاحية لكي يولوا أمور الناس ولدانا
تلاعبوا بكتاب الله فاتخذوا هواهم في معاصي الله قرآنا
وفي شرح القصائد الهاشميات [67]:
فقلْ لبني أُميّة حيث حلّوا وإنْ خفْت المهنّد والقطيعا
ألا أفٍّ لدهْر كنت فيه هدانا طائعا لكم مطيعا
أجاع الله من أشبعْتموه وأشْبعَ من بجَوْركم أُجيعا
ويلعنُ فذّ أمّته جهاراً إذا ساس البرية والخليعا
مرضي السياسة هاشمي يكون حيا لأمته ربيعا
وليثا في المشاهد غير نكس لتقويم البرية مستطيعا
يقيم أمورها ويذب عنها ويترك جدبها أبدا مريعا
و قال عبد الرحمن بن الحكم [ أخو مَرْوان]:
سُميّة أمْسى نسلها عددُ الحصا * وبنْت رسول الله ليس لها نسلُ
وقال غيره [68]:
لعن الله من يسبّ عليّاً * وحسيناً من سوقة وإمام
وقال أبو دهبل الجمحي ،في حمية سلطان بني أُميّة وولاية آل بني سُفْيان :
تَبيت السُّكارى من أُميّة نُوّماً * وبالطّفّ قتْلَى ما ينامُ حميمُها
وقال ابوالفضل محي الدين يحيى بن محمّد بن علي القرشي الدمشقي ، المتوفى سنة 668. وكان شيعيا يفضل عليّاً على عُثْمان،مع كوْنه ادّعى نسباً إلى عثمان [69]:
أدين بما دانَ الوصيُّ ولا أرى........ سواه وإنْ كانتْ أُميّةُ محْتَدِي
ولو شَهدَتْ صفّينَ خيْلي لأعذرتْ...وساءَ بني حرْبٍ هُنالك مَشْهَدي
وروى البلاذري أيضا في عن يزيد ابن مقرع قوله[70] :
ألا أبلغْ مُعاويَة بن حرْب * مغلْغلةً من الرّجل اليماني
أتغْضبُ أنْ يُقال أبوك عفًّ * وتَرضى أنْ يُقالَ أبوك زاني
فأُقْسم إنّ رحْمك منْ زيادٍ * كرحْم الفيل منْ ولَد الأَتَان[71]
وقال في عبيد الله بن زياد [72]:
شهدت بأن امك لم تباشر * أبا سُفْيان واضعة القناع
ولكن كان أمر فيه لبس * على وجل شديد وارتياع
قال المقريزي في كتابه النزاع والتخاصم ص 50: .....قال نفيل بن عبد العزى جد عمر بن الخطاب حين تنافر إليه حرب بن أُميّة وعبد المطلب بن هاشم فنفرعبد المطلب وتعجب من إقدامه عليه وقال :
أبوك معاهر وأبوه عف *** وذاد الفيل عن بلد حرام
ودكر أيضا قصّة يقول فيها وهب بن عبد مناف بن زهرة :
مهلا أميّ فإن البغي مهلكة *** لا يكسبنك ثوبا شره ذكر
تبدو كواكبه والشمس طالعة*** يصب في الكأس منه الصاب والمقر
وأورد ابن منظور في لسان العرب ج5ص148 وصفا لحال بني أميّة على لسان الفرزدق فقال :ومنه قول الفرزدق :
هيهات قد سفهت أُميّة رأيها*** فاستجهلت حلماءها سفهاؤها
حرب تردد بينها بتشاجر *** قد كفرت آباءها أبناؤها
والأشعارفي هذا الباب كثيرة تُراجَع في كتب الأدب،وإنّما ذكرت منها ما ذكرتُ وتركْتُ ما قيل في مدْح بني أميّة لأنّه لا يعبّرعن مواقف إنسانيّة مشرّفة،ولا يصّورفضائل تحلّى بهاالممدوحون حقّاً،وإنّما تزلّف به الشعراء لبني أميّة طمعاً في ما في أيديهم،وليس فيهم من عرف بتديّن أو ورع،فكان ترك ذلك أولى من إيراده.
***
5- صفات بني أُميّة و أعمالهم:
كان بنو أُميّة على علم تامّ بنقائص جدّهم الذي ينتمون إليه،والذي كان خالياً من مكارم الأخلاق،لذلك أنفقوا الكثير من الأموال في شراء المديح من الشّعراء،وعرف المرتزقة ذلك فتسابقوا إليهم يصفونهم بما لس فيهم رجاء النّوال. ومع ذلك فقد بقيت صورة بني أُميّة مشوّهة مصدِّقةً قولَ الشاعر:وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر[73].فلمْ تنْفع الأموالُ والهباتُ في تبييض الصّورة.روى ابن الأثيرمن طريق عبد الرحمن بن أبي بكر[74]أنّ الحَكَمَ بنَ أبي العاص بن أُميّة أبا
مَرْوان كان يجْلسُ خلْف النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فإذا تكلّم اخْتلجَ بوجْهه فرآه فقال له:كُنْ كذلك.فلمْ يزَلْ يخْتلج حتّى مات.وفي رواية:فضرب به شهْريْن ثُمّ أفاق خليجاً،أي:صُرع،ثمّ أفاق مُخْتلجا قد أُخذ لحْمُه وقوّته.وقيل:مرْتعشا.وروى ابن حجرفي الإصابة من طريق الطبرانيّ والبيْهقيُّ في الدلائل،والسيوطيُّ في الخصائص الكبرى (ج2ص79)عن الحاكم وصحّحه وعن البيْهقيّ و الطبرانيّ عن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق قال:كان الحكم بن أبي العاص يجلس إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فإذا تكلّم النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم اخْتلج بوجْهه فقال له النّبيّ:كُنْ كذلك.فلم يزل يختلج حتّى مات .. وفي الإصابة[75]: أخرج البيْهقيّ من طريق مالك بن دينار حدثني هند
بن خديجة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم:مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بالحَكَم فجعل الحَكمُ يغمز النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بأصبعه فالتفت فرآه فقال:اللّهماجعله وزغاً.فزحف مكانه . اهـ
وقال القُرْطبيّ [76]: فقد آذى بنو أُميّة النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم في أحبابه وناقضوه في محابّه.وروى الحاكم حديثاً تركَه الشّيْخان تعمّداً كما جرت عادتهما بخصوص
ما من شأنه كشفُ حقيقة بني أُميّة فقال [77]: أخبرني محمّد بن المؤمل بن الحسن حدّثنا الفضل بن محمّد حدّثنا نعيم بن حماد حدّثنا الوليد بن مسلم عن أبي
رافع إسماعيل بن رافع عن أبي نضرة قال قال أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم :إنّ أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمّتي قتلاً وتشريداً وإنّ أشدَّ قومنا لنا بغْضاً بنو أُميّة وبنو المغيرة وبنو مخزوم. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.اهـ
وفي هذا تصريح من النّبيّ صلى الله عليه وآله أنّ بني أُميّة يبْغضونه،فإنّهصلى الله عليه وآله قال " وإنّ أشدّ قومنا لنا بغضاً" ولم يقلْ "وإنّ أشدّ قومنا بغضاً لأهْل بيْتي " كيْما يتأوّل مُتأوّل.ومعلوم أنّ بغض النّبيّ صلى الله عليه وآله يخرج صاحبه من دائرة الإيمان،فكيف يسوغ الدّفاع عن بني أُميّة بعد أن علم المسلمون بغضهم للنّبيّ صلى الله عليه وآله ؟!
والحديث نفسه في كتاب الفتن ص 131 تحت رقم 319 : ...عن أبي رافع إسماعيل بن رافع قال:قال أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم إنّ أهل بيتي سيلقون مِن أمّتي بعدي قتلاً شديداً وإنّ أشدّ قومنا لنا بغْضاً بنو أُميّة وبنو المغيرة من بني مخزوم.اهـ
ويقول الإمام عليعليه السلام[78]::..حتى يظنَّ الظّانّ أن الدّنْيا معْقولة على بني أُميّة تمنحهم درّها.وتوردهم صفوها.ولا يرفع عن هذه الأمّة سوطها ولا
سيفها.وكذب الظّانّ لذلك،بل هي مجّة من لذيذ العيش يتطعّمونها برهة ثم يلفظونها جملة.اهـ
ويُفهم منه أنّه كان لبني أُميّة على الأمّة سيف وسوط،والتّاريخ يشهد بصحّة ذلك،وهذا منهج الجبابرة لا غير،لأنّ العاقل المتّصف بمكارم الأخلاق لا يسوق النّاس بسوطه وسيفه،وإنّما يحاكمهم إلى العقل.
ومن ذلك أيضا قوله[79]:" ألا إنّ أخْوف الفتن عندي عليْكم فتْنة بني أُميّة،فإنّها فتْنة عمْياء مظْلمة عمّت خطّتها وخصّت بليّتها،وأصاب البلاء مَن أبصر
فيها.وأخطأ البلاء من عمي عنْها.وأيْم الله لتجدنّ بني أُميّة لكمْ أرْباب سوء بعدي كالنّاب الضّروس تعْذم بفيها وتخْبط بيدها،وتزْبن برجْلها،وتمْنع درّها.لايزالون بكمْ حتى لا يتْركوا منْكمْ إلاّ نافعا لهمْ أوغيْرضائربهمْ.ولايزال بلاؤهم حتّى لايكون انْتصارأحدكم منْهم إلاّ كانْتصارالعبْد مِنْ ربّه والصّاحب مِنْ مسْتصْحبه.تردعليكم فتْنتهم شوْهاء مخْشبة وقطعا جاهليّة.ليس فيها منار هُدى،ولاعلمٌ يُرى نحْن أهْل البيت منْها بمنْجاة ولسْنا فيها بدعاة.ثم يفرّجها الله عنكم كتفْريج الأديم بمَنْ يسومهم خسْفاً ويسوقهم عنفا، ويسْقيهم بكأْس مُصبّرة لا يعطيهم إلا السّيْف.ولا يحْلسهم إلاّ الخوْف. فعنْد ذلك تودّ قُريْش بالدّنْيا وما فيها لوْ يروْنني مقاماً واحداً ولوْ قدْر جزْرجَزُورلأقْبل منْهم ما أطْلب اليوْم بعْضه فلا يعْطونني "(اهـ).
ويُفْهم ممّا سبق أنّ بني أُميّة أصْحاب فتْنة شوْهاء مخْشية ترد قطعا جاهليّة، وقد عظّم القرآن أمْرالفتْنة فجعلها أشدّ من القتْل،وآثارفتْنة بني أُميّة لاتزال إلى اليوْم،لأنّهم ما تركوا شيئا من مجالات الحياة لمْ يتدخلوا فيه بهواهم وطيشهم، حتى صلّى بعضهم بالناس سكران.[80]
ومن ذلك قوله عليه السلام[81]:والله لا يزالون حتّى لا يدعوا لله محرماً إلاّ استحلّوه ولا عقدا إلاّ حلّوه.وحتّى لا يبْقى بيْت مَدَرٍولا وَبََرٍ إلاّ دخَله ظلْمهم ونبا به سوء
رعْيهم وحتىّ يقوم الباكيان يبْكيان باكٍ يبْكي لدينه وباكٍ يبْكي لدنْياه.وحتّى تكون نُصْرة أحدكم من أحدهم كنصْرة العبْد من سيّده إذا شهد أطاعَه،وإذا غاب اغْتابَه.وحتّى يكون أعْظمُكم فيها غناءً أحْسنكم بالله ظنّا. فإنْ أتاكم الله بعافيةٍ فاقْبلوا.وإنْ ابْتليتم فاصْبروا.فإنّ العاقبة للمتّقين.اهـ
قال الشيخ محمّد عبْده بخصوص هذه الخطْبة:الكلامُ في بني أُميّة.والمحرّم ما حرمه الله.واستحلاله استباحته.اهـ
وأنت ترى قول الإمام عليّ عليه السلام[ حتّى لا يدعوا محرماً إلا استحلّوه] وقوله عليه السلام:[ حتّى لا يبْقى بيْت مَدَرولا وَبَرإلاّ دخله ظلْمهم]،وهذا تصْوير لمَنْ أبْعد في الظّلْم والباطل،ولمْ يستثن منْهم عليه السلام أحداً،وقوْله [حتى يقوم الباكيان باك يبْكي لدينه وباك يبكي لدنْياه]،وهو تصْويرلحياة لا تُطاق،لا ينجو فيها صاحب الدّين ولا صاحب الدّنْيا.ومع ذلك نجد في زماننا هذا وفي الأزمنة السابقة من يدافع عنْ بني أُميّة ويزْعم أنّهم خدمُوا الإسْلام،ولا أدْري ماالذي دفع أحْمد شوقي ـ سامحه الله ـ إلى أنْ عثَرعثْرة الجَمل في قصيدته في دمشْق حيث يقول:
مررْت بالمسْجد المحْزون أسْأله هلْ في المصلّى أو المحْراب مَرْوان
فمتى كان مَرْوان صاحب مُصلّى ومحْراب؟!وهل يُعْقل أن يجْهل أمير الشّعراء أحْمد شوْقي أحاديث النّبيّ صلى الله عليه وآله في مَرْوان؟!
سيأتي لاحقاً في الفصْل الخاصّ بأنْصارمُعاويَة ما يصوّربعْض جوانب شخْصيّة مَرْوان بْن الحكم ودوْره في الفتْنة التي مزّقتْ صفوف المسلمين.ولا يفوت الباحثَ ما ذكره المؤرّخون بخصوص قضيّة قتل طلْحة بن عبيد الله من قِِبََل مَرْوان يوم الجمل أخذاً بثأرعثمان،ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصْر المسْعودي في مروج الذّهب،وابْن عبْد ربّه في العقْد الفريد،والحاكم في المُستَدرك وابن الأثيرفي الكامل وأسد الغابة، وابن حجر العسقلانيّفي تهذيب التهذيب وابن الجوْزي في صفْوة الصّفّوة وابن كثير في تاريخه وسبط ابْن الجوْزيّ في تذْكرته ، واليافعيّ في مرآة الجنان.
وفي المُستَدرك[82]من طريق عبد الرحمن بن عوف- وصحّحه- أنّه قال:كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلاّ أتى به إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فأُدخِل عليه مَرْوان
بن الحكمِ فقال:هوالوزغ ابن الوزغ،الملْعون ابن الملْعون.وذكره أيضاً ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة ص 108.
وفي الصواعق المحرقة ص33: قال مَرْوان بن الحكم:ما كان أحد أدفع عن عثمان من عليّ،فقيل له:ما لكم تسبّونه على المنابر ؟قال:إنّه لا يستقيم لنا الأمرإلاّ بذلك.اهـ
وهذا من أعْجب ما يطْرق أسْماع العقلاء،فإنّ الدّول إنّما تسْتقيم أمورها بالقوّة العسْكريّة والقوّة الاقْتصاديّة والانْسجام بيْن الحاكم والمحْكوم،وردْع المُجْرمين والمُفْسدين؛ أمّا أن تسْتقيم بسَبّ رَجُلٍ قدْ خرج من الدّنْيا فلم يقُلْ به أحدٌ ممّن يُعتمَد قولُه، خصوصاً إذا أضفْنا إلى ذلك قولَ النّبيّ صلى الله عليه وآله " من سبّ عليّاً فقدْ سبّني " .
قال ابْن حجرالهيتميّ في تطْهيرالجنان[83]:وبسندٍ رجالُه ثِقَات أنّ مَرْوان لما ولي المدينة كان يَسُبّ عليّاً على المنْبر كلّ جمعة،ثمّ ولي بعده سعيد بن العاص
فكان لا يسبّ،ثم أعيد مَرْوان فعاد للسبّ،وكان الحسن يعْلم ذلك ولا يدْخل المسجد إلاّ عنْد الإقامة،فلمْ يرْض بذلك مَرْوان حتى أرْسل للحسن في بيته بالسبّ البليغ لأبيه وله،ومنْه:ما وجدْت مثلك إلا مثل البغْلة يقال لها:من أبوك؟فتقول:أبي الفرس.فقال للرسول:ارْجعْ إليه فقلْ له:والله لا أمْحوعنْك شيْئا ممّا قلْت بأني أسبّك،ولكن موعدي وموعدك الله،فإنْ كنتَ كاذبا فالله أشدّ نقْمة،قد أكرم جدّي أن يكون مثلي مثل البغلة.إلخ. .].
أقول:إنّ مَنْ بلغه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله قال عن الحسن والحسين إنهما سيّدا شباب أهْل الجنّة،وإنّهما ريحانتاه من الدّنْيا،لايَسمح له دينه أن يشبّه أحدهما بالبغْلة،ومدْرسة الجمهورلا تقْبل مجرّد انتقاد مَن رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسمعَ منْه وَلوْ ساعةً من نهار،لكنّها تلْتزم الصمْت حينما يتعلّق الأمْربسبّ سيّديْ شباب أهل الجنّة وإهانتهما وتشبيههما بالبغال !!
ثمّ إنّ فقهاء المسلمين لمْ يختلفوا في أنّ سبّ الإمام عليّ عليه السلام ولعْنَه من الموبقات،وإذا صحّ ما قاله ابن معين كما حكاه عنْه ابن حجر [84]من أنّ كلّ مَنْ شتمَ
عثْمان أو طلْحة أو أحداً من أصْحاب النّبيّ صلى الله عليه و آله دجّالٌ لا يُكتب عنْه وعليْه لعْنةُ الله والملائكة والنّاس أجْمعين فما بالُ مَرْوان يلْعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ويبْقى يتمتّع بحصانة ،ويُروى عنه الحديث مع أنّ حُكم الأمْثال في ما يجوز و ما لا يجوز واحد.؟!
وقال ابن عساكر في تاريخه ج 4 ص227: أبى مَرْوان أن يُدْفَن الحسن في حُجْرة النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وقال : ما كنْت لأدع ابنَ أبي تُراب يُدفن مع النّبيّ ،قد دُفن عثمان بالبقيع . ومَرْوان يومئذ معزولٌ يريدُ أن يُرضِيَ مُعاويَة بذلك ، فلم يزل عدوّاً لبني هاشم حتى مات .اهـ
ومن حقّ كلّ مُسلم أنْ يسْأل مَرْوان عن علاقة دفْن عثْمان بدفْن الحسن عليه السلام،هلْ كان الحسن عليه السلام من قَتَلة عثمان ؟وما ذنْب الحسن عليه السلام إذا كان المهاجرون والأنصاروعلى رأسهم طلحة بن عبيد الله والزّبيربن العوّام يرْفضون دفْن عثْمان في مقْبرة المسْلمين ؟!
وفي هذا الباب أيْضا ما ذكره ابْن حجر العسْقلاني في فتْح الباري [85]حيْث يقول:" قلتُ وذكرابْن سعْد مِنْ طُرق أنّ الحسنَ بنَ عليّ أوصى أخاه أنْ يدْفنه عنْده
إنْ لمْ يقعْ بذلك فتْنة فصدّه عنْ ذلك بنو أُميّة فدُفن بالبَقيع.اهـ
أقول:الدّين دينُ محمّد صلى الله عليه وآله والمدينةُ مدينتُه والبيْت بيْته والتّصرّف لبني أُميّة الذين حاربُوه ولم يدْخلوا في الإسْلام إلاّلحقن دمائهم!
ولم يكنْ للصّحابة عنْد مَرْوان حُرْمَةٌ لا في دوْلة عثْمان ولا في دولة مُعاويَة ولا في دولته هو.ففي حلْية الأولياء[86]:"..قال ثمّ قال [أيْ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ]أنا
وأصْحابي حيز والنّاس حيزولا هجْرة بعْد الفتْح قال أبو سعيد فحدّثْتُ بهذا الحديث مَرْوانَ بْن الحَكم وكان أميراً على المدينة فقال كَذبْتَ وعنْده زيْد بْن ثابت ورافع بْن خديج وهُما معه على السّرير فقال أبو سعيد أمَا إنّ هذيْن لوْ شاءا لحدّثاك ولكن هذا يخْشى على عرافة قوْمه[!] وهذا يخْشى أنْ تنْزعه عن الصّدقة[!] يعْني زيْد بْن ثابت فرفع عليْه الدّرّة فلمّا رأيا ذلك قالا صدقَ.رواه النّاس عن شُعْبة.اهـ
هذا بخصوص الأحياء من الصحابة أمّا الأموات فقد جاء في تاريخ المدينة ما يلي[87]:قال أبو غسّان،وأخبرني عبد العزيز،عن الحسن بن عمارة،عن شيخ من
بني مخزوم يدعى عمر،قال:كان عثمان بن مظعون رضي الله عنه من أوّل من مات من المهاجرين،فقالوا يارسول الله أين ندفنه؟قال:بالبقيع.قال،فلحد له النّبيّ صلى الله عليه وسلم،وفضل حجرمن حجارة لحده،فحمله النّبيّ صلى الله عليه وسلم فوضعه عند رجليه.فلما ولي مروان بن الحكم المدينة مرّ على ذلك الحجر،فأمر به فرمي به وقال:والله لا يكون على قبرعثمان بن مظعون حجر يعرف به.فأتته بنو أمية فقالوا:بئس ما صنعت ؟عمدت إلى حجروضعه النبي صلى الله عليه وسلم فرميت به.بئس ما عملت به فأمرْ به فليردّ.قال:أماوالله إذْ رميتُ به فلا يردّ !
وفي تاريخ دمشق [88]: في سنة ثلاثين غزا سعيد بن العاص طَبرسْتان فحاصَرهم فسألوه الأمان على أنْ لا يقتلَ منْهم رجلاً واحداً فقتلَهم كلَّهم إلاّ رجُلاً
واحداً.اهـ
قلتُ:أميرُ جيشِ المسلمين يُعطي الأمانَ ثمّ يغدُر ويخْفرالذّمّة،ولا يعنّفه الخليفةُ ولا يعْزله ولا يعزّره لأنّ المهمّ هو تقْوية أمْر بني أُميّة،ولازمُه التّغاضي عنْ كلّ سوء يصْدر منْهم.ولا يخْفى أنّ دماءَ المُعاهدين معْصومة،وقد سأل أهلُ طبرسْتان أميرَالجيش الأمانَ على ألاّ يَقْتل منهم رجلاً واحداً،ولمْ يقُولُوا على أنْ يقْتلَهُم جميعاً إلاّ رجُلاً واحداً فإنّ مثلَ ذلك لا يصدُر إلاّ منْ معْتُوه؛وفيه انْتِفَاءُ الغرَض إذْ ما فائدةُ طلب الأمان إنْ كانُوا يُريدون أنْ يُقتَلوا جميعاً!!
ومِنْ جانب آخَر فإنّ النّكرةَ في سِياق النّفْي تُفيد العُموم،وكلمة "واحداً "هنا صفَةٌ أريدَ بها التّوْكيد،فإنّ الجُملة معَها أبْلغ في بَيان المطْلوب،كما لوْقال قائلٌ:لا أُعْطيكَ فلْساً واحداً أوْ قالَ لا أبْقى هُنا دقيقةً واحدةً، فهلْ يُفْهمُ منْه أنّه يعْطي عشرينَ فلساً أو يبْقى خْمسين دقيقةً ؟! وكيْف يجوزُ مثْل هذا التّصرّف مِنْ أميرالجيش في دينٍ مِِنْ مَقاصده حفْظ النّفْس ؟بلْ كيْف يَحلّ مثْل هذا مع قوله تعالى " مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِنَفْسٍ أَوْفَسَادٍ في الأَرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النّاسّ جَمِيعاً " ؟!
وفي شرح نهْج البلاغة [89]:لمّا بنى عثْمان قصْرَه طمَارَ بالزّوْراء ، وصنَع طعاماً كثيراً،ودعا النّاسَ إليْه،كان فيهم عبْد الرّحمن[90]،فلمّا نظرللْبناء والطّعام
قال:ياابْن عفّان،لقدْ صدقْنا عليْك،ماكنّا نكْذب فيك،وإنّي أستعيذ بالله من بيْعتك.فغَضب عثْمان،وقال:أخْرِجْه عنّي ياغُلام[91]،فأخْرَجوه،وأمرالنّاس ألاّ يُجالسوه؛فلمْ
يكُنْ يأْتيه أحدٌ إلاّ ابنُ عبّاس،كان يأْتيه فيتعلّم منْه القرآن والفرائض.ومرض عبْد الرّحْمن فعادَه عثْمان،وكلّمه فلمْ يكلّمْه حتّى مات (اهـ).
أقول:هذا أحدُ العشرة المبشّرين بالجنّة مات لا يكلّم عثْمان،وهوالذي فضّله يوْم الشّورى على عليّ بن أبي طالب عليه السلام،وقال يوْمَها "إنّي قدْ نظرْتُ وشاورْتُ النّاس فإذا هُمْ لا يعْدلون بعثْمان "[92].ومن العجائب والعجائب جمّة أنّ الذين كانوا لا يعْدلون به أحداً رفضُوا أنْ يُدْفَن في مقابرالمسلمين ومَنعوا ذلك بشدّة!!
وههنا أمْرآخَرينْبغي لَفْت الانْتباه إليْه،وهوأنّ عثْمان أمَرالنّاسَ ألاّ يُجالِسوا عبْد الرّحْمن بن عوْف،وعمِلَ النّاسُ بأمْرعثْمانَ فلمْ يكنْ يأتي عبْد الرّحْمن إلاّ ابنُ عبّاس،وهذه عُقُوبة قاسيَة بمنْزلة إسْقاط العدالة،ولمْ يأْت عبدُ الرّحمن بن عوْف الصحابيُّ البدْريُّ المُبشّرُ بالجنّة عملاً يستحقّ به هذه العقوبةَ إلاّ أنّه اسْتعاذ بالله من بيْعة عْثمان وشهِد عليه بالتصرّف في أمْوال المُسْلمين بطريقةٍ لاتُقرّها الشّريعة.
ولامَناصَ مِنْ إعادةِ النّظرفي مسْألة شرْعيّة خلافة عثْمان بعْد الذي حدث،فإنّها تسْتند إلى مُبايعةِ عبْد الرّحمن إيّاه يوْم الشّورى،وقد قال عبْد الرّحْمن بْن عوْف بصريح العبارة "وإنّي أسْتعيذ بالله مِنْ بيْعتك " وهي عبارة تُشْعِر بندمه وتراجعه واعْترافِه بالخطإ،فإذا كان مُؤسِّس البيْعة لمْ يعُدْ يؤْمِِن بشرْعيَّتها ،بلْ صارَيسْتعيذ بالله منْها على مرْأى ومسْمع مِنْ أهْل المدينة فأيْن يكونُ محلّها مِنَ الإعْراب ؟ !
وفي مُعْجم ما اسْتعجم[93]:ديرسمْعان هو بنواحي دمشْق حواليْه قصورٌ وبساتينُ لبني أُميّة وهناك قبْرعمر بْن عبْد العزيز رحمه الله (اهـ).
وشاهدُنا منْه أنّ بني أُميّة كانوا أصحابَ قصورٍ وبساتينَ في الوقْت الذي كان آل النّبيّ صلى الله عليه وآله فيه مُضايَقين مُحاصَرين مِنْ كلّ جهَة .
ومن بيْن ما يُطّلَع عليه مِنْ أحْوال بني أُميّة قضيّة تشْمئزّ منْها النّفوس ولا يسْتسيغُها صاحب مُروءة ،قال القُرْطبيّ في تفْسيره (ج5ص102 وما بعْدها):وقدْ كان في العرب قبائلُ قد اعْتادت أنْ يخْلف ابنُ الرّجل على امْرأة أبيه[!] كانت هذه السّيرة في الأنْصارلازمةً وكانتْ في قُريْش مُباحةً مع التّراضي ألا ترى أنّ عمْرو بنَ أُميّة خلَف على امْرأة أبيه بعد موْته فولدتْ له مُسافرا وأبا معيط وكان لها مِنْ أُميّة أبو العيص وغيره فكان بنو أُميّة إخوة مسافر وأبي معيط وأعمامهما[ !!].اهـ
وفي كتاب الفتن لنعيم بن حماد ج1ص133 ...عن الزُّهْريّ عن ابن المسيّب قال وُلد لأخي أمِّ سلمةَ غُلام فسمَّوْه الوليدَ فذُكِر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فقال سمّيْتموه بأسْماء فراعنتكم لَيَكُونَنّ في هذه الأمّة رَجلٌ يُقال له الوليدُ هو شرٌّعلى هذه الأمّة مِنْ فرْعون على قوْمه.قال الزُّهْريّ إن اسْتخْلفَ الوليدُ بنُ يزيد فهُو هُووإلاّ فالوليدُ بنُ عبْد الملك.اهـ
أقولُ:والوليدُ بْن عبد الملك هوالذي كان فرِحاً مسْتبشراً حينما اعْتلَّ أبوه وتبيّنَ في وجْهه الموْت.قال السّعديُّ في عُيون الأنْباء في طبقات الأطبّاء: قال يوسف بْن إبراهيمَ حدّثني عيسى بْنُ حَكَم عنْ أبيه أنّ جدّه أعْلمه أنّه كان حمَى عبد الملك بن مَرْوان مِنْ شُرْب الماء[94]في علّته التي تُوُفّي فيها وأعْلمه أنّه متى شرب الماءَ
قبْل نضْج علّته تُوُفّي.قال فاحْتمى عن الماء يوْميْن وبعْضَ الثّالثِ،قال فإنّي عنْده لَجَالسٌ وعنْده بَنَاتُه إذْ دخل عليْه الوليدُ ابنُه فسأله عنْ حالِه وهو يَتبيّنُ في وجْه الوليد السُّرُوربموْته فأجابه بأنْ قال وَمُسْتَخْبِرعَنّا يُريدُ بِنَاالرّدَى*وَمُسْتَخْبِرَات وَالدُّمُوعُ سَوَاِجمُ.(انتهى كلامُ السّعديّ).
والذي يبْعثُ السّرورَفي قلْب الْوليدِ لِمَوْت والدِه عبْدِ الْمَلك بنِ مَرْوانَ هُو ولايةُ الأمْرمِنْ بعْده؛فبعْد أن يُغْمِضَ عبْدُ الملك عيْنيْه ويلْفظ آخرَأنْفاسه يُصْبح الوليد خليفةً على المسْلمين.ولنا أنْ نتساءلَ عنْ هذا الّذي يُتَبَيّنُ منْه السّرور بموْت والده ليسْتلم الخلافة،إذا لمْ يرْحمْ والدَه ولمْ يشْفقْ عليْه ولمْ يحْزنْ لفقْده – والقرْآن الكريمُ يقولُ وبالوالديْن إحْساناً- فكيْف يرْحمُ الآخرين؟!
قال القُرْطبيّ[95]: كان النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وادَعَ أهْلَ مكّة سنَةً وهو بالحُديْبية فحبَسُوه عَن البيْت ثُمّ صالحُوه على أنْ يرْجعَ فمكثُوا ما شاء اللهُ ثُمّ قاتلَ حُلفاءُ
النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم مِنْ خُزاعةَ حُلفاءَ بني أُميّة مِنْ كنانةَ فأمدّتْ بنُو أُميّة حلفاءَهم بالسّلاح والطّعام فاسْتعانتْ خُزاعةُ بالنّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم..اهـ
والشّاهدُ قولُه " فأمدّتْ بنو أُميّة حلفاءَهم بالسّلاح والطّعام"مع أنّ بيْنهم وبيْن النّبيّ صلى الله عليه وآله معاهدةٌ تتضمّن عدمَ الاعْتداء على حُلفائِه.وما ذُكرسابقا لا يقولُ أمدّت قُريْش و لكنْ يقولُ أمدّتْ بنوأُميّة؛فيكونُ الغدْرُ عادةً لدى بني أُميّة قبْل فتْح مكّةَ وبعْده.
ولبني أميّة أعمال سافلة كثيرة،تبيّن فيهاإلحادهم وجهلهم واستخفافهم بالدين،أختارُ منها هذه على سبيل المثال لا الحصر،وأنا معتذرممّا يجده القارئ من الاشمئزاز فإنّ ناقل الكفر ليس بكافر.قال الأصفهاني في فصل خاص بطرب الوليد[96] :..عن محمّد بن سلام عن أبيه عن شيخ من تنوخ ولم يقل عمر بن شبّة في خبره
محمّد بن سلام عن أبيه ورواه عن محمّد عن شيخ من تنوخ قال كنت صاحب ستْر الوليد بن يزيد فرأيت ابن عائشة عنده وقد غناه إنّي رأيت صبيحة النفر** حورا نفين عزيمة الصبر** مثل الكواكب في مطالعها** بعد العشاء أطفن بالبدر** وخرجت أبغي الأجر محتسبا** فرجعت موفورا من الوزر** قال إسحاق في خبره: والشّعر لرجل من قريش والغناء لمالك هكذا في خبر إسحاق [..] قال فطرب الوليد حتى كَفَرَ وألحَدَ وقال ياغلام اسقنا بالسّماء الرابعة!!وكان الغناء يعمل فيه عملا ضلّ عنه من بعده ثمّ قال أحسنت والله يا أميري أعد بحقّ عبد شمس! فأعاد ثم قال أحسنت والله يا أميري أعد بحق أميّة! فأعاد ثم قال أعد بحق فلان أعد بحق فلان حتى بلغ من الملوك نفسه فقال أعد بحياتي فأعاده قال فقام إليه فأكبّ عليه فلم يبق عضومن أعضائه إلا قبّلَه وأهوى إلى هَنه[97] فجعل ابن عائشة يضمّ
فَخذَيْه عليه فقال والله العظيم لاتريم[98]حتى أقبّله فأبداه له فقبّلَ رأسَه[99] ثم نزع ثيابه فألقاها عليه وبقي مُجرّدا[100]إلى أن أتوه بمثلها ووهب له ألف
ديناروحمله على بغلة وقال اركبها بأبي أنت وانصرف فقد تركتني على مثل المقلى من حرارة غنائك فركبها على بساطه وانصرف.
***
من الأساليب التي اسنعْملها المُسْتبدّون من الحكّام على مرّ التّاريخ أسلوبُ الرّقابة والحظْر،وهويتمثّل في منْع تسرّب كلّ خبر يكْشف عن انْحرافاتهم الْحسّيّة والمعْنويّة،ويقْدَح في كفاءتهمْ وأهْليّتهمْ للحُكْم.والشّواهد على ذلك في عصْرنا أوْضَحُ مِنْ نارٍعلى عَلَم،ويُمْكنُ القوْل أنّه أقْسى ما يتعرّض له ُمثقّفوالأمّة العربيّة على وجْه الخُصوص.ويُعْتبَربنوأُميّة من السّباقين في هذا المجال،وأخبارهم في ذلك موزّعة في كتب التاريخ والأدب والسيروالتراجم،ولوتوفّرَلديْهم في ذلك العهْد ماهو مُتوفّرٌاليوْم منْ وسائلَ وتقْنيّات لكانت ْالعواقب والآثارأضعافَ ماهي عليه اليوْم؛فقد بلغ بهم الأمر أنّهم كانوا يدْفنون بعْض المُعارضين أحياءً يتنفّسون،وفي نفْس الوقْت يبْذلون الأمْوال الطّائلة لمنْ ينْسب إلى النّبيّ صلى الله عليه وآله أحاديثَ وأخباراً لاأصْل لها ويخْتلقُ لهمْ ولأسْلافِهم فضائلَ لا تنْسجم مع ما اقْترفتْه أيْديهم.وهذه أقْوال صحابة وتابعين تشْهدُ على بني أُميّة بتلْك الممارسات المنافية لمبادئ الإسْلام.
في كتاب أبجد العلوم[101]:عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أنّه قال حفظْت منْ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وعاءيْن،أمّا أحدُهما فبثثْتُه وأمّا الآخرُ فلوْ بثثْتُه لقُطعَ هذا البلْعُوم.
وغرضهم عدمُ إمْكان التّعْبير عنْه وخوْف مقايسة السّامعين الأحوالَ الإلهيّةَ بأحْوال المُمكنات فيَضلّوا بسوء الظّنّ في قائلها فيقابلوه بالإنْكار (انتهى) .قلتُ [102]: المرادُ بالوعاء الآخرأخْبارُ دوْلةِ بني أُميّة كما صرّح به أهْلُ الحديثِ ومَنْ قال بِخلافِه لمْ يأْت بما يشْفي الغليل فإنْ شئْت الاطّلاع على تمام الكلام في ذلك
فارجعْ إلى القسْطلانيّ ولا تغْترّ بأقْوال هؤلاء الذين ليْسوا من علْم السّنّة المُطهّرة في ورد ولا صدر.اهـ
وفي المُستَدركْ[103] ...عن شهْربن حوْشب قال لمّا جاءت بيْعة يزيد بْن مُعاويَة قلْت لوْخرجْت إلى الشّام فتنحّيْتُ مِنْ شرّهذه البيْعة فخرجْت حتّى قدمْت الشّام
فأُخْبرْتُ بمقامٍ يقُومُه نوْف[104]فجئْتُه فإذا رجلٌ فاسدُ العيْنيْن عليْه خميصة وإذا هوعبْد الله بْن عمْرو بْن العاص رضي الله عنْهما فلمّا رآه نوْف أمْسكَ عن الحديث
فقال له عبْد الله حدّثْ بما كنْتَ تحدّثُ به قال أنْتَ أحقّ بالحديث منّي، أنْتَ صاحبُ النّبيّ صلى الله عليه وآله .قال إنّ هؤلاء قدْ منَعُونا عن الحديث يعْني الأمَراءَ [!!] قال اَعْزِمُ عليْك إلاّ ما حدّثْتَنا حديثاً سمعْتَه من النّبيّ صلى الله عليه وآله قال سمعْتُه يقول إنّها ستكون هجْرة بعْد هجْرة يجْتازالنّاس إلى مُهاجرإبْراهيم لا يبْقى في الأرْض إلاّ شرارأهْلها تلْفظهم أرْضهم وتقذرهم أنْفسهم والله يحْشرُهم إلى النّار مَع القِرَدَة والخنازير،تبيت معَهم إذا باتوا وتَقيل معهم إذا قالوا وتأْكل مَنْ تخلّف قال وسمعْت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول سيخْرج أناس مِنْ أمّتي من قِبَل المشْرق يقرؤون القرآنَ لا يُجاوزتراقيَهم كلّما خرج منْهم قرْن قُطع حتّى يخْرج الدّجّال في بقيّتهم.اهـ
وشاهدُنا من الحديث قوْلُه "إنّ هؤلاء قد منعونا عن الحديث يعني الأمراء" فإنّ فيه اعترافاً صريحاً بممارسة الدّوْلة الأمويّة للرّقابة والحظْر.ولم يدْركْ عبْد الله بْن عمْروبن العاص ولا غيرُه من الصّحابة دولةَ بني العبّاس لأنّ آخرَهُم موْتاً وهُوعامربْن الطّفيل تُوفّي قبْل قيامها بأكثرَ مِنْ عشرين سنةً.وأمّا عبد الله بن عمْروبْن العاص فقد ذكرَ ابنُ حجرفي موْته ثلاثةَ أقْوالٍ كلّها دون سنة ثمانين.قال ابن حجرفي الإصابة ج4ص167: " قال الواقديّ ماتَ بالشّام سنةَ خمْس وستّين وهويوْمئذ ابنُ اثْنتيْن وسبْعين وقال ابْن البرْقيّ وقيل مات بمكّة وقيل بالطائف وقيل بمصْرودُفن في داره.قاله يحيى بْن بكير. وحكى البخاريّ قولاً آخرَأنّه مات سنةَ تسْع وستّين وبالأوّل جزم ابْن يونس وقال ابنُ أبي عاصم مات بمكّة وهو ابْن اثنتين وسبعين وقيل مات سنة ثمان وستين وقيل تسع وستين " اهـ
وفي الطبقات[105]:... يوسفَ بنَ يعْقوبَ المَاجشُون قال كُنْتُ مع أبي في حاجة فلما انْصرفْنا قال لي أبي هلْ لك في هذا الشّيْخ فإنّه بقيّةٌ مِنْ بقايا قُريْش
وأنْت واجِدٌ عنْده ما شئْتَ منْ حديثٍ ونُبْل رأْيٍ يُريد عبد الله بنَ عُرْوة قال فدخلْنا عليْه فحادثه أَبي طويلاً ثُمّ ذكرَ أبي بني أُميّة وسوءَ سيرتِها وما قدْ لقيَ النّاسُ منْهم وقال انْقطع آمالُ النّاس منْ قُريْش فقال عبد الله أقْصرْ أيّها الشّيْخ فإنّ النّاس لنْ يبْرح لهمْ أمْرٌ صالح في قُريْش ما لمْ يَلِِ بنوفُلان فإذا وليتْ بنُو فُلان انْقطعتْ آمالهمْ فقال له سلمة الأعْوَرُ صاحبُنا بَنُو هَاشم فقال برأْسه أيْ نعمْ(اهـ).
لعلّه يُريدُ ببني هَاشم الحاكمين من " بني العبّاس" وهذا أمْرٌ لاغُبارعليْه، فقدْ ظلمُوا وتجاوزُوا كلّ الحُدود حتّى قال الشّاعر: ياليْت ظلْم بني مرْوان دام لنا ** وليْت عدْل بني العبّاس في النّار.لكنّ ذلك لايُعفي بني أُميّة ولا يُبرّر ظُلْمهم،ولك أنْ تتأمّل قولَه" ثُمّ ذكرأبي بني أُميّة وسوءَ سيرتها وما قدْ لقيَ النّاس منْهم وقال انْقطع آمال النّاس منْ قُريْش " فإنّها شهادةٌ منْ مُعاصِر مُعايِن، يشْهدُ على بني أُميّة بسوء السّيرة وأنّ النّاس قد لَقُوا ّمنْهمْ.أمّا أن يكونَ القصْد من ذلك حكْمَ بني هاشم على الإطلاق فواضح البُطْلان لأنّ أفضل دوْلة تكُونُ على الأرْض هي دوْلة المهْديّ عليه السلام الذي يملأ الأرْضَ عدْلاً وهومن صميم بني هاشم.
وفي كتاب الفتن ج1ص130:..عن ناعم موْلى أمّ سلمة قال:سمعْتُ أباهُرَيْرَة رضي الله عنه يقول:إنّ السّلطان لا يُكلّم اليوْم وذلك في زمن مُعاويَة(اهـ).
هذا في ما يتعلّق بممارسة بني أُميّة للرّقابة والحظْر،وفرْضِهم الحصَارعلى الفكْروحيْلولَتِهم دونَ نقْل التّراث بأمانة كما يقتضيه الواجب الدّيني،فإنّ عامّة فقهاء المسلمين ومحدّثيهم لا يزالون يردّدون" بلّغواعنّي ولو آية "وبنوأُميّة ينْهون عنْ ذلك ويُعاقبُون مَنْ لايلْتزمُ بنَهْيهم.
ـــــــــــــ
قال المقريزي[106]:ليس من الغريب تحريف حديث سدّ الأبوْاب:أخرج أحمد في المناقب وابن راهويه في المسند وعبد الرّزاق في المُصنّف عن
معمرقال:سألت الزُّهْريّ من كان كاتِب الكتابِ يوم الحديبية ؟فضحك وقال: عَليٌّ،ولوسألت هؤلاء قالوا:عثمان.يعني بني أُميّة[107](اهـ).
أقول:إنّ ابن شهاب الزُّهْريّ كان معروفاً بانْحرافه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام،وقد شهدت عليه أختُه رُقيّة بذلك أمام الجعفريّ وعيّرته بأخذ جوائز بني أميّة وكتْمان فضائل آل محمد،وذكّرتْه بما روى لها ابن المنكدر.[108]وإنّ شهادة مثله على بني أميّة من قَبيل " شهد شاهد من أهْلها "؛ فإذا كان هذا رأيَ مَن يأخذ
جوائزهم،فكيفَ بمن يتعرّض للأذى من قِبََلهم.وفي هذا بيان لمن أراد معرفة حقيقتهم من أفواه أنصارهم.ولا شكّ أنّ لتلك الأعمال التي أقدموا عليها أثرها على تراجع مستوى التعليم والتديّن في المجتمع الإسلامي آنذاك لأن الأفكارلا تنموإلا في ظلّ الحرّية.وقد سمحت أساليب بني أميّة بظهورمتملّقين لا يهمّهم إلا الحصول على حطام الدنيا وتصدّرالمجالس،ونتج عن ذلك اختلاط الحقّ بالباطل في قضيّة الحديث النبويّ الشّريف،واحْتيجَ إلى علْم يميّز صحيح الحديث من سقيمه؛إلا أنّ ذاك العلم نفسه لم يسْلمْ أربابُه من الهوى وتقديس الانتماءات والولاءات والترويج لها،فانفتح باب القدح وتكوّنت معسكرات وراج التبديع والتكفيروصار حبّ أهل البيت عليهم السلام الذي نزل به قرآنٌ يُتلى[109]عيباً قادحاً في وثاقَة الرّاوي مُسقطاً لعدالته.وتفاقم الأمرإلى أن لم يعُدْ أهل الشأن أنفسهم يستسيغونه،وهوما حدا بابن
حجرالعسقلاني أن يقول:" وقد كنت أستشكل توثيقهم الناصبيّ غالياً وتوهينهم الشّيعة مطلقاً ولا سيما أنّ عليّاً ورد في حقّه لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلا منافق"[110]،وهي شهادة من خبير،ولاينبئك مثل خبير،وإن كان قد برّرالاستشكال فيمابعد بما يناسب مبانيَه.وعلى العموم فإنّ الضّررالذي نتج عن ممارسة بني أميّة
للتّحريف والتّزوير والرّقابة لا يصحّ إنكاره وتجاهله،بل ينبغي اعتبارُه عاملاً أساسيا في تفريق الأمّة وخلق الصّعوبات والعقبات في طريق الباحثين،ومنع العاملين في الساحة العلمية من اختصارالطريق في سيرهم وتكاملهم.ويحزّفي نفس كل غيورعلى تُراث الأمّة الإسلاميّة أن يرى المغْرضين من المسْتشْرقين والعلمانيّين يستغلّون حصاد بني أميّة لتلفيق الشّبهات والتُّهم وإذكاء نيران الفِتَن،وتشكيك شباب الأمّة في أصول ثقافته.لقد قدّم بنو أميّة لأعداء الإسلام خدمةً كبيرةً كان ذلك عن قصْدٍ أوْعن غيْر قصْد.ولوأنّ بني أميّة اكْتفوا بالاسْتحواذ على الحُكم ولم يتدخّلوا في كلّ صغيرة وكبيرة من شُؤون الأُمّة لكان الضّررأخفَّ ولكان استدراكه أسهلَ.وقد صرّح جماعة من أمثال عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي برزة الأسلمي وأبي هريرة أنّ الحاكمين من بني أميّة منعوهم من تحديث النّاس بأحاديث النّبيّ صلى الله عليه وآله،وفي هذا ما فيه من أثر سلبيّ على التراث،هذا مع أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله تقدّم لهم في ذلك وحذّرمن كتمان العلم.فالذي يمكن اعتماده في المسألة هو أنّ بني أميّة ـ وعلى رأسهم معاوية ـ وإن لم يكونوا أوّل من مارس الرّقابة والحظروحاسب النّاس على ما يقولون،إلاّ أنّهم طوّروا الأساليب وتخطّوا كل الخطوط بحيث يصل بهم الأمر أحيانا إلى دفن المعارضين أحياء.ولاشكّ أنّ تعدّد اشكال الإرهاب الفكريّ يجعل هَمّ اغلب النّاس منحصراً في الإبقاء على النفس وتجنّب كل مامن شأنه أن يؤسس شبهة أو تهمة،وبذلك تُمهّد السّبل للانتهازيين والمتملّقين وتُسدّ الأبواب في وجوه العاملين من أهل الضمائرالحية.ولمن أراد التمعّن في ذلك أكثرأنْ ينظرفي حال شُعوب دُول العالم الإسلامي والمستوى الذي وصل إليه المثقفون الذين آثروا البقاء في أوطانهم؛فالخيارات محْدودة والنّتائج متوقّعة سلفاً،إمّا أنْ ينضوُوا تحْت راية الحاكمين ليصْبح التملّق جزءاً من حياتهم اليوميّة،وإمّا أن يصبروا على المضايقات والإهانات صبراً يجعل الولْدان شيباً.كلّ ذلك لأنّ الحاكمين يُمارسون الرقابة والحظر ويمْنعون الألْسُن التي هي ودائع الله تعالى أن تقول كلمةً لا تُناسب مِزَاجَهم وهواهم.
والفجورفي بني أُميّة معلوم،وأوفرهم حظّاً فيه آل أبي سُفْيان،وكيف لا يكونون كذلك ومُعاويَة يشْهد على أبيه بالزّنا في قضيّة استلحاق زياد بن عُبيد كما هو مذكور في محلّه.وقد كان جدُّهم أُميّة صاحبَ عهَاروفُجوروكان يزيد يمارس الفجورويشجّع عليه.قال المقريزي[111]:ولم يكن أُميّة في نفْسه هُناك وإنّما رفعه أبُوه
وبنُوه وكان مضْعُوفا،وكان صاحبَ عهَار يدلّ على ذلك قولُ نُفيْل بْن عبْد العُزّى جدّ عمربْن الخطّاب حين تنافرإليه حرْب بْن أُميّة وعبْد المطّلب بْن هاشم فنفرعبْد المطّلب وتعجّب من إقْدامه عليْه وقال:أبُوك مُعَاهرٌ وأبُوهُ عَفٌّ **وذادَ الفيلَ عنْ بلدٍ حَرَام؛ وذلك أنّ أُميّة كان يعْرض لامْرأة منْ بني زُهْرة فضربَه رجلٌ منْهم ضربةً بالسّيف وأرادَ بنُو أُميّة ومنْ تابَعهُم إخراجَ زُهْرة من مكّة،فقام دونَهم قيْسُ بنُ عديّ السّهميّ وكانُوا أخْوالَه وكانَ منيعَ الجانب شديدَ العارضة حميّ الأنْف أبيَّ النّفس،فقامَ دونَهم وقال وصاحَ(أصبَح ليْل) فذهبتْ مَثلاً ونادى " ألا إنّ الظّاعنَ مُقيم"؛ففي هذه القصّة يقول وهْب بن عبْد مناف بن زُهْرة: مهلاً أُمَيّ فإنّ البغْيَ مَهْلكةٌ **لا يكْسبنّك ثوْباً شرّهُ ذكَرُ** تبدُو كواكبُه والشّمسُ طالعةٌ** يصبُّ في الكأس منهُ الصّاب والمقرُ[112].وصنعَ أُميّة في الجاهليّة شيئاً لمْ يصنعْه أحدٌ من
العرب:زوّجَ ابنَه أبا عمْروبنَ أُميّة امرأتَه في حياةٍ منْه،والمقْتيّون في الإسْلام هم الذين أولَدُوا نساءَ آبائهم واستنْكَحُوهنّ من بعْد موْتهم،وأمّا أنْ يتزوّجها في حياته ويبْنيَ عليْها وهُو يراهُ فإنّ هذا لم يكُن قطّ .اهـ
وفي المستطرف[113]:لمّا دخلَ الفيلُ من دمشق واجْتمع النّاس لرُؤيته صعدَ مُعاويَةُ في مكان مُرْتفع ينْظر اليْه فبيْنما هو كذلك إذ نظرَ في بعْض الحُجَر من
قصْره رجلاً مع بعْض حُرَمه[!!]فأتى الحجرةَ ودقَّ الباب فلم يكنْ من فتْحه بُدٌّ فوقعتْ عينُه على الرّجل فقال له ياهذا في قصْري وتحْت جناحي تهْتكُ حُرْمتي وأنْتَ في قبْضتي ما حملك على هذا قال فبُهتَ الرّجلُ وقال حلْمُك أوْقعني فقال له مُعاويَة فإنْ عفوْتُ عنْك تستُرها عليّ قال نعمْ فعفا عنْه وخلى سبيلَه وهذا من الحلْم الواسع أنْ يطْلب السّتر من الجاني(اهـ).
أقول:ليس هذا من الحلم الواسع وإنّما هو من الدّياثة،والله تعالى يقول " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " وهوأرأف بعباده من أنفسهم.ولا أدري إنْ كان الأبشيهي يعْمل بالحلْم الواسع لوْ حصلَ في بيْته مثْلُ الذي حصل في قصْر معاوية!!
وفي جمهرة خطب العرب[114] قول الحسن بن علي عليهما السلام لعتبة بن أبي سفيان:وأماأنت يا عُتبة فوالله ما أنْت بحصيف فأجيبك ولا عاقل فأحاورك
وأعاتبك وما عندك خيرٌ يُرْجى ولا شرّ يُتّقى وما عقْلُك وعقْلُ أَمَتك إلاّ سواء وما يضرّعليّاً لو سببْتَه على رؤوس الأشْهاد وأمّا وعيدُك إيّاى بالقتْل فهلاّ قتلْتَ اللّحيانىّ إذ وجدْته على فراشك [!!] أما تستحي من قول نصر بن حجّاج فيك:
يا للرّجال وحادث الأزْمان ولسبّة تُخزي أبا سفيان
نُبّئْتُ عتبة خانَه في عرْسه جنْسٌ لئيمُ الأصْل منْ لحْيَان
وبعد هذا ما أربأ بنفسى عن ذكْره لفُحشه فكيْف يَخافُ أحدٌ سيفَك ولم تقتُلْ فَاضِحَكَ..(اهـ).
وكثيرمن بني أُميّة محدودون في الخمر وغيرها .
قال محمّد بن حبيب البغدادي[115]:وحدّ عمروبن سعيد بن العاص عبدَ العزيزَ بن مَرْوان[والد عمربن عبد العزيزخامس الرّاشدين في نظرالشافعي والذّهبيّ ]
في الخمْرفقال يحيى بن الحكَم بن أبي العاص:وددْت وبيت الله أنّي فديتُه * وعبد العزيز وهو يجلَد في الخمْر.وحدّ عبد الله بن الزبير حين بويع خالدَ بن المهاجر بن الوليد المخزوميّ في خمْروُجدت معه،وحدّ عبد الملك بن مَرْوان هاشمَ بن المسوّربن مخْرمة وكان افترى على رجل من قُريْش بالمدينة فكتب عاملُ عبد الملك على المدينة يُخْبرعبدَ الملك بذلك،فكتب إليه حُدّه كما حُدّ أبوه وجدّه قبْله،وحد عبد الملك أيضا يحيى بن عبد الرحمن بن الحكم[ابن أخي مَرْوان]وكان عاملُه على المدينة كتب إليه يستأذنُه فيه فكتب إليه:حُدّه فإنّه فاسق ابْن محدود،فحدّه،وحَدّ أبو بكربن عمْرو بن حزم الأنْصاريّ وهوعاملُ عبد الملك على المدينة هشامَ بنَ عُرْوة بنِ الزّبيرفي فرْية على رجُل منْ بني أَسَد بن عبد العُزّى،وحدّ عبدُ الرحمن بن الضّحاك بن قيْس الفهريّ وهوعاملُ المدينة للوليد بن عبد الملك هشامَ بن عُرْوة بْن الزّبيرفي فرْية افتراهاعلى رجُل من بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم،وضرب إبراهيم بن هشام وهو على المدينة مصعبَ بن عُرْوة بن الزّبير حدّاً في الخمْر،وحدّ أيضا حمزةَ بن مصعب بن الزبيرفي الخمْر،وحدّ أيضاعبد الله بن عُرْوة بن الزّبيرفي الخمْر،وحدّ عمربن عبد العزيز يعقوبَ بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة وكان افترى على أخيه أيوب بن سلمة،وحدّ إبراهيم بن هشام أو محمّد بن هشام وهوعامل هشام بن عبد الملك على المدينة إسماعيلَ بن عُثمان بن الأرْقم المخزُومي في الخمْر،وحدّ عمر بن عبد العزيز إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفربن أبي طالب في الخمْر فقال إسحاق لعمر:وددت يا عمرأنّ الناس كلهم جُلدوا،يريد بذاك أباه عبد العزيزلأنه حُدّ في الخمر ..
[1] مُستَدرك الحاكم ج4ص534، تفْسير القرطبي ج14 ص239 ، كتاب الفتن ص131
[2] شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ج 1 ص 335
[3] لسان العرب ـ ابن منظورـ ج6ص129
[4] وأمية ابن أخي هاشم بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه و آله قال ابن هشام : " فولد عبد مناف بن قصي أربعة نفر هاشما وعبد شمس والمطلب وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال ونوفل بن عبد مناف وأمه واقدة بنت عمرو المازنية قال ابن هشام وولد لعبد مناف أيضا أبو عمرو وتماضر وقلابة وحية وريطة وأم الأخثم وأم سفيان ".
[5] تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكرـ ج11 ص181
[6] اختلفوا في ضبط اسمه .
[7] عمروالأشدق هذا هوالذي ذبحه عبد الملك بن مَرْوان بعدما أعطاه الأمان.طالع شذرات الذهبج1ص77
[8] كان عبد الله بن أمّ مكْتُوم أعْمى،وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله يستخلفه على المدينة.
[9] " قولهم شنشنة أعرفها من أخزم " يضرب مثلا للرجل يشبه أباه ( جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري ج1ص541 ).
[10] الإتقان ـ السيوطي ج2ص395 تحت رقم5772
[11] تفسير البغوي ج4ص543
[12] فتح القدير ـ الشوكاني ـ ج3 ص108
[13] فتح القدير ـ الشوكاني ـ ج3ص110/111
[14] المُستَدرك على الصحيحين ـالحاكم النيسابوري ـ ج2ص 383 تحت رقم 3343
[15] زاد المسير ـ ابن الجوزي ـ ج4ص335
[16] الدّرّالمنْثور ـ السيوطي ـ ج5 ص296
[17] الفهر الحجر قدر ما يدق به الجوز ونحوه أنثى ( لسان العرب ج5ص66 )
[18] تفْسير ابن كثيرج4 ص 565
[19] الدّرّ المَنثُر السيوطي ج 5ص309
[20] " بني فلان " ليس فيه تصريح باسم القبيلة، فإن كان تعمّداً فهو من كتمان العلم،وإن كان تقيّة فإنّما يدلّ على إرهاب فكري رهيب في زمن الصحابة!
[21] المزّيّ نسبة إلى المزّة قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ج 5ص 122 قرية كبيرة غناء في وسط بساتين دمشق بينها وبين دمشق نصف فرسخ وبها فيما يقال قبر دحية الكلبي صاحب النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ويقال لها مزة كلب.
[22] تفْسيرالبيضاوي ج4ص193
[23] تفْسير الطّبريّ ج 19 ص 8
[24] تفْسير القُرْطبيّ ج 12 ص293
[25] هذا لا يصحّ لأنّ جبلة بن الأيهم أسلم في خلافة عمر، ثم ارتدّ بعدذ ذلك إثر قصة له معه، ولم يعرف أهل الشام الإسلام على عهد النّبيّ (صلى الله عليه وآله .
[26] زاد المسير ـ ابن الجوزي ـ ج4ص362
[27] تفْسير الطّبريّ ج13ص219
[28] فتح القديرـ الشوكاني ـ ج3ص239
[29] الدّرّالمنْثورـ السيوطي ـ ج5ص31
[30] فتْح القدير ـالشوكاني ـ ج3ص240
[31] زاد المسير ـ ابن الجوزي ـ ج5ص54
[32] المَنثُورالدّرّ المَنثُور ـ السيوطي ـ ج 7 ص456
[33] تفْسير الصنعاني ج 3 ص 242
[34] تفْسيرالثّوريّ ج1ص 157
[35] تفْسيرأبي السّعود ج5ص45
[36] لباب النّقولـ السيوطي ـ ج1 ص 233
[37] الدّرّ المنْثورـ السيوطي ـ ج 8 ص569
[38] زاد المسير ـ ابن الجوزي ـ ج5ص54
[39] تفْسيرالبغويّ ج 3 ص 35
[40] نفس المصدر ج3ص350
[41] فتح القدير ج 3 ص433
[42] النزاع والتخاصم ـ المقريزي ـ ص72:
[43] معجم الصحابة ـ ابن قانع ـ ج1ص284
[44] نفس المصدر ج2ص129
[45] مجمع الزوائد ـ الهيثمي ـ ج10ص71
[46] كذا في مجمع الزوائد
[47] مشاهيرعلماء الأمْصار ـ ابن حبّان البستيّ ص 68
[48] الفتن ـ نعيم بن حماد ـ ج1ص132 تحت رقم320
[49] نفس المصدر ج1ص130 تحت رقم 314
[50] الغلام معروف ، وتصغيره غليم ، والجمع غلمة وغلمان . واستغنوا بغلمة عن أغلمة . وتصغير الغلمة أغيلمة على غير مكبره ، كأنهم صغروا أغلمة وإن كانوا لم يقولوه ، كما قالوا أصيبية في تصغير صبية . وبعضهم يقول غليمة على القياس .( الصحاح - الجوهري - ج 5 ص 1997).
[51] النزاع والتخاصم ـ لمقريزي ـ ص 82
[52] المستدرك على الصحيحين ـ الحاكم النيسابوري ـ ج4ص525تحت رقم 8475
[53] نفس المصدر ج 4 ص 479
[54] المُستَدرك ج 4 ص 529 تحت رقم 8482
[55] كتاب الفتن ج1ص133
[56] في تداول مفردة الزندقة على عهد النّبيّ نظر ...ظالع لسان العرب ج10ص147وتاج العروس ج6 ص373 وشرح شافية ابن الحاجب ج2 ص188 .
[57] سنن التّرمذي ج1ص444 تحت رقم 3350
[58] مسند الشاميّين ـ الطبراني ـ ج2ص338
[59] مسند أبي يعلى ج12ص 197
[60] نفس المصدرج13ص417
[61] المُستَدرك ـ الحاكم النيسابوري ـ ج 4ص 481
[62] المُستَدرك ج 4ص 482
[63] تفْسير الطّبريّ ج30ص260 ط [ دار الفكر 1405 هـ ]
[64] الفائق في غريب الحديث الزمخشري ج2ص161
[65] حديث " علي مع الحق ورد في مستدرك الحاكم ج3ص134ومجمع الزوائدج7ص235وتاريخ بغدادج14ص320وسنن الترمذي ج5ص633ومسند البزارج3ص52وفيض القديرج2ص236وج4ص13وتذكرة الحفاظج3ص844وسير أعلام النبلاءج15ص279والكامل في ضعفاء الرجال ج6ص445وضعفاء العقيلي ج4ص210وكتاب المجروحين ج3ص10وتهذيب الكمال ج10ص402والعلل المتناهيةج1ص255والرياض النضرةج1ص243وقال المحبّ الطّبريّ بعده أخرجه الترمذي و الخلعي وابن السمان.
[66] تاريخ الخلفاء ـ السيوطي ـ ج1ص218
[67] شرح القصائد الهاشميات - الكميت بن زيد الأسدي ص 80
[68] هو كثير عزّة لم يصرّح به.
[69] توجد ترجمته في مرآة الجنان 4 / 169 و النجوم الزاهرة 7 / 230 و البداية والنهاية 13 /257و شذرات الذهب 5 / 325.
[70] أنساب الأشراف ج4ص78
[71] الأتان:الحمارة، والجمع آتن مثل عناق وأعنق وأتن وأتن [ لسان العرب / ابن منظور/ ج13 ص 6 ]
[72] أنساب الأشراف ج4 ص 79
[73] تمام البيت : وراحت إلى العطّارتبغي جمالها***وهل يصلح العطّارما أفسد الدهر
[74] النهاية في غريب الحديث ـ ابن الأثير ـ ج1ص 345
[75] الإصابة ـ ابن حجر ـ ج 1ص346
[76] تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن ) ج14ص239
[77] المُستَدرك ـ الحاكم ـ ج4ص534
[78] نهج البلاغة ج 1 ص 154
[79] نهج البلاغة ج1ص183
[80] يأتي فصل خاص بأعمال بني أميّة لاحقا إن شاء الله تعالى
[81] في نهج البلاغة ج 1ص 190
[82] مُستَدرك الحاكم ج4 ص 479
[83] تطْهير الجنان (بهامش الصواعق المحرقة) ـ ابن حجرالهيتميّ- ص 142
[84] تهذيب التّهذيب ابن حجرالعسقلاني ج 1ص509
[85] فتْح الباري ـ ابن حجرـ ج13ص308
[86] حلْية الأولياء ـ أبو نعيم ـ ج4ص385
[87] تاريخ المدينة - ابن شبة النميري ـ ج1ص 101:
[88] تاريخ مدينة دمشْق لابْن عساكر ج 21 ص 124
[89] شرح نهْج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1ص 196
[90] هو عبد الرحمن بن عوف الزُّهْريّ
[91] ههنا يأمر بإخراج عبد الرحمن بن عوف وقد مر بك سابقا أمره بإخراج الرجل الحضرمي الذي استدعاه من اليمن .ولم يثبت أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله أمر بإخراج مسلم ).
[92] تاريخ الطّبريّ ج3ص297
[93] مُعْجم ما اسْتعجم ج2ص585
[94] من الحمية والحمية منع الطيب المريض من تناول أمور معينة أثناء العلاج.وقد ورد حديث : المعدة بيد الداء والحمية رأس كل دواء.
[95] تفْسيرالقرطبي ج 8 ص 85
[96] الأغاني ـ الأصفهاني ـ ج2ص218
[97] قال أبو الهيثم : هي كناية عن الشئ يسستفحش ذكره،( لسان العرب / ابن منظور/ ج15 ص 365 ).
[98] لا تريم أي لا تبرح
[99] الضمير في (رأأسه ) يعود على (هنه) ومعنى الكلام أنّ الخليفة قبّل رأس ذَكَر المُغَنّي.
[100] مجرّداً أي عارياً كما ولدته أمّه.
[101] أبجد العلوم ـ القنوجي ـ ج1ص247
[102] القائل هو القنوجي
[103] مستدرك الحاكم ج4 ص486
[104] قال ابن ماكولا في في إكمال الكمال ج1ص 569 : وأما نوف أوله نون وآخره فاء فهو نوف بن فضالة البكالي أبو يزيد ابن امرأة كعب روى عنه نسير بن ذعلوق قاله البخاري.
[105] الطبقات الكبرى (القسم المتمم) ج1ص227
[106] النّزاع والتّخاصم ـ المقريزي ـ ص 127
[107] ( فضائل الصحابة لاحمد : 2 / 591ح 1002مناقب علي وراجع الهامش ، والمطالب العالية : 4/ 234 ح 4346 باب الحديبية ، والمُصنّف لعبد الرّزاق: 5/ 343ح 9722 . اهـ
[108] قال ابن عساكرفي تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 227: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر أنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن أنا السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين نا سليمان بن أحمد الحافظ نا محمد بن إسحاق الحافظ إسماعيل بن أبي أويس نا جعفر بن إبراهيم الجعفري قال كنت عند الزُّهْريّ أسمع منه فإذا عجوز قد وقفت عليه فقالت يا جعفري لا تكتب عن فإنه مال إلى بني أمية وأخذ جوائزهم فقلت من هذه قال أختي رقية خرفت قالت خرفت أنت كتمت فضائل ال محمد قالت وقد حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال أخذ النّبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله [ * * * * ] قالت وحدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال النّبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.
[109] ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليهأجرالا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إنّ الله غفور شكور.[ الشورى 23 ]
[110] تهذيب التهذيب - ابن حجر العسقلاني ج 8ص 411
[111] النزّاع والتخاصم ـ المقريزي ص 50
الصاب بتخفيف الباء عصارة شجر مر[ الصحاح ـ الجوهري ـ ج1 ص156 ] [112]
قيل :المقر السم ، وقال أبوعمر: المقر شجر مر . السكيت : أمقر الشئ ، فهو ممقر إذا كان مرا . ويقال للصبر:المقر[ لسان العرب - ابن منظورـ ج5 ص 182].
[113] المستطرف في كل فن مستظرف ـ الأبشيهي ـ ج1ص411
[114] جمهرة خطب العرب ج2ص22
[115] "المنمّق" محمّد بن حبيب البغدادي ص 398