مكتبة العقائد الإمامية

فهرس الكتاب

 

 

 

 

كل ما في مسرا (البرهمي)

المهندس البرهمي الروحي الهندي

هذا العظيم، يعتنق الدين الإسلامي الحنيف، وبالخصوص مذهب الشيعة، مذهب أهل البيت(ع) في كربلاء المقدسة، على يد سماحة العلامة الكبير، السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني، على أثر مناظرة دارت بينه وبين السيد، في الديانة الإسلامية والبرهمية، فأذعن بالإسلام وصحته، وبالخصوص مذهب الحق، مذهب أهل بيت النبوة (ع).

قالت (مجلة المرشد) البغدادية: كان المهندس البرهمي المسمى(كل ما في مسرا) شاباً قوي الجسم، من أبناء الأربعين دخل العراق مع الجيش في أبتداء الحرب العامة بصفة مهندس، وأخيراً كان المهندس على جدول(جورجي) في الفرات الأوسط.

وفي سنة (1336 هـ) دخل السيد(محمد مهدي آل قنبر علي) على مجلس العلامة الرئيس، السيد هبة الدين الشهرستاني الأفخم، في (كربلاء )، يستأذن السيد الرئيس.

لقبول المهندس المذكور مباحثاً معه في الديانة الإسلامية. ولما سأله عن داعيته الحقيقية، قال المستأذن: إنني موظف عنده (أي البرهمي) وكان يراني أصوم شهر رمضان مع حر البر، وأعمال النهار، فصار يحادثني عن الشؤون الدينية، أوقات فراغه، حتى قال لي ذات يوم: إن شدة التمسك منكم بدين الإسلام، ومجاهدتكم في سبيله، دليل على أن الإسلام دين ينطوي على حكمة جذابة، استهوت عقولكم، وعواطفكم إلى درجة التعشق، لكنني آسف على أنك لا تعرف من بواطن دينك ومعارفه شيئاً حتى تجيبني عما أسأل. أفهل عندكم علماء مرشدون يسهل السبيل إليهم، والتحاور معهم؟ قلت له: نعم وها هو قد جاء ونزل في دار (السيد أبو جعفر صاحب المعظم).

فتأمل سماحة الرئيس، ثم قال: أنا أزوره، فإن القادم يزار، والضيف يكرم، ولو كان كافرأً. ولما جاء السيد الرئيس، وفي المجلس حضرة السيد محمد الحكيم، وميرزا محمد باقر خان بهادر، وجماعة آخرون، وتبودلت عواطف الولاء، قال(البرهمي) فيما يقال: إن الإسلام يفرض على الجميع عبادة شيء لايحس ولايمس، لالون له ولاشكل، ولا...ولا... لكن هذا غير معقول، ومخالف للمصلحة. أما إنه غير معقول: فلأن العقل لا يمكنه أن يعترف بثبوت شيء لا يحس ولايمس، لا لون له، ولاشكل. أرجو العفو في قولي: إن العقل مهما كان دقيقاً، فلا يستريح عند التصديق به. وأما قولي: إنه خلاف المصلحة، فلأن الدين قد يعتبر بعض الأشياء لمصلحة. وبما إن العبادة أساس الديانات، ولا يستثنى منها أحد، فالمصلحة تبعث إلى جعله سهلاً واضحاً نافعاً، حتى يرغب العموم فيه، ويقتدرون عليه. فسامحوني إذا قلت: إن أكثرية البشر لايقدرون على الإعتراف بوجود شيء غير محسوس.

أما نحن البراهمة فنرفض إجبار الجميع على العبادة ولكن نتركهم أحرار في أنتخاب ما يعبدون مما يحسبونه عظيماً. فالجاهل قد يعبد أبويه، أو المنعم عليه، ثم يترقى إلى عبادة أعظم ما يراه بين يديه، وهكذا إلى أن يصير فيلسوفاً، فيعبد إله الآلهة فوق السماوات العلى. ‍

فأبهر الحاضرون حسن بيانه، لكنه ينطق بالهندية، وحضرة السيد محمد الحكيم يترجم عنه بكل براعة، وبلاغة.

فأجاب السيد الرئيس قائلاً: سامحني إذا سألت هل فيك وفي جمهور البشر روح وعقل ؟ فأجاب البرهمي: نعم بديهي وجودهما في الجميع.

السيد: هل هما محسوسان؟ وما لونهما ؟ وكيف شكلهما، ووصفهما ؟

البرهمي: العفو ‍ لايدعي أحد أنه رأى الروح، أو العقل، حتى يصف لونهما، أو شكلهما، ولا هما محسوسان بإحدى الحواس البشرية.

السيد: فإذن قد أعترف بأن الروح أو العقل لا يحس، ولا يمس، ولا يوصف بلون أو شكل، ومع ذلك تعترف بأنه موجود فيك، وفي غيرك. فأرجوك أن تتذكر قولك سابقاً في الاعتراض على معبودنا أنه لايحس ولايمس إلخ... وتتذكر قولك: إن العقل لا يسعه أن يتصور وجود غير المحسوس، فضلاً عن عبادته... إلخ. فإن بقيت الآن على إعتراضك يلزمك أن تنكر العقل والروح أيضاً، لأنهما موجودان، وغير محسوسين، وإن عدلت عن قولك تحولنا إلى بحث آخر‍ البرهمي: العفو‍ أوضح لي كيف أن العقل يؤمن بغير المحسوسات؟

السيد: العقل بما أنه ثابت وغير محسوس بنفسه، بل هو محسوس بأثره، فإنه يؤمن بتحقق أمثاله من الحقائق الخفية التي تبدو آثارها محسوسة، ودلالة الأثر على وجود

المؤثر طبيعية، ومنطقية معاً.

مثاله: إن الإنسان يحس من أخيه باليقين، آثاراً لا تنفك عن العلوم والعقل معاً، مثل الكلام، والكتابة، وهندسة البناء، وغيرها فيجزم باليقين أن في صاحبه عقلاً مدبراً لأفكاره ولأعماله. ولكنه مع يقينه، يتحقق العقل بأنه جاهل بحقيقة أصله، وهكذا الإنسان يعرف ربه أي: يحس بكائنات الأرض والسماء، ويرى لهن أنظمة متقنة، فيعتقد أن لهذه الكائنات مدبراً حكيماً، ومنظماً عظيماً.

فالعقل يعتقد من ذلك بثبوت هذا الرب المدبر الحكيم، القادر العليم،وإن جهل أصله، وتفاصيل كنهه.

البرهمي: (بكل مسرة وإستحسان) هل هذا من فكرتكم؟ أو موجود في كتاب نبيكم، ويعرفه المسلمون؟

السيد: نعم يوجد الإشارة إليه في كتاب نبينا محمد(ص) كما في قوله تعالى:

(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)

وفي آية أخرى:

(قل الروح من أمر ربي) - ( أفي الله شك فاطر السماوات والأرض)

أي: من العالم الربوبي. وفي حديث النبي (ص): (من عرف نفسه عرف ربه).

البرهمي: كفاني هذا الكلام الصحيح، ولكن أتجاسر بأن أقول إن هذه الحقيقة العالية، لايدركها إلا عظماء الحكماء، والعبادة عمل العموم، فلا بد أن تؤسس على صورة سهلة الحصول، وهي التي لدينا من التدرج في المعبودات حسب تدرج عقلية العابد.

السيد: لا يسع المقام بيان نظرية التدرج والتطور، إن تمت في عوالم المادة، فإنها لا تتم في التدين والروحانيات العالية، ولكن يسعني القول في جوابكم بأن العبادة (كما قلتم) هي الحجر الأساس القائم عليه بناء الدين، فإذا أستقام من مبدئه على صحة، استقام كلما بني عليه، بالغاً ما بلغ، والعكس بالعكس. هذا أصل مسلم. ومسلم أيضاً قولك: إن الديانة ضرورية للبشر، فلا بد وأن تؤسس على أصول بسيطة سهلة القبول، سمحة المفعول، وعلى هذين الأصلين أعاهدك على أن أساس العبادة في الإسلام مبني على الصحة والإستقامة، وهي عبادة الإنسان لخالقه الذي هو خالق الكائنات عامة، وهذا الخالق بما أنه مبدأ وجود الكل، ومنعم الكل، حقيقي يتوجه الكل إليه وحده في العبادة، وأن هذا المعبود، وإن خفي على حواسنا، فإن خفاء حقيقته لا ينافي ظهور تحققه بالآثار، كما أن الروح التي هي آية الله في كل إنسان، خفيت أيضاً عن الحواس، ولكن جفاءها لا ينافي إيمان الجميع بثبوتها. إذن فعبادة المسلمين صحيحة متينة، وسهلة القبول، حسب الأصلين السالفين..

أما ما ذكرتم عن البراهمة: إرخاء العنان للإنسان حتى يعبد كلما يخاله أعظم من نفسه، فيصبح البرهمي عابداً لأبويه، ثم يضحي عابداً الأشجار ثم يمسي عابد الرعود والبروق، الأمر الذي جعله مؤرخة الأديان أساساً لنشؤ الأديان، وجوزتم للإنسان أن يتدرج في أنتخاب المعبود لنفسه، كلما تدرجت مشاعره،و ارتقت معارفه، وهذا أمر باطل، وصعب القبول على العقول، وخلاف المصلحة العامة.

أما بطلانه:فلأن العبادة خضوع إختياري من العابد للمعبود، ومثله لا بد وأن يوجد بسبب غير القوة والقهر،أعني به أستحقاق المعبود للخضوع له، فبأي سبب أستحق منك الحجر والشجر والبقر، أن تخضع لها، وأنت أقدر منها، وأرقى وأنفع لها، وأدرى؟ فعبادة الإنسان لما دونه، غير صحيحة، وباطلة.

وأما أنها صعبة القبول لدى العقول: فلأن البرهمية تولد لك في كل عام ألف معبود (كما أن لكم ثلاثة وثلاثين مليونا ًمن أنواع الآلهة) والنفسية الإنسانية لو خيرت بين عبادة واحد هو أعظم الكل في الكل، وبين عبادة آلاف الألوف، من صغار وكبار، فأيهما السهل المقبول، وأيهما الصعب الموجب للنكور؟

وأما كونها مضرة ومخالفة للمصلحة العامة: فلأن البرهمية تريك في تجولاتك من معبود خطأك في الأول، ثم في الثاني، ثم في الثالث، وهلم جرأَ.

فتربي فيك وفي أمثالك صفة العكوف على الأباطيل والأكاذيب، والأوهام، وسهولة الإقامة على الاضلة والذلة، وتمحو منكم نفسية الحاكمية، وهن من أمهات الرذائل والأخلاق الذميمة فما أستتم السيد كلمه حتى بدت دلائل الإنفعال في وجه البرهمي، وأظهر بقوة لهجته، أنقيادة للحجة، وإعترافه بفساد ما كان عليه سابقاً، وأن التوحيد هو الدين المكمل لنفسية الموحدين.

ثم جرت مذاكرات هامة أخرى في فصول النبوة والإمامة، أسفرت عن إعتناق المهندس البرهمي لدين الإسلام الحنيف، وبالخصوص لمذهب الشيعة مذهب أهل البيت(ع) وسأل عن شرائط التدين، فأملى عليه السيد الشهادة الكاملة، وهي الإقرار لله بالوحدانية، ولمحمد (ص) بالنبوة، ولعلي وأبنائه المعصومين، بالإمامة، والخلافة (ع) وأسلم (كل مافي مسرا) وبدل أسمه (بكل محمد)، وحسن إسلامه والتزاماته بالعبادات كلها، ثم أتت منه كتب مهمة منها في الصلاة، والثاني في بطلان ما عليه البرهمانية، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.