إلى حامل لواء الإمامة الكبرى والخلافة العظمى ولي العصر المهدي المنتظر
الحجة ابن الحسن العسكري أرواحنا فداه يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا
ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين علي
هذه الطبعة لقد سبق وأن انتشر من كتابنا: حديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث
النور، وحديث الغدير، وقسم السند من حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها.. وكانت في
عشرة أجزاء ووقع - والحمد لله - موقع الرضا والقبول، والتقدير اللائق والثناء
الجميل.. من مراجع الأمة، وكبار العلماء، ورجال الفكر والتحقيق. ولهم مني الشكر
الجزيل المتواصل.. ولا عجب.. فإن كتاب (عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار)
كتاب لم يؤلف مثله في بابه في السلف والخلف... كما وصفه علماؤنا الكبار.. والجهد
الذي بذلته في سبيل إحيائه.. بنقله إلى اللغة العربية، وتخليص لبابه، ومراجعة
مصادره، وتنظيم بحوثه، والتعليق والاستدراك عليه.. لا يبذله إلا الأقلون.. ومن شاء
الوقوف على جانب من عظمة الكتاب فليرجع إلى المقدمة التي أسميتها ب (دراسات في
كتاب العبقات).
وهذه الطبعة.. جاءت منقحة مما كان في الطبعة السابقة من أخطاء علمية أو فنية أو
مطبعية.. ومزيدة بفوائد كثيرة تجعلها متميزة عن تلك.. كتوفر طائفة كبيرة من المصادر
المخطوطة سابقا أو العثور على جملة من المطبوعات.. فكان من الضروري إرجاع المطالب
المنقولة عنها إليها. والاهم من ذلك: أن بعض المصادر التي نقل عنها بواسطة مؤلفات
أخرى أصبحت الآن بأيدينا - بفضل المطابع ودور النشر - فأوردت البحوث عنها مباشرة،
ووضعتها في محالها في الكتاب، إلى جنب الروايات المنقولة بالواسطة. كما أني رجحت في
قسم من الهوامش أن تكون في المتن ولهذه الأمور وغيرها.. جعلت عنوان الكتاب (نفحات
الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار) وأرجو الله عز وجل أن يجعل هذه العمل خدمة للأمة
الإسلامية للوصول إلى وحدتها وإعادة مجدها، وأن يكون نافعا لي - ولجميع من آزرني
فيه بأي نحو من الأنحاء - يوم لا ينفع مال ولا بنون المؤلف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله
الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين. وبعد: فإن
الاعتقادات أشرف الموضوعات، وأهمها الإمامة، فإن من العدل نصب الإمام على العباد كي
يعبد به الله تعالى، وتتبع سنن النبي صلى الله عليه وآله، ويصلح أمر المعاد. وكتاب
عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار أجل ما كتب في الإمامة من صدر الإسلام
إلى الآن، ولم يكتب مثله في بابه في السلف والخلف، ومن كتب بعده فيها فعيال عليه،
وناسج على منواله، وسالك في سبيله.. وقد من الله تعالى علي أن وفقني لتعريبه
وتهذيبه ومراجعة مصادره وتحقيقه منذ عام 1385، وبعد أن شرعت بدراسة العلوم
الإسلامية في الحوزات العلمية.. فكان كلما سنحت لي فرصة انتهزتها لخدمته، وكلما
حصلت في الدروس عطلة صرفتها في كتابته.. حتى تم إعداد عدة مجلدات منه، وطبع حتى
الآن عشرة أجزاء بمدينة قم في الفترة ما بين سنة 1398 وسنة 1408 ه. وقد كانت لي
مذكرات كتبتها في خلال العمل حول الكتاب وأساليبه في ردوده واستدلالاته، ومات يتوفر
عليه من فوائد وتحقيقات لم يسبق إليها في سائر المؤلفات، وإضافات على ما كتبته في
حياة المؤلف وأسرته والتعريف بكتابه ومكتبته. فلما عزمنا - بحول الله وقوته، ورعاية
سيدنا الإمام المهدي عجل الله فرجه وعنايته - على إعادة طبع تلك المجلدات
والاستمرار في طبع ما بقي منها، دونت تلك المذكرات، وجعلتها في أبواب تتقدمها
تمهيدات، فالباب الأول: في بيان التزام المؤلف بقواعد البحث وآداب المناظرة،
والثاني: في أسلوبه في الاستدلال، والثالث: في أسلوبه في الرد، والرابع: في بحوث
وتحقيقات في كتاب العبقات، والخامس: في التعريف بالكتاب، والسادس: في ترجمة المؤلف
ومشاهير أسرته، والسابع: في التعريف بمكتبة الأسرة، والثامن: في التعريف بكتاب
التحفة الاثنى عشرية، والتاسع، في ترجمة مؤلف التحفة الاثنى عشرية، والعاشر: في
بيان عملنا في الكتاب. وقد سميت هذه المجموعة باسم (دراسات في كتاب العبقات). والله
أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبلها بأحسن قبول، وأن يوفقنا لما
يحب ويرضى. إنه سميع مجيب.
*(1)* لبى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوة ربه.. لكن شريعته خاتمة
الشرائع ولا نبي بعده.. فلا بد له من وصي يقوم بأمره، وخليفة يخلفه في أمته. وهذا
أمر لا خلاف فيه ولا كلام. إنما الكلام في شخص الخليفة عن رسول الله، فأصحابه صلى
الله عليه وآله وسلم كثيرون عددا، وفيهم المهاجرون والأنصار، القرشيون وغيرهم،
والأقارب والأباعد.. فمن الخليفة من بعده؟ وما الطريق إلى معرفته؟ يقول الله عز
وجل: *(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا
مما قضيت ويسلموا تسليما)* 1.
(هامش)
1 - سورة النساء: 69. (*)
ص 14
ويقول سبحانه: *(.. فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)* 1. ويقول تعالى:
*(وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)* 2. ويقول: *(وما كان لمؤمن ولا
مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)* 3. و(الإمامة) شيء
تنازعت الأمة فيه، وأمر شجر بينهم، فيجب ردها إلى الله والرسول .. وهم.. -
وربك - لا يؤمنون حتى يحكموا النبي صلى الله عليه وآله فيها، ثم لا يجدوا في أنفسهم
حرجا مما قضى، ولا يكون لهم الخيرة، ويسلموا تسليما.. والعقل يرى أن أقرب الطرق
وأوثقها إلى معرفة الوصي هو الرجوع إلى نفس النبي .. هذا النبي الذي *(ما
ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)* 4.. ولو فرض أنه قد فوض إليه أمر تعيين الخليفة
من بعده، فإنه أعرف الناس بأصحابه، وأحرصهم على أمته.. فلنرجع إلى الله والرسول،
أي: إلى الكتاب والسنة. *(2)* في القرآن الكريم طوائف من الآيات لها علاقة بمسألة
الإمامة والخلافة: 1 - الآية الواردة في خصوص مسألة الإمامة، وهي قوله تعالى: *(وإذ
ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن. قال إني جاعلك للناس إماما
(هامش)
1. سورة النساء: 63. 2. سورة القصص: 68. 3. سورة الأحزاب: 36. 4. سورة النجم: 3.
(*)
ص 15
قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)* 1. إذن: الإمامة لا تنال:
الظالمين . 2 - الآيات التي تعطينا الملاك العام للأفضلية والتقدم، كقوله تعالى:
*(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)* 2. *(يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم
درجات)* 3. *(فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما)* 4. فملاك التقدم في هذه
الآيات هو التقوى و العلم و الجهاد . 3 - الآيات النازلة في قضايا ومواطن
خاصة، في حق أشخاص من الصحابة يستدل بها على الأولوية بالامامة، كقوله تعالى:
*(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون)* 5. فقد جعل الله سبحانه في هذه الآية الولاية لمن آمن وأقام الصلاة
وآتى الزكاة وهو راكع. إلا أن المرجع في تعيين من نزلت في حقه هو السنة . وفي
السنة أيضا طوائف من الأحاديث لها علاقة بموضوع الإمامة والخلافة أهمها طائفتان:
الأولى: النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله في خصوص موضوع الإمامة
والخلافة. والثانية: النصوص الواردة في تفسير الآيات المتعلقة بالامامة المشار
(هامش)
1. سورة البقرة: 119. 2. سورة الحجرات: 13. 3. سورة المجادلة: 13. 4. سورة النساء:
98. 5. سورة المائدة: 60. (*)
ص 16
إليها.. ونحن يمكننا معرفة الوصي على ضوء النصوص من الطائفة الأولى، كما يمكننا
معرفته بمراجعة نصوص الطائفة الثانية، والنظر في كلمات المفسرين وأخبار المؤرخين
حول نزول تلك الآيات. وإذا تم ذلك وجب العمل والاتباع عقلا ونقلا - كما أشرنا -
وبذلك يرتفع التنازع و التشاجر .. *(فلا وربك لا يؤمنون حتى.. يسلموا
تسليما)*. وإن إمكان تعيين الخليفة على ضوء تلك الأحاديث، يتوقف على ثبوتها سندا
ودلالة، أي: لا بد أولا من الوثوق بصدور الحديث من النبي صلى الله عليه وآله، فإذا
ثبت صدوره عنه نظرنا في مدلوله ومفاده، فإن دل على معنى - من غير معارض له في ذلك -
أخذنا به وقلنا: هذا ما قضى الله ورسوله به، وصدق الله ورسوله. وهذه هي الطريقة
التي يتبعها الفقهاء بالنسبة إلى نصوص الفروع الفقهية والمسائل الشرعية، فلماذا لا
تتبع في نصوص مسألة الإمامة؟ *(3)* نشأت الطائفة الشيعية في حياة النبي صلى الله
عليه وآله - كما دلت الأحاديث المتفق عليها - والشيعي من شايع عليا 1 وتابعه
ووالاه. وقد عرف بهذه الصفة عدة من خيار صحابة النبي، اعتقدوا إمامته عليه السلام
للأمة وخلافته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وانحازوا إليه بعد وفاته صلى
الله عليه وآله وسلم، ولم يفارقوه حين فارقه الناس، ولم يعرضوا عنه حين أعرض عنه
الجمهور.. وتطورت هذه الفرقة، وامتدت جذورها إلى جميع الأقطار، وانتشرت
(هامش)
1 - القاموس المحيط شاع . (*)
ص 17
عقائدها في كل مكان، واعتنقها طائفة كبيرة من التابعين فمن بعدهم، رجعوا إلى أئمة
أهل البيت فيما أشكل عليهم من الكتاب والسنة، وعندهم درسوا، وعنهم أخذوا. فكان فيهم
المفسرون، والفقهاء، والمحدثون، والزهاد، والعلماء.. حتى جاء دور الإمام جعفر بن
محمد الصادق عليه السلام، فأصل الأصول وشيد الأركان، فعرف مذهب هذه الفرقة ب
المذهب الجعفري . *(4)* واشتغل الشيعة في مسألة الإمامة منذ وفاة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بجد وجهد، لأنها عندهم زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح
الدنيا، وعز المؤمنين . إن الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي .
بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء
الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف 1. فدافعوا عنها، وضحوا من أجلها،
واستسهلوا المشاق في سبيلها، ولم تثن عزائمهم السياط ولا السجون، وحتى استشهد من لا
يحصي عددهم إلا الله. قالوا: الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله هو علي بن
أبي طالب لا سواه.. واستدلوا - منذ اليوم الأول - لما قالوا بالكتاب والسنة..
فإنه ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة 2.. وهما المرجع في كل شيء، ولا يكون
المؤمن مؤمنا حتى يسلم لما جاءا به تسليما.. ثم ألفوا في ذلك الكتب، ونظموا
الأشعار.. في ظروف قاسية وأيام صعبة، يتتبعهم الجواسيس، وتلاحقهم السلطات..
(هامش)
1. الكافي 1 / 200. 2. المصدر نفسه 1 / 59. (*)
ص 18
ومع ذلك كله تراهم - إذا نظرت أحوالهم وسبرت أخبارهم - لا يعتمدون في بحوثهم إلا
على الكتاب والسنة، يطلبون الحق، وينشدون الحقيقة، رائدهم الدين الصحيح، والاصلاح
ما استطاعوا، بهدوء ووقار، ونقاش متين، وأدب رفيع، وجدال بالتي هي أحسن... *(5)*
ويعتقد الشيعة الإمامية بأن مسألة الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
هي مسألة أصولية كالنبوة 1. وبأن في النصوص الواردة عنه صلى الله عليه وآله في
تعيين الإمام من بعده غنى عن أي دليل آخر. وهم - وإن كان اعتمادهم في السنة على ما
ورد عنه صلى الله عليه وآله بطريق أهل بيته المعصومين - يحتجون في هذه المسألة
بالنصوص الواردة عن طريق خصومهم، والمسطورة في أسفار مخالفيهم.. هذا من حيث السند.
وأما من حيث الدلالة.. فقد صدرت تلك الأقوال من النبي الكريم صلى الله عليه وآله
بلسان عربي مبين . وكما يرجع في فهم كلماته والألفاظ الصادرة عنه في مسائل الصلاة،
والصيام، والحج، والجهاد، والبيع، والشراء، والنكاح، والطلاق.. وأمثالها.. إلى
العرف واللغة.. كذلك يرجع الشيعة في فهم مداليل ألفاظه في مسألة الإمامة والخلافة
إلى اللغة
(هامش)
1 - ويستدلون على ذلك أيضا بالكتاب والسنة كما لا يخفى على من راجع كتبهم في
الإمامة. ومن النصوص النبوية الدالة على ذلك الحديث المشهور المتفق عليه: من مات
وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية وله ألفاظ أخرى في مختلف الكتب، هذا بالنسبة
إلى أصل الإمامة. قالوا: والمراد إمامة علي وأولاده، واستدلوا على هذا بنصوص كذلك،
منها ما أخرجه الحاكم والطبراني وأبو نعيم وغيرهم عنه صلى الله عليه وآله أنه قال:
من أحب أن يحيى حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول علي بن
أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة . (*)
ص 19
والعرف، وإلى سائر الأحاديث النبوية، لأن الحديث يفسر بعضه بعضا . وفي هذا
المقام أيضا يحتج الشيعة بكلمات علماء أهل السنة في التفسير واللغة والأدب وغير
ذلك.. هذه طريقة الشيعة في الاستدلال بالنصوص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام،
وهي طريقة واضحة لا غموض فيها ولا اعوجاج ولا اضطراب.. وقال أهل السنة بأن
الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله هو أبو بكر .. وقد اختلف استدلالهم على
هذا الاعتقاد، واضطربت كلماتهم.. فتارة: يستدلون بالنصوص التي يروونها في فضل أبي
بكر مثل: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر . وأخرى: يستدلون بالأفضلية. فقالوا
بأن الأتقى في قوله تعالى: *(وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما له عند
أحد من نعمة تجزى)* هو أبو بكر و الأتقى هو الأفضل لقوله تعالى: *(إن
أكرمكم عند الله أتقاكم)* فأبو بكر هو الأفضل. ولا تنعقد ولاية المفضول عند وجود
الأفضل . وثالثة: يستدلون بالاجماع. وأجاب الشيعة ببطلان الحديث المذكور سندا
ودلالة. وبأن المرجع في تعيين المراد من الأتقى في الآية هو السنة. وبأن
الإجماع غير منعقد على خلافة أبي بكر. *(6)* وأنكر أهل السنة النص على إمامة أمير
المؤمنين عليه السلام، وألفوا الكتب في الرد على الشيعة، إلا أنها - في الأكثر -
مشحونة بالبغضاء والشحناء، والسب والاهانة، والكذب والبهتان... لينظر المنصف إلى ما
كتبه العلامة الحلي المتوفى سنة 726 مثل كتاب (منهاج الكرامة في الإمامة) وكتاب
(نهج الحق).. ليرى هناك
ص 20
الاحتجاج بصحاح أهل السنة، وسائر كتبهم المعتمدة في الفنون المختلفة، بأسلوب متين،
لا تعصب فيه ولا تعسف.. ثم لينظر إلى كتاب (منهاج السنة) 1 الذي كتبه أحمد بن عبد
الحليم المعروف بابن تيمية في الرد على (منهاج الكرامة).. وما كتبه فضل الله بن
روزبهان الخنجي في الرد على (نهج الحق) وهو الكتاب الذي أسماه ب (إبطال نهج
الباطل) 2. فهل قابلاه بالمثل استدلالا وأدبا ومتانة؟ ثم إن أقل ما يجده المنصف
المتتبع لكتب أهل السنة هو التعصب وإنكار الحقيقة.. ولنذكر لذلك مثالا: يقول
الشيعي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم غدير خم: ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه . فيقول رجل من أهل السنة: هذا كذب لم يقله رسول الله. فيجيب
الشيعي قائلا: أخرجه فلان وفلان من أهل السنة. فإذا رأى السني أن لا جدوى لإنكار
أصل القضية قال: وأين كان علي في ذاك اليوم؟ كان باليمن.. فيعود الشيعي ليقول: روى
قدومه من اليمن فلان وفلان.. من أهل السنة. وإذا انتهى دور المكابرة في السند. قال:
صدر الحديث: ألست أولى.. من وضع الشيعة.
(هامش)
1. رد عليه أحد أعلام الشيعة في القرن الثامن بكتاب: الانصاف في الانتصاف لأهل
الحق من الإسراف . ولنا مناقشات كثيرة معه في شرحنا على كتاب منهاج الكرامة سنقدمه
للطبع إن شاء الله. 2. رد عليه القاضي نور الله التستري الشهيد ببلاد الهند بكتاب:
إحقاق الحق وإزهاق الباطل وعمد الشيخ محمد حسن المظفر إلى تأليف كتاب دلائل
الصدق لنهج الحق تتميما لما كتبه القاضي المذكور. وقد أعاد سيدنا النجفي المرعشي
طبع إحقاق الحق مع تعليقات كثيرة جدا، صدر في 25 جزء.
(*)
ص 21
فأجاب الشيعي: رواه فلان وفلان من أهل السنة.. فيدعي إنكار أهل اللغة مجئ (المولى)
بمعنى (الأولى). فيخرج له الشيعي قائمة بأسماء اللغويين الذين نصوا على ذلك وهم من
أهل السنة. ومثال آخر: يقول الشيعي قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة
العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها . فأول ما ينكر السني صدور
هذا الحديث عنه صلى الله عليه وآله. فإذا رأى أسماء رواته من كبار علماء طائفته
قال: فأبو بكر و.. أبواب كذلك. فإذا أثبت له الشيعي جهل هؤلاء بأبسط المسائل على
ضوء كتب أهل السنة قال: ليس علي في الحديث علما، بل هو وصف للباب بمعنى مرتفع
. لماذا هذا التلاعب بالنصوص النبوية؟ وهلا فعلوا ذلك بلفظ الصلاة و الحج
و الوضوء و الغسل وأمثالها؟ *(7)* وقد شكلت كتب الردود قسما كبيرا من مؤلفات
الإمامية في مسائل الإمامة، كما لا يخفى على من لاحظ فهارس المؤلفات. والسبب في ذلك
هو أن أهل السنة لا بضاعة لهم إلا الكذب والانكار، فمن السهل عليهم أن يقولوا حديث:
مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح فمن ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك كذب موضوع.
أو أن حديث: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء
علي فأكل معه لم يروه أحد من أصحاب الصحاح ولا
ص 22
صححه أئمة الحديث. أو حديث: خلقت أنا وعلي من نور واحد موضوع بإجماع أهل السنة.
أو يقولوا في جواب: من كنت مولاه فعلي مولاه لم يقل أحد من أهل العربية بمجئ
(المولى) بمعنى (الأولى). أو أن علي في أنا مدينة العلم وعلي بابها هو من
العلو أي مرتفع، أو أن المراد من بأحب خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي.. هو
الأحب في الأكل مع النبي .. إن كل واحد من هذه الأقاويل سطر واحد أو سطران، لكن
الجواب عنه يستدعي فصلا كبيرا من البحث، وربما يشكل كتابا برأسه، كما هو واضح. فمن
هنا ترى كثرة كتب الرد عند الشيعة قديما وحديثا: فألف عمرو بن بحر الجاحظ كتاب
(العثمانية). ورد عليه جماعة من أعلام الشيعة بردود اشتهرت ب (نقص العثمانية)، كما
رد عليه أبو جعفر الاسكافي من المعتزلة. وألف السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي
كتاب (الشافي في الإمامة) ردا على كتاب (المغني) للقاضي عبد الجبار بن أحمد، ثم
لخصه تلميذه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، واشتهر كتابه ب (تلخيص الشافي). وألف
شهاب الدين الشافعي الرازي 1 من بني مشاط كتاب (بعض فضائح الروافض). فرد عليه الشيخ
نصير الدين عبد الجليل بن أبي الحسين بكتاب (بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح
الروافض). وألف يوسف الأعور الشافعي الواسطي كتاب (الرسالة المعارضة في
(هامش)
1. قال في الذريعة: هو وإن لم يصرح في الكتاب باسمه لكنه يعرف بإشاراته كما ذكره
القزويني المذكور في نقضه. (*)
ص 23
الرد على الرافضة). فرد عليه: الشيخ عز الدين الحسن بن شمس الدين المهلبي الحلي
بكتاب (الأنوار البدرية في كشف شبه القدرية) قال فيه: التزمت فيه على أن لا أستدل
من المنقول عن الرسول صلى الله عليه وآله إلا بما ثبت من طريق الخصم ولا أفعل كما
فعل الناصب في كتابه . والشيخ نجم الدين خضر بن محمد الحبلرودي الرازي بكتاب
(التوضيح الأنور في دفع شبه الأعور). وألف شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي المكي
كتاب (الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة). فرد عليه القاضي نور الله
الشهيد بكتاب (الصوارم المهرقة في رد الصواعق المحرقة) وكذا السيد مير محمد
القزويني المعاصر... وهكذا.. توالت كتب التهجم على الشيعة حتى زماننا، فألف كتاب من
أهل السنة في هذا العصر (الصراع بين الوثنية والاسلام) و(الوشيعة في رد عقائد
الشيعة) و(الخطوط العريضة) و(مسائل موسى جار الله) و... و.. وصدرت كتب الردود عليها
من قبل علماء الشيعة.. *(8)* وكان لعلماء الهند من الفريقين السهم الوافر والدور
البارز في هذا الباب، فالهند بلاد واسعة يقطنها الملايين من المسلمين، أنجبت في كل
فرقة علماء ورجالا تركوا آثارا خالدة في مختلف العلوم الإسلامية. ومن الطبيعي أن
تدعو كل فرقة إلى نفسها، وتستغل كافة الوسائل في سبيل نشر عقائدها، وقد ساعد على
ذلك ما في بلاد الهند من حرية الفكر والقول والتأليف والنشر. وقد بلغ النشاط الفكري
والصراع العقائدي ذروته في الهند في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.. فقد نبغ بين
الشيعة الفقيه المجاهد الكبير السيد
ص 24
دلدار علي بن معين الدين النقوي المولود سنة 1166 والمتوفى سنة 1235، الذي انتشرت
بفضل جهوده تعاليم المذهب الجعفري في تلك الارجاء، وانتظمت على يده أمور الطائفة،
بعد أن كانوا متفرقين ليست لهم دعوة إلى مذهبهم، وما كانت لهم جامعة تجمعهم، واشتغل
طيلة أيام حياته الشريفة بترويج الدين ونشر الأحكام بإقامة الشعائر وتأليف الكتب
وتربية العلماء. ولما وصل خبره إلى حسن رضا خان - من وزراء حكومة أوده في لكهنو
- استدعاه للإقامة بلكهنو، فهاجر إليها، وانصرف إلى بث تعاليم الدين وإقامة
الشعائر. وكان العلامة المولى محمد علي الكشميري الشهير بپادشاه 1 نزيل فيض آباد قد
ألف في تلك الأيام رسالة في فضل صلاة الجمعة، حث فيها السلطان آصف الدولة ابن شجاع
بن صدر جنك سلطان مملكة أوده في لكهنو على إقامة الجمعة، وذكر من هو أهل لإمامة
الجماعة، وهم: السيد دلدار علي وتلميذاه الميرزا محمد خليل والأمير السيد مرتضى،
فأمر السلطان بإقامتها، ورشح السيد لها. فأقامها ابتداء من ظهر اليوم الثالث عشر من
رجب - يوم ولادة أمير المؤمنين عليه السلام - سنة 1200. ثم أقيمت الجمعة في السابع
والعشرين منه، يوم مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت أول صلاة جماعة
للشيعة تقام في تلك الديار. ثم استمرت الجماعة والخطب، وانتشرت أندية الذكر ومجالس
الوعظ، واهتم السلطان لترويج الشريعة، وتشييد الدين، وكثر طلاب العلم، وأخذوا
يتواردون على السيد من كل صوب 2. قال السيد عبد الحي اللكهنوي المحقق السني: ثم إنه
بذل جهده في إحقاق مذهبه وإبطال غيره من المذاهب، لا سيما الأحناف والصوفية
(هامش)
1. توجد ترجمته في: أعلام الشيعة، نزهة الخواطر 7 / 456. 2. أعلام الشيعة، الكرام
البررة 2 / 519. (*)
ص 25
والإخبارية، حتى كاد يعم مذهبه في بلاد أوده ويتشيع كل الفرق 1. أقول: ولعل هذا
الذي ذكر هو السبب في تأليف معاصره المولوي عبد العزيز بن ولي الله العمري الدهلوي
الحنفي المولود سنة 1159 والمتوفى سنة 1239 كتاب (التحفة الاثنا عشرية في الرد على
الإمامية).. ألفه ليكون سدا أمام تقدم المذهب الجعفري في الأقطار الهندية وتشيع كل
الفرق.. وهذا هو دأب أهل السنة في كل صقع.. فقد قال ابن حجر المكي في أول كتاب
(الصواعق المحرقة) ما نصه: فإني سئلت قديما في تأليف كتاب يبين حقية خلافة الصديق
وإمارة ابن الخطاب، فأجبت إلى ذلك مسارعة في خدمة هذا الباب، فجاء بحمد الله
أنموذجا لطيفا ومنهاجا شريفا ومسلكا منيفا. ثم سئلت في إقرائه في رمضان سنة خمسين
وتسعمائة بالمسجد الحرام، لكثرة الشيعة والرافضة ونحوهما الآن بمكة المشرفة أشرف
بلاد الإسلام، فأجبت إلى ذلك رجاء لهداية بعض من زل به قدمه عن أوضح المسالك.. .
فهذا دأب القوم، وليتهم أخذوا بالنزاهة في البحث والتزموا بجانب الانصاف، وعملوا
بقواعد المناظرة.. لكن صاحب (التحفة) نسج على منوال أسلافه من صاحب (الصواعق)
وأمثاله.. فأكثر من التهجم على الشيعة، ونسب إليهم العقائد الباطلة التي هم منها
براء، وحاول الحط عليهم بالأكاذيب والافتراءات.. وما أن انتشر كتاب (التحفة) حتى
انبرى له جماعة من علماء الشيعة - وعلى رأسهم السيد دلدار علي نفسه - بالرد والنقد،
وسنذكر أسماء تلك الكتب فيما بعد.
(هامش)
1. نزهة الخواطر 7 / 167. (*)
ص 26
وظللت مواضيع الباب السابع المتعلق بمباحث الإمامة من كتاب (التحفة) موضع الأخذ
والرد، والنقض والابرام، وحديث المجالس والأندية، حتى صدر كتاب (عبقات الأنوار في
إمامة الأئمة الأطهار).
ص 27
كتاب العبقات و عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار كتاب ألفه السيد مير
حامد حسين في الرد على التحفة الاثنى عشرية .. وقد كان صاحب التحفة قد زعم في
باب الإمامة من كتابه انحصار أدلة الشيعة على إمامة علي عليه السلام، في ستة آيات
واثني عشر حديثا فقط. ثم إنه أجاب بزعمه عن الاستدلال بالآيات والروايات.. فجعل
السيد صاحب العبقات كتابه في منهجين، المنهج الأول في الآيات، وهي: 1 - *(إنما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)* 1.
2 - *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* 2.
(هامش)
1. سورة المائدة: 55. 2. سورة الأحزاب: 33. (*)
ص 28
3 - *(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)* 1. 4 - *(فمن حاجك فيه من بعد
ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم
ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)* 2. 5 - *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)* 3.
6 - *(والسابقون السابقون أولئك المقربون)* 4. والمنهج الثاني في الأحاديث، وهي: 1
- يا معشر المسلمين! ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعلي
مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. 2 - قوله لعلي: أما ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. 3 - إن عليا مني وأنا من علي، وهو ولي
كل مؤمن من بعدي. 4 - كان عند النبي طائر قد طبخ له أو أهدي إليه. فقال: اللهم
ائتني بأحب الناس إليك يأكل معي هذا الطير. فجاءه علي. 5 - أنا مدينة العلم وعلي
بابها.. 6 - من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في
حلمه وإلى موسى في بطشه وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب. 7 - من
ناصب عليا الخلافة فهو كافر. 8 - كنت أنا وعلي بن أبي طالب نورا بين يدي الله قبل
أن يخلق
(هامش)
1. سورة الشورى: 23. 2 - سورة آل عمران: 61. 3. سورة الرعد: 7. 4 - سورة الواقعة:
10 و11. (*)
ص 29
آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزئين فجزء أنا وجزء علي
بن أبي طالب. 9 - قوله صلى الله عليه وآله يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب
الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه. 10 - رحم الله عليا، اللهم أدر
الحق معه حيث دار. 11 - قوله لعلي: إنك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله. 12 - إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم
من الآخر كتاب الله وعترتي. وقد بحث في ذيله حول حديث: مثل أهل بيتي فيكم مثل
سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق . ولما كانت التحفة بالفارسية كان
من الطبيعي أن يؤلف العبقات بالفارسية أيضا. وإن هذا التراث العلمي الخالد
بحاجة ماسة إلى مقدمة علمية تتوفر على دراسته، لا سيما بعد أن أصبح رائد الباحثين
المحققين في القرن الرابع عشر في مجال الصراع العقائدي.. وإليك ذلك في أبواب:
الباب
الأول الالتزام بآداب المناظرة وقواعد البحث

ويلوح للناظر في كتاب العبقات - قبل كل
شيء - التزام مؤلفه العملاق بآداب المناظرة وقواعد البحث، فإن هذه الظاهرة متجلية
للناظر فيه لأول وهلة، ومثله سائر علماء الشيعة في كل ما كتبوا في الاحتجاج على أهل
السنة، لكن القوم لم يلتزموا بشيء من هذه الآداب والقواعد. لقد كان صاحب العبقات
على جانب عظيم من الحلم والصبر وضبط
ص 30
النفس، فهو يقابل السباب بالأدب، والتعدي بالرفق، والظلم بالعدل والانصاف. ومن
قواعد البحث: أن ينقل المخاصم كلام خصمه حول المسألة المبحوث عنها، من دون زيادة أو
نقصان، وبكل دقة وأمانة، فإذا انتهى من إيراد كلامه بجميع جوانبه على أحسن ما يرام،
وقرره أتقن تقرير، شرع في جوابه وبيان مواضع الاشكال والنظر فيه.. ليكون البحث بحثا
موضوعيا نزيها ينير الدرب للأجيال، ويوقفهم على ما يقوله الطرفان، فيستمعون إليه
وينظرون فيه فيتبعون أحسنه... وكذلك فعل علماء الشيعة في بحوثهم.. وصاحب العبقات..
فإنه يصدر بحثه بعد خطبة الكتاب بنص عبارة الدهلوي صاحب التحفة الاثني عشرية،
فينقلها كاملة غير منقوصة ولا مبتورة، بل يتعرض لما أضافه الدهلوي في هامش كلامه من
نفسه أو نقلا عن غيره، من دليل وحجة، أو توضيح وبيان... ثم يأخذ رحمه الله في
إبطاله وتفنيده، بالأساليب المختلفة، من نقض أو معارضة أو جواب حلي... لكن القوم لم
يلتزموا بهذه القاعدة.. فترى الدهلوي يريد الجواب عن الاستدلال بحديث الثقلين:
إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي
أبدا لا يتطرق إلى وجه استدلال الشيعة بهذا الحديث أصلا. وفي حديث النور: خلقت
أنا وعلي من نور واحد يقول: لا دلالة لهذا الحديث على ما يدعيه الإمامية ولكن
أين وجه الاستدلال به على ما يدعونه؟ ويقول بالنسبة إلى حديث السفينة: مثل أهل
بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق يقول: لا يدل إلا على
الفلاح والهداية الحاصلين من حبهم والناشئين من اتباعهم، وإن التخلف عن حبهم موجب
للهلاك .. فهذا صحيح.. ولكن كيف يستدل به الشيعة على الإمامة والخلافة؟
ص 31
ومن قواعد البحث

أن يحتج المخاصم بما يرويه خصمه ويراه حجة، لا بما يرويه هو
ويعتمد عليه. وهذا مما التزم به صاحب العبقات وطبقه في بحوثه - كما عليه سائر
علمائنا الذين كتبوا في الاحتجاج على أهل السنة - فهو في مقام الاستدلال في كل باب
يحتج بكتب أهل السنة، ويستدل بأقوال كبار حفاظهم ومشاهير علمائهم في مختلف العلوم
والفنون، وسنشير إلى هذه الجهة باختصار عن قريب. لكن القوم ما التزموا بهذه
القاعدة، فإن ادعوا الالتزام بها لم يعملوا بها.. وقد نبه صاحب العبقات رحمه الله
على مواضع كثيرة خالف فيها الدهلوي هذه القاعدة المقررة، فتراه يتمسك بحديث:
عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وعضوا عليها بالنواجذ في
مقابلة حديث الثقلين، فيجيب السيد عنه قبل كل شيء بأن هذا الحديث مما تفرد به أهل
السنة، وإن الاحتجاج به ينافي الالتزام بالقاعدة. ومن قواعد البحث: أن يقال بالحق
ويعترف بالحقيقة في كلا مقامي الاحتجاج والرد على السواء. وكذلك فعل صاحب العبقات،
فإنه كما يسند الحديث الذي يريد الاحتجاج به إلى مخرجيه من أعلام أهل السنة، كذلك
يسند الحديث الذي يحتج به الخصم إلى مخرجيه وإن كانوا كثرة، فلا يكتم الحقيقة، ولا
يكتفي بالإسناد والنقل عن واحد أو اثنين ليقلل من شأن الحديث، بل يعترف بالواقع،
وينقله عمن رواه بجميع أسانيده وطرقه، ثم يجيب عنه نقضا وحلا. فهو حيث يريد الجواب
عن تمسك الدهلوي بما رووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: اقتدوا باللذين من
بعدي أبي بكر وعمر في مقابلة حديث الطائر: اللهم ائتني بأحب خلقك.. لا ينكر
أن هذا الحديث يرويه أهل السنة عن خمسة من الصحابة، بل لا يسكت عن ذلك، بل يعترف
بروايتهم إياه عنهم وهم: حذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود،
ص 32
وأبو الدرداء، وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر.. ثم ينقل نصوص أحاديثهم عن أهم
مصادرهم كالمصنف لابن أبي شيبة، والمسند لأحمد، وصحيح الترمذي، والمستدرك للحاكم.
ثم يشرع في إبطال الحديث المذكور سندا ومتنا بوجوه كثيرة جدا. لكن القوم لم يلتزموا
بهذه القاعدة.. فترى الدهلوي حيث يريد الجواب عن حديث الثقلين يقول: رواية زيد بن
أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن
تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله وعترتي . فتجاهل أن هذا الحديث مروي
عن أكثر من عشرين صحابيا، منهم: أمير المؤمنين علي عليه السلام. جابر بن عبد الله
الأنصاري. زيد بن أرقم. أبو سعيد الخدري. حذيفة بن أسيد. خزيمة بن ثابت. زيد بن
ثابت. سهل بن سعد. ضميرة الأسلمي. عامر بن ليلى الغفاري. عبد الرحمن بن عوف. عبد
الله بن عباس. عبد الله بن عمر. عدي بن حاتم. عقبة بن عامر. أبو ذر الغفاري.
ص 33
أبو رافع الأنصاري. أبو شريح الخزاعي. أبو قدامة الأنصاري. أبو هريرة. أبو الهيثم
بن التيهان. أم سلمة أم المؤمنين. أم هاني بنت أبي طالب. وهذا العدد فوق التواتر
بكثير. ثم إن اللفظ الذي أورده الدهلوي مبتور، فالحديث في (صحيح الترمذي) و(مسند
أحمد) وغيرهما من مصادر الحديث عند أهل السنة بعد وعترتي جملة: أهل بيتي،
وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض .
الباب الثاني أسلوبه في الاستدلال

وعلى ضوء
ما تقدم نتمكن من معرفة أسلوب صاحب عبقات الأنوار في استدلالاته. فإن كتابه هو
في إثبات إمامة الأئمة الأطهار من الكتاب والسنة. وقد وقع البحث في هذا الكتاب
عن عدة من النصوص يعتقد الشيعة دلالتها على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل، وقد أشرنا سابقا إلى أن في
النصوص الواردة في السنة النبوية غنى عن أي دليل آخر في هذا الباب. إلا أن إثبات
دلالة هذه النصوص على المذهب الحق يتوقف - كما أشرنا سابقا - إلى ثبوتها من حيث
السند أولا، ودلالتها على المطلوب ثانيا. وقد ذكرنا أن من قواعد البحث - بل عمدتها
- هو الاحتجاج والاستدلال بما يسلم به الخصم ويعتمده ويراه حجة. وهكذا كان بحث صاحب
العبقات.
ص 34
1 - البحث السندي

فقدم السيد البحث حول أسانيد النصوص على البحث حول الدلالة، إذ لا
بد أولا من تثبيت العرش ثم النقش عليه. فلا يجوز الاحتجاج - في الأصول وفي
المسائل الفرعية من الواجبات والمحرمات - بأحاديث لا أصل لها، أو مراسيل، أو ضعيفة
سندا.. فكيف بمسألة الإمامة التي هي أهم المسائل الإسلامية.. إلا أنه يشترط في
باب الإمامة أن يكون الخبر المحتج به - بالاضافة إلى اعتباره - معلوم الصدور عن
النبي صلى الله عليه وآله بالتواتر أو بالقرائن والشواهد والمؤيدات المفيدة للعلم.
أما الخبر الواحد المجرد عن كل قرينة مفيدة للعلم فلا يكفي للاستدلال على الإمامة
وإن كان حجة. وهذا الذي ذكرناه مما تسالم عليه الطرفان، وهو من أسسهم المعتمدة في
البحث، فترى ابن تيمية يقول في رده لحديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها يقول:
وخبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرائن ومن المعلوم عدم كفاية الظن في المسائل
الاعتقادية، لا سيما الإمامة. والسيد صاحب العبقات يرد على المعارضة بالحديث قريش
والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار موالي دون الناس كلهم ليس لهم موالي دون الله
ورسوله وبعض الأحاديث الأخرى بوجوه. منها: إنه خبر واحد. إذن.. لا بد من إثبات
اعتبار الحديث وصدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا أول ما يهتم به السيد
المؤلف. فيذكر أولا أسماء الصحابة.. ثم التابعين.. ثم الرواة والمخرجين للحديث في
الطبقات المختلفة، منذ القرن الثاني حتى القرن الثالث عشر.. من حفاظ أهل السنة
وكبار علمائهم ومشاهير أعلامهم... ثم يورد نصوص الأخبار والروايات عن أمهات
المصادر، ابتداء بالصحاح فالمسانيد فالكتب الحديثية المعتبرة... وحينئذ يتبين عدد
الرواة للحديث من الصحابة والتابعين والمحدثين
ص 35
من كل طبقة، فإن تحقق بذلك شرط التواتر فلا حاجة إلى ذكر الشواهد ونصوص عبارات
أعلام القوم الصريحة بتواتره، ومن هنا لم يذكر شيئا منها في (حديث الثقلين) لا سيما
وأنه مخرج في أحد الصحيحين. وقد يتحقق شرط التواتر بأضعاف مضاعفة، ولكن أهمية البحث
تستدعي التعرض لبعض ذلك، كما هو الحال في (حديث الغدير) فإنه روي عن أكثر من مائة
وعشرين رجل وامرأة من الصحابة، ولكن هذا الحديث أهم الأحاديث التي يستدل بها الشيعة
على الإمامة. ولذا تراه يذكر - بعد نصوص الحديث وإخراجه بأسانيد أهل السنة - طائفة
من المؤلفين في هذا الحديث، وينقل عن الحافظ ابن كثير عن إمام الحرمين الجويني:
إنه كان يتعجب ويقول: شاهدت مجلدا ببغداد في يد صحاف، فيه روايات هذا الخبر، مكتوبا
عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه، ويتلوه المجلد
التاسع والعشرون . ثم يورد نص جماعة من الحفاظ كالذهبي وابن الجزري والسيوطي
وغيرهم.. على تواتر حديث الغدير. وقد يتحقق شرط التواتر، ويذكر - مع ذلك - طائفة من
شواهد الحديث. (كحديث السفينة) الذي رواه أئمة أهل السنة عن عدة من الصحابة، كسيدنا
أمير المؤمنين، وسيدتنا فاطمة الزهراء، وابن عباس، وأبي ذر، وأبي سعيد الخدري..
و(كحديث أنا مدينة العلم) الذي رواه عشرات الأعلام من أهل السنة، عن عدة من
الصحابة، كأمير المؤمنين، والإمام الحسن، والإمام الحسين، وعبد الله بن عباس، وجابر
بن عبد الله، و عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن العاص، وحذيفة بن
اليمان، وأنس بن مالك.. فقد ذكر عدة من شواهده، مثل: أنا دار الحكمة وعلي بابها
. أنا مدينة الحكمة وعلي بابها . أنا دار العلم وعلي بابها . أنا ميزان
العلم وعلي كفتاه .
ص 36
أنا مدينة الجنة وعلي بابها . أنا مدينة الفقه وعلي بابها . علي باب علمي
ويبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي . علي بن أبي طالب باب حطة . لا يؤدي عني
إلا أنا أو علي . وغيرها من الأحاديث المعتبرة التي رواها مشاهير أئمة أهل السنة
في كتبهم المعتبرة. وقد يتحقق شرط التواتر كما هو الحال في (حديث المنزلة) الذي
رواه أكثر من عشرين صحابي وصحابية عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخرجه عنهم
الأئمة والحفاظ من أهل السنة في كل القرون وجميع الطبقات. لكنه يضيف إلى ذلك ثلاثة
فصول: الأول: في كثرة طرق حديث المنزلة. فأورد فيه نصوص عبارات جماعة من مشاهير
القوم في صحة هذا الحديث وكثرة طرقه، كالحافظ ابن عبد البر، والحافظ المزي، والحافظ
ابن كثير، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وغيرهم. والثاني: في تواتر حديث المنزلة.
فأورد فيه عبارة ابن حجر المكي الصريحة في تحقق التواتر لحديث ورد من حديث ثمانية
من الصحابة، وعبارة الحافظ ابن حزم الصريحة في تحققه لخبر أربعة من الصحابة.. فيكون
(حديث المنزلة) الوارد عن أكثر من عشرين من الصحابة متواترا بالأولوية القطعية. ثم
نقل نصوص عبارات جماعة اعترفوا بتواتر هذا الحديث الشريف. والثالث: في قطعية صدور
أحاديث الصحيحين. فأورد فيه نصوص كثيرة عن مشاهير الأئمة الصريحة في أن ما أخرج في
الصحيحين مقطوع الصدور. وقد بحث عن ذلك من جهة أن (حديث المنزلة) مخرج في كلا
الصحيحين.
ص 37
توثيق الرواة

ولما كان اعتبار الخبر وحجيته باعتبار رواته ووثاقتهم، كان أسلوب
السيد: 1 - ذكر أسماء الرواة والمخرجين للحديث، مع سني وفياتهم قلوا أو كثروا. 2 -
ثم الشروع بإيراد نصوص روايتهم بأسانيدها من الأول إلى الأخير، نقلا عن كتبهم
ومؤلفاتهم رأسا، أو عن كتاب معتبر وقع الرجل في طريق روايته، أو نسب إليه فيه رواية
الحديث. 3 - ثم يأتي بنصوص علماء الجرح والتعديل وأصحاب التراجم والسير، مراعيا في
ذلك طبقاتهم أيضا، حيث ينقل عبارة الأسبق فالأسبق.. في توثيق الراوي والثناء عليه
ومدح مصنفاته.. وربما يوثق الموثق أيضا. ولقد توفرت بحوثه رحمه الله في هذه الناحية
على فوائد جمة ومباحث قيمة وتحقيقات ثمينة.. من تحقيق حال رجال مشاهير، وتحقيق حال
كتب معروفة.. سنشير إلى طرف من ذلك فيما سنذكره تحت عنوان: بحوث وتحقيقات .
2 -
البحث الدلالي

وعندما ينتهي رحمه الله من بحث السند، يأخذ في بيان وجوه دلالة
الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام... وقد التزم في هذه الجهة أيضا بقواعد
البحث والمناظرة التزاما تاما، ويمكن ترسيم الخطوط العامة لأسلوبه في البحث الدلالي
على النحو التالي:
1 - الاحتجاج بأخبار أهل السنة

لا بأخبار الشيعة وهذه من قواعد
البحث - بل أهمها -. فالسيد في جميع بحوثه ملتزم
ص 38
بهذه القاعدة، إذ تراه يحتج بأخبار أهل السنة حتى في السيرة وحوادث التاريخ. وهذه
ظاهرة غير خافية على من ألقى نظرة واحدة على هذا الكتاب من أوله إلى آخره، فلا
نطيل...
2 - الرجوع إلى كتب أهل السنة

في كل فن وهو مع ذلك لا ينقل أخبار أهل السنة
عن طريق كتب الشيعة، بل ينقلها عن كتب أهل السنة أنفسهم - إلا ما شذ وندر -، فلا
يقول مثلا: أخرج المرتضى عن أحمد في مسنده عن.. بل يرجع إلى نفس مسند أحمد، أو ينقل
خبره عن واحد أو أكثر من أهل السنة عنه... وليس كل كتاب في الأخبار والأحاديث ينقل
عنه ويعتمد عليه، بل أكثر نقله واعتماده على أهم كتب أهل السنة وأشهرها في الحديث،
أمثال 1: 1 - الصحاح الستة وشروحها. 2 - الموطأ وشروحه. 3 - الجمع بين الصحيحين. 4
- الجمع بين الصحاح الستة. 5 - معاجم الطبراني. 6 - المستدرك على الصحيحين. 7 -
المسانيد المعتبرة، وأشهرها مسند أحمد. 8 - كتب السنن.. 9 - المشكاة وشروحها. 10 -
جامع الأصول. 11 - الجامع الصغير وشروحه.
(هامش)
1. لسنا بصدد إعطاء قائمة بمصادر المؤلف، فإن لذلك مجالا آخر سنقوم به بإذن الله
تعالى. (*)
ص 39
12 - كنز العمال. هذا بالنسبة إلى الأخبار والأحاديث. وأما بالنسبة إلى العلوم
الأخرى، فإنه يرجع إلى كتب أهل السنة في كل علم وفن، ففي التفسير مثلا إلى: 1 -
تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي. 2 - تفسير الجلالين. 3 - مفاتيح الغيب -
التفسير الكبير - للفخر الرازي. 4 - غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري. 5 -
تفسير القرآن لمحمد بن جرير الطبري. 6 - الكشاف لجار الله الزمخشري. 7 - التفسير
الوسيط لأبي الحسن الواحدي. 8 - تفسير القرآن لابن عربي الأندلسي. 9 - البحر المحيط
لأبي حيان الأندلسي. 10 - أنوار التنزيل، تفسير القاضي البيضاوي. 11 - السراج
المنير للخطيب الشربيني. 12 - الدر المنثور لجلال الدين السيوطي. 13 - الدر اللقيط
من البحر المحيط لتاج الدين القيسي. 14 - التفسير الحسيني - المواهب العلية. للحسين
الكاشفي. 15 - روح المعاني، تفسير - لشهاب الدين الآلوسي. 16 - فتح البيان لصديق
حسن خان القنوجي. 17 - الكشف والبيان لأبي إسحاق الثعلبي. 18 - لباب التأويل لعلاء
الدين الخازن. 19 - معالم التنزيل للبغوي. 20 - تفسير شاهي لمحمد محبوب العالم. 21
- النهر الماد من البحر المحيط لأثير الدين أبي حيان.
ص 40
هذا بالاضافة إلى أبواب التفسير في كتب الحديث. وفي السيرة وفضائل الأئمة عليهم
السلام إلى: 1 - السيرة النبوية المعروفة بسيرة ابن هشام. 2 - إنسان العيون لنور
الدين الحلبي. 3 - السيرة النبوية لأحمد زيني دحلان. 4 - سبل الهدى والرشاد في سيرة
خير العباد للدمشقي. 5 - الروض الأنف في شرح السيرة للسهيلي. 6 - الشفا في تعريف
حقوق المصطفى وشروحه. 7 - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية وشرحه للزرقاني. 8 -
الخصائص الكبرى لجلال الدين السيوطي. 9 - فضائل أمير المؤمنين علي لأحمد بن حنبل.
10 - الإتحاف بحب الأشراف لعبد الله الشبراوي. 11 - إحياء الميت بفضائل أهل البيت
للسيوطي. 12 - استجلاب ارتقاء الغرف لشمس الدين السخاوي. 13 - إسعاف الراغبين لمحمد
الصبان المصري. 14 - جواهر العقدين لنور الدين السمهودي. 15 - خصائص علي بن أبي
طالب للنسائي. 16 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين الطبري. 17 -
الرياض النضرة لمحب الدين الطبري. 18 - كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب
للكنجي الشافعي. 19 - المناقب للفقيه ابن المغازلي. 20 - المناقب لموفق بن أحمد
الخوارزمي.
ص 41
وغيرها. بالاضافة إلى أبواب السير والفضائل في كتب الحديث. وفي الفقه إلى: 1 -
المبسوط لشمس الدين السرخسي. 2 - بدائع الصنائع للكاشاني. 3 - الهداية وشروحها. 4 -
نيل الأوطار للشوكاني. 5 - إحكام الأحكام في شرح عمدة الأحكام لعماد الدين الحلبي.
6 - المحلى لابن حزم الأندلسي. وفي أصول الفقه إلى: 1 - المختصر لابن الحاجب
وشروحه. 2 - الأصول للسرخسي. 3 - الأصول للبزودي وشروحه. 4 - المنار وشروحه. 5 -
مسلم الثبوت وشروحه. 6 - المحصول للفخر الرازي. 7 - التلويح في شرح التنقيح
للتفتازاني. 8 - التحرير لابن همام وشروحه. 9 - الاحكام في أصول الأحكام للآمدي. 10
- الاحكام في أصول الأحكام لابن حزم. 11 - إرشاد الفحول للشوكاني. 12 - نهاية
العقول للفخر الرازي.
ص 42
وفي معرفة الصحابة إلى: 1 - الاستيعاب لابن عبد البر. 2 - الإصابة لابن حجر. 3 -
أسد الغابة لابن الأثير. 4 - تجريد أسماء الصحابة للذهبي. وفي معرفة الأحاديث
الموضوعة والمشتهرة والمتواترة من غيرها إلى: 1 - الموضوعات لابن الجوزي. 2 -
اللآلي المصنوعة للسيوطي. 3 - التعقبات على الموضوعات للسيوطي. 4 - الموضوعات لمحمد
طاهر الفتني. 5 - الموضوعات لعلي القاري. 6 - تذكرة الموضوعات لعبد الحق الهندي. 7
- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي. 8 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن
الأحاديث الشنيعة الموضوعة لابن عراق. 9 - مختصر تنزيه الشريعة لرحمة الله الهندي.
10 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني. 11 - الدرر المنتثرة في
الأحاديث المشتهرة للسيوطي. 12 - المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة
للسخاوي. 13 - الدرر المتناثرة في الأحاديث المتواترة للسيوطي. وإلى غيرها من
الكتب.
ص 43
وفي معرفة الضعفاء والوضاعين والمدلسين إلى: 1 - الضعفاء والمتروكين للبخاري. 2 -
الضعفاء والمتروكين للنسائي. 3 - كشف الأحوال في الرجال لعبد الوهاب المدراسي. 4 -
الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث لسبط ابن العجمي. 5 - التبيين لأسماء المدلسين
لسبط ابن العجمي. 6 - تمييز الطيب من الخبيث للشيباني. 7 - المغني في الضعفاء
للذهبي. وفي معرفة رجال الحديث إلى: 1 - تهذيب الكمال للمزي. 2 - تذهيب التهذيب
للذهبي. 3 - تهذيب التهذيب لابن حجر. 4 - تقريب التهذيب لابن حجر. 5 - خلاصة تذهيب
تهذيب الكمال للخزرجي. 6 - الكمال في أسماء الرجال لعبد الغني المقدسي. 7 - الجمع
بين رجال الصحيحين لابن القيسراني المقدسي. 8 - الكاشف عن أسماء رجال الصحاح الستة
للذهبي. 9 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي. 10 - لسان الميزان لابن حجر
العسقلاني. 11 - الثقات لابن حبان. 12 - أسماء رجال المشكاة للخطيب التبريزي وغيره.
ص 44
وفي الدراية وقواعد التحديث إلى: 1 - علوم الحديث لابن الصلاح. 2 - التقييد
والايضاح للزين العراقي. 3 - التقريب للنووي. 4 - تدريب الراوي للسيوطي. 5 - شرح
ألفية الحديث للزين العراقي. وفي الكلام إلى: 1 - شرح المقاصد للتفتازاني. 2 - شرح
المواقف للجرجاني. 3 - شرح التجريد للقوشچي. وفي تراجم العلماء إلى: 1 - إتحاف
الورى بأخبار أم القرى لابن فهد المكي. 2 - أخبار الأخيار لعبد الحق الدهلوي. 3 -
أخبار أصبهان لأبي نعيم الحافظ. 4 - الأنساب للسمعاني. 5 - التاج المكلل لصديق حسن
القنوجي. 6 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. 7 - التدوين بذكر علماء قزوين للرافعي.
8 - تذكرة الحفاظ للذهبي. 9 - تراجم الحفاظ للبدخشاني. 10 - تهذيب الأسماء واللغات
للنووي. 11 - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي. 12 - الدرر الكامنة في
أعيان المائة الثامنة لابن حجر.
ص 45
13 - دول الإسلام للذهبي. 14 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي. 15 - سبحة
المرجان في علماء هندوستان للبلكرامي. 16 - سير أعلام النبلاء للذهبي. 17 - طبقات
الحفاظ للسيوطي. 18 - طبقات الشافعية للسبكي والاسنوي وابن قاضي شهبة الأسدي. 19 -
طبقات الصوفية للسلمي. 20 - طبقات القراء لابن الجزري. 21 - طبقات المفسرين
للداودي. 22 - الطبقات لمحمد بن سعد. 23 - العبر في خبر من غبر للذهبي. 24 - العقد
الثمين في تاريخ البلد الأمين للفاسي. 25 - فوات الوفيات لابن شاكر. 26 - كتائب
أعلام الأخيار للكفوي. 27 - لواقح الأنوار في طبقات الأخيار للشعراني. 28 - الجواهر
المضية في طبقات الحنفية للقرشي. 29 - مرآة الجنان لليافعي. 30 - معجم الأدباء
لياقوت الحموي. 31 - إتحاف النبلاء المتقين لصديق حسن خان. 32 - البدر الطالع
بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني. 33 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة
للسيوطي. 34 - وفيات الأعيان لابن خلكان. 35 - الوافي بالوفيات للصفدي. 36 - النور
السافر في أعيان القرن العاشر للعيدروسي.
ص 46
37 - سلك الدرر في أعيان القرن الحادي عشر لمحمد خليل المرادي. وفي التاريخ إلى: 1
- تاريخ الطبري. 2 - تاريخ ابن الأثير. 3 - تاريخ ابن خلدون. 4 - تاريخ اليعقوبي. 5
- مروج الذهب للمسعودي. 6 - تاريخ المظفري لابن أبي الدم. 7 - تاريخ الخلفاء
للسيوطي. 8 - تاريخ الخميس للديار بكري. 9 - تاريخ أبي الفداء - المختصر في أخبار
البشر. 10 - روضة المناظر لابن الشحنة. 11 - النجوم الزاهرة لابن تغري بردى. 12 -
حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة للسيوطي. 13 - مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي. 14
- عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان للعيني. 15 - فتوح البلدان للبلاذري. وفي غريب
الحديث وعلوم العربية إلى: 1 - النهاية لابن الأثير. 2 - الفائق للزمخشري. 3 - مجمع
البحار للفتني. 4 - المفردات في غريب القرآن للراغب.
ص 47
5 - الصحاح للجوهري. 6 - المخصص لابن سيدة. 7 - القاموس المحيط للفيروز آبادي. 8 -
تاج العروس للزبيدي. 9 - لسان العرب لابن منظور. 10 - النثير في مختصر نهاية ابن
الأثير للسيوطي. 11 - أساس البلاغة للزمخشري. 12 - منتهى الأرب للصفي پوري. 13 -
تهذيب اللغة للأزهري. 14 - المزهر في علوم اللغة للسيوطي. 15 - المغني في علم النحو
لابن هشام. 16 - الأشباه والنظائر في اللغة للسيوطي. 17 - التصريح في شرح التوضيح
لخالد الأزهري. 18 - مفتاح العلوم للسكاكي. 19 - المطول في علم البلاغة للتفتازاني.
20 - الكافية لابن الحاجب وشروحها. وفي معرفة البلدان إلى: 1 - معجم البلدان لياقوت
الحموي. 2 - مراصد الاطلاع للبغدادي... وهكذا.. في كتب الأخلاق، والتصوف، والسلوك،
وحتى في كتب المحاضرات والطرائف والقصص والأدب.. كل ذلك يرجع فيه إلى كتب أهل
السنة... هذا، وفي كثير من الأحايين يؤكد على اعتبار الكتاب الذي ينقل عنه أو
يستشهد بما جاء فيه، وأسلوبه في ذلك هو:
ص 48
1 - ذكر كلام كاشف الظنون. وبذلك يثبت اسم الكتاب واسم مؤلفه وصحة نسبة الكتاب إلى
مؤلفه. 2 - ذكر رواية العلماء للكتاب في كتب الإجازات والأسانيد. 3 - ذكر من نقل عن
الكتاب واعتمد عليه. 4 - ذكر من جعل الكتاب من مصادر كتابه ونص على ذلك في خطبة
مؤلفه. 5 - خطبة الكتاب المشتملة على التزام مؤلفه بالنقل عن الكتب المعتبرة وإيراد
الأخبار المعتمدة. ولا يخفى ما لهذا الأسلوب من الأثر في بلوغ المرام وكفاية
الخصام.
تنبيه

قد ذكرنا أن احتجاج الشيعة بأخبار أهل السنة ورجوعهم إلى كتب
أولئك هو من قواعد البحث وقوانين المناظرة.. لكن بعض متعصبي أهل السنة جهلوا أو
تجاهلوا، فقالوا بأن ذلك دليل على أن الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواية ولا علماء، فهم
في كل ما يدعونه عيال على أهل السنة.. قال ابن روزبهان في الرد على العلامة الحلي:
العجب من هذا الرجل، لا ينقل حديثا إلا من جماعة أهل السنة، لأن الشيعة ليس لهم
كتاب ولا رواية ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار، فهو في إثبات ما يدعيه عيال
على أهل السنة . والسيد رحمه الله غير غافل عن هذا التوهم أو التجاهل، فأورد في
بحثه حول بعض الأحاديث (كحديث النور) ألفاظا منه بطريق الشيعة الإمامية عن أئمتهم
الأطهار عن النبي المختار صلى الله عليه وآله ردا على كلام ابن روزبهان ومن لف
لفه..
3 - الاستناد إلى فهم الأصحاب

ومن أساليبه في الاستدلال على ما يذهب إليه هو
الرجوع إلى فهم
ص 49
الأصحاب فإن فهم الصحابة - لا سيما من خالف منهم عليا عليه السلام - يكون حجة
ومرجعا لدى الخصومة والنزاع في معنى الحديث النبوي، وذلك: 1 - لأنهم عدول عند
المشهور بين أهل السنة. 2 - لأنهم عاصروا النبي صلى الله عليه وآله وحضروا الوقائع
وشهدوا صدور الحديث المتنازع فيه وسمعوه ووعوه. 3 - ولأنهم أهل اللسان. فمن الحري
بنا أن نرجع إلى فهمهم، وهذا ما صنعه السيد في مواضع من بحوثه، نذكر هنا بعضها من
باب التمثيل:
1 - في معنى من كنت مولاه فعلي مولاه

لقد فهم الأصحاب مما قاله
النبي صلى الله عليه وآله في يوم غدير خم نفس المعنى الذي تقول به الشيعة: 1 - ناشد
أمير المؤمنين عليه السلام الناس عن (حديث الغدير) وطلب ممن حضر ذلك اليوم وسمع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوم فيشهد. أترى أنه عليه السلام كان يفهم من
الحديث غير الإمامة؟ 2 - ولو كان المراد من (حديث الغدير) غير الإمامة من معاني
الولاية فلماذا كتم جماعة من الأصحاب الشهادة بذلك؟ ولماذا دعا عليه السلام على
من كتم؟ 3 - ولماذا سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع .. أليس قد فهم
الإمامة من الخطبة؟ ألم يقل للنبي: .. ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك
ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه.. 4 - وقال حسان بن ثابت الأنصاري في
شعره في يوم الغدير: رضيتك من بعدي إماما وهاديا .
ص 50
5 - واستنكر أبو الطفيل (حديث الغدير). قال: فخرجت وفي نفسي شيء . 6 - وقال أبو
أيوب الأنصاري وجماعة من الأصحاب دخلوا على أمير المؤمنين عليه السلام: السلام عليك
يا مولانا. فقال عليه السلام: وكيف أكون مولاكم وأنتم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه . 7 - وهنأ
أبو بكر وعمر وسائر الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا يوم الغدير
قائلين: ليهنئك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.. 8 - وقال عمر - في
جواب من قال له: تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله - قال: إنه مولاي . 9 - وقال لمن استنكف من قضاء علي: ويحك ما تدري من
هذا؟ هذا مولاي . 10 - وقال ابن حجر المكي في (الصواعق) في وجوه الجواب عن حديث
الغدير: ثالثها: سلمنا أنه أولى، لكن لا نسلم أن المراد أنه الأولى بالامامة، بل
بالاتباع والقرب منه، فهو كقوله تعالى: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه. ولا
قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال. بل هو الواقع، إذ هو الذي فهمه أبو بكر
وعمر، وناهيك بهما في الحديث، فإنهما لما سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب
مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدار قطني. وأخرج أيضا أنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي
شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله. فقال: إنه مولاي .
2 - في
معنى حديث الطائر

قال الدهلوي: إن المراد من الأحب في قوله صلى الله عليه وآله:
اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي من هذا الطائر
ص 51
هو الأحب في الأكل . وقد أجاب السيد رحمه الله عن هذه الدعوى ب 70 وجها،
ومنها الرجوع إلى فهم الأصحاب، فإنهم قد فهموا من هذا اللفظ ما تقوله الشيعة
وتفهمه.. فمن ألفاظ الحديث عن مالك بن أنس قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه
وسلم حجل مشوي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك
يأكل معي من هذا الطعام. فقالت عائشة: اللهم اجعله أبي. وقالت حفصة: اللهم اجعله
أبي. قال أنس: فقلت أنا: اللهم اجعله سعد بن عبادة. قال أنس: سمعت حركة الباب فسلم
فإذا علي. فقلت: إن رسول الله على حاجة. فانصرف. ثم سمعت حركة الباب فسلم علي وسمع
رسول الله فقال: أنظر من هذا. فخرجت فإذا علي فجئت إلى رسول الله فأخبرته فقال:
ائذن له فأذنت له فدخل - فقال رسول الله: إلي إلي . فليت شعري هل كان هذا الشوق من
عائشة وحفصة وأنس لأن يكون الأحب في الأكل غير علي؟ وما ضرهم لو كان علي
الأحب في الأكل ؟ وهل يرتكب أنس بن مالك كبيرة الكذب لأمر صغير كهذا؟ ثم إن هذه
القضية لتذكر الانسان بقضية أمر النبي صلى الله عليه وآله في أيام مرضه بأن يدعو له
الحاضرون عليا عليه السلام لأجل الوصية إليه، ولأن يأمره بالصلاة في مقامه.. ففي
الحديث عن الأرقم بن شرحبيل قال: سألت ابن عباس: أوصى رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ قال: لا. قلت: فكيف كان ذلك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابعثوا
إلى علي فادعوه. فقالت عائشة: لو بعثت إلى أبي بكر. وقالت حفصة: لو بعثت إلى عمر،
فاجتمعوا عنده جميعا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصرفوا فإن تك لي حاجة
أبعث إليكم. فانصرفوا.. وفيه: عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
- وهو في بيتها
ص 52
لما حضره الموت - ادعوا لي حبيبي. فدعوت له أبا بكر، فنظر إليه ثم وضع رأسه، ثم
قال: ادعوا لي حبيبي. فدعوت له عمر، فنظر إليه ثم وضع رأسه، ثم قال: ادعوا لي
حبيبي. فقلت: ويلكم أدعوا له عليا فوالله ما يريد غيره. فلما رآه أفرج الثوب الذي
كان عليه ثم أدخله معه. فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه 1.
3 - في معنى ثلاثة
أحاديث

ورووا عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجاته فدخل على سعد،
فذكروا عليا، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول له ثلاث خصال لئن تكون له واحدة منهن أحب إلي من الدنيا وما فيها. سمعته
يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. وسمعته يقول: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله.
وسمعته يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي . فما الذي فهم من
الولاية و الحب و المنزلة وتمنى حصوله له مرجحا إياه على الدنيا وما
فيها؟!
(هامش)
1. بحث الحافظ ابن الجوزي مسألة صلاة أبي بكر في مرض النبي صلى الله عليه وآله في
رسالة له اسمها (آفة أصحاب الحديث). فأثبت فيها خروج النبي عند ذاك إلى المسجد
وإقامته تلك الصلاة بنفسه الشريفة، وقد نشرنا هذه الرسالة لأول مرة سنة 1398. مكتبة
نينوى الحديثة - طهران - مع مقدمة أثبتنا فيها كون خروج أبي بكر بأمر من عائشة لا
من النبي صلى الله عليه وآله وذكرنا فيها مطالب جليلة، وأضفنا إلى تلك الرسالة
فوائد علمية وتعاليق هامة لا تخفى قيمتها على الباحثين. ثم بحثنا ذلك في رسالة
مفردة نشرت والحمد لله. (*)
ص 53
4 - في معنى حديث المنزلة

وفهم معاوية من حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا
أنه لا نبي بعدي أعلمية الإمام عليه السلام، فقد قال ابن حجر المكي وغيره واللفظ
له: أخرج أحمد أن رجلا سأل معاوية عن مسألة، فقال: اسأل عنها عليا فهو أعلم.
فقال: يا أمير المؤمنين جوابك فيها أحب إلي من جواب علي. فقال: بئسما قلت، لقد كرهت
رجلا كان رسول الله يغزره بالعلم غزرا. ولقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لا نبي بعدي. وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه. وقد أخرجه آخرون بنحوه،
لكن زاد بعضهم: قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان. ولقد كان عمر يسأله
ويأخذ عنه، ولقد شهدته إذا أشكل عليه شيء قال: ههنا علي؟
5 - في معنى حديث
التشبيه

وفهم أبو بكر من حديث التشبيه ما يفهمه الإمامية، ففي الحديث عن حارث
الأعور قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جمع من أصحابه فقال:
أريكم آدم في علمه ونوحا في فهمه وإبراهيم في حكمته. فلم يكن بأسرع من أن طلع علي.
فقال أبو بكر: يا رسول الله أقست رجلا بثلاثة من الرسل؟! بخ بخ لهذا الرجل، من هو
يا رسول الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تعرفه يا أبا بكر. قال: الله
ورسوله أعلم. قال: أبو الحسن علي بن أبي طالب. قال أبو بكر: بخ بخ لك يا أبا الحسن،
وأين مثلك يا أبا الحسن؟!
ص 54
4 - الاستدلال بالقواعد المقررة

ثم إن في كل علم من العلوم قواعد مقررة مقبولة عند
علماء ذاك العلم، وكل استدلال يجب أن لا يتنافى مع قاعدة من تلك القواعد، بل لا بد
من أن ينطبق عليها، وإلا فلا يتم الاستدلال ولا ينتج المطلوب. وأنت لا تجد في
استدلال من استدلالات صاحب العبقات مخالفة لشيء من القواعد المسلمة في علم من
العلوم، بل الأمر بالعكس، فإنك ترى - في كل مقام اقتضى البحث - الاستدلال المتين
بالقواعد العلمية المتفق عليها بين العلماء، وهو حيث يستدل بقاعدة يستشهد لاعتبارها
بموارد من استدلال كبار علماء القوم بها في كتبهم المختلفة، ونحن نشير هنا إلى بعض
تلك القواعد:
1 - قاعدة تقدم المثبت على النافي

وهذه قاعدة عامة استند إليها
السيد في الجواب عن مناقشة الفخر الرازي لحديث الغدير، فكان مما ذكر الرازي أن
البخاري ومسلما.. لم يخرجوا حديث الغدير، فأجاب عن كل جملة جملة من كلامه في فصل
خاص يتوفر على مطالب جليلة ومباحث مهمة ووجوه كثيرة... وكان من تلك الوجوه: تقديم
قول الرواة المثبتين لحديث الغدير على قول النافين له - فضلا عن الساكتين عن روايته
- استنادا إلى قاعدة تقدم المثبت على النافي ، وهي قاعدة استند إليها المحدثون
والفقهاء والأصوليون والأدباء... ففي (السيرة الحلبية) في البحث عن أنه هل صلى رسول
الله صلى الله عليه وآله في الكعبة يوم فتح مكة أو لا: فبلال رضي الله عنه مثبت
للصلاة في الكعبة وأسامة رضي الله عنه ناف، والمثبت مقدم على النافي . وفي (زاد
المعاد في هدي خير العباد) - في كيفية جلوس النبي صلى الله عليه وآله في الصلاة،
وإنه هل كان يحرك إصبعه عندما يشير بإصبعه إذا دعا