نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار  الجزء الأول

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار  الجزء الأول

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

01234567891011121314151617181920212223242526272829303132333435363738394041

ص 55

فيها أو لا ذكر حديثين أحدهما لأبي داود عن عبد الله بن الزبير وفيه: لا يحركها والآخر لأبي حاتم عن وائل بن حجر وفيه: ويحركها . فأجاب عن الأول بوجوه، منها قوله: وأيضا فليس في حديث أبي داود أن هذا كان في الصلاة، فلو كان في الصلاة لكان نافيا، وحديث وائل مثبتا، وهو مقدم . وفي (الفتح الوهبي) في تحقيق أنه هل في لفظ المشورة لغة واحدة أو لغتان؟ فنقل عن بعض اللغويين أنها لغة واحدة لا غير، وعن بعض لغتان. وقال مرجحا للقول الثاني: والمثبت مقدم على النافي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ .

2 - قاعدة عدم حمل الاستثناء على المنفصل ما أمكن المتصل

 وهذه قاعدة أصولية نص عليها كبار الأصوليين، استند إليها السيد في الاستدلال بحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي في جواب دعوى الدهلوي الضرورة على كون الاستثناء في هذا الحديث منقطعا. فأثبت أنه لا وجه للحمل على الانفصال وحمله على الاتصال ممكن، والأصل هو الحمل على الاتصال مهما أمكن، لأن الاستثناء المتصل حقيقة، والمنقطع مجاز، ومهما أمكن حمل الاستثناء على الحقيقة وجب حمله عليها، إذ الأصل في الكلام هو الحقيقة. وقد أورد هناك نصوص عدة من الأصوليين على هذه القاعدة عن المتون الأصولية الشهيرة وشروحها، كالمختصر لابن الحاجب، والمنهاج للبيضاوي، والتلويح للتفتازاني، وكشف الأسرار في شرح أصول البزودي لعبد العزيز البخاري. وغيرها.

3 - قاعدة الحمل على المعنى

 وهي قاعدة أدبية، استند إليها السيد في حديث المنزلة قائلا بأن إلا

ص 56

أنه لا نبي بعدي محمول على إلا النبوة عملا بقاعدة الحمل على المعنى . ثم ذكر رحمه الله نظائر لهذا الحمل عملا بتلك القاعدة عن كتاب (الأشباه والنظائر) للسيوطي.

 4 - قاعدة الحديث يفسر بعضه بعضا

وهي قاعدة حديثية. استند إليها في بعض بحوثه وهو بصدد الاستدلال بحديث أو الرد على كلام. فمن الأول: استدلاله على دلالة المولى في (حديث الغدير) على معنى الأولوية بالتصرف بالألفاظ المختلفة الأخرى الأوضح دلالة على المعنى المذكور، فتكون تلك الألفاظ مفسرة للفظ المولى في لفظ من كنت مولاه فهذا مولاه . ومن الثاني: استدلاله بشواهد ومؤيدات (حديث أنا مدينة العلم) - والتي ذكرنا نصوص طائفة منها - على إبطال تأويل يوسف الواسطي لفظ علي في الحديث بأن المراد منه هو العلو والارتفاع . وقد استند إلى هذه القاعدة كبار علماء الحديث كالحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري - في شرح الأحاديث وبيان معانيها.

5 - قاعدة لزوم حمل اللفظ المشترك عند فقد المخصص على جميع معانيه

استند إلى هذه القاعدة في دلالة حديث: إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن من بعدي .. فإن لفظ ولي يحمل هنا على جميع معانيه ومنها الأولى بالتصرف بعد التنزل عن تبادر هذا المعنى منها بالخصوص في هذا الحديث الشريف.

ص 57

الباب الثالث أسلوبه في الرد

 وتتجلى عظمة المؤلف، ودقته في النظر، وإحاطته بالعلوم، وتتبعه للأقوال، وأمانته في النقل، والتزامه العملي بقواعد البحث.. في أساليبه في الرد على الاشكالات أو النقد للاستدلالات.. لقد قطع رحمه الله بأقوى الحجج وأمتن البراهين كافة الطرق والذرائع، ودفع جميع الشكوك والشبهات، حتى لم يبق للخصوم أي طعن في المذهب، أو قدح في دليل، أو تضعيف لحديث.. إلا ودفعه بالتي هي أحسن، ورد عليه الرد الجميل: بتحقيقات أنيقة، وتدقيقات رشيقة، واحتجاجات برهانية، وإلزامات نبوية، واستدلالات علوية، ونقوض رضوية مستندا في ذلك كله إلى كتب أهل السنة، ومستدلا بأقوال أساطين علمائهم في مختلف العلوم والفنون. لقد تناول كل كلمة جاءت في التحفة رادا عليها أو منتقدا لها. وكثيرا ما يرد كلمات صاحب التحفة بما ذكره هو في نفس الكتاب أو غيره من كتبه، وطالما يفندها بكلمات والده وغيره من شيوخه وأساتذته. حتى عاد الباب من التحفة الاثني عشرية خطابات شعرية، وعبارات هندية، تضحك منها البرية . وقد يناقش كلمات شيخه ووالده ولي الله الدهلوي وكلمات تلامذته ولا سيما محمد رشيد الدين خان الدهلوي، وحيدر علي الفيض آبادي. بل لقد تناول بالرد والبحث كل ما ذكره أولئك المتعصبون المنكرون للحقائق طعنا في مذهب أهل البيت، أمثال أبناء تيمية والجوزي وحجر وكثير.. فتراه في حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها الذي بحث فيه في مجلدين كبيرين - يخصص المجلد الأول منهما باثبات الحديث سندا ثم بيان وجوه دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله

ص 58

بلا فصل.. كل ذلك ردا على المولوي عبد العزيز صاحب التحفة .. وبه يتم البحث إثباتا وردا، ثم يخصص المجلد الثاني للبحث مع الذين ناقشوا في الاستدلال بهذا الحديث على الإمامة بالطعن في سنده أو دلالته.. من علماء أهل السنة.. من المتقدمين والمتأخرين.. من الهنود وغيرهم.. كما سيأتي. وبذلك أصبح هذا الكتاب موسوعة عقائدية علمية تاريخية.. ومن أهم وأوسع الكتب المؤلفة في مجال الصراع العقيدي.. وإليك بعض الجوانب المهمة من خصائص الكتاب في أسلوبه في النقاش العلمي

1- نقل كلام الخصم كاملا

قد ذكرنا أن من عادة علماء الشيعة في الرد هو نقل كلام الخصم بصورة كاملة، وبلفظه الوارد في كتابه، فلا ينقصون منه شيئا ولا ينقلونه بالمعنى.. وهكذا كان دأب السيد صاحب العبقات.. فإنه يورد كلام الدهلوي وغيره ثم يرد عليه جملة جملة تحت عنوان قوله - أقول ...

2- الاستيعاب الشامل

 واستوعب هذا الكتاب جميع جوانب البحث حول كل موضوع من مواضيعه.. فهو حينما يأخذ بالرد على استدلال الخصم بحديث من الأحاديث، أو بكلام له في الطعن على استدلال الإمامية.. لا يغفل عن جانب من جوانب البحث فيه، ولا يكتفي بالرد عليه من ناحية أو ناحيتين، بل يعالجه علاجا جذريا، ويهدم ما تفوه من الأساس هدما كليا... فتراه حينما يرد على قدح ابن الجوزي في حديث الثقلين بإيراده في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية قائلا: حديث في الوصية لعترته: أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي قال: أخبرنا محمد بن المظفر قال: نا أحمد ابن محمد العتيقي قال: حدثنا يوسف بن الدخيل قال: حدثنا أبو جعفر

ص 59

العقيلي قال: نا أحمد بن يحيى الحلواني قال: نا عبد الله بن داهر قال: نا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا جميعا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قال المصنف: هذا حديث لا يصح. أما عطية فقد ضعفه أحمد ويحيى وغيرهما. وأما ابن عبد القدوس فقال يحيى: ليس بشيء رافضي خبيث. وأما عبد الله بن داهر فقال أحمد ويحيى: ليس بشيء ما يكتب منه إنسان فيه خير . يرد عليه بمائة وست وخمسين وجها.. توفرت هذه الوجود على الرد لهذا الكلام من جهات: 1 - النقض برواية أصحاب الصحاح والمسانيد وغيرهم إياه وتصحيح آخرين له.. 2 - البحث حول عطية و ابن عبد القدوس و عبد الله بن داهر . 3 - استنكار جماعة من علماء أهل السنة كلام ابن الجوزي، وإيراده الحديث في العلل المتناهية . فأورد كلام سبط ابن الجوزي في الرد على جده قائلا: والعجب كيف خفي على جدي ما روى مسلم.. وكلام الحافظ السخاوي حيث يقول: وتعجبت من إيراد ابن الجوزي له في العلل المتناهية، بل أعجب من ذلك قوله إنه حديث لا يصح والحافظ السمهودي القائل: ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في العلل المتناهية، فإياك أن تغتر به.. وابن حجر المكي: وذكر ابن الجوزي لذلك في العلل المتناهية وهم أو غفلة.. والمناوي: ووهم من زعم ضعفه كابن الجوزي . فهل ترى لابن الجوزي من باقية؟ وتراه حينما يرد على معارضة الخصم حديث: أنا مدينة العلم وعلي

ص 60

بابها بما وضعوه عن النبي صلى الله عليه وآله: ما صب الله شيئا في صدري إلا وصببته في صدر أبي بكر يرد عليه بإثني عشر وجها.. توفرت هذه الوجوه على الرد عليه من جهات، أهمها: 1 - مصادمته للواقع. 2 - تصريح العلماء ببطلانه ووضعه، كابن الجوزي، والطيبي، وابن قيم الجوزية، ومجد الدين الفيروز آبادي، ومحمد بن طاهر الفتني، والشيخ علي القاري، والشيخ عبد الحق الدهلوي، والشوكاني... قال القاري نقلا عن ابن القيم: ومما وضعه جهلة المنتسبين إلى السنية في فضل الصديق حديث: إن الله يتجلى للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة. وحديث: ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر، وحديث: كان إذا اشتاق إلى الجنة قبل شيبة أبي بكر.. .

3 - التتبع الهائل

 وتتبع السيد رحمه الله جميع الأقوال الواردة في كل موضوع بحثه، فلم يترك قولا لم يتعرض له، بل يذكر ما يمكن أن يقال أيضا... فهو عندما ينتهي من الرد على خصمه الدهلوي يشرع في البحث مع الآخرين، وربما يقدم الرد على كلام غيره - لاقتضاء البحث ذلك - ثم يدخل في مناقشة كلمات التحفة . فمن الثاني ما صنعه في حديث: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح.. الذي رد الدهلوي على الاستدلال به على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من جهة الدلالة، ولم يتعرض إلى جهة السند.. فذكر السيد رحمه الله أسماء طائفة من المخرجين لهذا الحديث الشريف وهم 92 رجلا، ابتداء بالشافعي فأحمد فمسلم بن الحجاج.. وانتهاء بالمعاصرين له.. ثم نصوص رواياتهم.. لما ذكرنا سابقا من أن البحث عن السند مقدم على البحث الدلالي. وقد دعاه إلى ذلك طعن ابن تيمية في هذا الحديث بقوله: أما

ص 61

قوله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح. فهذا لا يعرف له إسناد أصلا، صحيح ولا ضعيف، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها، وإن كان قد رواه من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات، فهذا مما يزيده وهنا وضعفا . وقد ذكرنا في مقدمة قسم حديث السفينة: فإذا لم يكن (فضائل علي لأحمد بن حنبل) و(المستدرك للحاكم) و(تهذيب الآثار لابن جرير الطبري) و(مسند أبي يعلى) و(مسند البزار) و(المعجم الصغير للطبراني) و(مشكاة المصابيح) و(المطالب العالية لابن حجر) وأمثالها من كتب الحديث التي يعتمد عليها فأي كتاب عندهم يعتمدون عليه؟ وإذا كان (الأعمش) و(أبو إسحاق السبيعي) و(مسلم) و(الشافعي) و(الطبراني) و(الدار قطني) و(أبو داود) و(أحمد) و(البزار) و(الطبري) و(الحاكم) و(أبو نعيم) و(الخطيب) و(ابن حجر) وأمثالهم من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات فمن هو المحدث الذي يعتمدون عليه؟! ومنه ما صنعه في حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى هذا الحديث المتواتر قطعا، والمخرج في الصحيحين، والذي نص أكابر الأئمة على أنه من أصح الأحاديث وأثبتها.. فإنه تعرض لجهة السند فيه في فصول عديدة.. ليرد على الآمدي ومن تبعه من المتعصبين القائلين بأنه غير صحيح.. ومن الواضح أنه لو لم يتعرض إلى هذه الناحية بالنسبة إلى هذين الحديثين لم يعترض عليه، لعدم تعرض الدهلوي المردود عليه لها.. لكن عبقات الأنوار الذي ألف في إثبات إمامة الأئمة الأطهار لا بد وأن يتعرض للرد على هذه الكلمة الكبيرة التي خرجت من أفواه هؤلاء.. وليثبت للملأ العلمي مدى تعصب القوم، وتجريهم على

ص 62

الافتراء والكذب.. ومن الأول: ما صنعه في حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها حيث أثبت الحديث سندا، وذكر وجوه دلالته على الإمامة، ورد على مناقشات خصمه الدهلوي.. ثم عاد ليرد في مجلد ضخم آخر كلمات كل من ناقش في الاستدلال بهذا الحديث، بالطعن في سنده أو دلالته.. وهم: العاصمي، والطيبي، وابن تيمية، ويوسف الأعور الواسطي، والسخاوي، والسمهودي، وابن روزبهان، وابن حجر المكي، والقاري، والبنباني، والشيخاني القادري، وعبد الحق الدهلوي، وولي الله الدهلوي، والاورنك آبادي، والقاضي پاني پتي. وقد توفر هذا المجلد على بحوث جليلة ومطالب قيمة، لا تجدها في أي كتاب آخر، كما أنك لو اطلعت عليه لعرفت مدى جهالة هؤلاء القوم، وشدة تعصبهم للباطل.

 4 - الكشف عن الجذور

 ومن أساليبه في هذا الباب: أنه رحمه الله حيث يورد كلام الخصم.. يرجع إلى أصله، ويكشف عن جذوره.. لما في ذلك من الفوائد العلمية، والآثار المهمة في كشف الحق. ومن ذلك:

 1 - انتحال الدهلوي لبحوث الآخرين

 فأول شيء يقصد السيد إبانته هو أن لا جديد عند الدهلوي، بل إن جميع ما جاء به مذكور في كتب السابقين عليه، بل حقق السيد رحمه الله وأثبت أن كتاب التحفة الاثنا عشرية منحول من كتاب الصواقع لنصر الله الكابلي مع زيادات من أقاويل والده وحسام الدين السهارنبوري صاحب المرافض ، وأن كتاب بستان المحدثين لعبد العزيز الدهلوي منحول من كتاب كفاية المتطلع لتاج الدين الدهان .. وهذه فائدة جليلة...

ص 63

2 - نسب لا أصل له

 ويظهر من الرجوع إلى الجذور والكشف عنها ما في كلمات القوم في المناقشة مع الإمامية من النسب التي لا أصل لها ولا واقعية، فكثيرا ما ينبه في مطاوي البحوث على ما وقع منهم من هذا القبيل، وإليك نماذج من ذلك: 1 - قال جماعة في الجواب عن حديث الطائر: أورده ابن الجوزي في الموضوعات . وهذه النسبة كاذبة... 2 - ونسب إلى الحافظ يحيى بن معين أنه قال في حديث أنا مدينة العلم: لا أصل له وهذه النسبة باطلة جدا... 3 - ونسب إلى الترمذي أنه قال في حديث أنا مدينة العلم منكر غريب. وهذه النسبة لا أصل لها. 4 - ونسبوا القدح في حديث أنا مدينة العلم إلى شمس الدين ابن الجزري. وهي نسبة مكذوبة. 5 - وعزا ابن تيمية حديثا استدل به إلى الصحيحين قائلا: ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر، فأشار بالفداء، واستشار عمر فأشار بالقتل. قال: سأخبركم عن صاحبيكم، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم إذ قال: *(فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم)* ومثل عيسى إذ قال: *(إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)* ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: *(رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا)* ومثل موسى إذ قال: *(ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)* . لكن لا وجود لهذا الحديث في الصحيحين. 6 - وأنكر بعضهم رواية البيهقي لحديث الأشباه: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى.. فلينظر إلى علي بن أبي طالب ردا على العلامة الحلي الذي استدل برواية البيهقي إياه. فأجاب السيد عن هذا الانكار

ص 64

بالتفصيل.. 7 - وادعى الفخر الرازي عدم رواية ابن سحاق حديث الغدير، وإن عدم روايته له دليل على ضعفه. وهذه الدعوى باطلة، فابن إسحاق غير معرض عن حديث الغدير، بل هو من رواته، وقد رواه عنه جماعة.. 8 - ونسب الشيخ علي القاري وولي الله الدهلوي الحديث الموضوع: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر إلى الصحيحين، وهذه النسبة باطلة مكذوبة، وقد نص الحاكم حيث أخرجه في مستدركه على أنهما لم يخرجاه .

 3 - تحريفات وتصرفات

 ومن فوائد هذا الأسلوب هو الوقوف على طرف من تصرفات القوم في الأحاديث، وفي نصوص عبارات العلماء.. وهذا باب واسع لو جمع لكان كتابا برأسه.. ولا بأس بذكر موارد منه: فمن تصرفات القوم في الأحاديث: ما كان في حديث أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه يختلف لفظه في كل موضع عن غيره، اختلافا فاحشا لا يكون إلا عن عمد، ولأغراض معينة لا تخفى على أحد.. وإليك الحديث: في كتاب الجهاد باب حكم الفئ، عن مالك بن أوس، أن عمر قال مخاطبا لعلي والعباس: فلما توفي رسول الله قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته عن أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة. فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر وكنت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق . هذا هو الحديث.

ص 65

وأخرجه في باب فرض الخمس: .. فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا ولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، اعمل فيها بما عمله رسول الله وبما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق . حذف منه الفقرتين: فرأيتماه... و فرأيتماني.. . وأخرجه في كتاب المغازي في حديث بني النضير: فقبضه أبو بكر، فعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال - وأنتم حينئذ. فأقبل على علي وعباس وقال - تذكران أن أبا بكر فيه كما تقولان، والله يعلم أنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر، فقبضته سنتين من أمارتي اعمل فيه بما عمل فيه رسول الله وأبو بكر، والله يعلم إني فيه صادق بار راشد تابع للحق . فحذف فقرة فرأيتماه.. وجعل مكانها تذكران أن أبا بكر فيه كما تقولان ، وحذف الفقرة الثانية. وأخرجه في كتاب النفقات باب حبس نفقة الرجل قوت سنته: فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس - تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا، والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر . فحذف الفقرة الأولى، وجعل مكانها: تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا ، وحذف الفقرة الثانية. وأخرجه في كتاب الفرائض باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركناه صدقة: فتوفى الله نبيه فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل

ص 66

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر . فحذف الفقرتين. وفي كتاب الاعتصام باب ما يكره من التعمق والتنازع: ثم توفى الله نبيه فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله. وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس فقال - تزعمان أن أبا بكر فيها كذا، والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول الله وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله وأبو بكر . فحذف الفقرة الأولى ووضع مكانها: تزعمان أن أبا بكر فيها كذا وحذف الفقرة الثانية. فممن هذا التلاعب؟ أمن البخاري؟ أم من الرواة؟ وستطلع في باب بحوث وتحقيقات حيث نذكر أحاديث موضوعة على أمثلة من تصرفاتهم وتحريفاتهم في خصوص أحاديث مناقب أمير المؤمنين عليه السلام. ومن تصرفات القوم التي تنكشف عن طريق التحقيق في العبارات الصادرة عنهم: قول الدهلوي في حديث: خلقت أنا وعلي من نور واحد.. ما نصه: وهذا حديث موضوع بإجماع أهل السنة، وفي إسناده محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين: كذاب. وقال الدار قطني: متروك ولم يختلف أحد في كذبه، ويروى من طريق آخر وفيه: جعفر بن أحمد وكان رافضيا غاليا وضاعا، وكان أكثر ما يضع في قدح الأصحاب وسبهم.. هذا كلام (الدهلوي) وقد أخذ هذا - على عادته - من (نصر الله الكابلي) الآخذ أكثر ما ذكره من (ابن روز بهان). وهذه عبارة ابن روز بهان في الجواب عن الاستدلال بالحديث المذكور: ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب الموضوعات وقال:

ص 67

هذا الحديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به في الطريق الأول محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين: كذاب. وقال الدار قطني متروك. وفي الطريق الثاني المتهم به جعفر بن أحمد، وكان رافضيا كذابا يضع الحديث في سب أصحاب رسول الله . فهذه عبارة ابن روز بهان. وقال الكابلي: وهو باطل لأنه موضوع بإجماع أهل الخبر، وفي إسناده محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين هو كذاب. وقال الدار قطني متروك ولم يختلف أحد في كذبه. ويروى من طريق آخر وفيه: جعفر بن أحمد وكان رافضيا غاليا كذابا وضاعا، وكان أكثر ما يضع في قدح الأصحاب وسبهم . فزاد الكابلي لأنه موضوع بإجماع أهل الخبر . وعبارة (ابن الجوزي) في (كتاب الموضوعات) واردة في حديث آخر غير حديث النور الذي يتمسك به الإمامية - ومن هنا قال ابن روزبهان بمعناه - وفيها فوارق كثيرة مع عبارات القوم، وإليك نص عبارته بعينها ليتضح واقع الأمر وتنكشف تصرفاتهم فيها: الحديث الأول فيما خلق منه علي بن أبي طالب أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني علي بن الحسن بن محمد الدقاق قال: ثنا محمد بن إسماعيل الوراق قال: ثنا إبراهيم بن الحسين بن داود القطان قال: ثنا محمد بن خلف المروزي ثنا موسى بن إبراهيم، ثنا موسى بن جعفر عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة. هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتهم به: المروزي، قال يحيى بن معين: هو كذاب. وقال الدار قطني: متروك. وقال ابن حبان: كان مغفلا يلقن فيتلقن فاستحق الترك.

ص 68

وقد روى جعفر بن أحمد بن بيان عن محمد بن عمر الطائي عن أبيه عن سفيان عن داود بن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن نمير الحضرمي عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقت أنا وعلي من نور واحد. وكنا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، ثم خلق الله آدم، فانقلبنا في أصلاب الرجال، ثم جعلنا في صلب عبد المطلب، ثم اشتق أسماءنا من اسمه، فالله محمود وأنا محمد، والله الأعلى وعلي علي. قال المصنف: هذا وضعه جعفر بن أحمد وكان رافضيا يضع الحديث. قال ابن عدي: كان يتيقن أنه يضع . فعلم من هذا التحقيق: 1 - إن دعوى وقوع محمد بن خلف المروزي في طريق حديث النور كاذبة. 2 - لقد رمى ابن الجوزي جعفر بن أحمد بوضع الحديث، وابن روزبهان أضاف في سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . 3 - إن ابن روزبهان أضاف كلمة كذابا . 4 - إن الكابلي أضاف إلى ما تقدم غاليا وضاعا . 5 - إن الكابلي أضاف كلمة وكان أكثر ما يضع في قدح الأصحاب وسبهم . 6 - إن الكابلي أضاف إلى ذلك كله أيضا كلمة: ولم يختلف أحد في كذبه . فهذه زيادات أربع من الكابلي، واثنتان من ابن روزبهان شاركه فيهما الكابلي.. وليس لها وجود في كلام ابن الجوزي. 7 - وابن روزبهان نقل عن ابن الجوزي الاتهام بأن محمد بن خلف كان وضاعا للحديث، لكن الكابلي لم يذكر ابن الجوزي لئلا يتعقب عليه. 8 - والكابلي نسب الاتهام بالوضع إلى إجماع أهل الخبر بدل أن

ص 69

ينسبه إلى ابن الجوزي. 9 - والدهلوي ذكر إجماع أهل السنة بدل إجماع أهل الخبر . وروى الترمذي حديث: أنا دار الحكمة وعلي بابها وقال: حسن غريب . هكذا نقل عنه المحب الطبري في (الرياض النضرة) - فأسقط بعضهم كلمة حسن وترك كلمة غريب على حالها.. كما في (المشكاة) و(تاريخ ابن كثير) و(فيض القدير). وأبدل بعضهم لفظة غريب - بعد إسقاط لفظة حسن - بلفظة منكر .. كما في (تهذيب الأسماء واللغات) و(المقاصد الحسنة). وجمع بعضهم - بعد حذف حسن - بين لفظتي غريب و منكر .. كما في (قرة العينين). وقال الترمذي بعد حديث: أنا دار الحكمة وعلي بابها : لا نعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك فحرفه بعضهم وجعل كلمة عن في مكان كلمة غير .. أنظر (المرقاة في شرح المشكاة). ومن تحريفاتهم إسقاطهم حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها من (صحيح الترمذي) ومن (مصابيح السنة للبغوي). أما (صحيح الترمذي).. فقد روى عنه الحديث المذكور جماعة منهم: 1 - ابن الأثير في (جامع الأصول). 2 - محمد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤل). 3 - السيوطي في (تاريخ الخلفاء). 4 - ابن حجر المكي في (الصواعق المحرقة). 5 - الزرقاني المالكي في (شرح المواهب اللدنية). وأما (المصابيح) فقد نقل عنه الحديث المذكور جماعة منهم: 1 - المحب الطبري في (الرياض النضرة) و(ذخائر العقبى). 2 - القاري في (المرقاة في شرح المشكاة).

ص 70

3 - أحمد بن الفضل المكي في (وسيلة المآل). وأخرج الترمذي حديث: إن عليا مني وأنا من علي وإنه ولي كل مؤمن من بعدي فاسقط البغوي منه كلمة بعدي وعزاه إلى الترمذي، وقد تبع البغوي على ذلك جماعة منهم السهارنفوري صاحب المرافض، المولوي حسن علي المحدث تلميذ المولوي عبد العزيز الدهلوي. بل زعم محمد بن معتمد خان البدخشي في رسالة له أسماها ب‍ (رد البدعة) أن كلمة بعدي في هذا الحديث موضوعة. والشاه ولي الله الدهلوي روى الحديث عن الترمذي في موضع من (إزالة الخفاء) باللفظ الكامل. لكنه حرفه عندما تصدى للجواب عنه، فوضع كلمة أنا في مكان إنه وحذف كلمة بعدي كما فعل البغوي ومن تبعه.

 (5) التنبيه على موارد مخالفة الالتزامات

 وينبه السيد رحمه الله في كثير من الموارد على مخالفة الدهلوي لقواعد البحث، ولما التزم به في كتابه (التحفة).. لقد كان من جملة ما التزم به الدهلوي في كتابه: 1 - لا يصلح الاحتجاج إلا بأحاديث الصحاح ذكر الدهلوي في كتابه: إن القاعدة المقررة لدى أهل السنة هي أن كل حديث ورد في كتاب لم يلتزم صاحبه فيه بالصحة - كما فعل البخاري ومسلم وسائر أرباب الصحاح في كتبهم - فإنه غير صالح للاحتجاج . 2 - ما لا سند له لا يصغى إليه وقال في الجواب عما طعن به أبو بكر من تخلفه عن جيش أسامة - وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة -: إن

ص 71

الحديث المعتبر لدى أهل السنة هو ما أخرج في كتب المحدثين المسندة مع الحكم عليه بالصحة، وأما الحديث العاري عن السند فلا يصغون إليه أبدا .

 3 - الاحتجاج على الشيعة بأخبارهم

. والتزم الدهلوي في تحفته بالنقل عن كتب الشيعة والاحتجاج بأخبارهم في كتبهم المعتبرة. قال: لأن أخبار كل فرقة لا تكون حجة على الفرقة الأخرى .

4 - عدم جواز الاحتجاج بأحاديث أهل السنة على الشيعة

 والدهلوي يتبع شيخه ووالده (ولي الله الدهلوي) في جميع بحوثه ويعتقد به الاعتقاد الراسخ.. لكنه يخالف ما نص عليه والده في أحد كتبه قائلا: لا تصح المناظرة مع الإمامية والزيدية بأحاديث الصحيحين فضلا عن غيرها .

 5 - أخبار أهل السنة مقدوحة عند الشيعة وكيف يجوز احتجاج أهل السنة بأحاديثهم على الشيعة مع أن الشيعة تقدح في أحاديث أهل السنة ولا تعتقد بها؟ ومن هنا قال محمد رشيد الدهلوي تلميذ صاحب التحفة: بأن كل فرقة تذعن بالأخبار المروية عن طرقها وتقدح في الأخبار المروية من طرق الفرقة المخالفة لها . إذن لا يجوز الاحتجاج على الشيعة بما يرويه أهل السنة، وإن كان حديثا مسندا صحيحا عندهم. فهذه أمور التزم بها بالخصوص الدهلوي وشيخه وتلميذه في بحوثهم، ولكنا وجدناهم لا يوفون بما عاهدوا عليه، كما لم يلتزموا بالأصول العامة للبحث والمناظرة.. والسيد رحمه الله ينبه على مخالفة الدهلوي لهذه الالتزامات في مختلف البحوث. لئلا يغتر القارئون لكتابه ولا ينخدع العوام.

ص 72

6 - رد بعضهم ببعض

 وطالما يرد السيد رحمه الله كلام الدهلوي بكلامه هو في موضع آخر من كتابه، أو بكلام والده وبالعكس، وهكذا الأمر بالنسبة إلى كلام غيرهما من علماء أهل السنة... ففي (حديث التشبيه): من أراد أن ينظر.. يرد على إنكار الدهلوي دلالته على المساواة بكلمات للدهلوي نفسه قالها في الجواب عن حديث المنزلة: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.. وبما قاله في الجواب عن حديث السفينة: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح.. وفي (حديث الغدير) ذكر الدهلوي بأن الاستدلال بهذا الحديث يتوقف على كون المولى فيه بمعنى الأولى فزعم أن اللغويين ينكرون مجئ اللفظ المذكور بهذا المعنى. ثم نقض بأنه لو كان المولى بمعنى الأولى لجاز أن يقال مولى منك كما يقال: أولى منك . فأجاب السيد عن الانكار المذكور وعن النقض بوجوه عديدة، منها - ما ذكره الدهلوي نفسه في جواب: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم حيث قال بأن الولاية هذه بمعنى المحبة. قال السيد فإذن الأولى في تلك الفقرة بمعنى الأحب مع أنه لا يقال: أولى إليه كما يقال: أحب إليه . ثم إن السيد ذكر أن هذا النقض مأخوذ من كلام الفخر الرازي في كتابه (نهاية العقول)، فأورد نص كلام الرازي، وشرع في الجواب عنه بوجوه كثيرة منها كلام الرازي نفسه في كتابه (المحصول).. حيث أذعن فيه بأن الترادف لا يلازم جواز استعمال أحد المترادفين في مقام الآخر. وأجاب السيد عن دعوى ابن حجر المكي عدم مجئ المولى بمعنى الأولى بما ذكره هو من أن أبا بكر وعمر فهما من المولى في حديث الغدير معنى الأولى بالاتباع وأضاف بأن هذا هو الواقع وناهيك بهما في فهم الحديث!!

ص 73

وذكر السيد في (حديث التشبيه) إنكار ولي الله الدهلوي - تبعا لابن تيمية - انتهاء سلاسل الصوفية إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.. ومن وجوه الرد عليه كلام ولده الدهلوي الصريح في تلك الحقيقة.. وقد أورد نصه في مبحث (حديث السفينة). واعترف الدهلوي بدلالة حديث المنزلة: أنت مني بمنزلة.. على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام - وتبعه على ذلك تلميذه محمد رشيد الدهلوي - وذكر الدهلوي إن من أنكر ذلك فهو ناصبي. وهنا تعرض السيد إلى نفي والده شاه ولي الله الدهلوي تبعا لجماعة من أعلام السنة كالتوربشتي، وأبي الشكور السالمي الحنفي، وعلي القاري، وشمس الدين الخلخالي، والنووي، والكرماني وابن حجر العسقلاني، والقسطلاني، ومحب الدين الطبري.. وغيرهم - دلالة هذا الحديث الشريف على الإمامة والخلافة... وأما رد كلام بعضهم بكلام البعض الآخر فكثير جدا... فقد رأيت كيف يبطل قدح ابن الجوزي لحديث الثقلين بكلمات مشاهير علماء أهل السنة... وفي حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها يرد على ذكر ابن الجوزي إياه في (الموضوعات) بوجوه، منها: رد أعلام الحفاظ ومشاهير العلماء عليه: 1 - كصلاح الدين العلائي. 2 - وبدر الدين الزركشي. 3 - وابن حجر العسقلاني. 4 - وشمس الدين السخاوي. 5 - وجلال الدين السيوطي. 6 - ونور الدين السمهودي. 7 - وابن عراق الكناني. 8 - وابن حجر المكي.

ص 74

9 - ومجد الدين الفيروز آبادي. 10 - وعلي المتقي الهندي. 11 - وعلي القاري. 12 - وعبد الرؤف المناوي. 13 - وعبد الحق الدهلوي. 14 - والزرقاني المالكي. 15 - وقاضي القضاة الشوكاني. واستدل الدهلوي في الجواب عن (حديث الثقلين) بما نسب بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء . فرد عليه السيد بنصوص كبار الأئمة والحفاظ على بطلان هذا الحديث: 1 - كجمال الدين المزي. 2 - وشمس الدين الذهبي. 3 - وابن قيم الجوزية. 4 - وتاج الدين السبكي. 5 - وابن كثير الدمشقي. 6 - وسراج الدين ابن الملقن. 7 - وابن حجر العسقلاني. 8 - وابن أمير الحاج الحنفي. 9 - وأمير بادشاه البخاري. 10 - وشمس الدين السخاوي. 11 - وجلال الدين السيوطي. 12 - وعلي القاري. 13 - ومحب الله البهاري.

ص 75

14 - وقاضي القضاة الشوكاني. واستدل بحديث: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر في مقابلة (حديث الثقلين). فأجاب عنه السيد بقدح كبار الأئمة والعلماء لهذا الحديث وتصريحهم بوضعه: 1 - كأبي حاتم الرازي. 2 - وأبي عيسى الترمذي. 3 - وأبي بكر البزار. 4 - وأبي جعفر العقيلي. 5 - وأبي بكر النقاش. 6 - وأبي الحسن الدار قطني. 7 - وابن حزم الأندلسي. 8 - والعبري الفرغاني. 9 - وشمس الدين الذهبي. 10 - وابن حجر العسقلاني. واستدل بعضهم في مقابلة حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها بحديث طويل في فضل جماعة من الأصحاب، أوله: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.. . وقد بحث عنه السيد سندا ودلالة بالتفصيل، فذكر بالتالي كلمات بعض الأعلام من أهل السنة في قدح هذا الحديث، بين مضعف له وبين قائل بأنه موضوع: 1 - كابن تيمية الحراني. 2 - وابن عبد الهادي. 3 - وعبد الرؤف المناوي.

ص 76

7 - النظر في أسانيد الأحاديث

 قد ذكرنا سابقا أنه يشترط في جواز الاستدلال بالخبر اعتبار سنده أولا وتمامية دلالته على المدعى ثانيا.. وعلى هذا الأساس فإن النظر في أسانيد الأحاديث التي يستدل بها الخصم يشكل جانبا مهما من ردود السيد المؤلف ومناقشاته للأدلة.. والخطوط الرئيسية لأسلوبه في النظر في الأسانيد هي: 1 - نقل الحديث بسنده - أو بطرقه إن كان له طرق متعددة - عن المصادر الأولية. 2 - النظر في حال من عليه مدار هذا الحديث في مختلف طرقه وأسانيده. 3 - النظر في حال من وقع في كلا الطريقين أو جميع الطرق. 4 - النظر في حال سائر رجاله على ضوء كلمات أئمة الجرح والتعديل من أهل السنة. 5 - التنبيه على ما في السند من خلل كالإرسال ونحوه. ثم إنه إن وجد الحديث مرويا عندهم بلفظ آخر مشابه للفظ المستدل به.. أتى به وأبطله بالنظر في سنده.. وإن لم يكن الخصم مستدلا به.. ولا يخفى على ذوي الفضل ما تنطوي عليه هذه البحوث من فوائد جليلة من علوم الحديث والرجال والتاريخ والدراية.. ولنذكر نموذجا واحدا لهذا الأسلوب: لقد عارض العاصمي حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها بما رووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة . فبحث السيد عن هذا الحديث بصورة تفصيلية جدا، فذكر أنه منسوب إلى عدة من الأصحاب.. فأورد نصوص الحديث عنهم واحدا

ص 77

واحدا وتكلم عليها.. ونحن نكتفي هنا بما ذكره حول حديث أنس بن مالك. فقد أورد حديثه عن الترمذي وابن ماجة قائلا: قال الترمذي: مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم. حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن داود العطار عن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله.. هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه. وقد رواه أبو قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه: حدثنا محمد ابن بشار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله.. وقال ابن ماجة: حدثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.. حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة، مثله . ثم قال: أولا: مدار الطرق الأربعة على أنس وعداؤه لأمير المؤمنين عليه السلام معلوم. وثانيا: مدار الطريق الثاني للترمذي وكلا طريقي ابن ماجة على أبي قلابة وهو مجروح جدا. وثالثا: في الطريق الثاني عند الترمذي وفي كلا الطريقين عند ابن ماجة خالد الحذاء . وقد جرحه شعبة، وابن علية، وحماد بن زيد، وسليمان التيمي، وأبو حاتم، وأبو جعفر العقيلي... ورابعا: في الطريق الثاني للترمذي والأول لابن ماجة عبد الوهاب ابن عبد المجيد الثقفي . فذكر كلمات القوم في قدحه.

ص 78

وخامسا: في الطريق الثاني للترمذي محمد بن بشار وهو مقدوح. وسادسا: في أول طريقي ابن ماجة: محمد بن المثنى العنزي قال يحيى بن معين: كذاب وقال أبو حاتم:: ذاهب الحديث . وسابعا: في ثاني طريقي ابن ماجة سفيان الثوري وهو مقدوح ومجروح. وثامنا: في ثاني طريقي ابن ماجة وكيع بن الجراح وقد جرحه أحمد وغيره. وتاسعا: في أول طريقي الترمذي: قتادة وله قوادح ومثالب عظيمة... وعاشرا: في أول طريقي الترمذي: داود بن عبد الرحمن العطار قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث وقال الأزدي: يتكلمون فيه . والحادي عشر: في أول طريقي الترمذي: سفيان بن وكيع قال البخاري: يتكلمون فيه وقال أبو زرعة: يتهم بالكذب وقال أبو حاتم لين وامتنع أبو داود من التحديث عنه، وقال الذهبي ضعيف . والثاني عشر: هذا الحديث مرسل. قال ابن حجر الحافظ في فتح الباري بشرح حديث: وإن لكل أمة أمينا.. : تنبيه - أورد الترمذي وابن حبان هذا الحديث من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء بهذا الاسناد مطولا. وأوله: ارحم أمتي.. وإسناده صحيح، إلا أن الحفاظ قالوا: إن الصواب في أوله الإرسال، والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. والله أعلم . وقال بشرح قول عمر: أقرؤنا أبي : كذا أخرجه موقوفا، وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعا في ذكر أبي. وفيه ذكر جماعة. وأوله: أرحم أمتي.. وصححه. لكن قال غيره: إن الصواب إرساله . وهكذا قال غيره من العلماء ذكرهم السيد.

ص 79

ثم أورد السيد رحمه الله نصوص عدة من علماء الحديث والدراية كابن الصلاح والنووي والسيوطي على أن المرسل حديث ضعيف لا يحتج به عند جماهير المحدثين . ثم إنه نبه على رواية العاصمي الحديث عن أبي قلابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله رأسا. وعلى أن بعضهم رواه - كما في المصابيح والمشكاة وفتح الباري - عن قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وآله رأسا. وهذان مرسلان بلا كلام.

 8  - النظر في شأن صدورها من أساليبه

 النظر في متون الأحاديث من حيث ظروف صدورها.. ولا يخفى على أهل الفضل ما في ذلك من الأثر البالغ في كشف الحقائق والوصول إلى الواقع.. ونحن نكتفي بمثالين من هذا القبيل.. لقد عارض الدهلوي حديث: إني تارك فيكم الثقلين.. بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله في فضل عبد الله بن مسعود: رضيت لكم ما رضي به ابن أم عبد . فمن نظر في هذا الحديث رآه مفيدا لرضى النبي صلى الله عليه وآله بما رضي به ابن مسعود على الإطلاق.. وبذلك ربما يمكن مقابلة حديث الثقلين به.. ولكن السيد رحمه الله رجع إلى متن الحديث فوجده مقرونا بما يخرجه عن الإطلاق ويسقطه عن الصلاحية للمعارضة المذكورة. فالحديث في مستدرك الحاكم بإسناده عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: اقرأ. قال: اقرأ وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمع من غيري. قال: فافتتح سورة النساء حتى بلغ: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) فاستعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكف عبد الله. فقال له رسول الله

ص 80

صلى الله عليه وسلم: تكلم، فحمد الله في أول كلامه وأثنى على الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد شهادة الحق وقال: رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد . ومن وجوه الجواب عن حديث أبي بردة: صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء. قال: فجلسنا، فخرج علينا فقال: ما زلتم ههنا؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: أحسنتم - أو: أصبتم - قال: فرفع رأسه إلى السماء - وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء - فقال: النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون . إن هذا الحديث محرف، ففي المستدرك: .. إنه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة - أو: ساعة - والناس ينتظرون في المسجد. فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة. فقال: إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها. ثم قال: أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن قبلكم من الأمم. ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم أمان لأهل السماء فإذا طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي فإذا قبضت أتى أصحابي ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون .

9 - النظر في متونها

ومنها: النظر في متون الأحاديث التي يروونها في فضل الأصحاب ويعارضون بها فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.. من حيث التأمل في

ص 81

سير من رويت في حقهم، وفي سير الآخرين من الصحابة معهم.. ونحن نشير إشارة سريعة إلى بعض تلك الأحاديث، وخلاصة البحوث المتعلقة بها من هذه الناحية: 1 - لقد عارض عبد العزيز الدهلوي حديث الثقلين بحديث: اهتدوا بهدى عمار . فذكر السيد رحمه الله إن عمارا من شيعة علي عليه السلام، وأنه قد تخلف عن بيعة أبي بكر.. هذا هدى عمار فلماذا لم يهتدوا بهداه؟ ثم إن عمر بن الخطاب قد أعرض عن هدى عمار، وعثمان اعتدى عليه، وعبد الرحمن بن عوف خالفه، وسعد بن أبي وقاص كان يبغضه، وطلحة والزبير ومن معهما خرجوا على علي وعمار معه، وعمرو بن العاص خرج لقتله، ومعاوية سر بمقتله.. 2 - وعارض الحديث المذكور بما رووه في حق ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد . فذكر السيد صنائع عثمان مع ابن مسعود. 3 - وعارضه بحديث: أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل كما عارض به العاصمي حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها . فذكر السيد رحمه الله ما كان من معاذ بن جبل من الجهل بأحكام الشرع المبين، والتصرف الباطل في أموال المسلمين.. 4 - وعارضه بحديث أصحابي كالنجوم.. . فذكر السيد في جوابه موارد كثيرة من جهل الصحابة بالقرآن والأحكام الشرعية، وارتكاب بعضهم المحرمات كالربا، وبيع الخمر، وبيع الأصنام، والكذب الصريح.. 5 - وعارضه أيضا بحديث إنما الشورى للمهاجرين والأنصار . فذكر السيد ما كان من أمير المؤمنين عليه السلام ومن تبعه وغيرهم من الأصحاب من الخلاف والاعتراض على خلافة الخلفاء الثلاثة، فهي كانت من غير مشورة من المهاجرين والأنصار.

ص 82

6 - وعارض العاصمي حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها بحديث أرحم - أو: أرأف - أمتي بأمتي أبو بكر فذكر السيد قضايا من سيرة أبي بكر تكذب ذلك بكل وضوح. 7 - وعارضه بحديث: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة . فذكر السيد قضايا من تاريخ أبي عبيدة تنافي الأمانة بكل صراحة. 8 - وعارض عبد العزيز الدهلوي الحديث المذكور بحديث: ما صب الله شيئا في صدري إلا وصببته في صدر أبي بكر فذكر السيد جهل أبي بكر بأبسط المعارف الإلهية والأمور الشرعية.. بل حتى بمفاهيم يعض الألفاظ القرآنية.. 9 - وعارضه بحديث: لو كان بعدي نبي لكان عمر . فذكر السيد في وجوه بطلانه أن المسبوق بالكفر لا يكون نبيا..

10 - النقض

 ومنها: النقض.. وقد كان رحمه الله ذا يد طولى في هذه الجهة كسائر جهات البحث.. وكتابه مشحون بأنواع النقوض القوية التي لا يمكن الجواب عنها.. فمما قال عبد العزيز الدهلوي في الجواب عن حديث الغدير: إنه لو كان النبي صلى الله عليه وآله أراد الإمامة والخلافة لجاء بلفظ صريح في الدلالة حتى لا يكون فيه خلاف ونزاع. فنقض عليه السيد رحمه الله بحديث: الأئمة من بعدي اثنا عشر . الذي حار القوم في معناه، وذكروا له وجوها عديدة.. حتى قال بعضهم بأن الأولى ترك الخوض في البحث عنه.. ذكر السيد كلماتهم حوله.. لأجل النقض.. ثم قال بأن التحقيق وضوح دلالة هذا الحديث على مذهب الإمامية، وإنما زعم القوم إجماله وأطنبوا في توجيهه حتى يصرفوه عن الدلالة على المعنى الظاهر فيه.

ص 83

واستدل بعضهم على خلافة أبي بكر بحديث خوخة أبي بكر .. قال: يدل على ذلك بمعونة القرائن. فنقض عليه بأن حديث .. من كنت مولاه فعلي مولاه.. أحرى بأن يكون دالا على الإمامة ولو بمعونة القرائن.. وأنكر ابن كثير معنى حديث أبي هريرة في فضل صوم يوم الغدير بأن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا؟ هذا باطل . فأبطل هذا الكلام بذكر فضل صيام أيام من السنة بأحاديث أهل السنة أنفسهم كيوم السابع والعشرين من رجب، وصوم أيام من شهر رجب، وصوم يوم عرفة.. وأنكر ابن روزبهان أن يكون أمير المؤمنين قد دعا على أنس بن مالك، والبراء بن عازب، وجرير بن عبد الله البجلي... الذين كتموا الشهادة بحديث الغدير قائلا: لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على صاحب رسول الله.. . فأبطله بذكر موارد من دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والصحابة... ولو أردنا أن نذكر نماذج أخر للنقض في الكتاب لطال بنا المقام، وفيما ذكرناه كفاية.

11 - المعارضة

 ومنها - المعارضة.. وهي من أمتن أساليبه في الجواب.. فقد عارض السخاوي حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها بما وضعوه على لسان أمير المؤمنين عليه السلام وأخرجه البخاري بسنده عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر.

ص 84

قال قلت: ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين . فأجاب عنه السيد مكذبا إياه بحديث أخرجه البخاري نفسه عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب في حديث طويل، أنه قال مخاطبا عليا والعباس: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة. فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر فكنت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق . فمن كان يرى أبا بكر وعمر كاذبين آثمين غادرين خائنين كيف يراهما خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟! وعارض المولوي عبد العزيز الدهلوي حديث مدينة العلم بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لو كان بعدي نبي لكان عمر . فأجاب السيد هذه المعارضة بوجوه كذب فيها الحديث المذكور، وكان من جملة الوجوه: إن هذا الحديث يدل على أفضلية عمر من أبي بكر، فهو معارض بما استدلوا به من الأخبار - وأجمعوا عليه - على أفضلية أبي بكر من عمر بن الخطاب فالحديث باطل، فالمعارضة ساقطة. وعارض عبد العزيز حديث: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.. بحديث: أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهديتم . فأبطل السيد هذا الحديث وأثبت وضعه في بحث طويل وفي وجوه كثيرة.. منها: - المعارضة بالأحاديث الواردة في ذم الأصحاب، المخرجة في الصحاح والمسانيد.. كحديث الذود عن الحوض ونحوه..

ص 85

12 - الالزام

 ومنها - إلزام القوم بما ألزموا به أنفسهم، فطالما يرد على دليل أو مناقشة للدهلوي أو غيره من أهل السنة بما التزم به من دليل أو حديث أو قاعدة.. وإن من أهم موارد الالزام موضوع الصحاح الستة والصحيحين منها بالخصوص.. ففي حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى عقد فصلا عنوانه قطعية أحاديث الصحيحين ذكر فيه أن ذلك مذهب ابن الصلاح، وأبي إسحاق الأسفرائيني، وأبي حامد الأسفرائيني، والقاضي أبي الطيب، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وأبي عبد الله الحميدي، وأبي نصر عبد الرحيم ابن عبد الخالق، والسرخسي الحنفي، والقاضي عبد الوهاب المالكي، وأبي يعلى الحنبلي، وابن الزاغوني الحنبلي، وابن فورك، ومحمد بن طاهر المقدسي، والبلقيني، وابن تيمية، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، وعبد الحق الدهلوي، وولي الله الدهلوي.. وغيرهم. بل عن بعضهم أنه وقف تجاه قبر رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فقلت: يا رسول الله كلما رواه البخاري عنك صحيح؟ فقال: صحيح. فقلت له: أرويه عنك يا رسول الله؟ قال: إروه عني . وعن بعضهم: أنه ذكر صحيح مسلم أيضا. وعن جماعة كالعسقلاني والنووي وابن حجر المكي الإجماع على أن صحيحيهما أصح الكتب بعد القرآن.. ومع ذلك قدح الآمدي، ومحمود بن عبد الرحمن الاصفهاني، وابن حجر المكي، وإسحاق الهروي.. في حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى المخرج في الصحيحين... وقدح البخاري، وابن الجوزي، وابن تيمية. في حديث: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.. المخرج في صحيح مسلم.

ص 86

وأبطل السهارنفوري وعبد العزيز الدهلوي حديث هجر فاطمة الزهراء عليها السلام أبا بكر... وهو في باب فرض الخمس وغيره - من صحيح البخاري.. الذي جاء فيه: فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت.. ... وأخرجه مسلم في باب حكم الفئ من كتاب الجهاد. وأبطل المولوي حيدر علي الفيض آبادي حديث: إيتوني بكتف ودواة.. المخرج في سبعة مواضع من البخاري، وبثلاثة طرق عند مسلم ابن الحجاج.. فقدح هؤلاء في هذه الأحاديث.. مردود بما نص عليه أئمتهم من قطعية صدور الصحيحين.. وإنهما أصح الكتب بعد القرآن.. والاجماع على صحة ما روي فيهما.. هذا الرد عليهم هو من باب الالزام. ومن ذلك إلزامهم بما يروونه في حق بعض الأشخاص من علمائهم وعرفائهم أو في شأن بعض كتبهم في الحديث أو غيره.. من الكرامات.. فقد ذكروا في فضل عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي تزول قلنسوة من السماء إليه.. وفي حق الثعلبي قال القشيري: رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب: أقبل الرجل الصالح. فالتفت فإذا الثعلبي مقبل. وهكذا غير ما ذكرنا من الكرامات.. التي لا يجوز الاعتقاد بها قطعا، إلا أن التمسك بها جائز لإلزام الخصم بها في البحوث العلمية.. وهذا باب واسع نكتفي منه بهذا المقدار.

ص 87

الباب الرابع بحوث وتحقيقات في كتاب العبقات

 ومن يدرس كتاب عبقات الأنوار يجد فيه إلى جانب إثبات إمامة الأئمة الأطهار والرد على إشكالات المخالفين على أدلة الإمامية في باب الإمامة.. بحوثا وتحقيقات علمية قيمة، بحيث لو أخرج كل واحد منها لكان كتابا لطيفا في موضوعه. في هذا الكتاب بحوث علمية من أصول العقائد، والتفسير، والحديث، والدراية، والتاريخ، والرجال، والأدب.. يتطرق إلى كل بحث منها لمناسبة يقتضيها المقام حيث يريد المؤلف رحمه الله إتمام الكلام على المسألة الخلافية من شتى جوانبها.. ونحن نذكر هنا طرفا من هذه البحوث تحت عناوين وضعناها لها، معترفين بعدم وفاء مذكراتنا لجميع بحوث الكتاب، آملين التوفيق لا تمامها في فرصة أخرى بإذن الله تعالى.

 1 - أحاديث موضوعة

 لقد وردت في حق علي عليه السلام أحاديث لا تعد ولا تحصى عن رسول الله صلى الله عليه وآله.. تناقلتها الصحابة والتابعون، وأثبتها الأئمة والحفاظ في أسفارهم ومعاجمهم، موثقين رجالها، مصححين طرقها، فأما ما لم يصل إلينا من تلك الأحاديث.. فالله أعلم بها وبعددها. ولما رأى المخالفون لأمير المؤمنين عليه السلام تلك الأحاديث وكثرتها عددا ووضوحها في الدلالة على إمامته.. عمدوا إلى التصرف فيها وتحريفها زيادة أو نقيصة، وإلى وضع فضائل لأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وغيرهم من الصحابة، والصحابة بصورة عامة.. وقد راج سوق هذا الوضع والتزوير - كما يحدثنا التاريخ - في زمن معاوية، وشاعت هذه الأحاديث وانتشرت، ووصفها بعض علماء السنة

ص 88

بالصحة عمدا أو جهلا.. ومع ذلك لم تخف حقيقة الحال على ذوي العلم والبصيرة، بل لقد نص عليها وصرح بها بعض المتعصبين من علماء الحديث كابن الجوزي في كتاب الموضوعات.. وأورد ابن أبي الحديد بعض الأحاديث التي وضعتها البكرية في مقابلة أحاديث من فضائل أمير المؤمنين... وجاء علماء الكلام وأصحاب الكتب في الإمامة منهم، فعارضوا بهذه الموضوعات الأحاديث الصحاح في فضل علي عليه السلام.. الأمر الذي استدعى البحث عن تلك المفتريات والكشف عن حالها بالنظر في أسانيدها ومداليلها على ضوء آراء علماء الجرح والتعديل من أهل السنة في كتاب عبقات الأنوار .. وكان من جملة هذه الأحاديث المحرفة أو الموضوعة رأسا في مقابل فضيلة من الفضائل:

 1 - لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن الله اتخذ صاحبكم خليلا. 2 - سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر. 3 - ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر. 4 - لو كان بعدي نبي لكان عمر. 5 - لو لم أبعث فيكم لبعث عمر. 6 - ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر. 7 - ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر ابن الخطاب. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم. 8 - أبو سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك. وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين.

ص 89

9 - أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى. 10 - اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. 11 - خلقني الله من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، فخلق أمتي من نور عمر، وعمر سراج أهل الجنة. 12 - عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: عمر. فعد رجالا. فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم. 13 - خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء. 14 - عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. 15 - أرحم - أو: أرأف - أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياءا عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح. 16 - من أحب أن ينظر إلى إبراهيم في خلته فلينظر إلى أبي بكر في سماحته ومن أحب أن ينظر إلى نوح في شدته فلينظر إلى عمر بن الخطاب في شجاعته ومن أحب أن ينظر إلى إدريس في رفعته فلينظر إلى عثمان في رحمته، ومن أحب أن ينظر إلى يحيى بن زكريا في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب في طهارته. 17 - أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها وعلي بابها. 18 - أنا مدينة العلم وعلي بابها وأبو بكر وعمر وعثمان حيطانها وأركانها. 19 - أنا مدينة العلم وأساسها أبو بكر وجدرانها عمر وسقفها عثمان وبابها علي.

ص 90

20 - أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية حلقتها. 21 - أنا مدينة العلم وعلي بابها وأبو بكر محرابها. 22 - أنا مدينة الصدق وأبو بكر بابها، وأنا مدينة العدل وعمر بابها، وأنا مدينة الحياء وعثمان بابها، وأنا مدينة العلم وعلي بابها. 23 - لا تقولوا في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلا خيرا. 24 - أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم. 25 - ابن عمر: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي لا نفاضل بينهم. 26 - محمد بن الحنفية: قلت لأبي أي الناس خير بعد النبي؟ قال: أبو بكر. قال قلت: ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.

 2 - عدالة الصحابة

ومن البحوث المهمة ذات الأثر الكبير في جميع المسائل الإسلامية مسألة عدالة الصحابة أجمعين فعن بعض الفرق القول بكفر الصحابة جميعا. والمشهور بين أهل السنة هو القول بأن الصحابة كلهم عدول ثقات. وقد نسب هذا القول إلى أكثرهم. والحق أن الصحبة لا توجب العصمة لأحد. والصحابة فيهم العدول وغير العدول، وبهذا صرح جمع من أعلام أهل السنة كالتفتازاني والمارزي وابن العماد والشوكاني، وتبعهم: الشيخ محمد عبدة وبعض تلامذته وآخرون من الكتاب والعلماء المعاصرين. وقد توفر كتاب عبقات الأنوار على جوانب من سير مشاهير الأصحاب ومشايخهم.. لا يظن بقاء أحد على القول بعدالة الصحابة أجمعين بعد مراجعتها.!

ص 91

3 - الحسن والقبح العقليان

ومن المباحث المهمة في علم الكلام بحث الحسن والقبح العقليين، الذي يثبته العدلية وينكره الأشاعرة، ويترتب عليه آثار جليلة وكثيرة، وتعرض السيد لهذا البحث في قسم حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى . والذي يهمنا إيراده هنا ما ذكره من أن جمعا كثيرا وجما غفيرا من أكابر نحارير أهل السنة يثبتون الحسن والقبح العقليين. فذكر كلمات القوم وحاصلها أن القول بثبوت الحسن والقبح العقليين مذهب: 1 - أبي بكر القفال الشاشي. 2 - أبي بكر الصيرفي. 3 - أبي بكر الفارسي. 4 - القاضي أبي حامد. 5 - الحليمي. 6 - علاء الدين السمرقندي صاحب (ميزان الأصول في نتائج العقول). 7 - عبد العزيز البخاري صاحب (كشف الأسرار - شرح أصول البزودي). 8 - أبي المظفر السمعاني صاحب (القواطع في أصول الفقه). 9 - أبي شكور الكشي صاحب (التمهيد). 10 - أبي حامد الغزالي في (اقتصاد الاعتقاد). 11 - عبيد الله بن مسعود صاحب (التوضيح في حل غوامض التنقيح). 12 - نظام الدين الشاشي صاحب (كتاب الخمسين في أصول الحنفية). 13 - الملا علي القاري في (شرح الفقه الأكبر). 14 - ابن قيم الجوزية في (زاد المعاد). 15 - كمال الدين السهالي في (العروة الوثقى).

ص 92

16 - صالح بن مهدي المقبلي في (ملحقات الأبحاث المسددة) وفي (العلم الشامخ). وقد نسب هذا القول إلى كثير من أصحاب أبي حنيفة وعلى الخصوص العراقيين منهم. وذكر القاري عن الحاكم الشهيد في المنتقى أنه قال أبو حنيفة لا عذر لأحد في الجهل بخالقه لما يرى من خلق السماوات والأرض وخلق نفسه وغيره. وفي المسايرة لابن الهمام الحنفي: قالت الحنفية قاطبة بثبوت الحسن والقبح على الوجه الذي قالته المعتزلة. وفيه عن بعض أكابر الأشاعرة أنه لا يتم استحالة النقص على الله إلا على رأي المعتزلة. وفيه عن أبي منصور الماتريدي وعامة مشايخ سمرقند: من مات ولم يؤمن ولم تبلغه دعوة رسول يخلد في النار.

 4 - موقف أهل السنة من أئمة أهل البيت

 وقد يدعي بعض المؤلفين من أهل السنة - كعبد العزيز الدهلوي - أنهم هم المتبعون لأهل البيت - عليهم السلام - الراكبون لسفينتهم والمقتدون بهم يقولون هذا إزراءا بالشيعة وطعنا في دينهم... وهذا ما دعا السيد رحمه الله إلى إيراد طرف من كلماتهم الشائنة لأئمة أهل البيت عليهم السلام كشفا عن الحقيقة، ولكي يعلن للملأ العلمي أن كل ما يحاوله أهل السنة هو الرد على الشيعة ومعتقداتهم سواء كان بمدح أهل البيت ودعوى محبتهم والانقياد لهم، أو كان بالطعن فيهم وتكذيبهم والحط عليهم والعياذ بالله. فتلك كلمات ولي الله الدهلوي في أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه (إزالة الخفاء عن سيرة الخلفاء) و(قرة العينين في فضائل الشيخين). وكلمات ابن تيمية فيه وفي بعض أئمة أهل البيت في (منهاج السنة). وكلمات ابن العربي وابن خلدون في سيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام.

ص 93

وكلمات عبد القادر الجيلاني في أنه ينبغي أن يتخذ يوم عاشوراء يوم فرح وسرور لا يوم مصيبة وحزن.. وقول بعضهم في حق الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في نفسي منه شيء . وقول بعضهم في حق الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: يروي عن أبيه، عجائب، يهم ويخطئ .

 5 - حول الصحيحين

 لقد حف القوم الصحيحين بكل قداسة، ووضعوهما في هالة من النور والعظمة، ووضعوا لهما الكرامات الباهرة... إنهما كتابان ألفهما محدثان من المحدثين شرطا فيهما على أنفسهما شروطا خاصة.. ومن حق الباحث أن يبحث عن تلك الشروط، وأن يسأل عن توفر ما اشترطاه في كل واحد واحد من أحاديث الكتابين... ثم إن البخاري ومسلما بشران كسائر أفراد البشر يعرضهما الخطأ والسهو والنسيان، وهل الالتزام بما اشترطاه على أنفسهما قد أوجب لهما العصمة عن الخطأ والنسيان، وبلغ بكتابيهما إلى حد القرآن؟ وإذا كان لما اشترطاه هذا الأثر فلماذا لا يعتقدون هذا الاعتقاد فيما ألف على شرطهما كالمستدرك وغيره؟ هذه - وغيرها - أمور جديرة بالبحث والتحقيق، ولا يجوز لنا أن نمر عليها مر الجهلة والمتعصبين، الذين ينزلون الكتابين منزلة الوحي المبين...

 ليس كل ما في الكتابين بصحيح

 لقد انتهى بنا البحث وأرشدتنا الأدلة إلى أنه ليس كل ما روي في

الكتابين بصحيح، وأهم تلك الأدلة هي الوجوه التالية: 1 - طعن أكابر الأئمة المعاصرين للبخاري ومسلم في الكتابين

ص 94

ومؤلفيهما وتركهم لحديثهما والمنع من مجالستهما.. كما لا يخفى على من راجع تراجم الرجلين في (سير أعلام النبلاء) وغيره. 2 - قدح علماء الجرح والتعديل في كثير من رجالهما.. كما لا يخفى على من راجع (هدى الساري في مقدمة فتح الباري) وغيره. 3 - آراء كبار العلماء في الرجلين وكتابيهما، الصريحة في وجود الأحاديث الباطلة فيهما، وأن الذي حمل القوم على القول بصحة كل ما أخرجاه هو التعصب.. وتجد نصوص عبارات بعض هؤلاء العلماء في قسم حديث الغدير من كتاب (عبقات الأنوار). 4 - وجود الأحاديث الكثيرة المقدوحة سندا ودلالة من قبل أساطين المحققين من أهل السنة كالإسماعيلي، ومغلطاي، وابن حزم، وابن الجوزي، والدمياطي والغزالي، وإمام الحرمين، وابن عبد البر، والنووي، وابن حجر، والكرماني والداودي، والحميدي، وابن القيم.. وغيرهم.. في هذين الكتابين، وتجد نصوص طائفة من هذه الأحاديث وكلمات هؤلاء الأعلام في قسم حديث الغدير من كتاب (عبقات الأنوار).

 ليس كل ما ليس في الكتابين بغير صحيح

 ثم ما الدليل على أن كل ما لم يخرجاه فليس بصحيح، حتى إذا أرادوا رد حديث أو الطعن فيه قالوا: ليس في أحد الصحيحين؟! قال النووي: لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله . وقال القاضي الكتاني: لم يستوعبا كل الصحيح في كتابيهما . وقال العلقمي: ليس بلازم في صحة الحديث كونه في الصحيحين ولا في أحدهما . وقال ابن القيم: هل قال البخاري قط: إن كل حديث لم أدخله في

ص 95

كتابي فهو باطل، أو ليس بحجة، أو ضعيف؟ وكم قد احتج البخاري بأحاديث خارج الصحيح وليس لها ذكر في صحيحه؟ وكم صحح من حديث خارج عن صحيحه؟ .

 تعصب المؤلفين في الإمامة والمناقب

 ومما ذكرنا يظهر تعصب بعض المؤلفين في الإمامة والكلام، وأصحاب الكتب في الفضائل والمناقب.. كالفخر الرازي حيث يطعن في سند حديث الغدير من جهة عدم إخراج البخاري ومسلم إياه، وكابن تيمية يرد على حديث ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة قائلا بأنه ليس في الصحيحين وكالبدايوني الهندي القائل في جواب جملة كرار غير فرار من حديث سأعطي الراية غدا رجلا.. بأنها غير مذكورة في الصحيحين . ومنهم من يطعن في بعض الأحاديث المخرجة فيهما أو في أحدهما غير مكترث بالذين ذهبوا إلى قطعية صدور جميع أحاديثهما، ذكرهم السيد في قسم حديث المنزلة وابن تيمية وابن الجوزي الذين قدحوا في حديث: إني تارك فيكم الثقلين.. وهو في صحيح مسلم؟! وكالآمدي ومن لف لفه الذين أبطلوا حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى وهو في الصحيحين! وكالدهلوي الذي أبطل حديث هجر الزهراء عليها السلام أبا بكر حتى توفيت.. وهو في الصحيحين! وفي هذا القدر كفاية لمن طلب الرشاد والهداية.

 6 - تحقيق حال رجال

 وفي كتاب عبقات الأنوار ترجمة المئات من الأعلام من الصحابة والتابعين والرواة وكبار العلماء والمؤلفين في مختلف العلوم والفنون.. ذكر السيد تراجمهم لأغراض مختلفة أهمها إثبات ثقتهم والاعتماد عليهم..

ص 96

أو جرحهم وإسقاطهم عن درجة الاعتبار.. فهو يعطيك قائمة بأسماء الثقات وقوائم بأسماء الوضاعين، والضعفاء، والمدلسين، ومن تكلم فيهم من الرواة والمحدثين. وقد يستدعي الأمر التوسع في بيان حال الرجل توثيقا أو تجريحا، ومن هنا فقد حقق حال رجال تحقيقا شاملا يتوفر على فوائد تاريخية ورجالية لا تخفى قيمتها على ذوي الفضل وأهل التحقيق، ولنذكر هنا بعض الأمثلة على ذلك.

 أ - تحقيق حال عباد بن يعقوب الرواجني

 لقد أثبت وثاقة عباد بن يعقوب الرواجني بعشرة وجوه: 1 - كونه من مشايخ البخاري. 2 - كونه من مشايخ الترمذي. 3 - كونه من مشايخ ابن ماجة. 4 - رواية كبار الأئمة كأبي حاتم والبزار وابن خزيمة عنه. 5 - توثيق أبي حاتم الرازي. 6 - توثيق ابن خزيمة النيسابوري. 7 - قول الدار قطني: صدوق. 8 - قول بعض أعلامهم: لولا رجلان من الشيعة ما صح لهم حديث: عباد بن يعقوب وإبراهيم بن محمد بن ميمون. 9 - قول الحافظ ابن حجر: بالغ ابن حبان فقال: يستحق الترك . 10 - قول الحافظ ابن حجر: رافضي مشهور إلا أنه كان صدوقا . وقد ظهر أنه لا ذنب للرواجني إلا التشيع و أنه يشتم السلف كعثمان وطلحة والزبير كما في تهذيب التهذيب وغيره. ولعل الذي جعله يستحق الترك ما رواه من أن أبا بكر أمر خالد بن الوليد أن يقتل عليا،

ص 97

ثم ندم فنهاه عن ذلك.. رواه السمعاني في الأنساب .

 ب - تحقيق حال ابن عقدة

 وصنف أبو العباس ابن عقدة كتابا بطرق حديث: من كنت مولاه فهذا علي مولاه رواه فيه من مائة وخمس طرق ثم ذكر ثمانية وعشرين رجلا من الصحابة لم يذكر أسمائهم. قال السيد بن طاووس: والكتاب عندي الآن وقد ذكر هذا الكتاب لابن عقدة جماعة من حفاظ وأعلام أهل السنة كابن حجر وابن تيمية والسمهودي والمناوي وغيرهم. وقد طعن عبد العزيز الدهلوي تبعا لنصر الله الكابلي في أبي العباس ابن عقدة، قال الكابلي فيما زعمه من مكائد الإمامية: التاسع والتسعون: نقل ما يؤيد مذهبهم عن كتاب رجل يتخيل أنه من أهل السنة وليس منهم، كابن عقدة كان جاروديا رافضيا، فإنه ربما ينخدع منه كل ذي رأي غبين، ويميل إلى مذهبهم أو تلعب به الشكوك . وقد أثبت السيد صاحب العبقات وثاقة ابن عقدة وجلالته عن الدار قطني وأبي علي الحافظ وحمزة السهمي والسمعاني والسيوطي وسبط ابن الجوزي والفتني والبدخشاني... وإنه قد روى عنه الأكابر من الحفاظ كالطبراني والدار قطني وأبي نعيم وابن عدي، وكان الدار قطني يقول: أجمع أهل الكوفة على أنه لم ير من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن أبي العباس ابن عقدة أحفظ منه. وعده السبكي في طبقاته من حفاظ هذه الشريعة، ونقل السيوطي آراءه في تدريب الراوي وابن الجوزي في معرفة الصحابة، والذهبي في الجرح والتعديل. فظهر أنه لا ذنب لابن عقدة إلا ما ذكره السيوطي بقوله: وعنده تشيع وإنه - كما قال سبط ابن الجوزي -: كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها، ولا يتعرض للصحابة بمدح ولا بذم فنسبوه إلى الرفض . ومن قال الفتني: وما ضعفه إلا عصري متعصب .

ص 98

ج - تحقيق حال الأجلح بن عبد الله

 وطعن الدهلوي في سند حديث الولاية: إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن من بعدي قائلا: في أسناده الأجلح وهو شيعي متهم في حديثه . فأجاب السيد عنه بثلاثين وجه منها: توثيق يحيى بن معين، والعجلي، ويعقوب بن سفيان، ومدح أحمد، وقول الفلاس وابن عدي: مستقيم الحديث صدوق وتصحيح الحاكم حديثا هو في طريقه، وفي التقريب: صدوق شيعي . وهو من رجال أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. فظهر أنه لا ذنب له إلا التشيع .

 د - تحقيق حال سبط ابن الجوزي

وتعرض السيد لحال سبط ابن الجوزي فأشبع الموضوع بحثا وتحقيقا، وذلك لأنه اعتمد عليه في نقل رواية أحمد بن حنبل لحديث النور: خلقت أنا وعلي من نور واحد فكان من الضروري بيان ثقته والاعتماد عليه. فذكر مدح أبي المؤيد الخوارزمي وابن خلكان وقطب الدين البعلبكي وأبي الفداء وابن الوردي والذهبي والداودي واليافعي والقاري وغيرهم وتعظيمهم إياه.. وقد وصفه الخوارزمي في (جامع مسانيد أبي حنيفة) ب‍ الإمام الحافظ وقال هؤلاء كلهم بأنه كان له القبول التام عند الخاص والعام . واعتمد على تاريخه (مرآة الزمان) من تأخر عنه من المؤرخين كابن خلكان والصفدي، والحلبي في سيرته، كما اعتمد عليه جماعة من علماء الكلام كالكابلي في (صواقعه) والدهلوي في (تحفته). نعم طعن فيه وفي تاريخه الذهبي في (ميزان الاعتدال) فقال: يأتي بمناكير الحكايات وما أظنه بثقة، بل يحيف ويجازف ثم إنه يترفض .

ص 99

وقد أجابوا عن ذلك.. ففي (كشف الظنون): قال في الذيل: هذا من الحسد، فإنه في غاية التحرير، ومن أرخ بعده فقد تطفل عليه، لا سيما الذهبي والصفدي، فإن نقولهما منه في تاريخهما . فظهر أنه لا ذنب له إلا الترفض وسببه تأليف كتاب تذكرة الخواص من الأمة في ذكر مناقب الأئمة .

ه‍ - تحقيق حال الجاحظ

 وتمسك الفخر الرازي بصدد الطعن في حديث الغدير بعدم نقل الجاحظ إياه. فانبرى السيد للجواب عنه في وجوه: الأول: إنه من النواصب، كما نص عليه (الدهلوي)، وصاحب كتاب المروانية كما نص عليه ابن تيمية. والثاني: إن له أباطيل وأضاليل حول مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وفضائله لم يرتضها حتى بعض أهل نحلته كالإسكافي. والثالث: قول الحافظ الخطابي: الجاحظ ملحد. والرابع: قول ثعلب: ليس ثقة ولا مأمونا. والخامس: قول الذهبي في الميزان: كان من أئمة البدع. وفي (سير أعلام النبلاء): كان ماجنا قليل الدين قال: يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق وقد أورده في (المغني في الضعفاء). والسادس: قول الخطيب: كان لا يصلي. والسابع: ما ذكره أبو الفرج الاصبهاني من إنه كان يرمى بالزندقة وأنشد في ذلك أشعارا. والثامن: قول ابن حزم: كان أحد المجان الضلال. والتاسع: قول الأزهري: إن أهل العلم ذموه وعن الصدق دفعوه . والعاشر: قول ثعلب: كان كذابا على الله وعلى رسوله

ص 100

وعلى الناس . فهل يليق بالرازي الاستدلال بعدم رواية الجاحظ لحديث الغدير؟!

7 - تحقيق حال كتب

 ومن الفوائد في كتاب عبقات الأنوار معرفة الكتب والفنون، فهو يعطيك أسامي آلاف الكتب في مختلف العلوم والفنون مع أسماء مؤلفيها.. بحيث لو جمعت لشكلت كتابا مفردا في هذا الفن يقع في مجلدات عديدة. ومن هذه الكتب ما ينقل عنها في بحوثه، وهي أهم الكتب وأشهرها في كل فن.. وقد ذكرنا سابقا أسلوبه في النقل والاستدلال. وربما تعرض لحال بعض تلك الكتب فأثبت نسبتها إلى أصحابها، أو أكد اعتبار ما جاء فيها أو بالعكس.. وإليك نماذج من تحقيقاته في هذا المجال:

 1 - تحقيق حول مسند أحمد

 لقد وقع الخلاف بين علماء أهل السنة - حتى الحنابلة منهم - حول أحاديث مسند أحمد بن حنبل، فقال جماعة بأن ما أودعه أحمد مسنده قد: احتاط فيه اسنادا ومتنا ولم يورد فيه إلا ما صح سنده عنده، فأمر بالرجوع إليه وجعله أصلا يعرف به الصحيح والسقيم، وما ليس فيه فلا أصل له، وأنكر آخرون أن يكون المسند بهذه المثابة عند أحمد. وقد بحث السيد رحمه الله هذا الموضوع مؤيدا القول الأول ومحققا إياه أحسن تحقيق. فحديث الثقلين: إني تارك فيكم الثقلين.. الذي أخرجه في المسند بطرق عديدة صحيح عنده، فبطل قول البخاري: قال أحمد في حديث عبد الملك عن عطية عن أبي سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم الثقلين. أحاديث الكوفيين هذه مناكير .

ص 101

2 - تحقيق حول الموضوعات لابن الجوزي

 وألف الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي كتاب الموضوعات.. ولكن كم من حديث صحيح أو غير موضوع أدرجه في هذا الكتاب. وهذا ما نص عليه جماعة كبيرة من الأكابر.. قال ابن الصلاح: ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه، وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة . وقال ابن جماعة الكناني: وصنف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتابه في الموضوعات فذكر كثيرا من الضعيف الذي لا دليل على وضعه . وقال الطيبي: وقد صنف ابن الجوزي في الموضوعات مجلدات قال ابن الصلاح: أودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه.. . وقال ابن كثير: أدخل فيه ما ليس منه، وأخرج عنه ما كان يلزمه ذكره فسقط عليه ولم يهتد إليه . وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بعد إثبات حديث سدوا الأبواب إلا باب علي: وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات.. وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا، فإنه سلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة.. . وقال في القول المسدد بعد الحديث المذكور: قول ابن الجوزي في هذا الحديث: إنه باطل وإنه موضوع. دعوى لم يستدل عليها إلا بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين. وهذا إقدام على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم.. . وقال السخاوي: ربما أدرج فيها الحسن والصحيح مما هو في أحد الصحيحين فضلا عن غيرهما.. ولذا انتقد العلماء صنيعه.. . وقال السيوطي:.. أكثر من إخراج الضعيف الذي لم ينحط إلى رتبة الوضع، بل ومن الحسن ومن الصحيح.. .

ص 102

وقال محمد بن يوسف الشامي: قد نص ابن الصلاح في علوم الحديث وسائر من تبعه على أن ابن الجوزي تسامح في كتابه الموضوعات.. .

3 - كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة

 أثبت السيد رحمه الله صحة نسبة كتاب (الإمامة والسياسة) إلى (ابن قتيبة) بنقل جماعة من مشاهير القوم عن الكتاب المذكور قائلين: وفي الإمامة والسياسة لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة. أو: قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة، ومنهم: عمر بن فهد المكي في كتاب إتحاف الورى بأخبار أم القرى. وعز الدين عبد العزيز بن عمر بن فهد المكي في غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام. وتقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفارسي في العقد الثمين في أخبار البلد الأمين. وأبو الحجاج يوسف بن محمد البلوى في كتاب ألف باء. ومحمد محبوب العالم في تفسيره المشهور بتفسير شاهي، الذي اعتمد عليه صاحب التحفة ومن تبعه.

 4 - كتاب سر العالمين للغزالي

ونقل السيد في قسم حديث الغدير كلاما لأبي حامد الغزالي في الحديث المذكور عن كتابه (سر العالمين). ثم أورد نص الكلام عن كتاب (تذكرة الخواص الأمة) لسبط ابن الجوزي حيث نقله عن سر العالمين للغزالي.. وبذلك أثبت كون الكتاب للغزالي وأن الكلام المذكور هو للغزالي في سر العالمين. ثم أضاف إلى ذلك ما جاء في (ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي)

ص 103

بترجمة الحسن بن الصباح، حيث قال: قال أبو حامد الغزالي في كتاب سر العالمين: شاهدت قصة الحسن بن الصباح.. . فيكون الكتاب المذكور لأبي حامد الغزالي قطعا.

 8 - تحقيق حول انتشار العلوم في البلاد الإسلامية

 لقد زعم ابن تيمية في كلام له في القدح في حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها أن العلوم انتشرت في البلاد الإسلامية من غير علي عليه السلام.. قال: فإن جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير علي، أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهم ظاهر، وكذلك الشام والبصرة، فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن علي إلا شيئا قليلا، وإنما كان غالب علمه في الكوفة. ومع هذا فأهل الكوفة كانوا تعلموا القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان فضلا عن علي وفقهاء أهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر. وتعليم معاذ بن جبل لأهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من علي، ولهذا روى أهل اليمن عن معاذ بن جبل أكثر مما رووا عن علي. وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل ولما قدم علي الكوفة كان شريح فيها قاضيا، وهو وعبيدة السلماني تفقها على غيره. فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن يقدم علي الكوفة . فانبرى السيد للرد على هذه الدعوى محققا لهذا الموضوع تحقيقا شاملا ومثبتا لانتشار علوم الإسلام في البلاد الإسلامية بواسطة باب مدينة العلم وأمير المؤمنين علي عليه السلام، فقال في الجواب ما ملخصه: أما المدينة المنورة فقد قضى فيها الإمام الشطر الأعظم من حياته المباركة وعمره الشريف، وقد كان فيها المرجع الوحيد لكبار الصحابة في المسائل والمعضلات.. وهذه حقيقة اعترف بها أعلام الحفاظ.. قال النووي: وسؤال كبار الصحابة له ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور .

ص 104

وأما مكة المكرمة فقد عاش فيها الإمام منذ ولادته حتى الهجرة، وسافر إليها بعد الاستيطان بالمدينة مرات عديدة، ولا ريب في أخذ أهل مكة العلم منه في خلال هذه المدة. على أن تلميذه الخاص - وهو عبد الله بن العباس - كان بمكة مدة مدية ينشر العلم، ويفسر القرآن، ويعلم المناسك، ويدرس الفقه: قال الذهبي بترجمته من (تذكرة الحفاظ): الأعمش عن أبي وائل قال: استعمل علي ابن عباس على الحج فخطب يومئذ خطبة لو سمعها الترك والروم لا سلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور فجعل يفسرها . وفي (طبقات ابن سعد) عن عائشة: إنها نظرت إلى ابن عباس ومعه الخلق ليالي الحج وهو يسأل عن المناسك. فقالت: هو أعلم من بقي بالمناسك . وفي (الاستيعاب) ب.

ترجمته


روينا إن عبد الله بن صفوان مر يوما بدار عبد الله بن عباس بمكة فرأى فيها جماعة من طالبي الفقه.. . وقد اعترف ابن تيمية نفسه بهذه الحقيقة.. ففي (الاتقان للسيوطي): قال ابن تيمية: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم . وأما الشام: فقد انتشر العلم فيه عن أبي الدرداء، وهو تلميذ عبد الله بن مسعود، وابن مسعود من تلامذة الإمام، فانتهى إليه عليه السلام علم أهل الشام.. روى الحافظ محب الدين الطبري في (الرياض النضرة): عن أبي الزعراء عن عبد الله قال: علماء الأرض ثلاثة: عالم بالشام وعالم بالحجاز وعالم بالعراق فأما عالم أهل الشام فهو أبو الدرداء، وأما عالم أهل الحجاز فعلي بن أبي طالب، وأما عالم أهل العراق فأخ لكم. وعالم أهل الشام وعالم أهل العراق يحتاجان إلى عالم أهل الحجاز، وعالم أهل الحجاز لا يحتاج إليهما. أخرجه الحضرمي .

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار  الجزء الأول

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب